دلالات الأشكال الرمزية في البساط الأمازيغي: حضور وغياب
الرموز الأمازيغية هي مجموعة من العلامات المعروفة بتصاميمها المتميزة وتتمتع بلغة فريدة وتجسد قوة مبدعيها واستقلالية خيالهم الواسع في مجال الإبداع، أما أشكالها الهندسية فهي جذابة وتوحي بدلالات ورسالات كانت سائدة قبل أن يظهر القلم والورق، فالزربية الأمازيغية تتطلب معرفة عميقة وحسابات رياضية تستحوذ على البال وهي تعد وتعد حتى تنقل عن طريق التكرار والنقل لتفادي الأخطاء مع تجنب أي إضافات تمس الهوية، فالزربية قبل أن تكون إبداعا فهي مرآة تعكس الكثير من ملامح الثقافة الفردية والجماعية.
إن تتبع العلامة من خلال الزربية الأمازيغية بشكل عام يمكننا من معرفة الثقافة التي كانت سائدة في الماضي،بل معرفة الحاضر أيضا في أوجهه المتعددة،كما تمكننا الأشكال التي تُرسم على هذا النوع من المعرفة الشعبية إلى مدى قدرة الإنسان الأمازيغي على تكييف كل ما يوجد حوله من ظواهر؛سواء كانت تتعلق بالمناظر الطبيعية والبيئة المادية المحيطة أو ما يتعلق بالحكايات والأساطير والأخيلة،بل حتى ما يتعلق بالتاريخ وخصوصا الإحتكاك والتأثر بالحضارات الأخرى،إن الزربية إذن من خلال ما قلناه تعد مساحة ملغومة بالرموز والعلامات ومن ثم فهي كل مركب يجمع بشكل ما من الأشكال تجاذبات المعاني والصور المتضادة التي تحكي عن معاناة وأقراح الصانع تماما كما تدل على أفراحه،إنها صيغة رمزية مضمرة تحتاج إلى كثير من التفكيك،وتفكيكها يحتاج إلى قراءة مستفيضة ويقظة .
ما هي الأشكال الرئيسية المعتمدة في الزربية الأمازيغية ؟
كيف يمكن أن نقرأ هذه الأشكال ونتتبع دلالاتها سيميولوجيا ؟
إن الزربية الأمازيغية بمختلف أنواعها تتوفر على كوكبة من الأشكال الزخرفية المتنوعة التي لا يمكن أن تجد زربية دونها سواء في الريف أو الأطلس الكبير أو المتوسط،ولكن رغم أن هذه الأشكال توجد في جميع أنحاء العالم إلا أنها لدى الأمازيغ تحكي عن معاني ودلالات أخرى سنحاول الغوص فيها.
أولا:الأشكال الخالصة ودلالاتها الرمزية في الزربية الأمازيغية
1- الشكل المثلث
في أول قراءة للرموز المثلثة نلاحظ أنها في تركيباتها تتطابق مع التراث الهندسي الفرعوني الذي تقاسمت معه الأمازيغية في السابق تاريخا عدوانيا وثقافة عقائدية كادت أن تكون متشابهة،وانطلاقا من الشكل الثلاثي الذي غالبا ما نجده في الزربية مبنيا من مركبات متماثلة وفي بعض الأحيان متقابلة فإننا في العمق نحصل على أن هناك تقارب بينه وبين الهرم،ولأن من صمم الأهرامات المصرية استلهم ذلك من مواقع النجوم كانت المثلثات الأمازيغية تحاكيها في الإبداع ،ويجرنا الشكل المثلث أيضا والذي في صيغة أخرى أي ما يشبه هرمين مقلوبين إلى معنى ودلالة أخرى لا تتعلق بالمصريين وإنما بالآلهة،ونجد