مملكة الوندال في افريقيا : (435 - 534 م)
مملكة الوندال في افريقيا : (435 - 534 م)  0--18
تعد مملكة الوندال المملكة الجرمانية القديمة الوحيدة في قارة أفريقيا ، حيث حكمت هذه المملكة مدة قرن أجزاء من المغرب العربي من الولاية الرومانية المسماة قديما Africa Proconsularis و لاحقا من مدينة شرشال إلى طرابلس الغرب و شمالا إلى جزر سردينيا و كورسيكا.. حيث حكم هؤلاء الجرمان البرابرة Barbarian شمال افريقيا و جزر الحوض الغربي للمتوسط لمدة قرن من الزمن ، و استطاعوا هزيمة الرومان و فرض مذهبهم الديني الآريوسي Arianism على السكان المحليين.. فتمتد ملحمة هذا الشعب المحارب عبر خمس قرون من غابات بولندا الباردة إلى صحاري افريقيا و شواطئها الدافئة ، ليكونوا الجرمان الوحيدين الذين أسسوا مملكة بارض افريقيا .
مثلما أن شبه الجزيرة العربية خزان العرب و اصلهم فإن شبه جزيرة اسكندنافيا Scandinavia خزان الشعوب الجرمانية ، حيث هاجر الوندال من جنوب السويد إلى بولندا  في القرن الثاني ق.م الميلاد و استوطنوها ، و عُد الوندال من الجرمان الشرقيين مثل القوط Goths و البرغونديين Burgundians ... أول من ذكر الوندال هو Pliny the elder في 77 م في غابات بولندا ... نزح بعد ذلك الوندال جنوبا و استوطنوا مناطق مجاورة للإمبراطورية الرومانية في أوربا الوسطى و جبال الكربات في ما يعرف الآن بالمجر ( هنغاريا ) و جمهورية يوغوسلافيا السابقة ... لكن سنة 376 م بسبب قدوم فلول الهون المحتاجين من الشرق اضطر الوندال مع شعوب بربرية اخرى Barbarians للدخول لاراضي الإمبراطورية هربا من الهون حيث استقروا في سويسرا اولا و الالب ثم اتجهوا الى بلاد الغال ( فرنسا ) ، و عرفت هذه الفترة بحقبة الهجرات البرابرية Barbarian invasions بالالمانيه völkerwanderung .. هاجر مع القوط ايضا السويبيين Suebi و هم كذلك قبائل جرمانية  و الآلان Alans و هي قبائل بدوية إيرانية تنحدر من سهوب اوكرانيا و البحر الاسود جاءت للمنطقة لتندمج مع الوندال هربا من الهون ... سنة 409 م دخلت هاته الاقوام المتبربرة إلى ايبيريا حيث واجهوا الرومان و القوط ، و هناك اصبح قائدهم في ايبيريا هو جنسريك Geiseric سنة 428 م ( خلفا لاخيه Gunderic )  الذي سيقودهم في بقية الرحلة ..
مملكة الوندال في افريقيا : (435 - 534 م)  11045
بقي شعب Suebi بشمال ايبيريا  ، و اتحد شعبي Alans and Vandals الآلان و الوندال تحت قيادة جنسريك Geiseric و ساروا جنوبا  في ماي 429 م ليقطعوا مضيق جبل طارق و رافقهم بعض القوط و الاسبان الرومان Hispano-Romans ، و حسب الاسقف Victor Vitensis الذي كان معاصرا للأحداث فقد عبر الوندال إلى افريقيا بأكثر من 80.000 إنسان!! من أطفال و نساء و عبيد و محاربين ، و حسب Procopius فإن الوندال قسموا جيشهم إلى 80 وحدة عسكرية كل وحدة يقودها ضابط ...و قد توجهوا على السواحل الأفريقية حيث عبروا ممر تازة متجهين إلى Altava التي دمروها ثم اجتاحوا المدن التالية : من معسكر و Caesarea شرشال و سطيف و بجاية Saldae و قسنطينة Cirta و قالمة وصولا إلى عنابة ( هيبون Hippo Regius ) سنة 430 م و حاصروها حيث مات القديس اوغسطين قبل سقوط المدينة في يد الوندال ،و اكملوا اجتياحهم إلى أن وصلوا Byzacena في تونس الحالية ... و يبين هذا الاجتياح السريع لافريقيا في غضون سنة القوة التدميرية للوندال و براعة هؤلاء الجرمان العسكرية و ضعف الروم في الأقاليم الأفريقية آنذاك ... جعل قائد الوندال جنسريك Geiseric عاصمته في هيبون ( عنابة  ) سنة 435 م ، ثم استولى على قرطاج سنة 439 م ، ثم في الأخير اضطر الامبراطور Valentinian III الاعتراف بالوضع الراهن سنة 442 و زوج ابنته الأميرة الرومانية Eudocia لابن جنسريك Huneric ..
نهب جنسريك ملك الوندال  روما سنة 455 م Sack of Rome 455 AD لمدة اسبوعين ، و سنة 468 م أرسل الامبراطور Leo ألف سفينة من القسطنطينية لاسترجاع افريقيا ، لكن جنسريك استطاع هزيمتهم بسبب الرياح و الهجوم المفاجئ ، و في سنة 474 م عقد Zeno خليفة ليو معاهدة سلام مع الوندال لتستمر لمدة 60 سنة.... توفي جنسريك سنة 477 م بعد أن كان قد رافق الوندال في رحلتهم لأكثر من 70 سنة من الراين إلى افريقيا و حكم افريقيا مدة خمسين سنة ليكون اطول ملوك البرابرة حكما ...
