الوجه الآخر لآينشتاين
الوجه الآخر لآينشتاين 14---27
مُنع آينشتاين من أن يكون طالباً رسميّاً في الجامعة بسبب رسوبه في كلّ المواد ما عدا الكيمياء والفيزياء والرياضيات. ولكنّ بعض الأساتذة سمحوا له بالحضور بشرط الالتزام كأيّ طالب، ولكن دون الحصول على شهادة منهم في النّهاية.
خلال ذلك، تعرّف على امرأة عبقريّة، اسمها كان ميليفا، ولقّبها هو بـ"دولي" لأنّها تشبه الألعاب والدّمى الرّوسية، وكانت هي الطّالبة الأنثى الوحيدة التي سمحت لها العادات والتقاليد في ذلك الوقت بالسعي وراء دراستها الجامعية في مجال مختصّ بالذّكور. كانت الأذكى، بل وصفها البعض بأنّها متقدّمة بمراحل عن آينشتاين في التّفكير خارج الصّندوق. نجحت في كلّ الاختبارات بل وساعدت آينشتاين على اجتياز اختبار هام له.
الوجه الآخر لآينشتاين 14-156
في مرحلة ما، نشأت بينهما علاقة حبّ قويّة، وحملت بطفله الأوّل من خلال علاقة غير شرعيّة. لم تستطع بسبب ذلك تقديم امتحان التّخرج وفقدت بذلك شهادتها. عند حملها بطفلها الأوّل عادت لوالدها وهي مترددة، فوالدها كان قد سعى بين كلّ المدارس خلال طفولتها ليوافقوا على إدخال ابنتهم الصّفوف التي كانت تعجّ بالأولاد، وربّاها على الجديّة في العمل وأن لا تتزوّج إلا بمن سيقف إلى جانبها ويشدّ على يديها وإن طال انتظاره. عندما وصلت دولي منزلها وأخبرته أنّها رسبت في الاختبار، فقال لها بحماس "لا بأس، هناك اختبار قادم. لنبدأ التحضير له". وعندما حضنها اكتشف أنّها حامل. واكتشف أنّ جهده خلال كلّ تلك السّنوات التي مضت لأن يُخرج للعالم عالمة جديدة سيضيع فور ولادة هذا الطّفل.
(حسب الروايات التّاريخية، فإنّ طفل آينشتاين الأول مجهول الهويّة، والمصير، فُقد في عامه الثّاني. يقال أنّها كانت فتاة، ومرضت وتوفت، ويقال أنّها أصبحت من ذوي الحاجات الخاصة فتم إرسالها لبيت خاص وإنكار أصلها، أو تم عرضها للتّبني. ما يعرفه العالم أنّ هناك ابنة له، لا يعرف أيّ أحد ماذا حصل بها وأين ذهبت رغم كلّ الأبحاث التي لم تتوقف حتّى عامنا هذا).
آينشتاين مع زوجته الأولى مليفا ماريك
الوجه الآخر لآينشتاين 14-155
آينشتاين مع زوجته الأولى مليفا ماريك "دولي"
بعد أعوام تزوّجا، دولي وآينشتاين، وأنجبت دولي طفله الثّاني فالثّالث. كانت علاقتهما أكثر من رائعة. كان كلّما فكّر بمشروع جديد يجد زوجته تسهر لأجله تكتب المشاريع معه وتفكّر، وأحياناً عندما يكون مرهقاً يستيقظ فيجدها قد كتبت كلّ البحث له، بل وصححت الأخطاء التي لم ينتبه إليها.
كانت والدة دولي تسكن معهم وتهتم بالأطفال والمنزل عند انشغال ابنتها. ولكن وجدت دولي نفسها فجأة تترك العلم والأبحاث وتقضي معظم وقتها تنظّف المنزل وتحضّر الطعام لاضطرار آينشتاين إلى السفر لبلاد أخرى بسبب عمله. حاولت دولي بشتّى الطّرق الموازنة، ولكن كسل آينشتاين وأنانيّته المفرطة جعلها وحيدة، ولم يترك أيّ خيار لها، فتركت دولي كلّ شيء لتهتمّ بأبنائها، ووافقت أن تكون فقط ربّة منزل وتخلّت عن أحلامها المهنية في سبيل تربيتهم. زادت الخلافات بين آينشتاين ودولي كلّما رأته ينطلق في هذا العالم من مؤتمر إلى محاضرة إلى جائزة، في حين كانت هي ترمي نفسها على الكنبة بعد ترتيب غرف الأطفال محاولة تذكّر آخر معادلة قامت بحلّها.
