وظائف المثل الأمازيغي


وظائف المثل الأمازيغي Rachid-BOUSSAD
رشيد بوصاد – استاذ اللغة الإسبانية ودكتور في الترجمة والتواصل



مقدمة:
يعتبر المثل عصارة لتجارب الحياة الإنسانية تجاه مواقف مختلفة، فهو يساهم في تقويم الأخلاق، وتهذيب الأجيال، وتأديب الأفراد… كما أنه يعتبر من “أوسع فنون الأدب الشعبي شيوعا وانتشارا في المجتمع، فالإيجاز في اللفظ والبساطة في التعبير والبلاغة في المعنى جعله سهل التداول بين كافة أفراد المجتمع، فيستنجد به المرء في كل حديث جاد مفيد لدعم رأيه وإقناع خصومه باعتباره العرف الذي اتفق عليه غالبية أفراد المجتمع حتى أصبح بمثابة الضابط الاجتماعي الذي يوجه سلوك الفرد مع نفسه، ومع أفراد المجتمع الذي ينتمي إليه ثقافيا”(1).
وقد يصنع المثل في النفوس ما تعجز عنه المحاضرات الطويلة في الأخلاق، فيصحح مسارها، ويقومها، أو يمنعها من فعل يبغضه ويرفضه المجتمع… واعتبارا لطريقة صقل قالبها ولجمالية شكلها، “تحفظ الأمثال بسهولة وترسخ في الأذهان، ومن ثم نلاحظ أن استعمال الأمثال يسترعي الانتباه ويجعلنا نصغي إلى من يتكلم بواسطتها لنستوعب كلامه، فلهذا الكلام دور معين في علم الأخلاق وتأديب الأشخاص وتهذيب المجتمع. تبلور تلك العبارات حقائق جذرية مستنتجة من التجربة البشرية أمام مواقف معينة. كما تعبر بصفة عامة عن سلوك إنساني مثل التفاؤل والبخل والخداع والظلم. يذم النفاق والافتخار والأنانية في كل مجتمع بنفس الأساليب، وعلى عكس ذلك ينوه بالصدق والكرم والحلم. هذه مواقف ثابتة تعبًر عن الحكمة الشعبية وتخلد بواسطة الأمثال. من أجل ذلك يعتبر المثل حجة قاطعة أو دليلا مقدسا يبرهن على كلام صادر عن الأجداد منذ العصور الغابرة، ورثناه عنهم فأصبح ملكا للجميع ومن واجبنا احترام هذا الكلام وأخذه بعين الاعتبار”(2).
إن المثل خطاب يوجه إلى متلق “تثوي خلفه نوايا تتحول إلى وظائف عند القيام بعملية وصفية لذلك الخطاب…”(3). كما أن وظائف المثل “تتعلق بالإنسان في أبسط حالاته وأعقدها، إذ يلتصق بحياة الناس وطرائق سلوكهم في محيط المجتمع والبيئة كما يلتصق بالإنسانية جمعاء في كل زمان ومكان، لأنه يتحدث عن مشاكل الإنسان وتناقضات الحياة التي تنعكس على أفعاله خيرها وشرها، على أن المثل، وهو يتحدث عن ذلك، ويقوم بعملية الرصد والتسجيل والنقد والتعدية وغير ذلك من مهام شديدة الالتصاق بالحياة اليومية”(4). وبتعبير اخر، “إننا نعيش جزءا من مصائرنا في عالم الأمثال ولعل هذا يفسر لنا استعمالنا الدائم للأمثال على عكس الأنواع الشعبية الأخرى. فالأمثال بالنسبة لنا عالم هادئ نركن إليه حينما نود أن نتجنب التفكير الطويل في نتائج تجربتنا ونحن نذكرها بحرفتيها إذا كانت تتفق مع حالتنا النفسية بل إننا نشعر بارتياح لسماعها وإن لم نعش التجربة التي يلخصها المثل”(5).
إن كل ما سبق ذكره في المقدمة يقودنا بالضرورة إلى التطرق إلى أدوار أو وظائف المثل في المجتمع، وهذا ما سنقوم به عند دراسة الوظائف التي تسند للأمثال في الثقافة الامازيغية.
 
