قراءة في رواية “تايري تملالت” للكاتب زكرياء بوزرو
قراءة في رواية “تايري تملالت” للكاتب زكرياء بوزرو 13-301
تمثل رواية “Tayri tamellalt” أو كما يمكننا القول باللغة العربية (الحب البريء)، قيمة إلى المشهد الأدبي الأمازيغي المغربي الحديث، فهي تتميز بقدرتها على استخدام لغة في طور الانتقال إلى الكتابة بطريقة مبتكرة وفعالة –أي الأمازيغية-، وتقديم رؤية متميزة لتجارب الحب والفراق والبحث عن الهوية في سياق جامعي ملتبس. يبدأ الكاتب رحلته الروائية بتوطين الأحداث والشخصيات في بيئة جامعية متنوعة ومتناقضة، حيث يتمحور الصراع الرئيسي حول البطل غير المسمى وعلاقته بالفتاة التي يعتبرها نقطة ضوء في حياته.
تتنوع الأحداث والمشاعر في الرواية بين الفرح والحزن واليأس، حيث يجد البطل نفسه مشدوهاً بشخصية الفتاة التي يعتبرها منفذًا له من وحدته وعزلته العاطفية. ومع تقدم الرواية، يتبين للقارئ تدريجياً أن هذه العلاقة غير متكاملة، وأن البطل يعيش في عالم من الآلام الداخلية والصراعات العاطفية، تجعله يتساءل عن معنى الحب وقيمته في حياته.
بفضل الأسلوب السردي الرائع، استطاع الكاتب أن يضفي عمقًا نفسيًا على الشخصيات، مما يجعل القارئ يتعاطف معها ويشعر بتجاربها الحياتية بشكل واقعي ومؤثر. كما يبرز الكاتب في روايته مشاعر الشك والتردد والبحث عن الذات، والتي تعكس حالة الارتباك والفوضى العاطفية التي يمكن أن يواجهها الشباب في بيئة جامعية مليئة بالتحديات والضغوطات.
من خلال تسليط الضوء على معاناة الشخصيات وتقديمها بشكل شفاف ومؤثر، تتيح الرواية للقارئ فهم عميق للتجارب الإنسانية والعواطف المتضاربة التي قد يمر بها أي شخص في رحلة البحث عن الذات والانتماء. وبهذا، تظل “تايري تاملالات” ليست مجرد قصة رومانسية، بل هي تحفة أدبية محلية تتناول بجرأة وعمق قضايا العلاقات الإنسانية والهوية الشخصية بطريقة ترسم لوحة راقية للحياة الجامعية وتحدياتها.
ترسم سردية الرواية مشاهد متنوعة ومعقدة تنقل القارئ إلى عوالم شخصية ملتبسة ومتضاربة، تكشف عن طبيعة العلاقات الإنسانية وتجاربها المعقدة. يستخدم الكاتب براعة تقنيات السرد ليعزز من تأثير القصة ويجعلها تترسخ في أذهان القراء، فعلى سبيل المثال، أتقن توظيف الزمن بشكل متقن، حيث ينقلنا بين المستقبل والماضي بطريقة متسلسلة تجذب الانتباه وتثير الفضول.
وتبرز التقنيات السردية الأخرى في الرواية، مثل الحفاظ على الشخصيات بلا هوية محددة، مما يخلق جواً من الغموض والتشويق حول هويتهم ومصيرهم، ويعزز من تعقيدات القصة وعمقها. كما يبدع الكاتب في استخدام تقنيات الاستباق والاسترجاع، التي تضفي على سير الأحداث جمالية وتشويقاً إضافياً، مما يجعل القارئ متشوقاً لمعرفة ما سيحدث بعد.
يتميز الكاتب في روايته بالتنوع الفريد في تناول الأحداث والمشاعر، حيث يمتزج في سرده بين مشاهد الحب العاطفي العميق ومشاهد الكراهية والتوتر العاطفي. يظهر هذا التنوع في تقاطع الشخصيات وتباينها، حيث يرسم الكاتب شخصيات معقدة تتأرجح بين الانجذاب والانزعاج، مما يضفي عمقاً وحيوية على القصة.
قراءة في رواية “تايري تملالت” للكاتب زكرياء بوزرو 13-302
وتبرز أيضاً المشاعر الإنسانية الجامحة في سرد الرواية، حيث يتناول الكاتب مشاهد التضحية والوفاء بشكل مؤثر وواقعي، مما يجعل القارئ يتعاطف بشكل عميق مع شخصيات الرواية ويشعر بمشاعرها وتجاربها. وبفضل هذه القدرة على تصوير المشاعر الإنسانية بشكل واقعي، تصبح الرواية قادرة على إيصال رسالة فلسفية عميقة حول طبيعة الحياة والعلاقات الإنسانية.
باستخدام هذه التقنيات السردية المتقنة، ينجح الكاتب في تقديم رواية تتخطى حدود الرومانسية التقليدية، بل تصبح مرآة تعكس تعقيدات الحياة الإنسانية وتناقضاتها في مجتمع متنوع ومتشابك كالمجتمع المغربي الأمازيغي. فالرواية ليست مجرد قصة حب، بل هي دراسة عميقة للنفس البشرية وتجاربها المعقدة، تشكل رحلة فكرية وعاطفية للقارئ يستمتع في استكشافها وتأملها.
تستحق رواية “تايري تاملالات” أن تظل محط أنظار القراء ومنبرًا للنقد الأدبي، فهي ليست مجرد قصة حب تعكس تجارب شخصيتين محددتين، بل هي مرآة تعكس الحياة بكل تعقيدها وتناقضاتها. يبدع الكاتب في تقديم لوحة فنية متنوعة، حيث يخلط بين مشاعر الفرح والحزن، الحب والكراهية، التضحية والوفاء، مما يجعل الرواية غنية ومليئة بالعمق النفسي والفلسفي.
باستخدامه للغة الأمازيغية بشكل مبتكر وفعال، يسطر الكاتب رواية تعكس جمال وغنى الثقافة الأمازيغية، وتقدم رؤية متميزة للحياة والعلاقات الإنسانية في مجتمع متشعب ومتناقض. وبهذا، تظل “تايري تاملالات” محطة مهمة في مسيرة الأدب الأمازيغي الحديث، وتبرز كتحفة أدبية تستحق الاحترام والتقدير، وتستحق أن تبقى محط إعجاب وتأمل القراء والنقاد على حد سواء، ولا يمكننا أن نختم هذه القراءة المتواضعة إلا بما قاله المتنبي: لا السيف يفعل بي ما أنت فاعلة، ولا لقاء عدوي مثل لقياك، لو بات سهم من أعدائي في كبدي/ ما نا مني ما نالته عيناك.
نهيلة برزكان
طالبة باحثة بالمدرسة العليا للتربية والتكوين -تخصص أمازيغية-
جامعة محمد الأول وجدة