جورج أورويل: الشخص القلق المدافع عن الحرية الفردية


جورج أورويل: الشخص القلق المدافع عن الحرية الفردية %D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%AC-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%84


لقد قال مالكوم ماغريدج Malcolm Muggeridge عن جورج أورويل بأنه ضمیر جیله. وقد عمل أورویل Orwell على إثارة انتباه معاصريه إلى مشكلات العالم الحديث. إن هذا الكاتب، الذي كان يشتغل باستماتة، خلف مع ذلك انطباعا بالتكاسل، وبالحذر، وحتى بالعزلة. وقد واجهته صعوبات في العثور على ناشر لبعض كتبه، وحتى سن الثلاثين، لم يحصل عن كتاباته إلا على القليل جدا من المال. وعلى أي حال، فقد كان يعتبر أنه ليس على الكاتب أن يربح أكثر مما هو ضروري لعيش مريح.
إن الكثيرين يعتبرون أن أعماله تحمل طابع البحث أكثر مما تنتسب إلى الرواية. بل رأوا فيها تحقیقات صحفية أكثر مما اعتبروها أبحاثا حقيقية.
ولم يذع صيته إلا بعد موته، سنة 1950، وهو في السابعة والأربعين. إذ أصبح يعتبر بمثابة بطل، في مجال الدفاع عن الحرية الفردية وخلف لسويفت وديفو ودیکنز.
بدايات جورج أورويل
ولد جورج أورويل (واسمه الحقيقي إريك بلير) بموتیهاري، في الهند، سنة 1903. كان أبوه موظفا صغيرا في الإدارة الهندية. وبعد أن عادت عائلته إلى إنجلترا، حصل على منحة للدراسة في إيتون.
ولاشك أننا سنجد مصادر رواياته الغاضبة والمدافعة عن الكرامة الإنسانية، في ظروف حياته كمراهق. لقد كان يجد نفسه غیر ذي أهمية. وكان بكل تأكيد من أشد تلاميذ المعهد فقرا. هذا الشعور بالنقص منحه، على حد تعبيره، «القدرة على مواجهة أسوأ الأحداث».
بعد أن أنهى دراسته، لم يلتحق بالجامعة، ولكنه انضم، سنة 1922، إلى الشرطة الإمبراطورية الهندية في بيرمانیا. بهذه الصورة، عمق الفارق بين القيم التي يعتبرها أساسية، وتلك السائدة في وسطه الفعلي. وقد طرح في روايته الأولى، «مأساة بيرمانية»، التي صدرت سنة 1933، مشكلة العدالة وقضية صراع الأجناس في آسيا.
أمل واقعي
استقال أورويل من الشرطة سنة 1928، خلال عطلة قضاها في إنجلترا. وأصبح على التوالي مربيا، وأستاذا بأجر زهيد، ومستخدما بإحدى المكتبات. بعد ذلك، ذهب إلى باريس، حيث عاش متشردا قبل أن يشتغل في أحد المطاعم، غاسلا للأواني. من هذه التجارب استقى مادة أول كتاب له، وهو «جولات في باريس وفي لندن» (1933). ويكشف هذا العمل عن فقر وعزلة أولئك الذين لا يستطيعون الانفلات من وضعهم البئيس. وقد وجد أورويل لذة في صدم القارئ الإنجليزي، الراضي عن حياته، ساعيا بهذه الصورة إلى الكفاح من أجل انتصار أفكاره. ليس هذا ناجما عن مزاج متشائم، كما اعتقد البعض، وإنما عن أمل واقعي عظيم.
امتعاض من السياسة
رغم اشمئزازه من الأنظمة الاجتماعية السائدة، فقد كان أورويل منشغلا بإيجاد حلول سياسية لمشاكل البؤس. وفي أواسط الثلاثينيات، حين امتنع مثقفون آخرون من إبداء رأيهم في النازية، أو أظهروا تعاطفا مبالغا فيه مع التجربة الاشتراكية الروسية، بقي أورويل محافظا على نزعته الإنسانية.
سنة 1936، وفي الوقت الذي كان قد بدأ يعيش خلاله من عمله كصحفي، رحل إلى إسبانيا، ليقاتل إلى جانب الجمهوريين، في صفوف الميليشيات التروتسكية (الحزب العمالي للوحدة الماركسية). وقد جرح سنة 1937 بهويسكا، وخيب الشيوعيون أمله، بسبب مواقفهم القمعية ولجوئهم المستمر إلى الدعاية، فسافر إلى المغرب.
وقد دفعته کراهيته للنفاق، وللكذب والدعاية إلى كتابة «طريق رصيف ويغان» (1937)، و «كاتالونيا الحرة» (1938). وفي هذا العمل الأخير، يصف الشيوعيين، في سعيهم للهيمنة بكل السبل، على كافة القوى الجمهورية.
خلال الحرب العالمية الثانية، سرح من الجيش، وأصبح مذيعا في الإذاعة البريطانية. وقد أشرف، سنة 1943، على الصحيفة الأسبوعية «دي تریبون» (المنبر)، ثم أصبح، سنة 1945، مبعوثا صحفيا لـ «الأوبزيرفر» The Observer في فرنسا وجمهورية ألمانيا الفيدرالية.
جورج أورويل، الشخص القلق
لقد تضافرت أحداث عدة، دفعت بأورويل إلى كتابة الرواية التي كفلت له الشهرة : وهي الرواية التي تحمل عنوان «1984». نذكر من هذه الأحداث إصابته بداء السل، واندلاع الحرب العالمية الثانية، وشعوره باستحالة الكتابة للإذاعة البريطانية. وكما قيل عنه، فإن «أورویل کان متعلقا بالماضي، كارها للحاضر، خائفا من المستقبل». وهكذا، انصرف أكثر فأكثر إلى البحث عن مخرج من قلقه الشخصي.
كان كاتبا إنجليزيا نموذجيا. وقد وجد نفسه بعيدا عن الطبقات العليا بمسافة كافية، لیکن لها الكراهية.
جورج أورويل مزرعة الحيوان
وتعكس رواية «جمهورية الحيوانات»، المنشورة سنة 1945، التطور السياسي لصاحبها. لقد أوْل النقاد هذه الرواية بأشكال مختلفة. فبعضهم اعتقد أنها تهاجم الشيوعية، في حين اعتبر البعض الآخر أنها تستهدف أيضا النظام السياسي بإنجلترا.
في هذه الرواية، تجتمع حيوانات ضيعة ما، ليلا، حول عميدها الذي يدعو إلى ثورة البهائم ضد مستغلها، الإنسان. وقد تزعم خنزیران فتيان هذه الحركة، وتم طرد مالك الضيعة، ووضع أسس نظام جماعي تسوده المساواة المطلقة.
لكن سرعان ما نشب بين الخنزیرین الصراع من أجل النفوذ. وقد انتصر أحدهما، وأقام نظاما إرهابيا. وما عتم أن تحول شعارهما : «كل الحيوانات متساوية فيما بينها»، إلى صيغة أخرى : «كل الحيوانات متساوية فيما بينها، لكن بعضها أكثر تساويا من الآخرين». وهكذا حلت الخنازير محل البشر، في استغلال البهائم.



