عسكر الزواوة
يرتبط اسم عسكر الزواوة في المخيلة الشعبية التونسية بالمرتبة الدونية والمحتقرة وبالفئة المهمشة اجتماعيًا واقتصاديًا وتجلى ذلك خاصة في المثل الذي يضربه السكان عند حديثهم عن الشقاء وسوء الطالع، فيقول أحدهم وهو يندب حظه: “حدث لي كما حدث لعسكر زواوة.. متقدم في الحرب متأخر في الراتب”، وهو توصيف يحمل بين طياته مفارقة كبيرة، فرغم الزج بهم في فوهة المدفع وفي الصفوف الأولى للمعارك، فإن هذه الفئة تُعاني من ضعف الرواتب وتأخرها في كثير من الأحيان.
أصولهم من منطقة القبائل الجزائرية استنجد بهم حكام تونس الاتراك منذ آخر القرن 16 أي جاؤوا في نفس الوقت مع جند الانكشارية و عساكر الترك: جيشان وافدان على البلاد ..حتى تكون صلتهم بأهلها ضعيفة ..بمرور الوقت تتونس الترك و أيضا الزواويون ..الذين كانوا يختصون بأبراج العسة في المدن الكبرى أين توجد الأسوار و الأبواب و قشل العسكر ..
أتى الزواوة الى تونس “عزّابا” و يبقون وقتا كبيرا على ذمة الجندية ” مغندفين” يقضون أغلب حياتهم في جبهات الحرب و حياة الثكنة الوعرة و المملة ,,, قاموا بعدة تمردات كانت ـاتي عليهم بالوبال …أسماؤهم مميزة حمّو محنّد أحسناوي أمزيان قادة لحسان عميراش ايدير ميهوب … ثم تدريجيا تغيرت اسماءهم و “تتونست” ..و ابتعدت عن الموروث القبايلي…الألقاب أبضا زواوي و زواغي و مزوغي لاغا و للرثاني و محواشي و جلجلي و جليلي ( من منكم يتذكر تشكيلة الترجي في كرة اليد في السبعينات سيكتشف منير الجليلي و الناصر الجلجلي ).. أغلبهم كان مرتبطا بعادة سيدي البشير وهو وليهم الحامي دفين باب الجزيرة بالحاضرة .. و خاصة زواجهم عندما بدأوا في التتونس .
نفهم من هنا، أن زواوة هو جيش غير نظامي ونوع آخر من تشكيلات الجيش التونسي غير أنه يختلف عن الوحدات العسكرية النظامية التي تعمل تحت السلاح وتقيم في ثكنات بشكل دائم، فأفراد هذا النوع يعيشون وسط الناس وفي المدن والقرى ويقوم البعض منهم بالحراسة وفق نظام خاص بهم بأمر من الدولة، فهم في حكم الجنود المسرحين إلا أنهم يختلفون عن هؤلاء أيضًا، لأنهم تحت الطلب يشاركون في المحلات السنوية والاستثنائية (الجباية)، وأبناء هذا الجيش غير النظامي جنود بالوراثة عند بلوغ سن السابعة عشر، ولا يدخلون نظام القرعة مثل غيرهم من سكان المدن والقرى ذوي الأصل التونسي، وتشمل عناصر هذا الجيش غير النظامي فيما يسمى حينذاك: عسكر الحنفية وعسكر زواوة وأوجاق المخازنية.
بحسب المؤرخ التونسي عبد الواحد المكني، فإن عساكر زواوة الذين حلّوا بالبلاد إبان حكم الأتراك أواخر القرن الـ16 قدموا إلى تونس “عزّابًا” ويعرف عنهم بقائهم ذمة الجندية “مغندفين” (على استعداد) وقضائهم لأغلب حياتهم في جبهات الحرب وحياة الثكنة الوعرة والمملة، فيما وصفهم أبي الضياف في كتابه الاتحاف بأنهم قوم ذو شدة يمتازون بقلة المرونة.
يمتاز عسكر زواوة أيضًا بشجاعتهم وإقدامهم وصبرهم وجلدهم رغم قلة عتادهم وتسليحهم، لكنهم أيضًا معروفون بشدة كرههم للأتراك رغم أن الدراسات التاريخية لم تقدم ما يُفيد إذا كان بسبب التنافس في مجال العسكرية أو له دوافع أخرى عقدية أو ناتجة عن دخول العثمانيين للجزائر وتونس، لكن المؤكد تاريخيًا أن نفر من عسكر زواوة شارك في حرب القرن تحت لواء الخلافة العثمانية.
