أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في 24 أغسطس 2021، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، على أن تواصل البعثات القنصلية عملها لخدمة مصالح مواطني الدولتين كالمعتاد، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الجزائر، حيث أشار فيه إلى أن الفترة الأخيرة شهدت ارتكاب المغرب أعمال عدائية ضد بلاده.
عوامل متعددة:
اتسم نمط العلاقات السياسية بين دولتي الجزائر والمغرب بالتوتر الشديد خلال الفترة الأخيرة، وذلك بسبب تصاعد الخلافات بين الدولتين بسبب عدد من العوامل والأسباب، التي أدت في نهاية الأمر إلى إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- التحرك في أوساط القبائل: اتهمت الجزائر المغرب بمحاولة زعزعة استقرارها الداخلي من خلال دعم مطالب "الحركة من أجل تقرير المصير" في منطقة القبائل، والمعروفة باسم "الماك"، المصنفة تنظيماً إرهابياً في البلاد، وتتهمها الجزائر بتلقيها دعماً من المغرب وإسرائيل بهدف زعزعة استقرار الجزائر.
واستندت الأخيرة في هذه الاتهامات إلى قيام المبعوث المغربي لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، في شهر يوليو الماضي بالإعلان عن دعم بلاده مطالب هذه الحركة في الحصول على حق تقرير المصير، ووصفها بأنها تخضع للاستعمار الجزائري منذ عام 1963، وقيام الجزائر بوأد محاولات استقلالها عام 1980، وفي عام 2001، وأخيراً في عام 2019.
2- دعم وتمويل الإرهاب: اتهمت الجزائر المغرب كذلك بدعم وتمويل التنظيمات الإرهابية داخل الجزائر، خاصة حركة "الماك"، التي سبقت الإشارة إليها، إلى جانب حركة رشاد، وكلتاهما منظمتين إرهابيتين داخل الجزائر. وتتهمان بإراقة دماء الشعب الجزائري خلال فترة العشرية السوداء، وذلك بهدف ضرب الاستقرار السياسي والأمني الجزائري، الأمر الذي رفع من درجة التوتر في العلاقات بين الدولتين، خاصة أن المغرب أعلنت دعمها مطالب حركة الماك في الحصول على حق تقرير المصير نكاية في الموقف الجزائري الداعم لجبهة البوليساريو.
3- التجسس على المسؤولين الجزائريين: تتهم الجزائر السلطات المغربية باستخدام تكنولوجيا إسرائيلية، وهو "برنامج بيجاسوس" للتجسس على مسؤولين وصحفيين جزائريين، وأعلنت الخارجية الجزائرية أن بلادها تحتفظ بالحق في الرد على هذه الأعمال العدائية من قبل المغرب.
ونفت المغرب ذلك، وطالبت الجزائر بتقديم الأدلة والبراهين على هذا الاتهام. وصرح وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، مع مجلة "جون أفريك" في شهر يوليو الماضي بأنه يطالب كل شخص أو هيئة وجهت اتهامات للمغرب بتقديم الدليل أو تحمل تبعات افترائها الكاذب أمام القضاء.
4- الخلاف حول قضية الصحراء: تعد قضية الصحراء المغربية من أكثر الأسباب والعوامل التي ساهمت في توتر العلاقات السياسية بين المغرب والجزائر. فالمغرب ترى حل القضية من خلال منح البوليساريو حكماً ذاتياً تحت سيادتها، في حين تدعم الجزائر رؤية البوليساريو بإجراء استفتاء شعبي والحصول على حق تقرير المصير وإقامة الجمهورية الصحراوية المستقلة عن المغرب. كما تدعم الجزائر العناصر المسلحة التابعة لجبهة البوليساريو مادياً وعسكرياً وتستضيفهم في معسكرات بتندوف جنوب الجزائر.
5- إشعال الحرائق في الجزائر: تتهم الجزائر المغرب بالتورط في إشعال الحرائق في غابات الجزائر، حيث صرح الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، خلال ترؤسه اجتماع مجلس الأمن في الجزائر بأن معظم الحرائق التي اندلعت في البلاد نتيجة أعمال إجرامية في الأصل، متهمة "الماك" وجماعة "رشاد" المعارضة، والمصنفتين كمنظمات إرهابية في شهر مايو الماضي، بتلقي تمويل من المغرب التي حرضتهما على إشعال الحرائق في الغابات الجزائرية.
