بالتزامن مع رمضان.. الصابئة يبدأون الصيام أيضا
بالتزامن مع رمضان.. الصابئة يبدأون الصيام أيضا 2----49
بالتزامن مع شهر رمضان لدى المسلمين، وهو شهر الصوم، يبدأ أبناء الصابئة المندائيين أيام الصوم أيضا بعد يومين، حيث يحتفلون بعيد الخليقة أو “البرونايا”، وهو أهم أعياد المندائيين الذي يستمر لمدة خمسة أيام، وفيه تصوم العوائل المندائية وتُقام صلاة الصبح والتعميد في الماء الجاري كما تُنحر الذبائح وتقدم الصدقات للمحتاجين.
وتعد هذه الأيام الخمسة من العيد، بالأيام البيض وترمز الى أسرار البداية المقدسة وفجر الحياة الأولى، وتجري فيها الطقوس الدينية في النهار والليل، ولا تقتصر على النهار فقط، لأنها تمثل أياماً نورانية لا يفصلها الظلام، لكن هذا العيد يمر بدعوة صريحة من رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم، إلى الدول الأوروبية لمنح اللجوء لأبناء الطائفة في دول الانتظار، وهي تركيا والأردن وسوريا.
ما هو عيد الخليقة؟
رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق، الشيخ ستار جبار الحلو، يتحدث لـ”العالم الجديد”، عن التفاصيل الخاصة بعيد الخليقة قائلاً إن “للصابئة أربعة أعياد، منها ما يختص بعوالم النور وهي العوالم الروحية وأخرى أعياد تختص بالعوالم المادية وهي الأرض والكواكب والشمس والقمر، وعيد الخليقة الذي يحتفل به الصابئة هذه الأيام خلقت فيه عوالم النور من جنات وأنهار وملائكة”.
بالتزامن مع رمضان.. الصابئة يبدأون الصيام أيضا 1---1127
ويضيف، أن “كل يوم من أيام هذا العيد يحمل رمزية معينة، فاليوم الأول هو لصفة رب العظمة، والثاني هو الرب العلي، والثالث العليم، واليوم الرابع يحمل صفة رب الحق، أما اليوم الخامس والأخير فقد تفجرت فيه المياه والعيون الجارية وقبل أن يخلق آدم أمر الرب الملائكة جبرائيل أن يأخذ غرفة من الماء الحي ليرميها في الماء الآسن ليصبح مستساغاً لبني البشر”.
ويكمل: “نقوم بهذه الايام بتعميد المندائيين ورجال الدين وكل شيء يختص برجال الدين من أواني وأدوات، ونكرس المعبد لاجراء الطقوس الدينية الكبرى ونقوم باجراءات للمتوفين وذلك بملابس دينية خاصة لمن لم يحصل على الكفن”.
وبشأن هجرة ابناء الطائفة إلى الخارج، يؤكد الحلو أن “عملية الهجرة تراجعت بالسنوات الأخيرة لاستقرار الوضع بصورة نسبية ولعدم وجود منفذ لأبناء الديانة في دول الانتظار، حيث لهم أكثر من عشر سنوات أو أقل في الأردن وفي سوريا وفي تركيا ولم يجدوا مخرجا لهم، حيث انهم عند خروجهم من العراق وبسبب تعرضهم إلى تهديدات بالقتل باعوا جميع ممتلكاتهم ولا يمكنهم العودة مرة اخرى”.
ويتابع: “نحث سلطات الدول الأوروبية والمنظمات الإنسانية أن تنظر بعين الإعتبار إلى أبناء الطائفة”، مبيناً أن “البعض يتمنى العودة إلى العراق ولكن لايستطيع بسبب خوفه على حياته وعدم وجود مكان له يعيش فيه”.
بالتزامن مع رمضان.. الصابئة يبدأون الصيام أيضا 2----50
وقبل أيام فقط، تعرض معبد الطائفة في محافظة ميسان، وهي إحدى المحافظات التي يتركز وجود الصابئة فيها إلى جانب البصرة، إلى هوم مسلح لم تعرف دوافعه بعد، أدى إلى إصابة الحراس في المعبد.
وينتمي “عيد الخليقة” لأعياد عالم النور، فالصلاة التي تصلى في كل وقت من أيام هذا العيد هي صلاة الصبح فقط والتعميد (الصباغة) يتم ثلاث مرات في الماء الجاري تكون واجبة في أيام عيد الخليقة ويردد في صلاة الصبح آية (بوثة) “قوموا قوموا أيها المختارون الصالحون قوموا وسبحوا للحي العظيم”.
وتعد الصابئة من الديانات التوحيدية القديمة، ونبيهم يحيى بن زكريا، ولغتهم هي الآرامية، لغة تعود للقرن العاشر قبل الميلاد، وهي ذات اللغة المستخدمة في كتابهم المقدس “الكنزا ربا“.
ويعد جنوب العراق، موطنا لأبناء الطائفة منذ آلاف السنين، إذ تمركزوا قرب الأنهار والأهوار، لارتباط طقوسهم الدينية بالماء، لكنه اليوم يندر تواجدهم هناك بعد هجرة أغلبهم لموطنهم الأصلي، والاستقرار في بلدان اللجوء أو مناطق أكثر أمنا في إقليم كردستان.
