مولود قاسم نايت بلقاسم قامة جزائرية حاربه المتعصبون للأمازيغية والمتعصبون للعروبة


مولود قاسم نايت بلقاسم قامة جزائرية حاربه المتعصبون للأمازيغية والمتعصبون للعروبة %D9%85%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AF-%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%AA-%D8%A8%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%85


مولود قاسم.... وأبناء مازيغ
  هذا الرجل (البلعيالي ) القبائلي[1] المتقن لخمس لغات مشافهة وكتابة [2] الخريج الزيتوني ، و المناضل الصلب في حزب الشعب وانتصار الحريات ، بسجل نضالي ثري في خدمة الوطن قبل الإستقلال ، وبعده كوزير للتعليم الأصلي ،والشؤون الدينية ، ومشرف فعال في ملتقيات الفكر الإسلامي ، هذا الطود الشامخ الذي هُمش قصدا ..، إنه مولود قاسم نايت بلقاسم ، صاحبُ الخرجات الفكرية والإبداعات اللغوية التي ملأ بها الآفاق مثل مصطلحا ته اللغوية الذائعة الصيت منها (الإستدمار ) ، (والمركوبية ) ، (الجمود والهمود و الخمود)،( الإنفصــالية ) ، ( النسخ والمسخ والفسخ) وغيرها من التعابير الدالة على حذاقته وسعة أفقه اللغوي و الثقافي والتي أوردها في خربشاته المختلفة خاصة في مؤلفه القيم “شخصية الجزائر الدولية وهيبتها قبل 1830” .
 الدَّا المولود الذي مات وفي قلبه غصة على حال العربية .
ومهما قيل عنه فهو وطني متميز باعتراف محبيه ومعاصريه ، أممي في فكره ، من دعاة الجامعة الإسلامية ، حريص على اثبات عراقة (الأمة الجزائرية ) ، مناهض للفكر الإستعماري ، ومطاردٌ شرس لفكر البعث برسالته الخالدة ، محب للغة العربية ومدافع عنها أكثر من العرب أنفسهم ، ويقال أنه مات كمدا على تعطيل قانون استعمالها في الجزائر ، وحبه للعربية أدخلته في سجال مع الخصوم عربا وأمازيغ ، هذا الحب للعربية لم يمنعه بالتشبث بأصالته الأمازيغية التي كثيرا ما سببت له متاعب مع النظام الذي حاول تدجينه مرارا وتكرارا ، وهو ما جعله يبحث عن خط توفيقي بين الأمرين لا إفراط ولا تفريط بينهما
الخوض في فكر مولود قاسم نايت بلقاسم يحتاج إلى وقفات ومحطات يصعب لم شتاتها المكتوب بشتى اللغات ، وتفهمه وإفهامه يحتاج إلى جهد جهيد ، وما أريد الإفصاح عنه هو: : هل مولود قاسم كان معتزا بأمازيغيته ؟ ، أما أن حبه للعربية والدفاع عنها جعله من خصوم الأمازيغية ؟ الوصول إلى ذلك يستدعي النبش في كتاباته أو (خربشاته )كما يحلوا له أن يسميها بنفسه ، وأكثر خربشاته حول الذات المحلية ظاهرة منكشفة في مؤلفه القيم ( إنية وأصالة ) .
 التكوين الذاتي ، والنهم المعرفي ، صفتان ملازمتان للدَّا المولود .
التكوين الديني انغرس في وجدان الرجل منذ نعومة أظفاره في قريته الصغيرة (بلعيال ) وزوايا الجوار ، و فطنته الملحوظة ( بحافظة قوية مدعمة بسرعة البديهة) ملا حظات أبداها عليه شيخنا ( الطاهر آيث علجت ) حفيد الشيخ يحي العيدلي بزاوية تامقرة أثناء تدريسه له ، وهو ما أهل الطالب بعدها للطواف بمراكز العلم ،من قسنطينة الباديسية ، إلى الزيتونة بتونس ،إلى أزهر القاهرة التي بناها أجداده المرافقين للمعز الفاطمي ، ثم نحو التغرب باتجاه فرنسا وألمانيا والبلدان الإسكندنافية طلبا للعلم واتقانا للغات ، فحقق بجهده الذاتي ماحققه العقاد بتكونه العصامي ، أو قل هو صنو وشبه ٌ لاثنين من النوابغ الجزائريين سبقوه هما : محمد المشدالي أحد أذكياء العالم ، و الطاهر الوغليسي رائد النهضة في الشام ، وبانصقال شخصيته وانفتاح مواهبه انتجتا علامة إسلامية في روحها ، عربية في لغتها ، وطنية ببعدها الأمازيغي .متفتحة على العالم الإسلامي و الغرب بفضل ما يحمله مع تجارب إنسانية معه أثناء تحريره لكتابه بالألمانية أسماه ( الجزائر )فهوفي وجدانه لم يكن ليعيش إلا لثلاث :الإسلام أولا، والجزائر ثانيا ، والأمازيغية كهوية وطنية ب(ثالث الثلاث ) .