وألقت السلطات الجزائرية القبض على عشرات المواطنين بتهمة الانتماء لهاتين الحركتين، والضلوع في إشعال هذه الحرائق التي أسفرت عن احتراق عشرات الآلاف من الهكتارات من الغابات، ومقتل ما لا يقل عن 90 شخصاً بينهم 33 جندياً.
6- التطبيع مع إسرائيل: تتهم الجزائر المغرب بمنح إسرائيل الفرصة للتدخل في الشؤون الداخلية لمنطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا وتهديد الأمن القومي الجزائري، وذلك عبر توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، واتهام الجزائر للمغرب بالتآمر عليها بالتعاون مع إسرائيل.
ولذلك فقد شهدت الفترة الأخيرة تحركات دبلوماسية مكثفة، قام بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في محاولة لحشد دعم الدول الأفريقية لمنع منح إسرائيل صفة عضو مراقب داخل الاتحاد الأفريقي.
وظهر ذلك خلال زياراته التي قام بها لمصر وأثيوبيا وتونس، وساهم في توتر العلاقات المغربية – الجزائرية مؤخراً تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، خلال زيارته الأخيرة للمغرب، والتي أشار فيها إلى قلق بلاده والمغرب بشأن التقارب الجزائري – الإيراني، مما دفع الخارجية الجزائرية لإصدار بيان اتهمت فيه المغرب بتحريض الوزير الإسرائيلي لإطلاق هذه التصريحات المسيئة للجزائر، التي وصفتها بالمغلوطة والاعتباطية، وتعكس رغبة المغرب لجر حليفه الإسرائيلي لمواجهة الجزائر وتهديد أمنه القومي.
7- التنافس بين البلدين أفريقياً: تشهد الساحة الأفريقية تنافساً شرساً بين دولتي المغرب والجزائر على تمديد النفوذ في الدول الأفريقية كافة، حيث برزت خلال السنوات الأخيرة تحركات دبلوماسية مغربية نشطة في أنحاء القارة الأفريقية كافة.
ونجحت هذه التحركات في إعادة المغرب للاتحاد الأفريقي وتغيير مواقف كثير من الدول الأفريقية تجاه قضية الصحراء، وهو ما انعكس في افتتاح بعض الدول الأفريقية قنصليات لها في مدينتي الداخلة والعيون الواقعتين ضمن إقليم الصحراء المغربية.
وأثارت هذه التطورات حفيظة الجزائر التي قامت بتحركات دبلوماسية مضادة للتحركات المغربية، كما يتنافس البلدان على لعب دور إقليمي في الأزمة الليبية ومنطقة الساحل والصحراء.
8- فشل محاولات المغرب للتهدئة: دعا الملك المغربي، محمد السادس، خلال خطابه الأخير في يوليو الماضي، الجزائر إلى تجاوز الخلافات القائمة وفتح الحدود المغلقة بين الدولتين منذ عام 1994، ودعا الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، إلى العمل سوياً من دون شروط، من أجل "تطوير العلاقات الأخوية" و"بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار"، مخاطباً الجزائريين بأن "الشر والمشاكل" لن يأتيانهم أبداً من المغرب.
واعتبرت القيادة السياسية في الجزائر تلك الدعوة مناورة سياسية من قبل المغرب للتغطية على ما تقوم به من أعمال عدائية ضد الجزائر التي أعلنت أنها ستعيد النظر في علاقاتها مع المغرب بسبب ما تقوم به من أعمال عدائية، ولذلك قامت السلطات الجزائرية بتكثيف مراقبتها الأمنية للحدود المشتركة مع المغرب.
وفي الختام، فإن قرار الجزائر بقطع علاقاتها السياسية مع المغرب هو أمر طبيعي في ظل التصعيد المستمر بين الجانبين خلال الفترة الأخيرة، وارتفاع درجة التوتر إلى حد قطع العلاقات بينهما، وذلك رغم محاولة العاهل المغربي فتح آفاق جديدة للعلاقات مع الجزائر.
ومن المتوقع أن يؤثر قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين على المصالح الاقتصادية لكلا الدولتين، خاصة مع إعلان الجزائر اتخاذ شركة المحروقات "سوناطراك" إجراءات بشأن أنابيب الغاز الذي يربط حقول الجزائر بالدول الأوروبية عبر المغرب، والذي ينتهي الاتفاق الخاص به في أكتوبر القادم.
https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/6544?fbclid=IwAR1QHJZKI8t5hlVG9VBRPd4pOUlKq8xtW_ZTxELul50QZN9ItC3ROP1oEsA