مسلسل بابا علي: تقییم العمل بعد نهایته


مسلسل بابا علي: تقییم العمل بعد نهایته 1555


بعد أن شاهدنا أمس أخر حلقة من المسلسل الکومیدي بابا علي، قررت أن أعود الی مناقشته و محاولة إظهار نقط قوته و ضعفه.
في البدایة لا بد من التنویه بالعمل و بمجهودات القاٸمین علیه، فقد نجح المسلسل في إضحاکنا و إدخال البهجة و المرح الی الفضاٸات الأسریة لعدد کبیر من الأسر المغربیة. نعم لقد نجح العمل في رسم معالم للکومیدیا الأمازيغیة (کومیدیا أنیقة و راقیة من حیث مثنها اللغوي و التعبیري، کما نجح العمل في إظهار الإمکانات الطبیعیة (مناظر خلابة) التي تزخر بها بلادنا والتي لم نکن نراها کثيرا في السینما المغربیة، بل کانت حکرا علی الأعمال السینماٸية الدولیة (معظم الأٛفلام و السلسلات العالمیة صورت بشکل کلي أو جزٸي في قراناو صحارینا و جبالنا لما توفره من طبیعة جمیلة و متنوعة، و معمار فرید و إنارة متمیزة. زيادةعلی ذلک ففي العقود الأخیرة سار المغرب یتوفر علی تقنیین و لوجیستیک رفیعي المستوی...
علی أية حال فمسلسل بابا علي يعد حلقة أولی مهمة و مٶسسة لمسار الأعمال الدرامیة الناطقة بالأمازيغیة
و بما أن الأمر کذلک فمن الواجب علینا کمھتمین أن نساهم من جانبنا في تقییم هذا العمل و التنویه بالمجهود المحترم اللذي بدله الفریق المشرف علی العمل (من شرکة إنتاج و مخرج و کاتب السیناریو و فریق التصویر و المونتاج دون أن ننسی الممثلین و المکلفون بالدیکور و الصوت و باقي التقنیین).
و إن کان العمل علی العموم یستحق الإحترام، فهناک جوانب أخری کان بالإمکان تحسینها أو تنقیتها من الشواٸب... و حتی أکون منهجیا، فسوف أقسم ملاحظاتي و إنتقاداتي الی جوانب عدة و هي:
1 - الجانب التایخي و الثقافي
2- الجانب اللغوي و المعجمي
3- الفضاء العام
4- الدیکور و الملابس و الأکسیسوارات
5- جانب السیناویو والقصة و الحبکة
6- الإخراج
7- إدارة الممثلین
8- الإنتاج
1- فعلی المستوی التاریخي و قع السیناریست في هفوة عدم تدقیق زمن وقوع الأحداث و هذا مانتج عنه خلط في إختیار الملابس و الأکسیسوارات و لغة الحوار.. و هذه الهفوات مجتمعة أفقدت العمل کثيرا من حمولته التاریخیة و الثقافیة و التراثية: فلم نری کثيرا مما تزخر به ثقافتنا من أنماط العیش و العادات و التقالید الأمازيغیة في العمل، کما أنه أغفل کثيرا الجانب القیمي في المجتمعات القرویة الأمازيغیة (فلم نری تیویزي و لم نری دور تاجماعت و لم تتم الإشارة إلی إزرفان بل بالعکس عوضهم السیناریست بالشرع (الحلقة الأخیرة نموذجا)، فالقری المغربیة لم تعرف الشرع و المحاکم الشرعیة قبل إنهزام أخر معاقل المقاومة سنة 1936...
کما أننا لم نری الصقر أو تندا (کما یسمیها إيموهاغ) تلک المٶسسة الإجتماعیة الأمازيغیة التي تساهم في تربیة الشباب و تهیٸتهم للحیاة الزوجیة... لم نری طقوس العرس الأمايغي ك أسوسن بالحبق و الغنباز، لم نری أفران و لم نری إیسلان...
2- علی المستوی اللغوي و المعجمي: و إن کان مجمل الترکیبة اللغویة المستعملة في حوارات المسلسل لغة جیدة و أنیقة،فإنها مع ذلک تجتاج الی تنقیح و بحث تاریخي و أنتربلوجي لتنقیتهامن الشواٸب (التراکیب و المعجم غیر المناسب لزمن الحکي) أنظر في هذا الجانب تدوینتي في هذا الشأن)
3- الفضاء العام:
کان بإمکان المکلف بإختیار الأمکنة/reperage أن یختار لنا قریة أکبر من حیث عدد المنازل و السکان و شکل المعمار حتی یتمکن العمل من إعطاء صورة أصح و أدق للحیاة الإجتماعیة في قرانا إبان العصور الوسطی، کمثال علی ذلک ظهر العرس بٸيسا من حیث حجم الحضور و مکان إنعقاد حفل الزفاف و کذلک زف العروس الی دار العریس.
4- الدیکور و الملابس و الأکسیسوارات: هذا الجانب أيضا إحتاج الی بحث تاریخي و أنتربلوجي، فالدیکور و الملابس و الأکسیسوارات المستعملة في العمل لا تستجیب للشرط التاریخي و لا لإكراهات القصة
5 - السیناریو و القصة و الحبکة:
