مبدأ تقرير المصير بمثابة ذريعة لقمع الشعوب الأصلية في شمال إفريقيا
رشيد راخا
رئيس التجمع العالمي الأمازيغي
محاضرة قدمها التجمع العالمي الأمازيغي عن بعد ضمن فعاليات المؤتمر14 المنظم حول حقوق الشعوب الأصلية، من طرف آلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب الأصلية- مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وذلك يوم الاثنين 12 يوليوز :2021
تجاهلت حكومات دول شمال إفريقيا كلها إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، منذ اعتماده في 13 شتنبر 2007. والأسوأ من ذلك هو أن السكان الأصليين، عندما يطالبون، على سبيل المثال، بحقوقهم وفقا لمقتضيات المادة 3 من الإعلان المذكور، يتم وصفهم بالانفصاليين، حتى عندما يطالبون بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما حدث للسكان الأمازيغ بمنطقة ميزاب في الجزائر سنة 2015، وفي والريف بالمغرب سنة 2017!
أعلن الرئيس الفرنسي، مؤخرا، عن تعليق العملية العسكرية برخان في منطقة الساحل كاعتراف واضح ودليل على الفشل، وهو ما سبق لي أن أكدته له (1) من خلال الإشارة إلى انه ليس بمقدور عمليتي ْ "سيرفال" و"برخان" ولا القوات الخاصة لـ"تاكودا" تأمين دول الساحل، أو النجاح في تحييد خطر الإسلاموية الجهادية الراديكالية، وبالأحرى ضمان سلامة السكان المدنيين. إن الأشخاص الوحيدين الذين بمقدورهم تحقيق ذلك على أرض الواقع هم الشعوب الأصلية، أي الطوارق، الذين تتصرف فرنسا حيالهم كما لو أنهم ليسوا أصحاب هذه الأراضي الصحراوية، حيث عاشوا، ولايزالون، على الرعي والتجارة فوق الصحراء الوسطى الممتدة والشاسعة.
إن الحل الأمثل الذي نوصي به لوضع حد لحالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن السائدة في منطقة الساحل هو الخيار السياسي بالأساس، بدلاً من هذا المنظور العسكري المهووس، إنه الحل المتمثل في تطبيق المادة 3 من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية ومنح الحكم الذاتي السياسي لأزواد في إطار دولة اتحادية مالية، على غرار كردستان العراق، ووفقًا لاقتراح الدكتور ميمون الشرقي (2)، الذي أكد على أن "الطوارق من بين الشعوب الأصلية التي لا تزال تعاني من ويلات الاستعمار ومُخرجات جلائه. خلال فترة الاستعمار، رفض الطوارق، المقاومون، المتشوقون للاستقلال والحرية، والذين اعتادوا على الفضاءات الشاسعة وحياة البدو الرحل، الانصياع للمستعمر. وبعد جلاء الاستعمار، تم بكل بساطة التجاهل التام لشعب الطوارق وبلادهم. وهذا ما يفسر اندلاع العديد من الانتفاضات على مدى سنين منذ جلاء الاستعمار، بما في ذلك الانتفاضات الأخيرة لتحرير أزواد من قبضة الدولة المالية التي أوجدتها فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة. إن الانتفاضة لأجل تحرير أزواد هي نتيجة لغياب الديمقراطية وعدم احترام حقوق شعب الطوارق."
لكن، وبعد أن استوعبوا أهمية وفائدة الحكم الذاتي كخيار ديمقراطي أكثر إغراء من الاستقلال، فإن الطوارق مستعدون للعمل في هذا الاتجاه، حيث ان خيار الحكم الذاتي لأزواد في إطار دولة اتحادية مالية يعِد بمستقبل أفضل لجميع الأطراف المعنية، المقتنعة بالديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
مع ذلك، فإننا نرحب بالنضال السياسي للسكان الأصليين في ليبيا، أمازيغ جبل نفوسة وزوارة، والطوارق والتُبو الذين يكافحون من أجل انتقال ديمقراطي من دولة مركزية إلى دولة لا مركزية ذات مناطق تتمتع بالحكم الذاتي، كما كان الحال في العهد الملكي، والذي يمكن أن ينهي الحرب الأهلية المستعرة في ليبيا.
ومن تم فإن حل العديد من النزاعات العرقية في شمال إفريقيا والساحل يكمن في خيار الحكم الذاتي كحق مشروع، وفقًا لبنود مشروعنا الطموح "ميثاق تامازغا"(3)، الذي اعتُمد من طرف "التجمع العالمي الأمازيغي" ببروكسيل في ديسمبر 2011، وتمت الموافقة النهائية عليه في المؤتمر السابع لأمازيغ العالم بمدينة تيزنيت المغربية خلال شهر ديسمبر 2013، في توافق تام مع ما ينص عليه إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، بما في ذلك المادة 46 منه التي تنص على أنه "ليس في هذا الإعلان ما يمكن تفسيره بأنه يقتضي دعم أي دولة أو شعب أو جماعة أو شخص على حق المشاركة في أي نشاط أو أداء أي عمل يناقض ميثاق الأمم المتحدة، أو يفهم منه أنه يخول أو يشجع أي عمل من شأنه أن يؤدي، كلية أو جزئيا، إلى تقويض أو إضعاف السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية للدول المستقلة وذات السيادة."
ومن هذا المنطلق، يجب أن نكون يقظين وحذرين للغاية ضد أولئك الذين يُشهرون نزوعاتهم الانفصالية وأن نتبرأ من هؤلاء المحرضين الانفصاليين، الذين يتم استغلالهم في غالب الأحيان بشكل مغرض من قبل أجهزة المخابرات، كما هو الشأن بالنسبة لبعض التوجهات الانفصالية في منطقة القبائل والريف ( 4). وكما حصل مع الاتهامات الباطلة الموجهة إلى قادة حراك الريف شمال المغرب، حيث صدرت في حقهم أحكام ظالمة تصل إلى عشرين سنة سجنا نافذا كما لو أنهم انفصاليون، بينما اقتصرت مطالبهم فقط على حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية مشروعة! فإن الأمر نفسه يحدث في الجزائر، حيث يستخدم الجنرالات ذريعة النزعة الانفصالية المفترضة لبعض الأشخاص في منطقة القبائل، لتقسيم الحراك المدني الشعبي، الذي لا يطالب إلا بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره!
وفي الختام، فإن التجمع العالمي الأمازيغي يرحب بحرارة بالنقطة 73 من توصيات مسودة تقرير آلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب الأصلية التابعة للأمم المتحدة، والتي تنص على ما يلي: " تُشجَّع الشعوب الأصلية على تطوير مبادراتها الخاصة لتنشيط وتعزيز حقها في تقرير المصير وتحديد سُبل ممارسته، وينبغي على الدول أن تدعم هذه المبادرات من أجل فهم هذا الحق واحترامه والتمكين من ممارسته ".
(1) http://amamazigh.org/.../ni-serval-ni-barkhane-ni-takuda.../
(2) https://charqi.blog4ever.com/l-azawad-entre-droits-des...
(3) http://amamazigh.org/.../AMA_MANIFESTE-DE-TAMAZGHA_5... ).
(4) http://www.yabiladi.com/.../algerie-maroc-tentation-l...