بالتزامن مع رمضان.. الصابئة يبدأون الصيام أيضا 2-----70
طقوس “البرونايا”
من جانبه، يبين حاتم منذر (42 عاما)، من أبناء الطائفة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أيام عيد الخليقة هي أيام نورانية، فالصلاة التي تقام في هذه الأيام هي صلاة الصبح وكل ما يستخدم في هذا العيد يجب تعميده في المياه”.
ويضيف، أن “صلاة المندائي عبارة عن قراءة وتبريكات، ويستقبل المصلي عند الصلاة جهة الشمال وهي القبلة المندائية اعتقاداً أنها الجهة المباركة، ونطعم ذوي الحاجة، أي العمل الصالح”.
أما من شروط الصدقة، فيوضح منذر: “من الضروري أن تقدم سراً والإعلان عنها يعد خطيئة كبرى”، مبيناً أن “الصوم عند المندائيين 36 يوماً متفرقة على مدى السنة وتختتم عادة بالأعياد”.
بالتزامن مع رمضان.. الصابئة يبدأون الصيام أيضا 2-----71
ومن شعائر المندائية الثابتة العماد والصلاة والصوم والزكاة، والعماد المندائي يمارس بثلاثة أنواع وهي (مصبوتا) ويقام عادة داخل المندي (معبد هذه الطائفة) مع إكليل الياس في إشارة إلى الحياة والطيب، النوع الثاني وهو العماد الشخصي (طماشة) وهو مجرد اغتسال من كل أنواع النجاسات، والنوع الثالث يسمى (رشامة) وهو بمثابة الوضوء ويمارس ثلاث مرات يومياً.
ومن أعياد الصابئة أيضا، عيد التعميد الذهبي، في ذكرى الولادة الروحية لنبيهم يحيى بن زكريا، بالإضافة إلى العيد الكبير الذي يصادف في شهر تموز ويستمر 7 أيام، وهو بداية الخلق، وفيه بدأت الدقائق والساعات والأيام، والأخير عيد الازدهار، وهو العيد الصغير، ففيه قام الحي العظيم بخلق الأزهار والأثمار والطيور والحيوانات، وبالإضافة إلى هذا خلق آدم وحواء، وهذا العيد يعتبر بداية نشوء الخلق.
ويعد التعميد، من أهم ركائز الديانة، ويشتمل هذا الطقس على نزول الشخص للماء الجاري، برفقة رجل دين، الذي يتلو آياتٍ من كتابهم المقدس “الكنزا ربا”، ويتم ذلك بملابس بيضاء خاصة تسمى “الرسته”، وهذا الزي الخاص بالتعميد يرتديه النساء والرجال والأطفال.
عيد الخليقة.. لماذا 5 أيام؟
نائب رئيس مجلس شؤون الصابئة في العراق الشيخ عبد السلام جبار، يسرد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، تفاصيل الأيام الخمسة لعيد الخليقة قائلا: إن “السنة المندائية 360 يوماً، خمسة ايام فيها تعتبر شهرا واحدا كاملا، وذلك لان كل شهر هو عبارة عن ثلاثين يوما، حيث لايوجد عند الطائفة أيام كبيسة”.
بالتزامن مع رمضان.. الصابئة يبدأون الصيام أيضا 2-----72
ويضيف، أن “هذه الأيام الخمسة هي أيام نورانية، وتعبر عن الخلق السماوي، أما الايام الباقية في السنة فتكون معبرة عن الخلق المادي”، مبيناً أن “هذه الأيام الخمسة تجلت فيها قدرة الخالق في خلقه وتكونت هذه العوالم النورانية، وقد أوكلت خمسة ملائكة لإقامة المراسيم وتأسيس الأكوان النورانية في هذه الأيام”.
ويبين جبار، أن “المندائيين يعتبرون هذه الأيام تذكار لخلق هذه النورانية لأننا أبناء عالم النور، والإنسان مرتبط في هذه العوالم”، مشيراً  إلى “القيام خلال هذه الايام بطقوس دينية كبرى منها تعميد الرجال والنساء والأطفال ونقوم بنصب “الدرفش” الذي هو راية النبي يحيى والتي تعبر عن رمز السلام”.
ويشير إلى أن “هذه الطقوس تقام في جميع أماكن العبادة الخاصة بابناء الطائفة في بغداد والمحافظات الاخرى الجنوبية وكركوك وأربيل أيضا”، لافتاً الى أن “هناك جهود حثيثة لتطوير هذه المواقع العبادية المتواجدة على ضفاف الأنهر”.

وواجه أبناء الطائفة المندائية في العراق بعد 2003، الكثير من التحديات التي هددت بقاءهم كأحد أبرز الأقليات الدينية في بلاد الرافدين، أبرزها القتل والسلب، لكونهم يعملون في صياغة الذهب، ما عرضهم إلى السرقة والاختطاف بشكل مستمر، وهذا الأمر أدى إلى هجرة جماعية باتجاه الغرب.
وفي تسعينيات القرن الماضي، تمت ترجمة الكتاب المقدس للديانة من قبل رجال دين، وتحت إشراف الشاعر العراقي الراحل عبد الرزاق عبد الواحد، الذي أشرف على لغة الكتاب العربية بعد ترجمته.


المصدر : مواقع ألكترونية