صراع سياسي على جسد فتى قاصر في الجزائر
أرادوا اغتصابي، تحسسوا جسدي، ولمسوا أعضائي الحميمية، ناعتينني بابن الزانية".
بهذه العبارات صاح القاصر سعيد شتوان ذو الـ15 ربيعاً، مجهشاً بالبكاء، فور خروجه من أحد مخافر الشرطة في العاصمة الجزائر. حينما ألقي القبض عليه في نهاية تظاهرة شعبية، لم يكن يتخيل أن جسده النحيل سوف يتحول إلى لعبة سياسية، يسعى كل طرف فيها إلى تصفية حساباته مع الآخر على حساب عرضه المستباح.
شتوان قصة كاشفة لصراعات سياسية لا تعرف الرحمة في الجزائر.
مزاعم اغتصاب الشرطة لقاصر
في مطلع نيسان/ أبريل الجاري، ظهر محمد تجاديت، المعروف بلقب شاعر الحراك، في فيديو محتضناً شاباً صغيراً في حالة انهيار هستيري متهماً الشرطة باغتصابه أثناء عملية اعتقاله.
ودعا تجاديت في الفيديو المواطنين للثورة ضد النظام الحاكم، غضبةً لأعراضهم التي تُنتهك على يد رجالاته.
وخلال سويعات بعد بث الفيديو، انتشر المقطع كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، مثيراً موجة من ردود الفعل الغاضبة، تجاوز صداها حدود الجزائر.
لم تظل موجة الغضب حبيسة صفحات التواصل الاجتماعي كثيراً، فسرعان ما انتقلت إلى الشارع ليرفع متظاهرو الحراك لافتات منددة بقمع الأمن ووحشيته في التعامل مع الصبي. وستشتبك مجموعة من المحامين ورجال الإعلام مع القصة مطالبين بتحرك النيابة العامة، وفتح تحقيق فوري في ملابسات القضية، لكشف الحقيقة وإطلاع الرأي العام على تفاصيل الواقعة، مشيرين الى أن ما حدث للطفل شتوان هو جريمة متكاملة الأركان، يجب معاقبة فاعليها.
الجنس حاضر في المخافر
استدعت قصة الاعتداء الجنسي على الصبي سعيد شتوان قصصاً مماثلة حدثت في الماضي القريب، وأعادها ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي للسطح مرة أخرى.
ففي مطلع عام 2020، ألقي القبض على الطالب وليد نقيش بتهمة "توزيع وحيازة منشورات تمسّ المصلحة الوطنية" ليعلن نقيش خلال محاكمته تعرّضه لاعتداء جنسي عن طريق إدخال عود مكنسة في مؤخرته من قبل الأجهزة الأمنية أثناء الاستجواب، وهو الإعلان الذي أثار ضجة حينها.
كما اشتكت من قَبل أربع ناشطات من الجمعية الوطنية للشباب ومن الحركة الديمقراطية والاجتماعية، عبر الصحافة، من تجريدهن من ملابسهن في مخفر للشرطة في مدينة براقي، خلال عمليات التفتيش التي جاءت بعد توقيفهن قرب مقر البريد المركزي حيث كن يتهيأن لتنظيم مسيرة في إطار الحراك الشعبي المطالب برحيل كل رموز النظام السابق
ورغم الضجة التي أثيرت حول الحادثة وتناقل وسائل إعلام غربية لها وتنديد منظمات حقوقية ونسائية دولية بها، تم تجاهلها تماماً من قبل الدولة حينها، ولم يصدر عن وزارة الداخلية أي بيان أو رد فعل.
السياسة تتحكم في القضية
بدأت قصة الاعتداء على الصبي من منطلق حقوقي/ جنائي متعلق باتهامات هتك عرض قاصر على يد أفراد أمن، لكن سرعان ما طغت السياسة على المشهد بعد أن سارع النائب العام سيد أحمد مراد، إلى تبرئة رجال الشرطة من تلك الجريمة كاشفاً في مؤتمر صحافي عقده أن الطفل نفى تعرضه لأي اعتداء جنسي وأن تقرير الطب الشرعي أكد أنه لم يتعرض لأي تعنيف.
وسرعان ما قُلبت الطاولة على المدعين الذين باتوا متهمين، حين صرّح النائب العام بأن التحريات تشير إلى أن أصدقاء الصبي محمد تجاديت، صهيب، وليد رياحي، دباغي طارق، خيموت، وآخر يدعى صادق لوعيل كانوا على علاقة حميمية مع الطفل القاصر، وعليه تحولوا إلى متهمين في القضية.