أ- الوظيفة الأخلاقية
الأمثال من شأنها أن تخفف الألم في حالة التشاؤم والفشل، كما من شأنها أن ترشد إلى الحيطة والحذر وتوجيه أفعالنا.
هناك مجموعة من الأمثال ترشد افراد المجتمع وتوجه سلوكهم ومعاملتهم إلى الصواب. فتعتبر الأمثال بمنزلة نصيحة أو قاعدة سلوكية تتجلى فيها خبرة القدماء وتتسم بالحيطة والحذر.
فغالبا ما نجد الأمثال ترشد إلى التشبث بالقيم الأخلاقية النبيلة كالكرم والسخاء وحسن معاملة الاخرين ومساعدة المحتاج وغيرها من الصفات المحمودة. ومن بين الأمثال التي تعبر على ذلك:
المثل الأمازيغي: ⵓⵛ ⴰⴼⵓⵙ ⵉⵍⵅⵉⵔ
الترجمة الحرفية: مد يدك للخير.
المثل الأمازيغي: ⵉⵢ ⵍⵅⵉⵔ ⵉⵔⵔⴰⵛⵜ ⵔⴰⴱⴱⵉ
الترجمة الحرفية: اعمل خيرا وسيجازيك الله.
المثل الأمازيغي: ⵎⴻⵛ ⵉⵢⵢⴰ ⵓⵙⵎⵓⵏⴰⵏⴻⵛ ⵜⴰⵎⵎⴻⵏ ⴰⴷⵓⵔ ⵜⴻⵍⴰⵖ
الترجمة الحرفية: إذا كان صديقك عسل، لا تلحسه كله.
ب- الوظيفة الدينية
إن للأمثال وظيفة من الناحية الدينية حيث تدعو إلى احترام مبادئ الدين وتوصي بالصبر والرصانة، والأكل من حلال ومراعاة حقوق الأخرين، وهي من مميزات الرجل المؤمن. ومن بين الأمثال المعبرة عن ذلك:
المثل الأمازيغي: ⵙⴱⴰⵔ ⵍⴰⵢⵜⴰⴳⴳⴰ ⵜⴰⴼⵔⵉⵡⵉⵏ
الترجمة الحرفية: الصبر يصنع أجنحة.
المثل الأمازيغي: ⴰⴷⴰⵅ ⵉⵡⵛ ⵔⴰⴱⴱⵉ ⵙⴱⴰⵔ ⴰⵢⵢⵓⴱ
الترجمة الحرفية: فليعطينا الله صبر أيوب.
ت- الوظيفة النفسية
هناك مجموعة من الأمثال موجهة لفئات معينة وتستعمل عادة لأغراض معينة. فبواسطة ما قاله الاخرون في ظروف معينة، يعبر المرء عن اللاشعور، وهكذا يتبين ما في النفس من انفعالات. يصبح المثل في هذه الحالة بمثابة صمام الأمان، وهذه وظيفة من بين وظائف الأدب الشفوي. كما أن المثل يلعب دورا نفسيا عن طريق تهدئة النفس البشرية، والتفريج عن همومها وأفراحها. ومن الأمثال الأمازيغية التي تلعب هذا الدور النفسي نجد:
المثل الأمازيغي: ⵓⵖⴰ ⵉⵜⴰⵇⴰⵏ ⵔⴰⴱⴱⵉ ⵉⴷⵊ ⵍⴱⴰⴱ ⴰⵍ ⵉⴼⵜⴰⵛ ⴰⵇⴷⵉⵄ
الترجمة الحرفية: لا يصد الله بابا حتى يفتح أبواب اخرى.
المثل الأمازيغي: ⴰⵢⵏ ⵙⵜⵣⴻⵢⴰⵔⴰⵏ ⴰⵙ ⵜⵓⵔⵅⵓⵏ
الترجمة الحرفية: تشددي تنفرجي.
ث- الوظيفة التعليمية / التربوية
تمكن الأمثال من الوصول إلى بلورة قيم بشرية كالإحسان والكرم وتلقين قواعد سلوكية ونصائح تعليمية تعاملية:
المثل الأمازيغي: ⵉⵢ ⵍⵅⵉⵔ ⵉⵔⵔⴰⵛⵜ ⵔⴰⴱⴱⵉ
الترجمة الحرفية: اعمل خيرا وسيجازيك الله.
المثل الأمازيغي: ⵎⵓⵏ ⵓⵅⵓⵡⴰⵏ ⵜⴰⵢⵜ ⴰⵅⵡⵡⴰⵏ
الترجمة الحرفية: رافق لصا، وستصبح لصا.
 
