الحقيقة المروعة التي لا تعرفها عن البط
لو رسمنا مخططا لأغرب السلوكيات التزاوجية في مملكة الحيوانات شاملا سلوك جراد البحر بالتبول على شركائه، وطقوس التزاوج الجماعي الذي تمارسه ثعابين الغرطر… لاحتل تزاوج البط مكانته في هذا المخطط كسلوك كاريكاتوري وسادي في نفس الوقت.
يقوم البط البري، هذا الكائن اللطيف، بممارسة سلوكيات تزاوجية مثيرة للقلق حقاً، لدرجة أن هذا السلوك يندرج تحت فصل كامل في كتاب «تطور الجَمال: كيف رسمت نظرية دارون المنسية عن اختيار الشريك عالم الحيوان – ورسمت عالمنا»، الذي ألفه عالم الطيور في جامعة (ييل) البروفيسور (ريتشارد أو. بروم). بالإضافة لذلك، فإن موضوع تزاوج البط قد نال سمعة سيئة بعد عام 2013 عندما تسربت أخبار أن الحكومة الأمريكية ساهمت بـ400,000 دولار لدراسة السلوك التزاوجي لدى البط، وقد نشرت تلك الأخبار وكالة Mother Jones تحت مسمى «مدخل قضيب البط».
على الرغم من هذه السمعة السيئة إلا أن البروفيسور (ريتشارد بروم) –وهو الحائز على جائزة «منحة العباقرة» من برنامج ماك-أرثر– يعتقد أن فهم السلوك التزاوجي عند البط قد يساعدنا على فهم التطور، وفهم هذا السلوك التزاوجي يبدأ بفهم تركيب قضيب ذكر البط.
يختلف البط عن باقي الطيور، وإحدى أوجه الإختلاف هي حقيقة أن ذكور البط تمتلك قضبانا عكس 97٪ من أنواع الطيور الأخرى، بل أن قضبان البط هي الأكثر تميزا من ناحية الحجم (عند مقارنة حجم القضيب بالجسم) مقارنة بكل الفقاريات. على سبيل المثال: ذكور بط البحيرة الأرجنتيني التي يبلغ وزنها ربع الكيلوغرام والتي يبلغ طولها 30 سنتمترا تمتلك قضيبا يفوق طولها بعشرة سنتيمترات!
تنمو قضبان البط وتكبر بالحجم في كل موسم تزاوج، وحين ينتهي الموسم، يبدأ القضيب في الإنكماش حتى يصل حجمه لـ10٪ من حجمه الكامل النمو. يكون القضيب محفوظا داخل جسم الذكر الذي ينتظر أن يبرزه فقط وقت الجماع. ويوضح (رتشارد بروم) قائلا: ”تشبه عملية إخراج القضيب عند ذكر البط مزجا بين عمليتين: الأولى هي استخدام ذراعك لاخراج كم سترة مقلوبة من الداخل، والثانية هي استخدام محرك هيدروليكي لتحريك سقف السيارات الرياضية القابل للطي!“
والأمر يشتد غرابةً عندما نعلم أيضا أن قضيب البطة ليس مستقيماً؛ بل لولبي الشكل واستدارته عكس اتجاه عقارب الساعة من بدايته إلى نهايته! يمكن لقضيب البط الروسي أن يكمل عشر دورات لولبية بطول يصل إلى 20 سنتيميتر.
يقول (بروم): ”قضبان البط تشبه ألعابا غريبة متنوعة قد تجدها عند الكائنات الفضائية“، ويضيف: ”يأتي قضيب البط بأشكال متنوعة: مضلعة وذات أخاديد وحتى أشكالا مسننة، وهذا كي يسهل عليها الإيلاج لداخل الأعضاء التناسلية لإناث البط، التي هي بحد ذاتها طويلة وملتفة على نفسها أيضا“.
أعضاء إناث البط التناسلية مليئة بالإنحناءات والإلتفافات التي يصفها (بروم) بقوله أنها ”تشبه الطرق ذات التفرعات الجانبية المسدودة“. مهابل البط تلتف حول نفسها باتجاه عقارب الساعة، بعكس اتجاه ذكور البط اللولبية التي تستدار بعكس اتجاه عقارب الساعة!
هنا يأتي دور علم الأحياء التطوري واختيار الشريك، أيضا تبدأ عملية التكاثر بأخذ مجرىً آخر معتم. فالكثير من أجناس البط تضع الذكور محط اختبار صعب، أي أنه يصعب على الذكور إرضاء الإناث حين يتم اختيار الشريك. فلكي يتسنح لذكر البط أن يتزاوج بأنثى؛ يجب عليه أن يتباهى بريشٍ ناصع الألوان وأن يتقن الرقصات والنداءات الجميلة. بتعبيرٍ آخر، يجب عليه أن يكونَ فاتناً، ومغنياً رائعاً وراقصاً أيضاً.
أغلب الذكور عادية ولا ينطبق عليها الوصف السابق، إذاً ماذا عساها أن تفعل؟
يقول (بروم) أن ”الإيلاج بالإجبار هي عملية شائعة ومنتشرة في الكثير من أجناس البط“، ويضيف: ”هذه السلوكات الجماعية منظمة اجتماعياً وهي فعاليات ’قبيحة وعنيفة وخطيرة وحتى مميتة‘، وتنتهي أحياناً بنفوق الأنثى!…
يمثّل هذا السلوك استراتيجية تطوّرية ذكوريّة أنانية لا تتفق مع الرغبات التطوريّة لضحايا إناث البط، ومن المحتمل أنها لا تتفق مع المصلحة التطورية للنوع بأكمله“. ويضيف أيضا: ”يعبث هؤلاء الذكور بالنظام التطوري الطبيعي كي ينشروا جيناتهم.“
لكنّ إناث البط طوّرت أساليب للدفاع عن نفسها عن طريق زيادة تعقيد تركيبها التشريحي. ويشمل هذا التعقيد -في بعض الحالات- التفافات حادة داخل المهبل تعمل كالأسنان تقريباً، جاعلةً بذلك عملية الإخصاب صعبة على الذكور أثناء الإيلاج الإجباري.
يقول البروفيسور (بروم) أيضا: ”طورت ذكور البط قضباناً تمكنها من اختراق مهبل إنثى غير راغبة، وبالمقابل طوّرت الإناث طريقة جديدة أخرى -آلية تشريحية- لترد بشكلٍ مضاد على عمليات الإنتصاب اللولبية لدى الذكر، وتمنعه من تخصيب بيوضها بالإجبار“. هذا يوضح لنا لماذا مهابل البط معقدة جداً ولماذا تطوّرت قضبان البط لتجاريها، كنوع من سباق تسلح تطوري يطلق عليه اسم تطور المتضادات المشترك Antagonistic Coevolution.
أخيرا، من الكئيب حقا معرفة كيف تولد فراخ البط. لكن الموضوع ليس بهذا السوء، توقفت بعض أنواع البط وأغلب الطيور عن هذا التنافس وتخلّت عن القضيب الذكري عن بكرة أبيه، لا مزيد من الإيلاج الإجباري، ولا مزيد من المهابل المعقّدة. عوضاً عن ذلك، تفرك إناث الطيور والذكور عديمة القضيب مذارقها معاً (المذرق هو الفتحة الخلفية عند الطيور التي تحتوي على الخصيتان عند الذكور أو المبايض عند الإناث) في فعل يدعى بـ”القبلة المذرقية“، في ظاهرة تستعرض قوة الإنتخاب الطبيعي وكيف أن الجمال والوحشية يقودان التطور.
المصدر : مواقع ألكترونية