حين تصبح عتمة الليل أرحم من ضياء الفجر: ليالي جبال الأطلس الصغير
عادة ما ينبعث الفجر إيدانا بحلول تقاسيم يوم جديد، ينشرح الصدر إستقبالا وحمدا لفرصة حياة منحها الخالق، وتنفرج النفس إحتفالا ببزوغ ضياء الشمس، وبداية حيوية بعد سكون. مشاعير الناس نماذج وفيما يعشقون مذاهب.
الليل فرصة السهر والسمر والليالي الحمراء للبعض. ولعشاق الرومانسية مناسبة للإنزواء والتأمل في بهاء النجوم وسط السماء. وللغالبية سكون الليل ملجأ مؤقت للهدوء، مناسبة للخلود للنوم وراحة من تعب النهار. الأغلبية الساحقة تؤرقهم الظلمة، ويخيفهم غروب الشمس معلنة إسوداد المجهول. هناك من يخشى حلول المساء خوفا من الإنطواء والوحدة. في الثقافة الشعبية أحيانا أثناء النوم قد يسكن حمار الليل النائم وتخلق له متاعب! الليل كذلك مرحلة تنشط بها طقوس وكائنات العالم الغيبي. وتخرج الطبقة الشريرة من جحورها في الهوامش لممارسة الرديلة والعدوان وتنفيد الجرائم.
إذا كان نداء الفجر صوة إنجلاء عتمة الظلام، فتجربة متضرري الزلزال مع الليل مختلفة.
إنقلبت المعايير عند المنكوبين، الليل عند متضرري الزلزال زمن مخالف. فرصة للهروب من واقع النهار المرير، للإنزواء وسط الخيام الباردة جراء المعانات اليومية. الظلام الدامس راحة العين من منظر الخراب والبؤس. الليل مساحة للتغيير ووقت للحلم بعالم أجمل، وإستعادة ذكريات القرية بألوان الطبيعة. للنوم شوق وطعم آخر، مرحلة التواصل مع المفقودين، وإستحضار أرواح الضحايا، والحلم بالماضي المؤنس وتصور العيش داخل جدران السكن اللائق رمز الإستقرار والأمان كما كان عليه الحال قبل 8 شتنبر.
الساكنة لم تعد تطيق الوقوف والبكاء على الأطلال نهارا، وتداول قصص مخلفات الهزات، وبطئ الإعانات وتهاون الجهات الوصية في الإصلاح، والعيش على الإنتظار. حين تزداد الأحوال سوءا يصبح الليل خير أنيس.
تباعدت المسافة بيننا، وإختلفت الأحوال وإنقسمت التطلعات. فحين نترقب نزول المطر بفارغ الصبر، يخشى المتضررين قاطني الخيام هبوب الرياح ورؤية الغيوم وهطول الزخات وسيلان الوديان خوفا من كارثة إنسانية أفضع من الزلزال.
حكمت الأقدار على المتضررين أن يعيدوا العيش وسط إجراءات الخوف مثيلة بتلك التي عاشها العلم جراء الوباء. العزل الإضطراري أثناء جائحة كورونا سلب منا إنسانيتنا وجل الحقوق والعادات الإجتماعية وحولها لمسافة أمان. تجربة الوباء المريرة علمتنا أن الحياة نعمة، والمعاملات الإجتماعية حنين، والزيارات العائلية شوق، والتمتع بحرية التجوال متعة، وضمان حيازة مسكن يجمع الشمل ومتاع يوفر الدفئ حق ليس بالهين. جملة من أحاسيس ومخلفات الوباء يسترجعها قاطني المخيمات بالقرى المتضررة من الزلزال بعد أن صدقوا أنها حكاية من خبر كان.
بحكم تجربة جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله الميدانية خلال عدة تدخلات ميدانية تضامنية لإغاثة متضرري الزلزال بقرى نائية بجبال الأطلس الصغير بإقليم تارودانت، حافظنا على الروابط والتواصل مع جمعيات المجتمع المدني النشيطة بتلك الأعالي، وواصلنا السؤال عن أحوال أسر عاينا كرمها وقيمها الإنسانية النبيلة. إستمر حبل الوريد مع هؤلاء الأشخاص الذين ترفعوا عن السؤال رغم الحاجة، وشاركونا ملح طعامهم البسيط رغم الندرة، وكأس الشاي الدافئ دفئ طيبوبة نواياهم. من أجلهم نحيي الذكرى.
طول الإنتظار والأحوال المزرية للساكنة والنفوس المتدمرة بالقرى المتضررة أعادت لأدهان المنكوبين كابوس الجائحة، حيث حرموا من متاع الدنيا، وتقلصت الزيارات، وأجبروا على إقتصاد الندرة، وسئموا تكاليف الحياة ومن يعش لاجئ داخل وطنه.
أن تصوم بالحواضر فلك أجر، وأن تصوم في صقيع الجبال وتجوع بين الخيام ووسط الخراب وقلة ذات اليد، فلك أجران. أن تحمل صفة لاجئ في وطنك ووسط بلدتك بعد نفاد 6 أشهر، تجاوزوا فيها مدة الإقامة القانونية الممنوحة عادة في التأشيرات، إهانة تؤلم المواطن.
بإختصار، تتعدد الليالي في جبال الأطلس، ويحلو الحلم المنقد من الواقع، والظلام الذي يحجب مناظر دمار النهار المؤلمة.
أخيرا، بلوغك لهذه النقطة من المقال مبادرة تضامنية في حد ذاتها، لأن لا الكتابة ولا القراءة عن الزلزال، لم تعد تستهوي النفوس فما بالك بالعيش وسط خرابه.
تصبحون على نفوس أكثر أمانا وإطمئنانا في ضوء النهار وعتمة الليل.
المصدر : مواقع ألكترونية