تصحيح المغالطة التاريخية المتداولة حول الاسم الإثني” بربر” للأمة الأمازيغية
كثيرا ما نلاحظ خلطا في إستعمال تسمية “البربر” للتعبير عن سكان شمال إفريقيا المحافظين على لغتهم وهويتهم دون دراية بمدلولها ولا بأصلها التاريخي بل يتعمد استعمالها في بعض الحالات بمدلولها القدحي لغرض تهجمي أو عنصري ، رغم أنها تسمية غريبة عن الشعب الأمازيغي أطلقها الأجانب عليه ولم يرتضيها سكان شمال إفريقيا لأنفسهم ، كما لاحظنا كذلك تجذر إستعمال هذا المصطلح الوافد حتى من طرف بعض الكتاب المحليين المفرنسيين لكن بصيغة محرفة قليلا “Berbères” ،على هذا الأساس سنحاول عبر هذا المقال المتواضع الحديث عن الأسماء الإثنية التي أطلقها الأجانب على الشعب الامازيغي عبر التاريخ ونحاول الكشف عن مصدر وتاريخ بداية إستعمال مصطلح “البربر” عليهم ثم في الأخير سنتحدث عن الإسم الحقيقي والأصلي المحلي الذي سمى به شعب شمال إفريقيا نفسه منذ التاريخ القديم وعن الأدلة التاريخية التي ورد فيها والتي تثبة أصالته وأقدميته .
الأسماء الإثنية (Ethnonyme) التي أطلقت على الأمازيغ عبر التاريخ :
لقد سمي الأمازيغ بتسميات مختلفة من طرف غيرهم ،وهو أمر حدث مع الكثير من الشعوب القديمة، فكان اسم “الليبو” أقدم إسم عرف به الشعب الأمازيغي منذ الألف الثانية قبل الميلاد من طرف جيرانه المصريين الذين إرتبط بهم بعلاقات وطيدة أحيانا ومتفاوتة بين الحرب والسلم أحيانا أخرى ، لم يختلف الأمر عند الاغريق في التعبير عن جيرانهم بإسم “الليبيين” للإشارة الى أصحاب البشرة البيضاء التي تسكن شمال إفريقيا التي كانوا يسمونها ” ليبيا” (1) . وفي عبارة مهمة للمؤرخ الاغريقي هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد سجل لنا الوحدة الإثنية لسكان شمال افريقيا التي كان يسميها هيردوت “ليبيا” … وأني لأضيف إلى ما ذكرته عن هذه البلاد أنه بقدر ما تسعفنا معلوماتنا تعيش هناك أربع أمم لا أكثر، اثنتان منهما أصليتان واثنتان غير أصليتين، فالليبيون في الشمال والأثيوبيون في جنوب ليبيا أصليون ، أما الفينيقيون والإغريق فأنهم استقروا فيها فيما بعد ” (Herodote ,IV.197) وقال كذلك : ” المنطقة الساحلية من ليبيا الممتدة من مصر الى رأس سوليس الذي يسجل نهاية القارة الليبية الى الغرب آهلة بالليبيين ” (Herodote ,II. 32 ) ، نشير فقط إلا انه يقصد بالأثيوبيين أصحاب البشرة السوداء الذين تظهرهم رسومات التاسيلي ناجر وهم مطاردون من طرف الليبيين الذين يركبن العربات .
بقي نفس الاسم في الفترة البونية حيث ورد إسم الليبيين بصغة (L B K Y) وأحيانا بنطق محرف فرضه اللسان البوني مثل ل م ي (LMY) و كذلك ل ب ت (LBT) وهي كلمات لنفس جذر ليبي لدلالة على السكان الأصليين لشمال افريقيا .
ثم أطلق اللاتين إسم إفريقية (Africa) على المقاطعة الموافقة لشمال شرقي البلاد التونسية بعد إحتلالهم لقرطاج، لكن سرعان ما سيتم تعميم كلمة إفريقية على كل شمال افريقيا، لتأخذ نفس مدلول كلمة ليبيا عند الاغريق التي كانت تعني كل شمال افريقيا (2) .ثم تعمم تسمية افريقيا في القرن الحديث على كل القارة ، وكانت روما تسمي سكان شمال إفرقيا بالأفارقة والليبيين في حالة التعميم وتسمي سكان مملكة الماسيل والماسيسل بالنوميديين والغربيين بالمور .
وقد لوحظ أن هذا مصطلح ” بربر ” بدأ في مؤلفات اللاتين المتأخرة من خلال المؤرخ الروماني سالوست (Sallustins CRISPUS) في كتابه Bellum Africum أي بعد نشوب الحرب بين الأمازيغ والرومان ، ونشير بأن سالوست كان حاكم ولاية أفريقيا الجديدة AFRICA NOVA التي كونها قيصر من الأراضي المنتزعة من مملكة يوبا في 45 ق.م وقائد الحملة العسكرية الرومانية على يوغرطة ، وقد استعمل مصطلح البربر كإسم قدحي لنعت الخصوم في إطار الصراع والخصومة فقط ففي نفس كتابه الحرب اليوغرطية ( الحرب ضد يوغرطة ) قال أن السكان الأوائل لشمال افريقيا هم الجيتول والليبيين (3)، والجيتول الرحل هم أسلاف امازيغ الجنوب الذين يختلفون عن الليبيين المزارعين والمستقرين في الشمال في النمط المعيشي فقط وليس في الاثنية ، ولم نجد في روايات القدامى من الاغريق واللاتين أي إستعمال لمصطلح “البربر” للاشارة على مدلول إثني عام لشعوب شمال افريقيا أبدا ، حتى في الحقبة البزنطية حيث يظهر إستعمل إسم المور ( Mauri , Maures) على نطاق أوسع ليشمل كل الأمازيغ الذين لم يخضعوا للسيطرة الرومانية البزنطية ، ويقصد بالمور الغربي، وأحفاد هