لورانس العرب.. السعودية تحتفي بضابط المخابرات البريطاني الذي قاد حملة ضد العثمانيين
الملك فيصل ويظهر خلفه الأول من اليمين تحسين قدري وتوماس إدوارد لورانس المعروف بـ"لورانس العرب" ثم نوري السعيد ورستم حيدر (ويكي كومنز)
في خطوة اختلط فيها التاريخي بالسياسي، أعلنت وزارة السياحة السعودية أن المنزل الذي أقام فيه لورانس العرب عشية حملته الشهيرة في الصحراء يجري تحضيره ليكون معلما يجذب السياحة.
وذكرت صحيفة تلغراف البريطانية في تغطيتها القرار السعودي أن المقدم تي إي لورانس أقام لفترة وجيزة في ميناء ينبع على البحر الأحمر خلال ما عرفت باسم "الثورة العربية الكبرى" عام 1916 عندما أصبح الميناء قاعدة إمداد مهمة للقوات البريطانية والعربية التي قاتلت الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
وعلى الرغم من دعوات مؤرخين لحماية الموقع فإن المنزل الذي أقام فيه لورانس -وكان يتألف من طابقين- كان خرابا، وسط شائعات بين السكان بأن المنزل المهجور مسكون بالأشباح.
وقال عمدة ينبع أحمد المحتوت إنه بحلول نهاية العام الجاري قد يكون المنزل جاهزا للسياح لزيارته كجزء من حملة أوسع للمملكة لجذب المزيد من الزوار الأجانب على الرغم من قيود السفر بسبب جائحة كورونا، بحسب ما نقلت الصحيفة البريطانية.
وتابع المحتوت "لقد انتهينا للتو من المرحلة الأولى من الترميم"، معتبرا أن كثيرا من السياح الأجانب سيودون زيارة منزل ضابط المخابرات البريطاني.
المنزل التاريخي الذي تم تجديده في ينبع حيث أقام لورنس العرب بشكل متقطع بين 1915-1916 (غيتي إيميجز)
وخلال الثورة العربية تم إيفاد لورانس لمساعدة رجال القبائل البدوية المحلية على الإطاحة بحكامهم الأتراك الذين كانوا متحالفين مع ألمانيا ضد البريطانيين والفرنسيين في الحرب العالمية الأولى.
وفي سيرته الذاتية "أعمدة الحكمة السبعة"، أشار لورانس إلى أن فشل العثمانيين في الاستيلاء على ينبع في ديسمبر/كانون الأول 1916 كان حاسما لنجاح حملة الشرق الأوسط بأكملها، وكتب "في تلك الليلة -على ما أعتقد- خسر الأتراك حربهم".
وقاد ضابط المخابرات البريطاني هجمات على سكة حديد الحجاز العثمانية، وحملة للسيطرة على مدينة العقبة، وقال فيليب نيل رئيس جمعية "تي إي لورانس" إن لورانس ربما قضى أياما فقط في منزل ينبع، حيث كان "يتنقل باستمرار".
وأضاف أنه يمكن أيضا تطوير مواقع أثرية أخرى في المملكة العربية السعودية والأردن "لا تزال هناك بقايا قطارات ملقاة في الصحراء فجرها لورانس".
وفي بريطانيا، يتم إحياء ذكرى لورانس في سرداب في كاتدرائية القديس بولس، مع لوحات زرقاء على منازله السابقة في أكسفورد ولندن، وفي مواقع في دورست (جنوب غرب إنجلترا)، حيث توفي في حادث دراجة نارية عن عمر يناهز 46 عاما.
المستشرقون البريطانيون
وفي كتابه "المستشرقون البريطانيون في القرن العشرين" يستعرض الباحث والمستعرب البريطاني ليزلي ماكلوكلين أستاذ الدراسات العربية في جامعة إكستر نماذج من المستعربين البريطانيين الذين يعرفهم بأنهم تلك الشرائح من الباحثين والأكاديميين والرحالة والدبلوماسيين والجواسيس والمؤرخين الذين شدهم الاهتمام إلى المنطقة العربية عبر القرون، وسافروا إليها وتعلموا العربية فيها، ثم عايشوا أهلها وكتبوا عنهم، وعمليا أسسوا لعلوم التاريخ والدراسات الخاصة بالمنطقة في الغرب.