ج- الوظيفة الحجاجية
الحجاج أو المحاجة فن من فنون اللغة. ومهمة الحجاج هي إقناع المتلقي بما يعرض عليه من حجج وبراهين أو العمل على زيادة وتيرة الإقناع. فالناظر إلى الأمثال يلاحظ أن هناك خطاب حجاجي واضح وبارز يكشف عن غايته بألفاظ موجزة وعبارات مكثفة، لأنه يسعى سعيا حثيثا إلى توجيه عقل المخاطب من خلال التوجيه، حيث تصبح النتيجة منسجمة مع المقدمات.
الأمثال تلعب وظيفة حجاجية باستعمال أشكال تعبيرية على سبيل المثال:
ⵏⴰⵏ ⵎⵉⴷⴷⴻⵏ ⵣⵔⵉⵏⵉⵏ (قالوا ناس زمان)
 
ح- الوظيفة الجمالية البلاغية
الأمثال لها وقع كبير على المخاطب لأنها تحمل في طياتها مجموعة من الصور الجمالية البلاغية:
 
الكناية:
المثل الأمازيغي: ⵓⵏⵏⴰ ⵢⵔⴰⵏ ⵜⴰⵎⵎⴻⵏ ⵉⵙⴱⴰⵔ ⵉⵜⵉⵇⴰⵙ ⵜⵉⵣⵉⵣⵡⴰ
الترجمة الحرفية: من أراد العسل، فليصبر للسع النحل.
 
الاستعارة:
المثل الأمازيغي: ⵓⵖⴰ ⵜⴰⵔⵔⴰⵏ ⵉⵎⵟⴰⵡⴰⵏ ⴰⵎⴰⵜⵜⵉⵏ
الترجمة الحرفية: لا تعيد الدموع الميت.
القافية:
المثل الأمازيغي: ⵛⵡⵉ ⵉⴷⴰⵡⵎⴰⵏ ⵉⵉⴼ ⴱⵣⴰⴼ ⵓⵔⵉⴷⴰⵡⵎⴰⵏ
الترجمة الحرفية: قليل دائم، خير من كثير دائم.
 
التكرار:
المثل الأمازيغي: ⴰⵎⵏⴰⵢ ⵙⵉⵏ ⵉⴱⴹⴰ ⵉⴱⴹⴰ
الترجمة الحرفية: الذي يمتطي حصانين، سيقع، سيقع.
خ- الوظيفة الافتتاحية
هذه الوظيفة تكمن في اتخاذ الأمثال عناوين في الرسائل والصحف والكتب… ويعتبر هذا نوع من التبئير له دلالته.
ذ- الوظيفة الختامية
هذه الوظيفة تكمن في اتخاذ الأمثال خواتم القول ويعتبر هذا نوع من التبئير له دلالته، لأنه اخر ما يبقى في ذهن القارئ.
 
خلاصة
من خلال هذه الرحلة التي قمنا بها في هذا المبحث البسيط حول وظائف الأمثال الأمازيغية، يمكن أن نتوصل إلى جملة من النتائج على الاتي:
وظيفة أخلاقية (ترشيد وتوجيه السلوك إلى الصواب).
وظيفة دينية (الدعوة إلى احترام المبادئ الدينية).
وظيفة نفسية (تهدئة النفس والتفريج عن الهموم).
وظيفة تعليمية (بلورة القيم الحسنة وتلقين قواعد سلوكية ونصائح تعليمية تعاملية).
وظيفة حجاجية (إقناع المتلقي بألفاظ موجزة وعبارات مكثفة).
وظيفة جمالية (استعمال الصور البلاغية).
وظيفة افتتاحية (افتتاح الخطابات المكتوبة والشفاهية باستعمال الأمثال).
وظيفة ختامية (اختتام الخطابات المكتوبة والشفاهية باستعمال الأمثال).
مراجع
1- فالق، سمية (2014) “وظائف المثل الشعبي في منطقة الأوراس”؛ مجلة الحكمة للدراسات الأدبية واللغوية، رقم 3، ص 146.
2- عراقي سيناصر، زكية (2001) “الأمثال العامية: خصوصيتها اللغوية ووظائفها”؛ الأمثال العامية في المغرب. تدونها وتوظيفها العلمي والبيداغوجي، إعداد الجمعية المغربية للتراث اللغوي، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، ص 422.
3- بلاجي، محمد (2001) “تداول المثل في الصحافة من خلال رسائل القراء (النموذج: جريدة الأحداث المغربية)”؛ الأمثال العامية في المغرب. تدونها وتوظيفها العلمي والبيداغوجي، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، ص 528.
4- أحمد شعلان، إبراهيم (1972) الشعب المصري في أمثاله العامية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص 39.
5- إبراهيم، نبيلة (1974) أشكال التعبير في الأدب الشعبي، دار النهضة للطباعة والنشر، القاهرة، ص 147.
 
 
 

https://amadalamazigh.press.ma/%D9%88%D8%B8%D8%A7%D8%A6%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D8%BA%D9%8A/?fbclid=IwAR1LQAltNcY_f7PCJk_8RqJLcLVGeFHON1CjqIH4eVZYy4LRv8w_L-0Pit8