ورغم عدم وجود دلائل دامغة على تلك الاتهامات، إلا أن قاضي التحقيق في محكمة سيدي امحمد، أمر بإيداعهم الحبس المؤقت في سجن الحراش.
حركة رشاد (الإخوانية) تشتبك مع القصة
لم تغب حركة رشاد المعارضة عن المشهد كثيراً، بل دخلت فيه عبر تصريحات القيادي فيها محمد العربي زيتوت، والذي استخدم القضية كمدخل لشن هجوم مباشر على النظام وعلى النائب العام سيد أحمد مراد متهماً الأخير بالفساد قائلاً: "العصابة (ويقصد بها السلطة) تغتصب الطفولة من خلال تصريح النائب العام، الذي فبرك وقائع القضية، وتغاضى عما هو جوهري، في جريمة اغتصاب الطفل القاصر سعيد شتوان".
ونفى زيتوت أية علاقة لمنظمته بتفجير قضية الطفل القاصر وتصعيدها دولياً، مشيراً إلى أن النظام يرتعب من هذه القضية التي بلغ صداها منظمات حقوق الإنسان الدولية، ويسعى إلى تضليل الرأي العام الجزائري، ليغطي على ما يصفه بالقذارة التي تقوم بها أجهزته الأمنية.
ومن جانبها شنت الدولة عبر جهازها القضائي هجوماً على حركة رشاد، مشيرة الى انها رتبت لمشاريع دعائية هدامة لتشويه سمعة النظام والوطن.
فوراً بعد وقوع هذه الحادثة التي شغلت الرأي العام داخل الجزائر وخارجه، عقد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اجتماعاً دورياً للمجلس الأعلى للأمن، خُصّص لتقييم الوضع العام للبلاد على المستويين السياسي والأمني ودراسة ما وصفه بأعمال تحريضية وانحرافات خطيرة، من قبل حركات غير شرعية، ذات مرجعية قريبة من الإرهاب.
وشدّد تبون على أن الدولة لن تتسامح مع هذه الانحرافات التي لا تمتّ بصلة للديمقراطية وأنها ستضع حداً لهذه التجاوزات غير المسبوقة تجاه مؤسسات الدولة ورموزها.
دعوة لإيقاف التظاهرات
يغتنم الموالون للسلطة ممن يعارضون بقاء الحراك في الشارع، حادثة الطفل سعيد شتوان، للمطالبة بإيقاف التظاهرات التي باتت - بحسب رأيهم - تشكل خطراً وتهديداً على أمن وسلامة الوحدة الوطنية للجزائر. ويقول المحلل السياسي سمير بن غوالة لرصيف22: "أعتقد أن هؤلاء يلجأون إلى استعطاف الشعب الجزائري للتضامن مع حراكهم الفئوي، وفي نفس الوقت، لتأليب الجهات الدولية لحقوق الإنسان ضد مؤسسة الشرطة الجزائرية، لإضعافها واستفزاز قياداتها لجرهم إلى مستنقع الفوضى، عبر ادّعاء الاعتداء الجنسي على طفل قاصر من قبل بعض رجال الأمن، لتدويل الحراك من باب حقوق الإنسان".
زيضيف بن غوالة: "ستشهد الأيام القادمة تغير طريقة تعامل الشرطة مع التظاهرات بتطبيق القانون على رؤوس ناشطي الحراك الذين يروجون للأكاذيب لتشويه صورة المؤسسات الأمنية دولياً".
امتحان للعدالة الجزائرية
ويرى المؤيدون للحراك أن قضية القاصر سعيد شتوان تضع العدالة الجزائرية أمام امتحان جديد، ويقول الكاتب الصحافي المعارض، وعضو لجنة الدفاع عن المعتقلين محمد إيوانوغان لرصيف22: "للأسف قضية الطفل القاصر سعيد شتوان أظهرت أن العدالة الجزائرية تحت سلطة الأجهزة الأمنية، فبدل أن تحقق في الأفعال التي تحدث عنها القاصر، أحضرت أجهزة الأمن أولئك الشباب الذين كانوا معه في الفيديو على طبق، واتهمتهم بتدبير مؤامرة ضد البلد. للأسف العدالة سايرت الأحداث ولم تكن فاعلة فيها".
بين نشطاء استغلوا القصة لكسب تعاطف الرأي العام، وسلطة وجدتها فرصة لضرب الحراك وتشتيته، وحركة إسلامية معارضة لم ترَ في القصة سوى فرصة سانحة لفضح النظام دولياً، بين هذا وذاك يبقى جسد الصبي سعيد شتوان وعرضه أداة رخيصة، سعى الجميع إلى استغلالها وتوظيفها سياسياً.
https://raseef22.net/article/1082384-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AC%D8%B3%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D9%89-%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1