مفهوم الصراع الداخلي بين العقل السليم والشجاعة
فريديرك نيتشه:إن العقل السليم ينادي الأبطال قائلا: أي حمل هو الأثقل لأرفعه فتغتبط به قوتي؟ أفليس أثقل الأحمال هو في الانصياع لإنزال العذاب بالغرور؟ أفليس أثقلها أن يبدي الإنسان اختلالا لتظهر حكمته جنونا؟
إن هذه العبارة تعبر عن مفهوم الصراع الداخلي بين العقل السليم والشجاعة. يتساءل العقل السليم عن التحدي الأكبر الذي يمكن أن يواجهه الأبطال ليختبروا قوتهم الحقيقية. يجيب بأن التحدي الأكبر هو التغلب على الغرور والعناد، وهو حمل ثقيل يتطلب قوة وإرادة عظيمة. كما يشير إلى أن أصعب التحديات هي تلك التي تتطلب من الإنسان أن يظهر ضعفًا ليكشف عن حكمته، مما يجعله يبدو مجنونًا في نظر الآخرين. هذه العبارة تبرز الصراع بين الحكمة والقوة والعقلانية والشجاعة في مواجهة.
فريدريك نيتشه كان فيلسوفًا ناقدًا للعقلانية التقليدية، وخاصةً تلك التي تُمجد العقل السليم كمعيار أعلى للحقيقة والأخلاق. نيتشه رأى أن العقل السليم غالبًا ما يكون قيدًا يحد من الفرد ويعيقه عن تحقيق إمكانياته الكاملة.
في أعماله، قدم نيتشه مفهوم "العقل السليم" كنوع من العقلانية التقليدية والموضوعية التي يروج لها المجتمع والتي تسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن. ولكن بالنسبة لنيتشه، هذا النوع من العقلانية غالبًا ما يكون أداة للقمع والسيطرة، ويمنع الأفراد من السعي نحو التحول والنمو الشخصي.
بدلاً من ذلك، دعا نيتشه إلى "إرادة القوة"، وهي فكرة ترتكز على تجاوز القيود التقليدية والتحدي الدائم للنفس. رأى أن الحقيقة ليست ثابتة بل هي نسبية وتعتمد على المنظور الشخصي. ومن هنا، انتقد نيتشه المفاهيم التقليدية للعقل السليم بوصفها عائقًا أمام الإبداع والتحرر الشخصي.
نيتشه رأى أن العقل السليم غالبًا ما يكون مشروطًا بالقيم والأعراف الاجتماعية السائدة، والتي قد تحد من الإبداع والتفرد. لذا، كان يدعو إلى التحرر من هذه القيود لتحقيق "إرادة القوة"،يعني التحرر من قيود الاجتماعية .
بالنسبة لنيتشه، الحياة يجب أن تعاش كعمل فني. هذا يتطلب تجاوز العقل السليم والاعتماد على القوة
الداخلية والغرائز والإبداع الشخصي.
بالتالي، يمكن القول إن نيتشه لم يكن معاديًا للعقل السليم بقدر ما كان ناقدًا له، معتبرًا أنه يجب تجاوزه لتحقيق حياة أكثر تحررًا وإبداعًا واستكشاف أبعاد جديدة للحياة والوجود.
المصدر: مواقع ألكترونية