 هل حب مولود قاسم للغة القرآن أنساه نسبه الأمازيغي ؟
  رغم شراسة العروبة وعنفوانها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بسبب تبني نظامنا الجزائري لها تماهيا مع شطحات ناصر القومية لتي تبين خسرانها ، فإن مولودقاسم يفصل بين القومية العربية والإسلام من جهة ، وبين اللغة العربية والعروبة من جهة ثانية ، فتقديره أن اللغة العربية هي لغة دين وليست لغة قوم ، فيوم كانت لغة العرب في الجاهلية لم تكن بقادرة حتى تخطي عتبات الربع الخالي من شبه الجزيرة ، فالإسلام هو الذي أوصلها الى مرتبة متقدمة عند الأعاجم الذين هذبوها ونقطوها ووضعوا لها قواعد تحميها من اللحن ، ومن هذا المنطلق فإن اللغة العربية ليست لغة قوم العرب ، بقدر ماهي لغة المسلمين المؤمنين جميعم من جاوة إلى سمرقند وطشقند مرورا ببخارة والقاهرة والجزائر ، فالعربية فقدت عروبتها الجينية بعد خروجها من شبه جزيرة العرب لتصبح لغة المسلمين بمختلف مشاربهم وأصولهم وقومياتهم ، وهنا تتضح الفوارق بين نظرة المغاربي والمشرقي للغة العربية ، فالمشارقة هي لغة دين وقوم ، بينما هي عند المغاربة لغة دين أكثر منها لغة قوم وأمة لوجود لغة أصلية سبقتها هي اللغة الأمازيغية .
فحب الأمازيغ للعربية والدفاع عنها نابع من هذا الفهم ، وهذا ما جعل مولود قاسم مدافع شرس على العربية ، فهو الذي منع المراسلات الرسمية من غير العربية في وزارته (التعليم الأصلي والشؤون الدينية )، وهو الذي يستهجن الوزراء الفرنكوفونيين أثناء اجتماع مجلس الوزراء ، سجل له أحد الحضورموقفا شجاعا ، بعد أن قدم غالبية الوزراء تقاريرهم بلغة بلزاك وموليير ، وجاء دور الدَّا المولود فخاطبهم ( باللغة الألمانية ) التي يُتقنها فبهتوا ؟؟؟ وبان على وجوههم الإستغراب ، وصارحهم قائلا : الأصل أننا في دولة تتبنى اللغة العربية لغة رسمية والواجب أن نتكلم بها رسميا ، أما إذا كان الأمر اختيارا وحُبُّا فأنا أحب الألمانية وأتكلم بها ! ، وموقف ثان سُجّل له أثناء انعقاد المؤتمر الإسلامي عندما تحدث مندوب إيران بالفارسية ، فأوقفه مولود قاسم بقوله ، أعلم بأنك تتقن العربية ، فإن لم تحدثنا بها فوالله سأحدثكم بلغة لا تجدون لها مترجما ؟ وسئل في آخر الجلسة عن هذه اللغة التي لا ترجمان لها، فقال إنها ( الأمازيغية )، ومن هنا يتضح أن تبني الأمازيغ للغة العربية لا يعني التملص من أصولهم ولا التنكر للغتهم التي ارتشفت من صدور أمهاتهم في جبال الأوراس ، والونشريس، وجرجرة ،ووهاد الصومام وقرى ميزاب …… وهو ما عبر عنه الدَّ ا المولود بقوله [ إنيُّ بلُغتي التي كانت تناغيني بها أمي، وتقصّ لي بها القصص جدّتي، ويتفاهم بها جميع سكّان قريتي، أوحَييِّ في بلدتي أو مدينتي، وأتناغم بها مع أبناء وطني، وأتناجى بها مع آبائي وأسلافي، وأقرأ بها تاريخ وأمجاد أمتي، ومنقوشةٌ بها جدران وصخور بلادي، ألقِّنها أولاد أولادي، وأبلّغ بها رسالتي إلى أندادي، وأفاخِر بها أضدادي][3]
 عطاء مولود قاسم للأمازيغية .