الرمز الذي يسمى ‘أموركشي’ يجسد فعلا أحد آلهة الأمازيغ القدامى،فالرموز الأمازيغية بصفة عامة استعملت في بدايتها للإشارة والنعت ثم التشبيه بأسلوب هيروغليفي عرفه الإنسان القديم،وعندما نقارن بين أنماط من الزربية الأمازيغية وبعض علامات فن النحت على جدران الكهوف والقطع الأثرية المنتمية إلى مختلف الثقافات الأولى التي عرفتها الإنسانية، نجد نفس المبادئ في استخدام العلامات والنماذج والأشكال بل ويمكن أن تفاجأ حين نكتشف بعض أوجه التشابه أو التطابق، وذلك حتى مع مظاهر العصر الحجري القديم الأعلى في أوروبا والعصر الحجري الحديث في الشرق وكذلك حوض البحر الأبيض المتوسط وبالتالي، قد يمكن ربما اعتبار الزربية الأمازيغية آخر دليل شاهد على العالم القديم. على تنوع أشكاله، ويعبر تعدد المثلثات أيضا عن اللغة المجردة والهندسية للزربية الأمازيغية المنشقة بالأساس من الجسد، وبالتحديد من أشكال وظائف الأعضاء التناسلية للإنسان، ثم أنها مبنية بشكل أساسي على الازدواجية والالتقاء المتواجد بين الجنسين، تمثل تعبيرا عن شكل من أشكال سحر الخصوبة الكونية، مشتملة بذلك الطبيعة بأسرها.
2- الشكل المربع
إن من يتمعن في شكل المربع داخل مساحات الزربية سيحسب أنه وضع فقط اعتباطا أو لملئ جوانب معينة فقط،لكن تحليلا عميقا يفيد أن المربع يضمر دلالات سيميولوجية عميقة،أولها أنه سر للنظام ودليل على الأرض لذلك فإن مساحات الزربية الأصيلة يجعلها المربع تابعة للنظام ومنتمية إلى ثقافة الوحدة،إن المربع بشكل أخر مبني بصفة أساسية على الازدواجية والالتقاء المتواجد بين الجنسين،إنه تعبير عن شكل من أشكال سحر الخصوبة الكونية،هو يشمل أيضا الطبيعة بأسرها و يؤطرها كإبداع فني للمرأة الأمازيغية، التي تعكس أولا وقبل كل شيء مراحل حياتها وتجربتها الجنسية كفتاة عذراء، أو كامرأة حديثة العهد بالزواج ،إن التربيع في دلالاته العميقة داخل الزربية يعرف تماما أن صانها لم يدخل بعد إلى القفص الزوجي،تعرف تماما أن اليد الصانعة كانت بالفعل عذراء،وبهذا ينتقل الجسد الأعزب في الانتقال والهجرة بين عدة أنظمة وحمولات،كما أن الجسد كيان رمزي يعمل على مداورة واختراق وضعه الهامشي بتمديد مجاله الرمزي والبلاغي،حيث يمكننا اعتبار البساط والنسيج امتدادين للسند الجسدي وفضاء أخر لاشتغال الدليل ضمن حركة المغايرة وحديث اللاوعي، ومن ثم تكون سلسلة المربعات المتقابلة مساحة رمزية يعبر فيها الجسد عن رمزيته ويترجم صوته ورغباته عبر مختلف الأنظمة الدلالية التي تؤرخ لوضعه الهامشي وما يحيل عليه من أشكال القمع أو الإخفاق أو المتعة أو الصراع ،إن تتبع العلامة المربعة أيضا يحيلنا على أشياء كثيرة من بينها أنه رغبة عن الامتداد الجغرافي وتطلع لمستقبل مزهر يملأه النظام والانتظام.