"1984", de George Orwell (Alchimie d'un roman, épisode n°22)

وفي نهاية هذا العمل النقدي الساخر، الذي يستعيد عوالم سويفت (أسفار غوليفير)، نجد بضعة خنازير تلعب الورق مع مالكي ضيعات مجاورة. وقد تلت ذلك مشادات، لم يعد ممكنا التمييز فيها بين الخنازير والبشر. فالثورة قد استكملت، والمسحوقون أصبحوا يمارسون القمع.
جورج أورويل 1984 اقتباسات
خلال السنوات الأخيرة من حياة جورج أورويل، كان السل قد نخره. وقد صارع الموت، وعبر، في روايته «1984»، عن رؤياه القلقة فيما يتعلق بعالم الغد.
مرة أخرى، اعتقد البعض أنه يتوجه بالنقد للشيوعية. وفي الواقع، فإن الأحداث والمواقف التي يصفها، إنما استلهمها مما رآه، خلال الفترة التي قضاها في هيئة الإذاعة البريطانية.
على كل جدران المدينة، توجد ملصقات تمثل رأسا يبدو أن عينيه تترصدان العابرين، وقد كتب عليها :
«بيغ براذر Big Brother (الأخ الأكبر) ينظر إليكم».
في رواية «1984»، تنتصر الدعاية، وتعلن شعارات الحزب
: «الحرب هي السلام، الحرية هي العبودية، الجهل هو القوة».
أما وينستون، الذي يسعى جاهدا إلى نقل أحداث فعلية في مذكراته، فيجب أن «تعاد برمجته». وهكذا، يمارس عليه التعذيب، لأنه لم يمتلك جيدا «الفكر المزدوج» :

يستحيل على المرء أن يفكر وألا يفكر في نفس الوقت. هكذا، فهو يتذكر الحقيقة التي يؤمن بها، ولكن بعد أن يعالج أمره بطريقة خاصة، سيشعر بالمحبة إزاء بيغ براذر.



George Orwell - 1984 | Livre Audio l’intégrale














https://maghrebhistory.com/george-orwell/