ألغاز وأسرار من حضارات الشرق الأوسط القديم لم نستطع فهمها حتى اليوم: من سومر كانت البداية-1 -
ما هو لغز مجموعة الكواكب التي تحيط بالشمس والتي رسمها السومريون قبل الميلاد بـ 3500عام! هل علموا منذ ذلك الوقت بمركزية الشمس وعدد كواكب النظام الشمسي! و ما هو سر التشابه الكبير بين العديد من النصوص الدينية السماوية مع الأساطير البابلية! وما هي حقيقة تلك الحدائق المعلقة، أين اختفت!
حضارات الشرق الأوسط القديم، هي عجائب قائمة بحد ذاتها. تلك المدن والصروح التي أقاموها، القصص والأساطير التي كتبوها، الاختراعات والعلوم والتقنيات التي أبدعوا بها، العجائب التي ما زالت تبهر العالم. من بين كل ذلك، سوف نتحدث عن بعض القضايا المتعلقة بتلك الحضارات والتي ما زالت غامضة أو غير مفهومة بالنسبة لنا. وربما نستطيع وصفها بالألغاز والأسرار التي لم نستطع فهمها حتى اليوم.
القادمون من الفضاء
اليوم، وفي القرن الحادي والعشرين، بعد 6000 عام على وجودهم، لا بد وأننا نستخدم يوميًا إحدى اختراعاتهم، في سؤالك عن الوقت، في استخدامك المركبات ذات العجلات، أو في استماعك إلى ما يقوله برجك اليوم! إنهم السومريون. لقد كانت الحضارة السومرية حضارة متفوقة ومتطورة، وهي بحد ذاتها لغز محير لم نستطع فهمه حتى اليوم. لماذا! لأن كل شيء بدأ عندهم، بل إنّ “التاريخ يبدأ من سومر”.
صورة افتراضية لإحدى المدن السومرية
وسومر، هي حضارة قديمة تأسست في بلاد الرافدين، في المنطقة الجنوبية بين نهريّ دجلة والفرات، ما يُعرَف اليوم باسم العراق. استوطن هؤلاء القوم هذه المنطقة منذ حوالي 4500 أو 4000 عامٍ قبل الميلاد، وقد استمرت سيطرتهم على المنطقة حوالي 2000 عام، حتى تولى البابليون زمام الأمور بعدهم.
توضح البقعة الخضراء مكان نشوء الحضارة السومرية
لغز نقوش المجموعة الشمسية عند السومريين وقضية كوكب نيبيرو
قبل القرن التاسع عشر، لم يسمع أحد عن الحضارة السومرية، كأنها لم تولد قط. ولكن، تغيّر كل شيء عام 1850م، عندما عثر المستكشف وعالم الآشوريات الإنجليزي “أوستن هنري لايارد” على مكتبة الملك “آشور بانيبال” صدفةً أثناء بحثه عن الآثار البابلية والآشورية، في أنقاض مدينة نينوى شمال العراق. تتكون المكتبة من 30,000 قطعة من ألواح طينية وبقايا مكتوبة باللغة الأكادية والسومرية.
ألواح السومريين التي عثر عليها في مكتبة آشور بانيبال
استيقظت الحضارة السومرية من سباتها الطويل، وكشفت عن عجائبها. إذ أثارت بعض من هذه الألواح حيرة ودهشةً كبيرة، خصوصًا ذاك الختم الاسطواني ذو الاسم (VA 243) نسبةً للرقم الذي يحمله في متحف Vorderasiatische في ألمانيا. انظر عزيزي القارئ إلى النقش الموجود في الزاوية اليسرى العليا من هذا الختم، ماذا ترى؟ ألا يشبه هذا النقش رسمًا للشمس وحولها أحد عشر جرمًا!
الختم الاسطواني السومري الذي يحمل الاسم Va243
وبالطبع، نحن ندرك اليوم وجود ثماني كواكب في المجموعة الشمسية، وتسعةً مع بلوتو- الكوكب القزم- وبوجود الشمس والقمر (اعتبرت الشعوب القديمة بما فيهم السومريين أنّ الشمس والقمر عبارة عن كواكب)، فإن قطعة البازل الناقصة هي الكوكب الثاني عشر، كوكب نيبرو، والذي سنعود إليه فيما يلي. لنعد إلى النقش، هل يُعقل أن السومريين كانوا على معرفة بعدد كواكب المجموعة الشمسية ومركزية الشمس قبل الميلاد بـ 4000 عام؟
الختم Va 243
يفترض “زكريا سيتشين” والذي يُعرف نفسه على موقعه الرسمي على الإنترنت بأنه “واحد من قلة من العلماء القادرين على قراءة وتفسير الألواح الطينية السومرية والأكادية القديمة”، أنّ السومريين امتلكوا معرفة فلكية متطورة جدًّا، وأنّ هذه المعرفة قد أُعطيت لهم من آلهتهم، آلهة الأنوناكي، والذين قدموا إلى الأرض منذ نصف مليون سنة.