3- الشكل الدائري
إن الدائرة في الزربية الأمازيغية في إحدى مدلولاتها السيميولوجية إشارة إلى الاكتمال والتكامل في نفس الوقت،وهو يشير إلى لعبة حضور شريك خفي يستلزم الغياب،فغياب التماثل التركيبي بالشكل واللون في فضاء البساط،يوحي باقتصاد دلائلي ويحيل أيضا على استحضار مجازي للجسد الأنثوي الصانع،فالدليل المنسوج يستدعي حضور شريك خفي،والتماثل والحضور داخل وسط الدائرة مضمران في الغياب،إذ أن الجسد هنا ومحيطه الرمزي،وعلى نحو امتدادي يشغر الفراغ ويدلل التكامل الروحي الحاضر والغائب معا ليعبر عن تبادل مفعم بالحيوية وعنف ورغبة ومتعة محظورة تعبر عنه يدي الصانع،إنه بكل بساطة تعبير عن وجود روح أخرى تتماثل مع الصانعة وتوحي لها بالإبداع.
وبالإضافة إلى هذا الاكتمال تكون الدائرة فضاء معلنا عن الضوء الساطع الذي يكشف الظلمة وينير الفراغ،وبالتالي فإنه مصدر للنور المبتوت في قلب الجسد الصانع،وتعبير عن أنه ينتمي إلى عالم يسوده البياض،تتخذ الدائرة معالم كثيرة تستدعي أيضا ثنائيات الحضور والغياب التي يحضر فيها البعد التعددي بين الرغبة والحاجة والظلمة والنور والتأمل والشرود وهي كلها دلالة على الانتماء إلى فضاء مفعم بالروح.
4-الشكل النصف الدائري
إن الحوار الذي يضمره هذا الرمز في الفضاء المنسوج هو حوار يعبر عن امتداد حميمي وعن جسد مليء بالأوجاع الطبيعية التي تفتح المجال لخصوبة الأثر الذي يعتنق المحظور والمحرم،إنه دليل على رمزية الخصوبة والإنجاب،إذ تتخذ الأهلة النصفية في فضاء الزربية الأمازيغية مع حركية ألوانها البيضاء والحمراء على عمق أممي وإيقاع موسيقي موجع لا يدل سوى على جسد منجب مخصوب،أليس الإنجاب إذن صيغة انفلات من المحرم الذي يمتد ليصادر حتى متعة اللون،فالحمرة كما جاء في تفسير الأحلام زينة الشيطان وهنا تتوضح دعوة الغواية ولعبتها الصامتة،بل إن التواصل عبر إستراتيجية المظهر النصف الدائري في رحاب الزربية دليل بصري يعبر عن الزينة ويقرن الجسد بالمتخيل وبموضوع الغواية الذي يعيش فيه الجسد استيهامه الشهواني حيث تطفو متعة التبادل والإنجاب كمحاولة لكشف المحظور وتمرير المكبوت.
هذا الترابط الرمزي الذي يصل دلالة الخصوبة بالنموذج الكوني والأرض المنجبة وهذا الانتقال الدلائلي الذي يصل الإنجاب بالمتعة الشهوانية واختراق للمحظور والمحرم يحملان أثر الرغبة وقوة الحلم والهوية المذهلة التي تشكل كافة خدوش هذا الجسد الجريح،والقابع تحت وطأة التحريم والتحريف الذي طال صوته ونبضه المنسي.
إن الرمز النصف الدائري في الثقافة الإسلامية يحيل بالدرجة الأولى إلى الزمن المقدس زمن الصوم والحج والطواف،وهو في فضاء البساط الأمازيغي دليل على الاختراق اللاشعوري للمحرم ومن ثم فهو تعبير صاروخي للمدنس،وهذا التعارض إنما يعكس حضور ثنائية التضاد التي كانت حاضرة منذ زمن الفتح الإسلامي،لذلك ظل النصف الدائري في البساط الأمازيغي تعبير لا شعوري عن قومية مغتصبة وعن تاريخ مشوه ظل يعاني لفترات غير يسيرة،مما حدى بأن يقلب إلى معنى آخر يعانق المحظور،ومن الواضح أن الجسد الصانع يعيش هذا التضاد في داخله وعبر عنه في البساط المنسوج بشكل أكثر عمقا وأحسن صياغة .