   لا نكران ولا جحود في أن مولود قاسم رحمه الله خدم الأمازيغيته ودافع عنها حيثما كان ، وهو خصم لدود للمتنصلين الذين تماهوا مع الفكر البعثي الوافد ، والفرنكوفوني المسيطر ، فحارب على جبهتين ضدهما مثله مثل محمد أركون في علاقته مع السلفيين والعلمانيين ، فإذا كان أركون يريد التوفيق بين العلمانيين والاسلاميين وتقريب الهوة بينهما ، فإن مولود قاسم يريد تغليب المواطنة الجزائرية بانتمائها الأمازيغي الأصيل… فهو يُعدها النهر الجامع لكل انتماء ، والمصب الذي تسيل نحوه كل الروافد الوافدة غربية ومشرقية ، فهو أمازيغي مسلم بامتياز ، معتز بأممية الإسلام لا بأممية العرب ، فالعرب عنده جزء داخل خيمة الإسلام مثلهم (مثل البنغال والترك والفرس والزنج …) فما عليهم سوى أخذ مقعدهم والجلوس إلى جانب إخوتهم في الإيمان داخل خيمة الإسلام ، والغريب أن بعض هؤلاء العربان يريدون إجلاس الإسلام تحت خيمتهم ،وهو أمر مربك لا يقبله عقل ولا دين .
صدامات الدَّا المولود بدأت على منبر ملتقيات الفكر الإسلامي التي منهجها وأطرها منها :
** قول أحد الخطباء المدعويين بأن البربر أصلهم عرب قدامى من حمير اليمنية ، فكانت ردود الدَّا المولود مفحمة أمام كوكبة من العلماء ،موضحا أن العملية عكسية فالأمازيغ هم الذين هاجروا نحو اليمن ونشروا لسانهم هناك ومنها عبروا إلى جهات الشرق حتى وصلوا للهند ، وقبائل كتامة الأمازيغية التي رافقت المعز الفاطمي فيما بعد تتواجد قبائلها في الحجاز والشام ومصر ، وبقايا هوارة مواطنون حاليا في جنوب مصر والشام ، وغزوة افريقش بن صيفي التي أشار الى خبرها ابن خلدون والتي اعتمد عليها المؤدلجون العرب ومن سار حذوهم ، فندها ابن خلدون نفسه تفنيدا عندما عدها من تخاريف وأكاذيب مؤرخي اليمن .
**أما عن الإنتساب للعروبة فقد أنكره مولودقاسم ، واعتبره صنيعة عروبية ، فالإسلام خلقنا متمايزين ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ- [4] فلو كان ما يقال صحيحا لما حافظ بلال على حبشيته ،ولا صهيب على روميته ، ولا سلمان على فارسيته ، ولا نزلت الآية الخامسة من سورة الأحزاب تحرم التبني [ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ] وهي الآية التي استرد بها ( زيد بن محمد ) لقبه الأصلي الحارثي ، ( زيد بن حارثة)، فهل آن الأوان للأمازيغ أن يستردوا أمازيغيتهم كما استرد زيد حارثيته ؟ ويؤكد في مواقع أخرى بأنها إرادة الإسلام (هذا هو الإسلام،… كردي، وأمازيغي، وتركي، وعربي،…. خير الدّين التّركي، “اليوناني الأصل”، ومحمد بن عثمان الكُردي، ويوسف بن تاشفين، أو عبد المؤمن، وطارق، الأمازيغي، ومحمود الغزناوي الأفغاني، وموسى بن نصير وعقبة بن نافع العربيان. هذا هو الإسلام، هذا هو ثراء الإسلام، هذا هو غنى الإسلام، هذه هي ميزة الإسلام[5]
** في زمن الكبت وتكميم الأفواه ، وزمن الخوف من النطق باللسان الأمازيغي جهارا نهارا ، وحيث طبقت أجندة في الحالة المدنية مفادها أن أحسن الأسماء ما حمّد وعبّد لمنع التسميات الأصلية الأمازيغية من الإنتشار ، هو الوحيد الذي تجرأ على وضع صورة الملك يوغرطة على(غلاف مجلة الأصالة ) ، وهو أمر جلل أحدث استنفارا في الدوائر العليا للدولة منها مقر الرئاسة ، بتحريض من فقهاء ناكرون لكل قديم كافر… ، وهو الذي تجرأ على إطلاق (يوغرطة )على ابنه البكر وسجله عنوة في سجلات البلدية ، وبعدها اسم ( الجزائر) على ابنته الوحيدة ، ولا غرو أن في التسميتين ( يوغرطة ، والجزائر ) بلاغ وجيه ورسالة ذكية لكل حصيف منتبه .