وفقًا لترجمته للألواح السومرية، فقد جاءت هذه المخلوقات التي يبلغ طولها ضعف طول البشر العاديين من كوكب نيبيرو، وهبطت في إفريقيا للتنقيب عن الذهب اللازم لكوكبهم، لكنّ صعوبة التنقيب دفعتهم إلى خلق مخلوقات بشرية عاملة قابلة للاستغلال، وذلك عن طريق التعديل الجيني لأبناء الأرض الأصليين، أو ما دعوهم بالأسلاف!
ختم يوضح أحد آلهة الأنوناكي
قال سيتشن لصحيفة نيويورك تايمز عام 2010، قبل وفاته بفترة قصيرة: “أنا لم اختلقها. لقد أرادوا إنشاء عمال بدائيين من Homo erectus الإنسان المنتصب، وإعطاءه الجينات اللازمة للسماح له بالتفكير واستخدام الأدوات”. وبالطبع فإنّ الختم (Va 243) هو حجر الزاوية في نظرية سيتشن.
ما هي الحقيقة وراء نقوش المجموعة الشمسية عند السومريين
قد تبدو قصة سيتشن قصة سخيفة بعض الشيء، لكنها تلقى انتشارًا كبيرًا، تتناقلها العديد من مواقع الويب الأجنبية والعربية، وقنوات اليوتيوب، وصفحات الفيسبوك وغيرها. يمكنك عزيزي القارئ مشاهدة المقطع التالي على قناة History لتتأكد من مدى انتشار هذه الفرضية.
لا بدّ أن نذكر في البداية أنّ دراسة الأختام الاسطوانية هي دراسة فرعية تخصصية جدًّا في السومريولوجيا وعلم الآشوريات. يقول مايكل هايرز وهو مختص في دراسة اللغات السامية القديمة في بحث نشره في جامعة ويسكنسون الأمريكية، أنّه ومن خلال جهود المختصين في الأختام الاسطوانية فإنّ تفسير سيتشن للنقش خاطئ ويفتقر للجدارة العلمية.
إذ أنّ رمز الشمس المزعوم على النقش لا يتوافق مع التصوير المتسق للشمس في مئات الأختام الاسطوانية الأُخرى، والأعمال الفنية السومرية، والذي عُرِف نتيجة ظهوره المتكرر جنبًا إلى جنب مع النصوص المتعلقة بإله الشمس السومري “أوتو”. كان رمز إله الشمس في الديانة السومرية يُرسم على شكل دائرة مركزية مع أربع أذرع مع خطوط متموجة بين كل ذراعين، وفي أغلب الأحيان يُحاط الرمز كله بدائرة خارجية.
الشكل النموذجي لرمز الشمس عند السومريين
يقول الباحث أنّ الرمز الموجود على النقش هو رمز نجمة، إذ غالبًا ما رسم السومريون النجم بثماني أو ست أذرع. وعلى الرغم من أننا بتنا نعلم اليوم أنّ الشمس هي نجم أيضًا، لكن ليس عند السومريين، فقد فرقوا الشمس والقمر والنجم عن بعضهم البعض في أعمالهم.
الفرق بين رمز الشمس والقمر والنجمة عند السومريين
عمل آخر يوضح الفرق بين الشمس والقمر والنجمة عند السومريين
لكن، إن لم تكن تلك “الشمس” في النقش تشير إلى الشمس، فما هي تلك النقاط المحيطة بها؟ حسب تفسير مايكل هايرز، فإنّ تلك النجمة المركزية ذات الأشعة الستة مع النجوم المحيطة بها هي عبارة عن كوكبة نجمية، وعلى الأغلب فإنها تشير إلى عنقود الثريا.