5-الشكل الخطي(المستقيمات)
إن من يلمس الزربية الأمازيغية بيده لا ينفك أن يجد داخل مساحتها المزخرفة خطوطا قد تكون متوازية أو متقاطعة على شكل حرف إكس أو عبارة عن قطع ملتوية متفرقة هنا وهناك،إن استعمال الشكل الخطي الذي يتوه داخل البساط بدون نظام لهو تعبير مقنع عن تشظي الذات الصانعة وعن احتياجها للنظام وعن بعثرتها داخل النظام العام.
إن الخطان المتوازيان لهما دليل سيميوطيقي عن أزلية الصراع الذي لا يمكن أن ينتهي،يستقي الجسد الصانع ذلك من حركيته الطبيعية ويعبر عنه في تناسق مذهل داخل الفضاء المنسوج وهو على يقين أن الخطان في الصراع لا يلتقيان ويظلان معلقين إلى ما لا نهاية،كأنهما تعبيران يدللان عن تنازع قوتين إحداهما تمثل الشر والأخرى تمثل الخير،إن هذه الثنائية التقابلية حاضرة بقوة عندما يعبر الجسد الصانع عن نسيج من الأشكال داخل فضاء الزربية الأمازيغية،حينما يضعهما متوازيان يخترقان باقي الأشكال الرباعية والثلاثية فإنه يعلم أن هذا الاختراق يدل على لغة رمزية ذات حمولة تفيد بالفعل أن العالم في صراع.
لكن عندما يعبر الجسد داخل الفضاء المنسوج بخطين متقاطعين على شاكلة إكس فإنما يريد ان يقول أن الحياة لا يمكن أن تستمر إلى بوجود روحين إحداها يعبر عن أنثوية الجسد والأخر يدل على خشونة الذكورة وبين الأنثوية والذكورة يحدث التقاطع ويستمر النظام،لذلك فإنه عندما ينكسر النظام لا تجد الأيدي الصانعة سوى تعبيرات مجازية على شاكلة قطع صغيرة مستقيمة مبعثرة داخل المساحات الفارغة تعبر عن غياب وضياع لا قرار له،من جهة أخرى فإن القطع الخطية التي تملأ الفراغ في إحدى مدلولاتها الكثيرة تعبير أيضا عن ضياع الهوية وتفرقها داخل الفضاء الجغرافي كأن الجسد الصانع يريد أن يتكلم من خلال الرموز الملتوية وهي فعلا ذات طبيعة غريبة تمثل الغربة والضياع.
6-الشكل النجمي:
يتخذ هذا الشكل داخل الفضاء المنسوج أشكال أخرى فهو تارة على شاكلة نجمات وتارة أخرى يتخذ أشكال قريبة من ذرة الثلج،وفي أحيان أخرى فهو يشبه الفراشة،إلا أنه في غالب الأحيان ما يتخذ شكل جناح الطائر،زد على ذلك فإنه يتجلى في بعض الأعمال المنسوجة الأخرى على شاكلة طير كامل،وبين دلالات هذه الأشكال المتعددة يصرح الجسد عن خطابات سيميوطيقية متفرقة ومدفونة في أعماق الثقافة الأمازيغية منذ الأزل.
إن الأشكال النجمية لم توجد في البساط المنسوج عنوة،ولكنها وضعت بعناية وبتشبيهات واستعارات أسطورية وبأخيلة رقيقة نعلم أنها من وحي الأنثى الحساسة والمتأثرة،إن هذه الرموز استعملت في بداياتها للإشارة والنعت ثم التشبيه بأسلوب هيروغليفي عرفه الإنسان القديم،فقد كانت وسيلة تواصل بين النخبة في نطاق محدود وأدت وظيفتها مثل كل الكتابات القديمة التي كانت عبارة عن علامات منقوشة على الحجارة والجذران وعلى جلد الحيوانات والطيور والنباتات وكانت تمرر رسائل مفهومة تساعد على التواصل بطريقة ما،وكانت تعبر عن ثقافة هي في جوهرها ذات حمولة.
