شهادات الراهب رافينا
شهادات الراهب رافينا 1-1003
شهادات جغرافي رافينا تثبت وجودا قويا للظاهرة الحضرية بمغرب ما قبل الإسلام
جغرافي رافينا أو راهب رافينا هو رجل دين إيطالي من أهل القرن السابع الميلادي، كان مهووسا بالتأليف الجغرافي و قام بتأليف نص كوسمغرافي جد دقيق اشتمل على جميع المعلومات الجغرافية و الطوبونومية عن العالم المعروف آنذاك من الهند إلى إيرلاندا، عاش راهب رافينا في أواخر القرن 7م و قد عاصر الفترة التي عرفت ما يسمى ب "الغزو الأموي" المزعوم للمغرب، يقع مؤلفه في 5 مخطوطات لاتينية و يعتبر من أعظم ما تم تأليفه في الجغرافيا.
إن ما يهمنا في هذه الوثيقة الثمينة هي العناية غير المسبوقة التي أولاها هذا الجغرافي لذكر معلومات مهمة عن مملكة_المغرب القديم موريطانية في هذه الفترة.. فلم يسبقه أحد في غزارة المعلومات المقدمة، يشهد جغرافي رافينا أن مملكة موريطنية في عهده تمتد من طنجة شمالا إلى الصحراء جنوبا.. ويقسّمها إلى 4 أقاليم كبرى:
• الإقليم الطنجي في الشمال الشرقي.
• إقليم غادتانيا في أقصى الشمال.
• إقليم إيكيل غربا.
• إقليم صحراء بيروسيس.
▪︎ و علاوة على ذلك قام هذا المؤلف بإحصاء 59 مدينة تشكل شبكة حضرية على امتداد الأقاليم الأربع، و أورد لائحة بأسمائها و مواقعها، و هذا عدد لا يستهان به و يفوق ما أورده المؤلفون السابقون، الجدير بالذكر أيضا أن المؤلف يستعمل الكلمة Civitas للإشارة إلى النقاط السكنية التي يتحدث عنها أي أنها تجمع سكني مدني كان سكانه مرتبطين ثقافيا و اجتماعيا و يحكم بينهم قانون و أعراف.
تثبت هذا الشهادات التاريخية ثلاثة نقاط مهمة: أولها أن امتداد الظاهرة الحضرية بمغرب ما قبل الإسلام كان يصل إلى المناطق الداخلية والمناطق الجنوبية، و ثانيها أن امتداد نفوذ المملكة الموريطانية كان يصل إلى أعماق الصحراء.
أما الثالثة فهي أن هذه الوثيقة التاريخية تزيد من تعميق الحرج الذي سقطت فيه الروايات العربية، بل الأدهى أنها تكشف عورتها، فبينما جغرافي رافينا الذي يعاصر أحداث الغزو المزعومة استطاع توفير هذا الكم الهائل و الدقيق من المعلومات و هو الذي لم يزر المنطقة بل انطلاقا من خلال الوثائق و الخرائط التي كانت بين يديه، فالرواية العروبية التي وضعها ابن عبد الحكم بعد 100 سنة من الأحداث لم تستطع في أفضل الحالات سوى ذكر بضع مدن كطنجة و أغمات و سجلماسة، فكيف يستقيم هذا و الغزاة الأموييون قضوا شهورا طويلة في العمل العسكري في نفس المنطقة، خصوصا كون الرواية تصر على أنهم وصلوا إلى المحيط الأطلسي و الصحراء.
أما الفضيحة الكبرى: كيف تمكن السوبرمان عقبة بن نافع من احتلال كل هذه المدن (59) مدينة في وقت وجيز؟ إن مجرد السفر بالجيش عبر شمال إفريقيا (دون قتال) يطرح تحديات لوجستية و تقنية هائلة فكيف إذا كان على هذا الجيش خوض معارك؟ بل و التعرض للهزيمة عدة مرات قبل إعادة الإنتصار؟
إن المعضلة الحقيقية هي أنه لا توجد حجة تشفع لهذه الروايات و لا منطق ينتزع لها على الأقل بعض القبول، فلا يمكن تناولها بالتفسيرات التاريخية و العقلية المنطقية بل يجب تفسيرها بمنطق قصص الأطفال، و هذه الحقيقة أصبحت واضحة خصوصا أن أغلبية ساحقة تدعو اليوم إلى إعادة النظر فيها، أما الأقلية المتبقية قد تخلت على الدفاع عنها، فمن ذا الذي يملك ما يكفي من التهور للدفاع عن روايات يكلم فيها عقبة وحيش الغابة؟ و قوم يونس الأسطوري؟


المصدر
Moorish History - التّارِيخ المَغرِبي المُورِي