ومن أبرز هؤلاء لورانس العرب الذي وصل إلى دمشق عام 1917 مع الجيش البريطاني، وكان أول شيء قام به زيارة قبر صلاح الدين ونزع قلادة إعجاب كان قد وضعها على القبر الإمبراطور الألماني وليام الثاني في زيارة له للقبر، وأخذها معه إلى بريطانيا وما زالت حتى اليوم في المتحف الحربي البريطاني ومعها ملاحظة مكتوبة من لورانس تقول "لم يعد صلاح الدين بحاجة لها بعد الآن".
وكان لورانس قد درس العربية في أكسفورد على يد مستعرب آخر مشهور هو ديفيد جورج هوغارث الذي يعتبر من أشهر الجواسيس المستعربين، ثم انتقل بعد ذلك إلى لبنان ودرس العربية على يد مدرسة لبنانية مسيحية هي السيدة فريدة عقل، لكن ظل كثيرون يشكون في مدى إتقانه للعربية، فقد رد على بعض الرسائل العربية للأمير فيصل باللغة الفرنسية.
ويدور الجدل بشأن حقيقة الدور الذي قام به لورانس في "توجيه" الثورة على الأتراك، ويرى مؤرخون أن ذلك الدور مبالغ فيه، كما أن تقييماته واستشاراته لرئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل لم تتصف بالدقة والعمق، فعلى سبيل المثال كان قد أشار على تشرشل في توصيات مطولة رفعها له بأن على بريطانيا الانتباه بشكل كبير إلى ما يجري في اليمن، وعلل ذلك بقوله "لأنه حيث يسير اليمن يسير العالم العربي".
الخديعة الكبرى
وصدر حديثا عن منشورات "أتلانتيك" لعام 2020 كتاب "كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب؟ المؤتمر العربي السوري لعام 1920 وتدمير التحالف التاريخي الليبرالي-الإسلامي" للمؤلفة والأكاديمية الأميركية إليزابيث طومسون.
وروت المؤلفة قصة ما عرفت بالثورة العربية الكبرى، وتعرضت لما جرى في أكتوبر/تشرين الثاني 1918 عندما دخل الأمير فيصل وضابط المخابرات البريطاني لورانس وقادة عرب دمشق، حيث أعلنوا حكومة دستورية في سوريا الكبرى المستقلة.
المؤرخة الأميركية إليزابيث طومسون تعتبر الغرب مسؤولا عن فشل الديمقراطية عربيا (مواقع التواصل)
وفي العام التالي، وفي مؤتمر باريس للسلام حصل فيصل على دعم الرئيس الأميركي ويلسون الذي أرسل لجنة أميركية إلى سوريا لتقصي تطلعات شعبها السياسية، ومع ذلك فإن قادة الحلفاء الآخرين في باريس -وفي وقت لاحق مؤتمر سان ريمو- انتقدوا الديمقراطية العربية، واعتبروها تهديدا لحكمهم الاستعماري.
وفي 8 مارس/آذار 1920 أعلن المؤتمر العربي السوري الاستقلال وتوج فيصل ملكا بـ"ملكية تمثيلية"، ودعم رجل الدين والمفكر الإسلامي رشيد رضا هذا الخيار، وقاد الجمعية التأسيسية لتحقيق المساواة بين جميع المواطنين -بمن في ذلك غير المسلمين- بموجب شرعية كاملة من الحقوق، بحسب المؤلفة.
لكن فرنسا وبريطانيا رفضتا الاعتراف بحكومة دمشق، وبدلا من ذلك فرضتا نظام انتداب على المحافظات العربية في الدولة العثمانية المهزومة في الحرب، بحجة أن العرب لم يكونوا مستعدين بعد للحكم الذاتي.
وبموجب هذا الانتداب، غزا الفرنسيون سوريا في أبريل/نيسان 1920 وسحقوا الحكومة العربية، وأرسلوا قادة المؤتمر السوري العام إلى المنفى، وتم تدمير الائتلاف الهش المشكل من تحالف "الحداثيين العلمانيين والإصلاحيين الإسلاميين" الذين ربما يكونون قد أسسوا الديمقراطية الأولى في العالم العربي، بحسب تعبير الكتاب.
المصدر : الجزيرة + الصحافة البريطانية