“اشلحين” و القدحية
 “اشلحين” و القدحية 1--246
في الآونة الأخيرة، و وسط المهتمين بالهوية الأمازيغية و بتعميمها و رد الاعتبار لها كونها الجوهر الأساس، الحي و الخالد ل”تامازغا”، نجد أن هناك تفرقة بحيث يتم إقصاء جزء من الشعب الأمازيغي بطريقة غير مباشرة، و ذلك عن طريق جرده من تسميته، على عكس باقي الفئات التي ظلت محتفظة بتسميتها دون أي اعتراض من قبيل “ريافة”، “ازيان”، “اقبايلين” و غيرهم كثير، و هذا بدعوى أن “شلوح” هي كلمة عربية قدحية مشتقة من فعل “شَلَحَ” الذي يعني العري، فيقال شلحه من ملابسه أي عراه و أزالها عنه، كما يمكن قول “شلَّح” أي سلب، فيقال شلحه قطاع الطرق أي سرقوا ما عنده و سلبوا ممتلكاته، و بهذا تكون كلمة “الشلوح” تعني قطاع الطرق، و يقال أن العرب هم من أطلقوا هذا الاسم على أمازيغ سوس، الحوز في اتجاه “احاحان” و الجنوب الشرقي في عهد الدولة الموحدية لأنهم كانوا يقطعون الطريق على قوافلهم، و لدعم هذا الطرح يقال أن حرف “الحاء” هو دخيل على اللغة الأمازيغية، لكن هل هذا يعني أن كل الكلمات التي تتضمن حرف “الحاء” أصلها عربي؟
ثم إن كان العرب هم من أطلقوا اسم “الشلوح” على تلك الثلة من الأمازيغ فما اسمهم الأصلي السابق؟
و كيف يعقل أن يتخذ شعب بأكمله، بعلمائه و فقهائه اسما قدحيا يعرفون به أنفسهم أمام أبناء هويتهم؟
و هل البحث عن كلمة “الشلوح” و “اشلحين” في القاموس العربي اصلا فعل سديد؟
 “اشلحين” و القدحية 1412
فهذا شبيه بالبحث عن كلمة “تاعرابت” التي هي تمزيغ لكلمة العربية، و التي من المفترض أن تعني العربية، إلا أننا نجد لها معان أخرى كخنزير البحر، و الدلفين، لكن هل هذا يعني أن العربية تسمية قدحية يجب تغييرها، بالطبع و بكل تأكيد لا، لأنه تمت الاستعانة في شرحها بمعجم غير عربي و من الطبيعي أن نجد مثيلاتها في معاجم أخرى لكن بمعان مختلفة، حتى لو كان هنالك تشابه على مستوى الحروف و الحركات.
ذات الشأن بالنسبة لكلمة “أشلحي” البعيد كل البعد عن لفظة “شلح” سواء في المعنى أو الحركات أو حتى الحروف فليس هناك تشابه تام في شيء، ف”أشلحي” مذكر كلمة “تشلحيت” التي تطلق على المؤنث و اللغة المنطوق بها لدى السكان “اشلحين”، و هي تسمية قديمة غير حديثة العهد ، بحيث ذكرها “ابن الرقيق القيرواني” (عاش في خلال القرن العاشر الميلادي أي قبل تأسيس الدولة الموحدية التي لم تحكم شمال افريقيا حتى القرن الثاني عشر ميلادي)، حيث يقول: ” إن الأفارقة القدماء الذين يسمون شلوحا أو برابرة، و لو أنّهم مشتّتون عبر إفريقيا كلّها… و يتكلّم أهل غمارة و هوارة الذين يعيشون في جبال الأطلس الصغير(يقصد جبال الرّيف) لغة عربية فاسدة، و كذلك جميع سكان بلاد البربر المقيمين بين الأطلس الكبير و البحر، و لكن سكان مرّاكش و جميع أقاليم هذه المملكة، سواء منهم النوميديون و الجيتول المقيمون بجهة الغرب، يتكلّمون اللغة الإفريقية الصافية المسمّاة الشلحة و تامازيغت، و هما اسمان قديمان جدّا.”، كما ذكرها “لويس ديل مارموا كاردبخال” في كتابه “وصف أفريقيا”، و لم يذكر أي من المؤرخين على أساس أنها كلمة مسيئة.
 “اشلحين” و القدحية 1-846
و بالرغم من ذلك فهناك من يرى أن اسم “الشلوح” هي لفظة معروفة في المعجم الشفهي أكثر منه في الكتابي، إذ لا نجدها في الكتابات كثيرا بل توظف نظيرتها “مصمودة” أو “المصامدة” خاصة في الكتابات العربية الإسلامية، المشتقة من فعل صامَد، يصامد ، و صمودا و هو الثبات و الاستقرار، نفس المعنى الذي يحمله فعل «ءِيشْلْحْ» في لهجة “تاشلحيت” استقر و ثبت في المكان.
لكن نجد أن هناك من بدأ في تفكيك اسم “مصمودة”، و وسط هذا التفكيك وجد الاختلاف، و انقسمت الطوائف إلى فريقين:
الفريق الأول: مصمودة مركبة من “مص”(mess, mas) التي ترمز إلى الملكية و صاحب الشيء، و “أمود “(amud) التي تعني البذور.
الفريق الثاني: مصمودة مشتقة من “أمز أمود” (كون حرف الزاي عند التعريب ينقلب صادا، أزوم: الصوم، تزاليت: الصلاة) و كلمة “أمز” مكونة من “أم” كحرفين يَستهل بهما اسم المفعول في “تاشلحيت”، و “أز” او “أزُّو” و تعني زرع و قام بفعل الزراعة.
انطلاقا من التقسيم، يتضح أن كلا الفريقين( الفريق الأول: مص أمود، الفريق الثاني: أمز أمود) يتفقان على أن أصل تسمية مصمودة تعني المزارع أو الشخص الذي يقوم بفعل الزراعة ( ولا يزرع إلا المستقر).
 “اشلحين” و القدحية 1-847
بعد كل هذه التفسيرات المتباينة و المختلفة مازالت “ايشلحين” يتلبسها الغموض، لكن كل ما سبق قوله ينفي أنها تسمية قدحية تسيء إلى أهلها و يجب التخلي عنها و استبدالها ب “أمازيغ” مع العلم أن “أشلحي” هو من ضمن الشعب الأمازيغي الذي يجمع بين “إريفين”، “إقبايلين”، “إزيان”، امازيغ الكناري و غيرهم كثير، و “تاشلحيت” هي لهجة في اللغة الأمازيغية كباقي اللهجات.
إن “إيشلحين” ليسوا دخيلين على هذه الثقافة، فهم يشكلون جزءا لا يستهان به من الشعب الأمازيغي و أيضا من بين الشعوب الأكثر تحفظا للقيم الإجتماعية و للعادات، لذلك ليس من الحق و العقلانية أبدا رفض تسميتهم دون التسميات الأخرى لمجرد اعتقاد خاطئ على الرغم منه يفخرون بكونهم أمازيغ عامة و “اشلحين” خاصة.

*مينه حك

طالبة في السنة الاولى بالجامعة