 هذا الرجل الذي كان مسكونا بتاريخ الجزائر .
   هو رابع ثلاثة سبقوه في ميدان التدوين التاريخي للجزائر ، محمد مبارك الميلي ، ومحمد علي دبوز ، و عبد الرحمن الجيلالي ، أما قبلها فكان تاريخ الجزائر يُذكر بشمولية تحت يافطة تاريخ المغاربة بعمومه ، أو تاريخ العرب بشموليته ، فحرص مفكرنا الملهم على تبيان شخصية الجزائر المتميزة عبر مقالات تاريخية مفعمة بعبق الماضي واريجه متوجا جهده بكتاب قيم أسماه ( شخصية الجزائرية الدولية وهيبتها العالمية قبل 1830) أبان فيه عمق الأصالة الجزائرية عبر تاريخها الطويل ( قديمه ووسيطه وحديثه ) دون بتر لأحد فصوله كما يفعل البعض الذين حسبوا تاريخ الجزائر يبدأ من ولوج العرب لهذه الجهات من شمال افريقيا ، عبقريته التاريخية وبحثه الدؤوب مكنته من أن يكون مشاركا في مفاوضات ايفيان وراء الستار بمده مقالا لرئيس المفاوضين الجزائريين ( سعد دحلب) يثبت جزائرية الصحراء بأدلة فرنسية وهو ما أفحم رئيس البعثة الفرنسية ( جوكس ) وخضع للأمر الواقع ، وهو الذي أمد الشاعر مفدي زكرياء بالمادة التاريخية في صياغة ( الياذة الجزائر ) المشهورة .
يرى مولود قاسم بأن التنكر لتاريخنا القديم بما فيه من أحداث ولغة وتراث وحضارة هو ( مركوبية ) التي تعني البخس ونكران الذات وقبول الذوبان في الآخرين ، وهي نزعة غرست فينا غرسا بعد تعاقب الأيام والأزمان حتى أصبحنا ما زوخيين بالفترة ، ويفردُ نقدا لاذعا للمتشككين في وجود (أمة جزائرية ) ويقول ( ولكن لِمَ نلوم الغير، ونحن نُنكر أنفسنا من حينٍ إلى آخر، وبَعْضُنا يكرّر ببلادة وماز وحية، ومحكدية ، وبخسية، ومركوبية:”لسنا أمّة”! ) [6] أما بشان علاقة الجزائر بالدول العربية المشرقية فيقول ( لاشيء يجمعه بالدّول العربية الأخرى من قومية، بل ما يجمعه وشعبه ودولته بها هو الدّين والانتماء الحضاري.) [7] وردا على المشتدقين بانتمائه للعروبة قال(… نرجُو منكم ألاَّ نعود إلى هذه الشّعوبية، والعنصرية والجاهلية… فبالنّسبة لنا العروبة تنحصر في اللّغة العربية، في إطار هذا الملتقى. وإذا كانت هناك شؤون أخرى عربية فتُدرس في إطار الجامعة العربية، وتُدرس بالنّسبة لكلّ بلدٍ في إطار بلاده، لكن عندما نجتمع في إطار الملتقى الإسلامي نتكلّم عن الإسلام، والحضارة الإسلامية، والفكر الإسلامي، واللّغة العربية لنا هي لغة القرآن الّتي نعتزّ بها، بالإسلام، ولغة الثّقافة المشتركة) [7مكرر] لهذا يتوضح بأنه عندما يقول بأننا عرب لا يقصد التنصل من الأمازيغية وإنما يعني أمازيغي ناطق بالعربية ،وإن كان هذا المصطلح ( العربي) لا يعجبني في بلادي لما فيه من إلغاء للآخرين ، ولما فيه ميوعة وتوهيم ، فهو قابل للتلوين فيُحسب ثقافة وحضارة حينا وعرقا غالبا ، فلهذا نتمنى استبعاد هذا الإنتماء العروبي المؤدلج من دساتيرنا لما يسببه من خدوش شعوبية ونعرات عرقية غير وجيهة.