مملكة الوندال في افريقيا : (435 - 534 م)  0---16
كان ملوك الوندال يسمون أنفسهم rex Vandalorum et Alanorum أي مالك الوندال و الآلان ، و قد حمل هذا اللقب خلفاء جنسريك من Huneric إلى Gelimer ، و اعتقد المسيحيون أن الوندال ابتلاء من الله لهم ...
تزوج ملك الوندال Thrasamund أخت ملك القوط الشرقيين ( Ostrogoths) Theoderic و اسمها Amalafrida سنة 500 م ، لتوطد علاقة مملكة الوندال مع القوط الشرقيين إلى وفاته سنة 523 م ، لكن خليفته Hilderic سيقتل الملكة القوطية و اتباعها .. و سينشر الوندال مذهبهم الديني Arianism بالقوة و سيطهدون المسيحية النيقية ( الكاثوليكية) Nicene ، و الآريوسية هي مذهب مسيحي ينكر التثليت...
أخذ الجنرال الروماني Belisarius بيليساريوس 15000 جندي إلى افريقيا لمحاربة الوندال ، حيث حارب أخ الملك Gelimer المسمى Tzazo في معركة Tricamarum سنة 533 م ( في تونس الحالية ) حيث قُتل 800 وندالي مقابل 50 روماني فكانت بذلك نهاية مملكة الوندال بافريقيا حسب Procopius ... تحصن ملك الوندال Gelimer في أحد الحصون بجبال الاطلس لكن امسك به الرومان و نفوه إلى الانضول و نقلت ثروات الوندال العظيمة من ذهب و فضة من هيبون ( عنابة ) إلى إسبانيا ...
مملكة الوندال في افريقيا : (435 - 534 م)  0--19
منذ 477 م أصبح ملك الوندال ينقش عملة خاصة من البرونز و الفضة مكتوب عليها اسمه باللاتينية ، و كان اسم العائلة الملكية الحاكمة للوندال في أفريقيا Hasdingi هاسدينغي .. و بالنسبة للغات في مملكة الوندال كانت اللاتينية اللغة الرسمية للكتابة و التدوين ، و الوندالية الجرمانية Vandalic فكانت لغة الجيش و النخبة الحاكمة ، و اللاتينية الأفريقية ( اللاتينية الشعبية ) البونيقية و اليونانية اللغات المتحدثة من قبل السكان في المدن و الليبية اللغة المتحدثة في الجبال و المناطق القروية ، و حسب Procopius في كتابه De bello Vandalico فان جنسريك أعطى أفضل الاراضي الأفريقية للشعب الوندالي و الآلان و لم يكونوا يدفعون الضرائب كبقية الأفارقة و الرومان... و لم تكن مملكة الوندال مختلفة عن بقية الولايات الرومانية الأفريقية في عاداتها و طبعها لكنها كانت مختلفة في الدين ( الآريوسية) و الجيش و الحُكام الذين كانوا جرمانًا ...
مملكة الوندال في افريقيا : (435 - 534 م)  0---17
يعرف الآن مصطلح وندال أو وندالي لوصف الهمجية التخريبية ، و استعمل لفظ Vandalism لأول مرة من قبل Henri Baptiste Grégoire لوصف همجية ثوار الثورة الفرنسية سنة 1794 م. ..و قد خُصَّ الوندال بهاته الهمجية لسبب مهم هو أنهم كانوا اريوسيين مهرطقين في نظر الكُتَّاب الرومان و كذلك بسبب اضطهادهم للكاثوليك و فرضهم للمذهب الآريوسي ما ولّد حقد الكنيسة عليهم ... أما بالنسبة للنهب و الدمار فقد حدث في العهد الوندالي في الفترتين 429-435 م و 439 - 442 م .... على أي فكانت مملكة الوندال مملكة بربرية Barbarian Kingdom عادية مثل الفرنكيين و القوط و الانجلو سكسون حيث سادت الوحشية و البربرية في بدايتها ثم نظمت نفسها ، غير أن مملكة الوندال كانت أكثر تأثرا بالتنظيمات الرومانية من الممالك البربرية الاخرى كذلك كان عندها دين مغاير عجل زوالها ، فلم يكن بامكان الرومان التسامح مع وجود مملكة هرطقية بالمنطقة و لو تبنى الوندال الكاثوليكية كانوا سيبقون لوقت أطول كما فعل أبناء عمومتهم القوط و الفرنكيون .... على أي نجح الجرمان بعد ترحال طويل دام أربعمائة سنة من إيجاد أرض جديدة في افريقيا في مكان لم يتوقوا الوصول له من قبل و أسسوا مملكة ناجحة كانت لها سطوة بحرية على سواحل البحر الأبيض المتوسط الغربية .. لكن بعد وفاة ملكهم جنسريك بدأت الدولة تتراجع نوعيا و عرفت نهايتها زمن Gelimer بعد أن شن عليها الجنرال الروماني بيليساريوس حملة ساحقة و بذلك تختفي أول وآخر ممالك الجرمان بافريقيا و المغرب القديم ...


المصدر :
Vandals , Romans and Berbers ; New perspective on late antique North Africa _ Edit by : A.H. Merrills, 2004 .