من جهة أخرى ما يُميز عساكر الزواوة عن باقي التشكيلات العسكرية، هو الطاعة، فإلى جانب عدم انشغالها بالسياسة على عكس الانكشاريين، يُعرف عن زواوة ولاءهم التام لسلطة البايات الذي وصل إلى حد مشاركتهم في الحرب التونسية الجزائرية التي قامت سنة 1807، إلى جانب قوات حمودة باشا، ضد قوات بلدهم.
في تصريح لـ”نون بوست” أكد المؤرخ التونسي محمد ضيف الله أن عسكر زواوة سبق وجوده الاستعمار الفرنسي بكثير ويرجع وجودهم إلى وصول العثمانيين إلى الجزائر وتونس، مضيفًا “هناك فكرة شائعة تقول إنهم من بربر الجزائر، وهذا أمر نسبي حيث نجد من بينهم من أتوا من مناطق أخرى حتى من طرابلس”.
قد تختلف المراجع التاريخية في بعض التفاصيل المتعلقة بنشأة عسكر زواوة ومساهمته في بناء الدولة التونسية وحمايتها، إلاّ أنها تجتمع في حقيقة واحدة وهو أن العسكرية في تونس كانت منظومة غير متجانسة، فهي تجمع الانكشاريين (الترك) وزواوة من قبائل جزائرية والحنفية (نسبة للمذهب الحنفي) والكراغلة، عجز البايات المتعاقبين على حكم الأيالة على تنظيمها وجعلها نظامية وموحدة، ويعود ذلك بالأساس إلى اعتناء الحكام بالبذخ والإسراف المالي المفرط وإلى جنوح بعض المسؤولين في الإيالة خاصة في عهد الصادق باي كمصطفى بن إسماعيل إلى إفراغ الجيش وإنهاكه قصد تهيئة الوضع لدخول الاستعمار.
وبحسب ذات المصدر، فإن الجيش عامة وزواوة خاصة عانوا من تأخر الرواتب لأشهر وغياب المؤونة واللباس والرعاية الصحية، فالتشكيلات العسكرية في القرن التاسع عشر لم تكن تعيش بمعزل عن معاناة عامة الشعب فقد أصابهم ما أصابه من جوع وأمراض وأوبئة كالطاعون في 1820 والكوليرا في 1850.
زواوة لا يختلفون عن العوام، فالبايات التونسيون عملوا على تطويع هذه الفئات عبر أدوات الترهيب والترغيب واستغلال طاعتهم للقبيلة والشيوخ الذين يُمارسون سلطتهم الدينية، ففي 1867 تم الاستعانة بالشيخ العربي البشيري وهو أحد مشايخ زواوة للتأثير على العساكر وإرغامهم على طاعة الأوامر والرضا بالقليل وبما تجود عليه الإيالة من ريالات معدودات، والمفارقة أن الشيخ خصص له مرتب سنوي إضافة إلى 8000 ريال مخصصة من نقابة الأشراف.
زواوة منتشرين في بنزرت و ماطر و الحمامات و نابل و سوسة و القيروان و الكاف و المكنين و المهدية و صفاقس و قابس و جربة و قفصة ..
”… كانوا عبارة عن فرقة “النظام العام ” اليوم عندما تشتد الفوضى في الحواضر . و لكنهم كانوا دوما شاقين و مذمومين ..من الجميع ..الأخطر ان قرارهم ليس بأيديهم ..كانوا دوما أتباعا ..و عندما يتمردون ..كان مصيرهم بائسا قاتما ..لأنهم عرضة للمؤامرات من قبل من استثيقوه على تدبير شأنهم العام و الخاص . تم حل عسكر زواوة سنة1883 م
بالنهاية، يمكن القول إن عساكر زواوة ظلموا تاريخيًا من خلال تقديمهم على شاكلة الجندي الوضيع المذموم والمكروه من التونسيين على اعتبار أن اسمه اقترن بجمع وتحصيل الضرائب والجباية عنوة، وقُدم على أساس عصا الحكام وأداة جورهم دون استعراض دورهم في المقاومة، والحال أنهم كانوا ضحية فساد نخبة حاكمة، وهو ما تفادته المؤسسة العسكرية التونسية الحديثة التي أولتهم مكانة في أرشيفها الوطني.
المصدر : مواقع إلكترونية