من أين تأتى العناصر الكميائية؟
هل سبق وتساءلت من أين أتت العناصر الكميائية التى تشكل هذا العالم مثل الأكسجين والنيتروجين والكربون والحديد إلخ، بل وحتى العناصر التى تشكل جسدك وكل كائن حى!
من أين آتت تلك العناصر وكيف وصلت إلى مكانها الحالى؟
الإجابة المختصرة لسؤال من أين تأتى العناصر المُشكلة لكل شئ حتى الكواكب والأقمار والكائنات وحيدة الخلية، تكونت منذ زمن بعيد فى باطن النجوم.. فى كتاب كارل ساغن "الكون" يقول :
(لكي تـصـنـع فـطـيـرة تـفـاح تحـتـاج إلـى الـدقـيـق والتفاح وإلى شيء من هذا وذاك، وإلى حرارة الفرن. إن المواد مؤلفة من جزيئات كالسـكـر والمـاء عـلى سبيل المثال. والجزيئات بدورها تُصنع من الذرات كالكربون والأكسجين والهيدروجين وعناصر قليلة أخرى. فمن أين تأتي هذه الذرات؟ إنها تصنع كلها في النـجـوم. الـنـجـم هـو نـوع من المطابخ الكونية التي تطبخ فيها الذرات، لتشكل ذرات أثقل فيأتى الهيليوم من دمج الهيدروجين، والكربون من دمج الهليوم، والأكسجين من الكربون إلخ.)
إذا كانت تلك العناصر تتشكل داخل النجوم، إذًا... كيف وصلت إلى كوكب مثل الأرض؟! الفكرة هى أنه بعد ميلاد النجوم فهى تحيا عن طريق دمج الذرات لتمد نفسها بالطاقة.. ولكن هذه الطاقة ليست لا نهائية.. وفى مرحلٍة ما ينفذ الوقود النووى للنجم.. ويتحول إلى طور العملاق الأحمر. وفى اللحظات الأخيرة قبل أن ينفجر النجم فى هيئة مستعر أعظم، يندفع السطح الخارجى للنجم على قلب النجم.. مثل الكرة التى أصبحث أصغر وأنكمشت بشكل مفاجئ..
تأمل معى الفكرة التالية حتى تقترب من فهم اللحظة الأخيرة فى حياة النجوم.. لنفترض أنه يوجد متفجرات TNT على أرضية غرفة.. وفجأة سقط سطح الغرفة على المتفجرات.. وقوع السقف على المتفجرات سيتسبب فى تفجيرها، وسرعان ما سيرتد السقف للإتجاه المعاكس، في وقوع السقف كان الفعل، وارتداده بسبب الإنفجار هو رد الفعل.
تأملت الفكرة؟! السطحى الخارجى للنجم يضغط على قلب النجم.. الضغط هنا يكون شديدًا للغاية لدرجة أن السنتيمتر المكعب الواحد تصل كثافته إلى مليار طن.. وعندما ينضغط السطح على النجم يرتد مرة أخرى إلى الإتجاه المعاكس.. هذا ليس إنفجار قنبلة هيروشيما أو قنبلة هيدروجنية عملاقة!
هذا إنفجار نجم.. مستعر أعظم بإمكانه تجريد أى كوكب من غلافه الجوي لو كان قريبًا منه فى نطاق 100 سنة ضوئية، المستعر الأعظم يكون أكثر لمعانًا من مجرة بأكملها، والمجرة تحوى مليارات النجوم.. فتأمل فكرة موت النجم الذى يصدر ضوء أكثر من الضوء الصادر من مجرة كامله لعدة أيام، وهذا كافٍ ليبين لك مدى قوة السوبر نوفا.
لكن ما هو السر فى قوة الإرتداد؟! يكمن السبب فى القوة النووية الضعيفه، فعندما أنكمش النجم واندفع السطح على النواة، فى تلك اللحظة عندما تنضغط البروتونات والإلكترونات داخل النجم بعنف.. هنا القوة النووية تبدأ فى تحويل البروتونات إلى نيوترونات.. وتقوم النيوترونات بدفع سطح النجم للخارج فى إنفجار كارثى، يشبه الأمر كأن شيئًا ما ينضغط عليك، ولكنك تقرر المقاومة وتدفع هذا الشئ بعيدًا عنك.. وفى لحظة معينة تتمكن النيوترونات من صنع ضغط عكس يدفع بسطح النجم للخارج مما يسبب السوبرنوفا .
وفى تلك اللحظة تكون درجة الحرارة بمئات الملايين و المليارات، وبسبب الحرارة العالية يتم تشكيل عناصر جديدة إلى الوجود لم تكن موجودة من قبل مثل الذهب وحتى اليورانيوم والبلاتينيوم.. وبسبب إنفجار النجم تتناثر كل تلك العناصر فى الفضاء.. ومع الوقت وعندما يبرد هذا الغبار النجمى، تتشكل منه أنظمة نجمية جديدة وكواكب وأقمار تحمل العناصر نفسها.. لذا، فالذهب الذى نملكه سواء فى جسدنا أو الحلى فقد آتى من موت النجوم.. وكما يعبر كارل ساغن "نحن مكونون من غبار النجوم"
فى الصورة هنا آلة تصنيع النجوم العملاقة "سديم الجبار - Orion Nebula" الذي يمتد طوله لأكتر من 24 سنوات ضوئية، ولك أن تتأمل أن السنة الضوئية الواحدة تساوى ٩.٥ تريليون كم!.
المصدر : مواقع إلكترونية