إختیارات السیناریست لم یکن فیها هم إظهار موروثنا الثقافي أساسیا بل کان همه الأول هو ملاٸمة/adaptation شخوص العمل و أحداث القصة لإقتباسه لقصة علي بابا (و هذا ما أفقد کثيرا من العمق الثقافي للعمل)
علی مستوی الحبکة، فیسودها نوع من الرتابة وضعف في تسلسل الأحداث. کما أننا إنتظرنا کثيرا أن نری عقدة الفیلم التي لم تأتي إطلاقا. کما أن بناء شخصیة البطل (بابا علي) کانت غاٸبة علی طول حلقات السلسلة (فشخصیة بابا علي بقیت کما عرفناها من الحلقة الأولی الی غایة الحلقة الأخیرة) حتی أنني یمکن أن أقول أن کل شخصیات الفیلم لها نفس الأهمیة و نفس قوة الحضور، فلا بطل فعلي و لا شخصیات ثانویة (کل الشخصیات لها نفس قوة الحضور في تشکل الأحداث و تطورها)
- عدم تلاٸم بعض الأدوار مع تشخیصها في أحداث العمل: تطرقت في تدوینة سابقة لکلیشي الیهودي الذي إستعمل في الفیلم (في شخص موشي) الیوم سوف أتطرق للتاجر بلقاس: لقد إختار السیناریست أن یظهر التاجر بلقاس علی أنه تاجر بخیل بشکل مرضي (و هذا من حقه) لکن کان علیه أن یبین لنا مشاهد أخری یظهر فیها تجار أخرون كرماء (حتی لا یسقط في کلیشي أن کل الأمازيغ بخلاء کما یروج في الثقافة الشعبیة الیوم)...
شخصیة أمغار التي شاهدناها في العمل هي شخصیة أمغار المخزن و لیست شخصیة أمغار تجماعت (أمغار المنتخب من قبل الجماعة )
- شخصیة القاضي: هذه الشخصیة لم تکن موجودة إطلاقا في ثقافتنا الأمازيغیة (علی الأقل في القری الناٸية و الجبلیة- أي ما یسمی في التاریخ الرسمي المغربي ببلاد السیبا) قبل إخضاع المستعمر الفرنسي لقرانا و فیدرالیاتنا سنة 1936، بالمقابل کان هناک أمغار ن أوزرف أو أمزارفو و هو یحکم بأزرف و لیس بالشرع و یحکم بإسم تاجماعت و لیس بإسم حاکم... و حتی مفهوم الحاکم لم یکن أبدا موجودا في الثقافة المغربیة الی الیوم فهناک إما تجماعت أو أمغار أو أکلید/السلطان أو الباشوات (نواب السلطان) و لم یکن هناک إطلاقا شیٸ إسمه الحاکم...
6 - الإخراج:
لا أعرف إن کانت إختیارات المخرج مقصودة أو لا لکن الملاحظ هو أن المخرج إعتمد علی تقنیة زاویة التصویر الموضوعية/angle de prise de vue objective و هذه الزاویة غیر ملاٸمة إطلاقا في تصویر أحداث سلسلة درامیة. فهذه الزاویة (angle de prise de vue objective) تستعمل عادة في تصویر الأعمال الوثاٸقیة لما یتطلبه الأمر من تجرد من کل ذاتیة. أما الأعمال الدرامیة فهي تستوجب تنویع زوایا التصویر لما تحمله کل زاویة من دلالات و مواقف (تعبیر المخرج عن مواقفه تجاه الأحداث و الشخصیات...) تمنیت لو رأیت (des plonger; contre plonger; Gros plan; plan panoramiques...)
7- الإنتاج:
تمنیت لو أن الشرکة المنتجة أعطت الوقت الکافي و الإمکانات الکافیة و طلبت مقابل ذلک الإستعانة بخبراء و مستشارین علمیین و تقنیین فیما یخص کلما تحدثنا عنه أعلاه. کما تمنیت أن تکون التعویضات التي نالها کل من ساهم في هذا العمل محترمةو لا تخدش کرامة أي منهم (أنا هنا لا أدعي أن العکس هو اللذي وقع)
کما تمنیت لو أن إكراهات ال30 حلقة لم ترغم شرکة الإنتاج و عبرها المخرج علی إقحام عدد من المشاهد المجانیة في العمل، مما أضاف الی رتابة الحبکة. فالعمل في الحقیقة هو عمل من 15 حلقة حقیقیة لا أكثر

و نداٸي في الأخیر الی شرکات الإنتاج الی التوجه نحو الإعتماد علی الإنتاج الداتي عوض تنفید الطلبیات، حتی تتمکن من توفیر شروط العمل المریحة و ضمان الجودة الکافیة في الأعمال الدرامیة المستقبلیة. و إن کانت هناک إکراهات التمویل فلماذا لا تلجٸ هذه الشرکات الی الرسامیل الخاصة و منح ومساهمات المٶسسات المکلفة بذلک (المرکز السینماٸي المغربي، وزارة الثقافة، IRCAM، الجهات...) و إن کان ذلک غیر کاف فبإمکانهم أن یفتحوا طلبات تمویل تطوعیة لکل من یرغب في دعم الدراما الأمازيغیة كما أنهم یمکنهم الحصول علی تمویل عن طریق البیر تو بیر (peer to peer)


مسلسل بابا علي: تقییم العمل بعد نهایته 1651


http://amazighworld.org/arabic/studies/index_show.php?id=7038&fbclid=IwAR3vYv0ZN7OKQb00azIokUM60I6MKF2fPTfsAXUm-SHd1WnsYk4dYTaFZaQ