عنقود الثريا
الثريا هي من العناقيد النجمية المفتوحة الأكثر شهرة ولمعانًا، تقع على بعد حوالي 410 سنة ضوئية من الأرض، في كوكبة الثور. أطلقت عليها الحضارات القديمة المختلفة تسميات مختلفة مثل “الأخوات السبع”، أو “العذارى السبع”، الفتيات الصغيرات السبع”. وقد يبدو هذا غريبًا للمراقبين المعاصرين، إذ يستطيعون عادةً تمييز ستة نجوم فقط في العنقود. وهذا بالطبع نتيجة التلوث الضوئي الذي تعاني منه حضارتنا. لكن مع سماء قديمة صافية ومظلمة، وعيون حادة تراقب بكثب، يمكن اكتشاف ما يصل لـ 12 نجمة من عنقود الثريا! هل يذكرك هذا الرقم بشيء!
كوكب نيبيرو، هل يتربص بنا منتظرًا في ذلك الفضاء المظلم البارد
حسب ترجمة سيتشن للكتابة السومرية فإن كوكب نيبيرو هو الكوكب الثاني عشر في مجموعة كواكب النظام الشمسي عند السومريين. وقد أدى اصطدام أحد أقماره في الأزمنة الغابرة مع كوكب تيامات، وهو كوكب يقع بين المريخ والمشتري، إلى تشكيل كوكب الأرض وحزام الكويكبات والقمر.
زكريا سيتشن
لا بد من التنويه إلى أنّ مصطلح “نيبيرو” يرد ذكره في الألواح والكتابات المسمارية السومرية، ويعني “كوكب العبور”، وكانت علامته المسمارية عبارة عن صليب أو قرص مجنح. ويقترح بعض الخبراء أن المصطلح يشير إلى نقطة ثابتة في السماء، وبعد إعادة تشكيل اللوح الخامس من ملحمة “إينوما إيليش” ترجم الخبراء الاسم “نيبيرو” إلى “نجمة القطب”. أما افتراض وجود الكوكب نيبيرو الذي يتم دورته حول الشمس كل 3600 عام من الأعوام الأرضية، هو احتمال ترفضه المجتمعات العلمية في مجال الآثار وعلم الفلك، وتعتبره علمًا زائفًا وهامشيّا.
كوكب نيبيرو ومداره الشاذ
كما أنّ وجود كوكب ذو مدار شاذ لدرجة أن يستغرقه الأمر 3600 عام للدوران حول الشمس من شأنه أن يخلق عدم استقرار داخل النظام الشمسي، إذ وبعد عدة دورات فقط، فإن جاذبيته كانت ستؤدي إلى اضطراب كبير في الكواكب الأُخرى.
لكن، وعلى الرغم من كل ما سبق، قد يكون هناك بالفعل كوكبًا غير مكتشف في الأعماق المظلمة والباردة للنظام الشمسي الخارجي. يدعوه بالكوكب التاسع بعد أن خسر بلوتو مكانته، والبعض يدعوه بالكوكب X. حيث لاحظ بعض علماء الفلك وجود تجمعات غريبة في مدارات الأجسام الصغيرة خارج نبتون، وأفضل تفسير لها هو وجود ذلك الكوكب الغامض.
حقيقة سومر
باعتراف الجميع، الحضارة السومرية كانت حضارة استثنائية، وإلى اليوم لم يستطع البعض فهم لغز هذه الحضارة، وأسباب ذلك التقدم والتفكير الإبداعي الذي تحلى به السومريون، فارتأوا أن الكائنات الفضائية والتعديل الجيني الذي قامت به وراء ذلك التفوق! وربما تكون هذه النظرية مدعاة للسخرية، لكن ما فعله السومريون يُعتبر شيئًا خارقًا، وحتى تصلكم الصورة كاملة سأذكر بعض ما حققته تلك الحضارة، ولو ابتعدنا قليلًا عن القصة الأساسية، فأتمنى أن تشملني بحلمك أيها القارئ العزيز.
لقد كتب المؤرخ والخبير في التاريخ السومري واللغة السومرية صموئيل نوح كرامر “كان لدى السومريين ميل غير عاديّ للاختراع التكنولوجي. لقد ركزوا روحيًا ونفسيًا على الطموح والنجاح والريادة والشرف والتقدير”.
نوح صمويل كرامر
الحضارة السومرية
نوح صمويل كرامر
كما كتب كرامر في عمله “التاريخ يبدأ من سومر” 39 بندًا من بنود الحضارة الإنسانية التي نشأت في سومر، ومن هذه اللائحة: أول مدرسة، أول حالة لخفض الضرائب، أول دستور للأدوية، المؤرخ الأول، أول تقويم زراعي، أول قصيدة ملحمية عن جلجامش، التجربة الأولى في زراعة أشجار الظل، أغنية الحب الأولى، أول حوض مائي، المناظرات الأدبية الأولى، وغيرها الكثير.