تضخّمت أنانيّة آينشتاين وعشقه للعلم عندما بدأت أبحاثه بالانتشار، وفي مرحلة ما تعرّف على فتاة جميلة أخرى، ونشأت بينهما علاقة، ومن بعد ذلك طلب الطّلاق من دولي. وصف آينشتاين بيته مع دولي "بالغائم"، وبيته مع عشيقته "بالمشمس". فهو كان يرى في دولي الزّوجة الغاضبة، غير السعيدة، شعرها منكوش وتقضي وقتها تنتظر عودته من رحلاته لتسأله أين كنت. بينما كان يرى في عشيقته المرأة الذّكية الأنيقة، تلبس أجمل الألوان ودائما معطّرة وشعرها مصفّف. ولكنّ دولي رفضت الطّلاق. وبناء على القوانين اليهودية في ذلك الوقت لا يستطيع آينشتاين تطليق زوجته إلا بموافقتها، ولأنّها رفضت، وضع هو قائمة بالأمور التي يجب على دولي القيام بها في سبيل إنجاح هذه العلاقة.

وهذا ما احتوته القائمة:
١- توفير ٣ وجبات ساخنة يوميّاً.
٢- الخروج للسّوق مرّة كل يومين للتّبضّع.
٣- تنظيف المنزل يوميّاً دون مساعدة أحد.
٤- عدم سؤال آينشتاين أي شيء عن عمله واجتماعاته.
٥- عندما يطلب منها آينشتاين أن تغادر غرفة ما لأنّه مشغول بالتّفكير، عليها المغادرة فوراً دون اعتراض.
٦- أن لا تطلب منه أي مَهمّة منزليّة.
٧- قطع أي علاقة حميمية بينهم.
٨- أن لا ترافقه في أيّ اجتماع ولا رحلة عمل.
رغم أنّها كانت تعرف بخيانته، إلا أنّها نفّذت الشّروط خوفاً على أطفالها، ولأنّ المجتمع في ذلك الوقت كذلك كان ينظر للمرأة المطلّقة على أنّها "منحوسة" بينما ينظر للرّجل الخائن على أنّه يمر "بنزوة" أو أنّ زوجته بالتأكيد مقصّرة معه.
الوجه الآخر لآينشتاين 14--65
آينشتاين مع زوجته الثانية إلسا (مواقع التواصل)
كانت تجلس لساعات تبكي لوحدها وهي ترى كل ما حلمت به، وكل ما حلم به والدها قد أصبح من الماضي. حتّى أنّ آينشتاين قام بنشر الكثير من الأبحاث التي كتبتها هي وبجهدها، وعندما طلبت منه وضع اسمها على البحث بجانب اسمه ردّ عليها "أنا وأنتِ واحد، وليس من الضّروري التّفرقة بالأسماء". ومضت هذه الحال حتّى أصبحت زوجته إنساناً شبحاً لا يعرفها أيّ أحد بعد أن كانت أذكى طالبة علوم في أوروبا كاملة.
بعد أن استحالت الحياة بينهما، تفرّقا دون طلاق لسنوات، وعاشا في بلدين مختلفين. قبل أن يعود ليطلب الطّلاق ليستطيع الزّواج من عشيقته. هذه قصّة رجل عظيم عبقريّ، نعرف من علومه الكثير ولا نعرف عن حياته إلا القليل القليل. سيرته مليئة بالتّخبطات الاجتماعيّة التي جعلته يشعر أنّ العلوم والبحث والنّجاح أولوية له، بينما الأولويّة لزوجته هي رعاية الأطفال. بطريقة غير مباشرة أشعرها أنّ ما يقدّمه للعالم.. أهم مما تقدّمه هي.
آينشتاين كان عبقريّاً بلا شك، وقدّم للعالم ما لم يقدّمه كل من سبقه، قبل أن يتعرف على دولي، وخلال زواجه، وبعد الطلاق. ولكنّه حرم دولي والعالم مما كانت قد تكونه، وأنكر في أبحاثه أيّ دور لها في فترة كان فيها ضعيفاً وحتى هو كان يشكّ في علمه. إيماني بفطرة الأمومة لدى المرأة إيمان قويّ، ولكن إيماني قويّ كذلك بأنّ هناك أحيانا نزعات أخرى ورغبات قد تتفوّق وتطغى وتنتصر على هذه الفطرة.
الوجه الآخر لآينشتاين 14--66
دولي لم تسعد يوماً في حياتها.. ولم ترد يوماً إنجاب أيّ طفل. وآينشتاين عاش يحمل ذنب أنّه حَرَمَ من يحب (دولي)، ممّا تُحب (العلوم)، وحوّلها لإنسانة لا تريد أن تكونها بسبب خضوعه لمجتمع حدّد لكل جنس، دوره. وماتا على ذلك..
بعد مرور ١٠٠ عام على هذه القصّة، لا زالت تتكرّر كلّ يوم في مجتمعات كثيرة.
هذا هو دورك، وهذا هو دوره، وما غير ذلك لا يصحّ..


المصدر: مواقع ألكترونية.