فالتحليل السيميولوجي لشكل النجمة داخل البساط الأمازيغي تعبير حر عن أنثوية العالم،عن الأم التي تحرس الكون داخل الفضاء المليء بالمخلوقات العدائية وعن النور الساطع الذي يضيء المكان والذي لا يترك للغريب فرصة التسلل،إنك تعرف من خلال أشكال النجوم التي تتفرق على ركنيات الزربية أن صانعها هو جسد أنثوي عاش فترات عصيبة ليحمي أولاده وهو يقول أنه لازال يحميهم حتى ينتهي القدر،ومن ثم يكون النجم دليل بصري مرسوم ومنسوج يشكل باستمرار قناة تمر منها دلالات الجسد وتجليات وضعه ووجوده وخصوصيته .
لكن ذرة الثلج التي تنسل لتشوه النجيمات الساطعة لدليل عن قسوة الطبيعة؛إنها تعبير ينسل فوق البساط ليقول لنا أن الإنسان مقهور بطبعه وأنه لابد من الصبر حتى ينكشف الفرج،والصبر هنا في ثقافة الذكورة تعبير عن الأنثى عن صمودها وعن تضحياتها وعن إخلاصها وعن شراسة طبعها في مواجهة الطبيعة القاسية.
بل إن تتبع العلامة النجمية يأخذنا في سفر دلالي ذا حمولة خيالية،إذ كيف يمكن أن تتحول النجمة إلى ذرة ثلج ومن ثم إلى شكل فراشة؟ أليست الفراشة أخف وأرق الكائنات الحية التي تطير؟ أليست الفراشة تعبير عن ألوان زاهية تتداخل وتندمج لتمنحنا الروعة والخلود؟ أليست الفراشة بألوانها وأشكالها العجيبة خلاصة ورود سرمدية استنشقتها؟ إنها بالفعل داخل البساط المنسوج علامة على الحرية وتوق للخلود،إن يد الصانع عندما تضع الرمز على شكل فراشة فإن هذه اليد تعبر عن جسد خاضع للضغط ومن ثم فهو يفجر الضغط على الفضاء المنسوج لينطق بالمكبوت جهرا؛امنحني الحرية ودعني أطير لأكتشف العالم،والمعنى يكاد يكون نفسه حينما يعبر الرمز عن الطائر،إلا أن له دلالات مضمرة أخرى منها أنه سيد الفضاء.
لكن عندما يضع الصانع فقط الجناح (جناح الطائر)مـــا يسمى بالأمازيغية ‘ ثاافروث ‘ والتي تعني الجناح وترمز إلى الطيران،فإنه يضعه كتعبير عن الانحصار والقيد،إنه في حمولة أكثر دلالة يفصح عن أن اليد الصانعة يد مغلولة مقيدة لا تستطيع أن تمسك بالحرية أو أن تنال منها يوما،وهو تعبير لا يمكن أن نخرجه عن إطاره العام داخل الثقافة الأمازيغية بصفة عامة حيث لا يجوز للمرأة أن تأخذ كاملة حريتها فهي مراقبة من طرف الأب والإخوة أو الزوج بل أنها مراقبة حتى داخل المجتمع بشكل عام .