وإدراكا منه لقيمة التاريخ في بناء الأجيال سارع إلى مدارج الجامعة بعد مظاهرات الطلبة لا ستبعاد التاريخ باعتباره مادة بدون قيمة مضافة لهم حين رفعوا شعار ( التاريخ في المزبلة ..) فخاطبهم مولود قاسم في مدرجهم بنرفزته المعهودة [ …. خذوا التاريخ يا شماريخ….] والشماريخ هي الأعراف الطرية للنخل التي لم يستقم عودها بعد ، والتاريخ عنده علم وضعي ، و ليس علما موضوعيا ، وسُجل له موقف رائع أثناء أول زيارة لرئيس فرنسي ( جيسكار ديستان 1975) للجزائر ، الذي صرح في المطار بأن ( فرنسا التاريخية تحيي الجزائر المستقلة. La France historique salue l’Algérie indépendante.» )… وتمتم مولود قاسم في أذن رئيسه بومدين قائلا له ( إنه يشتمنا يا سيادة الرئيس …! ؟؟؟) ورد على التصريح مباشرة يوم غد بمقال أبان فيه ما للجزائر من الأثالة والعراقة التاريخية ما يفوق عراقة فرنسا ، كيف لا و(يوغرطة 160-104 ق/م) زعيم الأمازيغ في مقاومة الرومان ، كان أسبق من زعيم الغال ( فرسانجيتوريكس VERCINGETORIX 80-46 ق.م) في مقاومته لنفس العدو المشترك ، واللذان لقيا نفس المصير السجن والإعدام على يد جلاد واحد إسمه الرومان ..؟؟ ولعل في هاجس اثبات قدم شخصية الجزائر ما دفعه إلى تأليف كتاب ( شخصية الجزائر الدولية وهيبتها قبل 1830 ) والذي يحمل بين دفتيه أجوبة مفحمة لكل متشكك في قدم البلاد وعبادها ، وتلك تصحيحات لفرنسا الإستدمارية وأذنابها في تغييبهم المقصود لعدمية وجود أمة جزائرية قديما .
  الجهد الذي يبذله مولود قاسم في تبيان الشخصية الأمازيغية المغاربية المتميزة ظاهرة في كثير من المواقف ، فهو يرى إن ضياع التاريخ من إضاعة الأصول ، وهو شبيه بصاحب كتاب( مفاخر البربر ) الذي عاش في منصف القرن الثامن الميلادي الذي بذل جهدا في الإبانة عن مفاخر الأمازيغ والرفع من قيمتهم فقد أورد قصة طريفة وقعت في عهد ابن عبدالعزيز العبيدي الفاطمي (411/427هجرية) حيث جرى ذكر المغرب بحضرة هذا الأخير ، فقل بعض الحاضرين ” بلغنا أن الدنيا شُبهت بطائر ،فالمشرق رأسها ، واليمن جناحها ، والشام جناحها الآخر ، والمغربُ ذنبها ؟! ، وكان في المجلس رجل مغربي ( أمازيغي) فقال لهم : صدقتم والطائر طاووس ، يريد أن أحسن في الطاووس ذنبه ” [8] وكأن الفكرة هذه اقتبسها علي الحمامة في (روايته ادريس) من خلال مشاركته في تأسيس نجم شمال إفريقيا ، الذي شبهوه بطائر محلق جسمه الجزائر وجناحاه تونس والمغرب [ 9] .
هل نحن جزء من أمة الإسلام أم جزء من أمة العرب ؟
   فكر مولود قاسم يستهجن الإنتماء للغرب ( بالرغم من حمولته اللغوية والتاريخية الغربية ) ويستهجن أكثر القومية البعثية المارقة ، التي كثيرا ما وصفها ( بالقومية ) التي تضاف النقطة إلى قافها ، وقد يعني بها العمالة والبخس والطابور الخامس في شأن الأمازيغ المنضويين تحت لوائها ، وهو الذي عرَّض بالبعث العربي وسماه ( عبَثا ) ، لأن منشَدُه كمصلح إسلامي هو بعث الإسلام بالفهم الشمُولي من أندونيسيا إلى الأطلسي دون خلفيات عرقية وليس بعث القوم العربي ؟! ، ولهذا نراه متمسكا بالعروة الوثقى التي لا انفصام فيها بين المسلمين ، وهو ساع بقوة إلى ترجمه فكر جمال الدين الأفغاني بشأن الجامعة الإسلامية .
