علماء يحاكون أنظمة إضاءة استخدمها البشر الأوائل في الكهوف
أجرى العلماء تجربة على مصباح حجري لمحاكاة الإضاءة التي استخدمها العصر الحجري القديم في الكهوف (بلوس وان)
في عملية محاكاة، أعاد عدد من العلماء إنشاء الأنواع الثلاثة الشائعة من أنظمة الإضاءة، ألا وهي المشاعل، ومصابيح الشحوم، والمدافئ، التي استخدمها البشر في العصر الحجري القديم لإنارة كهوفهم، في تقدم علمي يستجلي السبل التي اعتمدها هؤلاء في تنقلاتهم داخل أعماق تلك التجويفات الطبيعية، وطريقة عيشهم فيها، وابتكارهم الفنون على جدرانها.
وفق علماء الآثار، من بينهم ماريا أنجليس مذينة ألكايدي من "جامعة كانتابريا" في إسبانيا، كان لكل من أنظمة الإضاءة المختلفة المذكورة آنفاً ميزات متنوعة، وشكل استخدامها وسيلة أساسية في توسعة نطاق السلوكين الاجتماعي والاقتصادي لدى شعوب عصور ما قبل التاريخ منذ مئات الآلاف من السنين.
في الدراسة، التي نُشرت في مجلة "بلوس وان" PLOS ONE، درس العلماء أدلة أثرية على وجود وسائل إضاءة من قبيل بقايا وقد نيران داخل عدد من كهوف العصر الحجري القديم التي تشتمل على فن الكهوف من نقوش ورسومات، في جنوب غربي أوروبا.
بناءً على النتائج، أنشأ العلماء نسخاً تحاكي أنظمة الإضاءة التي استعان بها على الأرجح سكان الكهوف الأصليون في كهف "إسونتزا 1" Isuntza 1، في منطقة الباسك بإسبانيا.
"تستند التجارب إلى مراجعة شاملة للمعلومات الأثرية حول هذا الموضوع،" وفق ما كتب العلماء في الدراسة.
تضمنت نماذج الإضاءة التي أنشأها العلماء في محاكاة لأنظمة الإضاءة تلك الغابرة في القدم، خمسة مشاعل خشبية، مصنوعة بنسب متفاوتة من صمغ راتنج أشجار اللبلاب والعرعر والبلوط والبتولا والصنوبر، ومصباحين حجريين يعملان بالدهون الحيوانية (نخاع عظم مأخوذ من البقر والغزلان)، وموقد صغير يشتغل بواسطة خشب البلوط والعرعر المشتعلة.
وجد علماء الآثار أن المشاعل الخشبية المصنوعة من عصي متعددة عملت بشكل أفضل في ما يتصل باستكشاف الكهوف أو عبور مساحاتها الواسعة، إذ إنها عكست الضوء في مختلف الاتجاهات، ووصل حتى ستة أمتار تقريباً في التجارب، علاوة على أن حملها من مكان إلى آخر كان سهلاً.
وفق العلماء، لم تؤدِ المشاعل الخشبية أيضاً إلى "تشوش البصر لدى حامل الشعلة" على الرغم من أن شدة الضوء الناجمة عنها كانت أعلى بخمسة أضعاف مقارنة بضوء وفره مصباح مزدوج الشحوم الحيوانية.
وأشارت الدراسة إلى أن الضوء المنبعث من تلك المشاعل الخشبية، المصنوع على الأرجح على طريقة إنسان العصر الحجري القديم، دام في المتوسط 41 دقيقة في الدراسة، مع احتراق الشعلتين الأقصر عمراً بعد 21 دقيقة، والأطول عمراً بعد 61 دقيقة.
ولكن مع ذلك، وجد الباحثون أن تلك المشاعل عملت بصورة غير منتظمة، وتطلبت مراقبة دقيقة عند الاحتراق، علاوة على أنها أطلقت كميات كبيرة من الدخان.
في المقابل، قال العلماء إن مصابيح الشحوم عملت بشكل أفضل، مقارنة بالمشاعل، في ما يتعلق بإضاءة المساحات الصغيرة خلال فترة زمنية طويلة وكانت كثافة الإنارة المنبعثة منها أشبه بضوء شمعة، إذ كانت قادرة على توفير الإضاءة حتى ثلاثة أمتار، بينما أنتجت أيضاً كمية أقل من الدخان.
لكن العلماء أضافوا أن تلك المصابيح لم تكن ملائمة جداً في التنقل بسبب تشتت الرؤية الذي خلفه الضوء الصادر منها، وعدم توفيرها إضاءة جيدة لأرضية الكهف.
وتشير الدراسة إلى أن جريان تيارات هوائية داخل الكهوف ربما يكون أثر في اختيار موقع المواقد، التي أطلقت عند اشتعالها دخاناً شديداً وأخمدها العلماء بعد 30 دقيقة في البحث.
بناء عليه، يعتقد علماء الآثار أن الأفكار والملاحظات المكتسبة من عمليات المحاكاة التجريبية التي نهضوا بها توفر فهماً أعمق لما قد يكون ترتب عليه الوصول إلى الأجزاء الأكثر ظلمة في الكهوف المأهولة آنذاك، خصوصاً من أجل توثيق الفن من نقوش ورسوم على الجدران.
وفق الباحثين، ستكون الدراسات المستقبلية للإضاءة، والتي تستند إلى التجربة مفيدة في كشف تفاصيل إضافية عن الأنشطة التي مارسها أسلافنا في كهوفهم.
"الإضاءة الاصطناعية شكلت وسيلة مادية بالغة الأهمية في توسيع نطاق السلوكين الاجتماعي والاقتصادي المعقدين ضمن المجموعات البشرية في العصر الحجري القديم، لا سيما من أجل تطوير استكشافات العصر الحجري القديم الأولى، ونشأة الفن في الكهوف،" بحسبما كتب الباحثون.
المصدر:مواقع ألكترونية