الكسكس والطاجين: تاريخ طبخ شمال إفريقيا
إن الطبخ التقليدي بشمال إفريقيا، و بالرغم من التغييرات التي أدخلت عليه مع مرور الزمن، لا يزال يشبه إلى حد كبير الطعام الذي تناوله أسلافنا الأوائل، و ذلك منذ آلاف السنين. فقد كانت الأشكال القديمة من الكسكس والطاجين معروفة لدى النوميديين في عهد الملك ماسينيسا، بل وحتى قبل ذلك. في هذا المقال، سنكتشف معا تاريخ هذين الطبقين الرمزيين لمنطقتنا.
الكسكس
كان القمح والشعير يزرعان إلى حد كبير في جميع أنحاء شمال إفريقيا، وقد كان السميد المحضر منهما بمثابة غذاء أساسي لأول مواطني شمال إفريقيا. فقد كانوا يأكلونه لوحده، أو مصحوبا بحليب الماعز أو حليب الأغنام. وكان يسمى سكسو (ⵙⴽⵙⵓ)، من الفعل كسكس، أي طحن.
ظهر طهو حبوب الكسكس على البخار على الأرجح في مملكة نوميديا. فقد عثر على الكسكسي البدائي في مقابر يعود تاريخها إلى عهد ماسينيسا.
بعد الغزوات العربية، كان السكان الأصليون في شمال إفريقيا لا يزالون يأكلون السكسو. ويبدو أن وصفة الكسكس، كما نعرفها اليوم، قد خضعت لبعض التغييرات حوالي القرن الثاني عشر تقريبًا: لم يذكر الطبق في عهد السلالة الزيرية (972-1148)، لكنه ذكر في عهد الخلافة الموحدية (1121-1269). وفي نفس الوقت، كان كتاب الطبخ لمؤلف أيوبي (سلطنة مصرية، 1171-1260) يحتوي على ثلاث وصفات للكسكس. و قد عثر على كسكاس يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر في سوس المغربية، وهو الأقدم منذ ماسينيسا.
من الأرجح أن الكسكس قد انتشر إلى إسبانيا مع الفتوحات الموورية، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يعد جزءا من الطبخ الإسباني التقليدي اليوم. ومع ذلك، لا يزال هذا الطبق موجودا في طرابنش بصقلية، وذلك وفقًا لوصفة أندلسية قديمة.
الطاجين
كانت اللحوم والخضروات المطبوخة في وعاء ترابي بدون شك أقدم طريقة طهي وأكثرها شيوعًا في شمال إفريقيا. وتعود أقدم شظايا الطاجين إلى مملكة نوميديا .والأمر الأكثر إثارة للدهشة أنه : قد عثر على قطع من فخار شمال إفريقيا، بما في ذلك شكل بدائي من الطاجين وجد في اسكتلندا، وذلك على طول الجدار الأنطوني! فلربما أحضر هذا الفخار من قبل جنود شمال إفريقيا في الجيش الروماني، والذين كانوا متمركزين هناك؛ بل و أن كوينتوس لوليوس أوربيكوس، والذي كان حاكم بريطانيا الرومانية من 139 إلى 142، كانت له خلفية نوميدية.
بالرغم من أصوله التي تعود إلى جبال الأطلس، يبدو أن العرب تبنوا ثقافة الطاجين في عهد هارون الرشيد (786-809)، وهو أعظم الخلفاء العباسيين. بل وقد ورد ذكر الطاجين كذلك في ألف ليلة وليلة. أما في يومنا هذا، فيمكن العثور عليه في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
المصدر : مواقع إلكترونية