جدارية اللبوة الجريحة
جدارية اللبوة الجريحة  11338
جدارية تعود الى عصر الملك اشوربانيبال(645-635) عام قبل الميلاد ، بعنوان (اللبوة الجريحة)
كان يتم إطلاق الأسود من الأقفاص إلى الساحة ، ويقوم الحرس باستدراجها إلى عربة الملك ، ليطلق عليها السهام و يرديها قتيلة.
في هذه الجدارية جسد النحات الآشوري عملا ملحميا متكاملاً ، فاللبوة الجريحة تحتضر لان السهام اصابتها اصابات قاتلة شلت النصف الخلفي منها ، الا انها كانت تجر نصفها الامامي و تحاول الوقوف لمهاجمة خصومها ، و هي تزئر زئيرها الاخير الذي كان عبارة عن مزيج من صرخات الالم بسبب جراحها العميقة ، و ايضا ارادتها بالتشبث بالحياة.
الجدارية موجودة في المتحف البريطاني
تعتبر جداريات صيد الأسود والخيول البرية  في قصر الملك آشور باني ابلي من أهم الاعمال الفنية في تاريخ الفن في العالم القديم بل هي ذروتها بالنسبة الى زمانها وقد اكتسبت اعجاب مؤرخي ومنظري الفن في القرنين التاسع عشر والعشرين ، ولا زال جمالها المفعم وسحرها المدهش اخاذا وفياضا على الفنون العالمية  وهي منحوتات صامتة القول ناطقة الفعل بعيدا عن صورتها المحدودة ،
جدارية اللبوة الجريحة  11339
حيث نجد الفنان الآشوري وفي سعيه نحو الكمال قد تغلبت عنده قوة الاحساس على ارادة العقل وتغلب التصور على واقع المشاهدة فكان مشدودا الى التلقائية والحرية في ممارسة دوره الابداعي وعبقريته الخلاقة وحرفيته المتفوقة  وفطنته وقدح مخيلته  وانتباهته الوقادة  التي تاخذه الى  نحت مشاهد صيد الحيوانات مرتقيا بتجاربه الفنية الحرة  ومتحررا من تجاربه المتراكمة ومن أسر قيود الاعراف الفنية السابقة ومتخليا عن القوة الخفية التي تتحكم بانتاجه عند تنفيذه لهذه الاعمال حيث وصلت تطلعاته الفنية حد الابداع ، ويعتبر انجاز هذه الالواح تحولا ثوريا في مفهوم النحت الجداري الآشوري واطلاقا لحرية الفنان في التخيل واثارة المشاعر والبحث عن الجوهروضبط ايقاع الحياة واختيار اسلوب الرمزية في المواضيع لغرض انجاز الهدف المقصود بعيدا عن صورتها العامة او مطابقتها للواقع حتى لا تكون محاكاة او تقليدا مفرغا من الاحساس والعواطف ومفتقرا الى الاصالة والابداع  ومن غير ما تحريف للشكل المنظور بالعين
وكانت المواضيع والافكار المتعارضة تلتقي فيما بينها وتتوحد في تشكيل نحتي منسجم يؤكد وجدانية ودخيلة الفنان ويترك ازميله لينحرف عن السياقات الفنية المقيدة ، فكان الفنان ينحت ما تسجله عيناه في ادراكها ومتابعتها لعفوية الايقاع القوي في توالي المشاهد المعبرة ودينامية حركة الحيوان وما تبتكره مخيلته بادراك متبصر في الاحساس بذلك والاحاطة بكامل تشكيلها وبنائها الواقعي والدرامي سويا مجردا من محاكاة الواقع ،  وهذا يستثير في الفنان روح الخلق والابداع باستغلاله للخزين من  التراكمات الفنية الموجودة لديه  التي تمنحه حرية التعبير وتبعث الدهشة في عين المشاهد وتثير فيه الكثير من  اثارة الخيال والاحاسيس التي يستشف منها المدرك الجمالي وقوة ذلك التعبير عن الواقع الذي قام الفنان بتجريده من الزمان والمكان وجعلها تنفرد بمدلولها الجمالي رغم القسوة الظاهرة  ووضع فيها بلاغة حرة  صامتة صمت الحجر الاصم الذي نحتت منه وهذه البلاغة تجعل المشاهد يضع عقله وخطاه داخل بنية الجدارية بدون ادراك مقصود ،

فكانت للفنان عين تسجيلية لاقطة تختصر الزمن وتستوقفه عند اللحظة الدرامية المعبرة عن التوتر في حركة الحيوانات  وزئير الاسود في نزعها الاخير وتقتنصها في أوج توهج شحنة تأثيرها الدرامي العارم المعبر وتوظفها في تجسيد مظاهر القوة والصلابة والوحشية بحدها الاقصى من الواقعية بدون مبالغة او تكلف قبل ذهاب لحظتها الى الزوال ، ومع بحث الفنان عن التفاصيل الدقيقة في التعبير والتنفيذ فهو يتجاوز المحاكاة الطبيعية وتصوير حقائق الواقع ومنصرفا الى البحث في دخيلته لصياغة مشاعره ووضع فنه تحت تصرف هذه المشاعر ، وكان الفنان يعبر عن تعاطفه وانحيازه مع حالة الحيوان ومجاراته لعذاباته في ساعة الالم ولحظة الاحتضار ولم يكن ليستطيع التعبير بهذه الطريقة لو لم تؤثر هذه المشاهد في نفسه فيبث تأثره بها بين ثنايا تفاصيل المشهد المتتابعة التي وفقت بين البناء الدرامي المحكم والسرد الملحمي المتماسك ليتمكن من التعبير عن تلك المشاهد وينقلها بصدقية لعين الرائي لايقاظ  الحس والادراك للمكنونات الجمالية  
رغم قسوة المشهد يجعله يحس ويتشارك معه في التعايش والتأمل والاستغراق بتلك اللحظات الدرامية ، وحيث ان العمل الفني هو الوسيط المشارك بين الفنان والمشاهد وهنا يكون المشهد النحتي مدخلا ومنبها لما يمكن ان يدرك بالتأمل من غير ان يكون للعقل دور في التعاطف مع المشهد لان الفن عندما يكون تقليديا ومقاربا للطبيعة فانه بذلك يصل الى مرحلة الانحطاط ،)  رد فوضى الحركات الى وحدة الطراز – كامو ، البير - عن النحت ( والحيوانات المحتضرة هنا ليست مثالا للاحتضار بقدر ما تحمل من معنى لرمزية الاحتضار وتعبيرا عن واقع الموت الاليم وليس تسجيلا او محاكاة تصويرية للموت وخاصة في مشهد اللبوة الجريحة ) ان الفرق بين التعبير والتسجيل فرق واضح فالتسجيل هو وضع الحقيقة الواقعية كما هي والتعبير هو وضع الحقيقة الواقعية في صورة مغايرة


المصدر : مواقع إلكترونية