ابتكر السومريون نظام العد الستيني، والذي استخدموه في قياس الزمن وما زال حتى يومنا هذا، إذ يرجع أصل الستين دقيقة في الساعة، والستين ثانية في الدقيقة إلى حضارات تلك المنطقة. بالإضافة إلى معرفتهم الواسعة بالعمليات الحسابية والعلاقات الرياضية.
ومنذ ذلك الزمن السحيق، اهتم السومريون بعلم الفلك والتنجيم، فتتبعوا حركة الشمس والقمر، ووضعوا التقويم القمري، وكانوا قادرين على التنبؤ بالأحداث الفلكية مثل الكسوف. كما رسموا النجوم في مجموعات، وقسموا سماء الليل إلى 12 قسمًا، وأطلقوا عليها أسماء الأبراج، والتي وصلت إلينا من الترجمات اليونانية واللاتينية اللاحقة.
أنشأت الحضارة السومرية وفقًا للأدلة الأثرية ما يقارب الاثني عشر مدينة بحلول الألفية الرابعة قبل الميلاد. وهو نظام يسمى بالدول المدن، حيث تحتوي كل مدينة على سور يحيط بها، يقع في منتصفها “الزاقورة”، وهي معبد على شكل هرم متدرج المصاطب مرتبط بالديانة السومرية.
زاقورة “أور”
الحضارة السومرية
زاقورة “أور”
تضمنت دول المدن الأساسية كلًّا من “إريدو”، و”نيبور”، و”لجش”، و”كيش”، و”أور”، وأول مدينة حقيقية، مدينة “أوروك”. مدينة أوروك هي مركز تجاريّ مزدهر، احتوت في عصرها الذهبيّ عام 2800 قبل الميلاد على عدد من السكان يتراوح بين 40,000 و80,000 شخص، يعيشون بين 6 أميال من الجدران الدفاعية، مما يجعلها على الأرجح أكبر مدينة في العالم القديم.
وعندما كان التاريخ البشري صفحةً بيضاء، نقش السومريون الكلمة الأولى. لقد طوّروا أول نظام كتابة في العالم، والمعروف بالكتابة المسمارية، وذلك قبل الميلاد بحوالي 3400 عام. وهي عبارة عن نص يتكون من علامات على شكل إسفين، تكتب باستخدام القصب الحاد الذي يضغط به على الطين الرطب، ثم يُجفَّف، ليشكِّل الألواح الطينية. على الأرجح قد استُخدِمت الكتابة في البداية لتسجيل الحسابات والمعاملات التجارية، إلا أنها سرعان ما تطورت إلى نظام كتابة كامل يستخدَم في تدوين التاريخ والقوانين والأدب والشعر وغيرها، وقد وثّقوا كل سجلاتهم على الألواح الطينية.
الكتابة المسمارية
الحضارة السومرية
الكتابة المسمارية
أبدعوا أيضًا في الهندسة الهيدروليكية، إذ اكتشفوا كيفية جمع وتوجيه فيضان نهري دجلة والفرات، وصمموا أنظمة معقدة من القنوات المائية، وسدود يمكن فتح وإغلاق بواباتها لتنظيم تدفق المياه. وبرعوا في علم المعادن، واستخدموا النحاس في تصنيع العديد من العناصر المفيدة، بدءًا برؤوس الحراب إلى شفرات الحلاقة، والأعمال الفنية. اخترعوا المحراث، بنوا المراكب الشراعية، وابتكروا العجلات الدوارة التي تستخدم لتصنيع الفخار بكميات كبيرة، وغيرها.
هم أسلاف شركات التصنيع الحديثة، فبينما كانت الثقافات الأُخرى في الشرق الأوسط تجمع الصوف لتنسج الملابس، كان السومريون أول من فعل ذلك على نطاق صناعيّ، وشكّلوا ورشات عمل كبيرة لصناعة المنسوجات.
المراجع
1 (فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص:44، 45، 182، 183، 188، 282)
https://www.arageek.com/2021/08/22/mysterious-civilization-from-middle-east.html?fbclid=IwAR1XM4mkcuY3wrI7myWrTiWmZRL-