الأصالة ……… ديدنُ الرجل .
في مؤلفه ( أصالة أم انفصالية ) يستشف القارئ الكثير من التلميحات الدالة على الدعوة الى الإعتزاز بأصالة الجزائر ، فهو يرى [.. بأن الأمم بأصلها و أصالتها، و إنّه لا ينكر أصله إلاّ من لا أصل له و لا أصالة!. ..إنّه الفرق بين أمم تعتزّ بأمجاد ماضيها، و تفاخر بعراقة أصلها، و عمق جذورها، و تمكّن قدمها في السباق الفكري و الحضاري على مرّ التاريخ، و تقول في إستعلاء و كبرياء عن نفسها أنّها عريقة، تاريخية، أي أنّها ليست من اليوم، وأخرى ترفع عقيرتها منادية بولادتها اليوم، و بروزها إلى الوجود من العدم، و الخروج من الفراغ ][9] ، ولا أشك في أنه يقصد في تلك الأصالة والأثالة (الأمازيغية ) التي ترجمها وأبانها في كثير من المواقف ، وعدها المنبع الأصيل للأمة المغاربية وإن حاول الطامسون اجتثاثها وجعلها وليدة العهد الروماني أو العربي أو الفرنسي … ؟؟!! وهو حريص على [أن يكون الإنسان ( الجزائري) إبن عصره، مع البقاء على أديم مصره (وطنه )، ودون أن يصبح نسخة غيره][10] وإن أحب العربية باعتبارها لغة دين وحضارة لكنه لم يتخلى عن لغته الأمازيغية التي اعتز بها مرارا كما هو الشأن في قوله المذكور في بداية المقال (راجع رقم 3) .
صفوة القول أن مولود قاسم كان وسطيا في إشاراته وتصريحاته لموضوع الهوية الجزائرية ، فهو ينظر للإنسان الجزائري الأمازيغي بأنه أصيل في هذه البلاد منفتحٌ لسانيا ، خادم للفينيقية واليونانية والرومانية والعربية والفرنسية لطبيعته المتفتحة على الغير ولطواعية لسانه على تعلم اللغات ، فهو قد أفرغ حمولته الفكرية والحضارية في اللغات الوافدة دون لغته الأصلية للعنة قد أصابته على لسان نوح عليه السلام التي برزت بمظهر ( المركوبية) التي أشار إليها كثيرا و التي هي ترجمان لفكر مالك بن نبي ( القابلية للإستعمار



من أعلام الجزائر: مولود قاسم نايت بلقاسم "رجل التعريب"

بقلم الأستاذ الباحث : الطيب أيت حمودة
الإحالات /—————————————-
[1] نسبة إلى قرية (بلعيال ) الجبلية التي ولد بها ، التابعة إقليميا لولاية بجاية .
[2] العربية ، الفرنسية ، الأنجليزية ، الألمانية ، السويدية …. وغيرها من اللغات التي يحسنها بلهجاتها المحلية .
[3] مولود قاسم نايت بلقاسم، “أصالية أم إنفصالية؟”، المقدّمة، ص68.
[4] سورةالحجرات الآية 13.
[5] مولود قاسم نايت بلقاسم، “أصالية أم إنفصالية؟”، الجزء الأوّل، ص191
[6] مولود قاسم نايت بلقاسم،مجلّة”الثّقافة”، العدد96، سنة1986، ص27
[7] و [7مكرر] مولود قاسم نايت بلقاسم، “أصالية أم إنفصالية؟”، الجزءالأوّل، ص399.
[8] علي الحمامي ، رواية ادريس ، ترجمة محمد ناصر النفزاوي .
[9] مولود قاسم نايت بلقاسم ،إنية وأصالة، ص 14-15.
[10] مولود قاسم نايت بلقاسم ، أصالة أم انفصالية، المقدمة، ص 13














https://tafat.net/mouloud-kacem-nait-belkacem/?fbclid=IwAR1YoMtWSXtvqH-4Y-KjNiDtq-7KJ9JMOtpBM6BEgKBKkrOhFpzt0bZxCY0