7- الشكل المعين:
إننا لا نجد تفسيرات سيميولوجية ظاهرة لهذا النوع من الرموز داخل فضاء الزربية المنسوج رغم أنه يدخل ضمن التشكيلة الزخرفية الأساسية،لكن تحليلا عميقا يكشف أن المعين عبارة عن مثلثين موضوعين بطريقة عكسية،فإذا كان المثلث الواحد تعبير عن الكونية وعن الخصوبة والعطاء،فإن المثلثين المقلوبين دليل صارم على التعارض القائم بين الأنواع البشرية،بل إن المثلثين المقلوبين رأسا على عقب في تعبيرات دلالية في الثقافات الهندية دليل على تقاطع الذكر وهذا التقاطع إنما يعكس في تلك الثقافة قضية التناسل والإنجاب والخصوبة،لكنه في الثقافة الأمازيغية يعني العكس تماما لأنه يعكس الصراع القائم بين الزوجين،فقط أخذ هذا المعنى من الأخيلة والأساطير التي كانت تتحدث في القديم عن صراع ‘إلهة الحب والخصب الأنثى’ وإله الغضب الذكر ‘ الذي أراد أن تكون له السيطرة،لا نعرف سبب هذا المعنى لكننا في تحليلنا ملزمون في النهاية أن نقر بأن لها نفس المعنى.
ثانيا:الأشكال المختلطة ودلالاتها الرمزية في الزربية الأمازيغية
كل الرموز التي تتداولها ‘موزونى’ في أعمالها ليست مجردة،بل تحمل أسماء ومعاني مأخوذة من المحيط منذ زمن بعيد، لكن بسبب الإهمال وعدم الاهتمام اختفى منها الكثير واندثر ولم يبقى إلا القليل التي تم توظيفه في الوشم كوسيلة لفرز الشخصيات الأمازيغية،وفي تصاميم بعض الحلي لأغراض الزينة ثم في الزربية ككتاب مموه،ومن بين الأسماء المتبقية نجد ‘ثاصيوان’ وهي نوع من الطير، و’ثافروث’ التي تعني الجناح وترمز إلى الطيران، و’أموركشي’ التي ترتبط بالحقوق والألوهية ثم ‘بوكور’وهو عضو من الأعضاء البشرية، بالإضافة إلى ‘ثافنزارات’ و’تاعوليث’و’ثاشمان’.
وهي كلها أسماء تدل على كثير من الأشياء منها أن الحضارة الأمازيغية تأثرت كثيرا بالشعوب الفرعونية المصرية في هندستها والحضارة الفارسية والهندية في ترسيماتها وتصويراتها والحضارة اليهودية في اعتقاداتها،كما تأثرت أيضا بالحضارات الأورومتوسطية الحديثة مما أدى إلى ظهور أشكال جديدة في الزخرفة المنسوجة على بساط الزربية، منها على وجه التخصيص الأشكال التصويرية التي تصور الإنسان والحيوان في كليتها بعدما كانت الزربية تعتمد على بعض من أجزاء الإنسان والحيوان،ثم الأشكال الكتابية حيث بدأنا نجد زرابي أمازيغية تكتب فوقها تعبيرات كلامية وصيغ دلالية بالحروف لها معنى متعدد بعدما كانت مقتصرة على الحرف الرئيس الذي هو حرف ‘الزاي –زيين’،وأشكال أخرى كالشبه المنحرف والمستطيل ونجمة داوود أو خاتم سليمان،وهي كلها أشكال دخيلة ولها معاني دلالية سيميوطيقية داخل ثقافتها الأصل لأنها تشكل جزء مهما من الاعتقادات والأساطير في تلك الثقافات ومعظمها كان تفسيرا لمظاهر الكون المتعدد والذي اعتمد بالأساس على التنجيم وطقوس السحر المعمق للوصول إلى تفسير الواقع عبر شعائر تخلد الآلهة والأرواح المقدسة المرتبطة بالشمس والقمر كما نجد في الحضارة اليهودية والهندية.
عندما نحاول قراءة هذه الرموز فإننا فعلا نتوه داخل البساط المنسوج والسبب في ذلك أن الأشكال التي ثم إدخالها في فضاء الإبداع لم تقحم هكذا فقط وإنما لأسباب متعددة منها ما يتعلق بالأبعاد الاقتصادية،وبالتالي فيد الصانع المبدع الذي كان يعبر عن أحاسيسه الذاتية والجماعية داخل الفضاء الجغرافي الأمازيغي سارع اليوم في الاندثار فأصبح يروج فقط لطريقة الاستهلاك مما أدى إلى ضياع الحمولات الرمزية والمعاني المبطنة.
