السنة الأمازيغية
السنة الأمازيغية 1----684
( ئيض ن أوسكاس / ئناير / ئيض ن حاكوزا )
مقتطف من دراسة الاستاذ محمد حمامي بإشراف المعهد الملكي للتقافة الأمازيغية ج 1 ص 18 ط 2004
هذا اللفظ الأمازيغي مـركب من شـقـيـن هـمـا : ءيض ومعناه الليل أو الليلة، وأسكاس أي السنة، تجمع بينهما نون الإضافة، ويعني حرفيا ليلة السنة، أي ليلة الاحتفال بعيد رأس السنة الجديدة. والسنة المعنية هي السنة الفلاحية المعروفة في الشمال الإفريقي كله منذ القدم ...
وكما هو معلوم تتكون السنة الفلاحية من 365 و تبدأ يوم 13 يناير من كل سنة. وفي ليلة ذلك اليـوم يتم الاحـتـفـال بحلول السنة الجديدة وفق طقوس معينة تختلف شيئا ما من منطقة إلى أخرى. و تلك الليلة تسمى إضنسكاس أو إض- نو-سكاس، في بعض المناطق، ويطلق عليـهـا في مناطق أخـرى إض-ن-نير، إض-ن-حكوزة ..
وتعني في آن واحد ليلة نهاية السنة المنصرمة و بداية السنة الجديدة. وللتعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة يقوم الناس بإعداد وجبات أكل خاصة تتفاوت مكوناتها من منطقة
على سبيل المثال طبق كسكس أو مرق محضر من سبع خضر، يوضع فيها نوى ثمر واحـد لاعـتـقـاد أن من وجـد هـذه النوى أثناء الأكل سيكون سعيدا ومباركا بالنسبة للعائلة خلال السنة الجديدة. وقد يكون ذلك
الطبق من العصيدة (تاكولا) وقبل تناوله يوضع في القدر فلس ونوى تمر وجزء من قشرة شجرة أركان لاعتقادهم أن من وجد في لقمته -أثناء الأكل- ذلك الفلس فإن مآله الغني. أما من كان من حظه أن يجد فيها النوى فإنه ستكون له ماشية كثيرة، في حين أن من وجد فيها ذلك الجزء من قشرة أركان فإن مصيره الفـقـر. وفي أعالي سوس يصنعون أكلة بركوكس. ومن الأقوال المأثورة أيضا في هذا الصدد، أن من لم يشبع الطعام في تلك الليلة فإن الجوع سيطارده طيلة السنة الجديدة...
أمـا فـي الـمـدن المغربية والأندلسية خلال العصر الوسيط كانت تصنع حلوى تسمى المدائن بألوان وأشكال مختلفة «وتعطى للأطفال تبشيرا بخصب العام الجديد وتفاؤلا ببسط الرزق عليهم» ومن جملة هذه المعتقدات كذلك أنه إذا حدث نزول المطر في تلك الليلة أو في اليوم الأول من السنة، فإن الامازيغ كانوا يتـفـاءلـون خـيـرا بسنة فـلاحـيـة مـطـيـرة وذات مـحـاصـيـل جـيـدة، ولاستدرار المطر كـان الناس يتراشقون بالماء فيما بينهم أو يذهبون للاستحمام في الأنهار....
ومن مظاهر تلك الطـقـوس أيضا، أن النساء في منطقـة حـاحـا كن يقمن بوضع ثلاث لقمات قبل النوم في سطوح المنازل. ورقم ثلاثة يرمز إلى الشهور الثلاثة الأولى من السنة : يناير، فبراير، مارس. واستدرارا للمطر تقوم تلك النسوة برمي اللقمات بشيء من الملح. وفي الغد يقمن بدراسة اللقمة التي سقط عليها الملح لان من شأن ذلك أن يدلهن على معرفة الشهر الذي سيكون ممطرا . وإذ يبدو واضحا انه من الصعب تأطير تلك المعتقدات و ضبطها في الزمـان، فـمـن الجائز الـقـول إنهـا إشارات واضـحـة إلى أزمـات غـذائيـة
ناتجة ربما عن قحـوط كانت بعض المناطق المغربية عرضة لها خلال فترات تاريخية معينة. ومما يدل على قوة هذه الاحتفالات بالسنة الجديدة لدى أمازيغيي المـغـرب، أنهـا تركت بصـمـات واضـحـة على أسـمـاء بعض المواقع الـجـغـرافـيـة. وقد لاحظ إيميل لاووست – وهو على صـواب – أن اسم بيانو وكـذا مـشـتـقـاته المختلفة مثل بنايو و تبنايوت تطلق على أسماء بعض التجمعات السكنية (إغرمان) أو بعض الجبال والمغارات (إفران)، وهي أسماء تذكر بدون شك بأماكن اعتاد الناس التجمع فيها للاحتفال بالسنة الجديدة رمز التجديد، وذلك بإيقاد النار والتحلق حوله وترديد أغاني جماعية خاصة بالمناسبة، ومن أمثلة ذلك تبنايوت التي هي جبل مشرف على مدينة خنيفرة الحالية.
ومن جـهـة أخـرى، فـإذا كـان لفظ بـيـانـو يطلق على النار التي يتم إيقـادهـا في ليلة رأس السنة، فـإنـه لـحـقـه تصـحـيـف في العديد من المناطق. وهكذا نجد مثلا، تبنايوت (لدى قـبـائـل إيلالن، وإحـاحـان ووولت، وأمثوكان)، وتبليوت (لدى إيمسفيوان)، وتبرنيوت (لدى إكليوا ، ...
وبحلول السنة الجديدة تنطلق عملية غرس الأشجار وإتمام الحرث، لآن التربة منذ ذلك الحين، تكون دافئـة مـمـا يسـاعـد بالتالي على نمو الأشجار والنباتات التي يبدأ ماؤها في الجريان. ومن المعلوم أن الأرض كانت تسقى وتخصب مسبقا لتصبح جاهزة لاستقبال الغرس والحرث ابتـداء من اليـوم الأول. وهكذا ينطلق الـعـمـل الفـلاحي الذي تغطي
أنشطته السنة كلها . وقد تنبهت الجمعيات الثقافية الأمازيغية خلال العقود الأخيرة من
القرن العشرين إلى أهـمـيـة إحياء رأس السنة في البلدان المغاربيـة، فبادرت إلى التعريف به على نطاق واسع انقاذا له من الإندثار. وأكثر من هذا تم تحديد سنة يبـدأ بها التاريخ الأمازيغي وهي سنة 950 قبل الميلاد التي هي سنة اعتلاء أسـرة شـيـشـونق الأمازيغيـة عـرش مـصـر الفرعونية (الأسرة الثانية والعشرون في سلسلة الأسر الحاكمة لمصـر
الفرعونية) التي دام حكمها من سنة 950 ق.م. إلى سنة 730 ق.م. إن الاحتفال برأس ليلة السنة الجديدة لدى الأمازيغ له دلالة عميقة في نفوسهم إذ يرمز إلى التشبت بالحياة والأرض معاً وهو ما تعبر عنه مختلف الطقوس الاحتفالية المواكبة له خصوصا في بداية السنة. بين انه ما يزال في أمس الحاجة إلى الدراسة والإغناء لضبطه ومـعـرفـتـه معرفة علمية دقيقة.


المصدر:مواقع ألكترونية