إننا هنا لا نتحدث عن النساء الأمازيغيات الأصل اللاتي ضللن إلى حد الآن متمسكين بفنهم ذا الحمولة المتميزة وذا الدلالات السيميولوجية العميقة،بل نتكلم عن الدخلاء من الصانعين والصانعات ونتحدث عن الأشكال الدخيلة التي لا يمكن أن نجد لها تفسيرا داخل النسق العام للبناء الإجتماعي الأمازيغي ببيئته وطبيعته رغم الأساطير والخرافات والاعتقادات التي تتشارك فيها كثير من الشعوب خصوصا القديمة منها،هذا إذا علمنا أن تلك التعبيرات التي تنسج على الفضاء المبسوط والمنسوج بأنامل ملهوفة وتواقة إلى التحرر هي علامات تحتاج منا إلى كثير من التحليل والتعمق،فالصانعة تعتبر البساط جسدا حيا تتفنن في خلقه وتضع له ألوان تتعلق بالليل والصباح والشمس والقمر ولكن حينما تستعير من ثقافات أخرى فإنما تريد ان تقول أن الخاصية المستلهمة هي هويتها الأصل هي الإنسانية التي نتشارك معها القيم والروح والجسد.
إن الدليل المنسوج إذن رغم التأثيرات ورغم الدخلاء ولو أنه رمزي لا نلامسه فهو فضاء خاص وعام في نفس الوقت ويفصح عن أيقونات ملغومة بصريا تستدعي العودة إلى الكتابات القديمة التي لم تتوقف لحظة عن الحلول فين بتعبير الخطيبي،ومن ثمة فمساحة الزربية لدى الصانع هي فضاء دلالي يمتد مجاله ليتسع طردا للهفات الحلم وأسرار الحكاية وروعة الأساطير،بل إن الرمز مهما كان حسب ‘دويري’ لكي يقوم بالتجسيد عليه ان يحتسب في لعبة حضور شريك خفي يستلزم الغياب ،فغياب التماثل التركيبي بالشكل واللون على فضاء البساط يوحي باقتصاد دلائلي ويحيل على استحضار مجازي للجسد الأنثوي الصانع وهو جسد مرهف وثقيل يعكس الثقافة الأصل ويدلل على معاني رغم كل ما قلناه لم نصلها بعد .
المراجع
1. رشيد الحاحي : ' سميائيات الرمزي في التشكيل اليدوي من الإسم الشخصي إلى الجسد الجريح ' ، مجلة علامات ، المغرب ، العدد 17 ، المغرب .
2. فريد الزاهي : ' الجسد والصورة والمقدس في الإسلام ' ، دار إفريقيا الشرق ، الدار البيضاء- المغرب ، طبعة 1999 .
3. فريد الزاهي : ' السميائي والرمزي ' ، مجلة علامات ، عدد 9 ، المغرب.
4. رشيد الحاحي : ' أسطورة الجسد في عصر التقنية ومجتمع الإستهلاك ' ، مجلة فكر ونقد ، عدد 30 ، المغرب .
5. عبد الكبير الخطيبي : ' الإسم العربي الجريح ' ، دار العودة للطباعة والنشر ، بيروث-لبنان ، طبعة 1980 .
6. يزيد العطو : ' الزربية،ذاكرة موزونى والصوف ' ، المطبعة السريعة ، القنيطرة-المغرب ، الطبعة الأولى 2012.
1. G.Durand : les structures anthropologiques de l'imaginaire ,Bordas, Paris ,1969 .
2. R.Barthes, l'empire des signes , éd. champs /Flammarion,1970 .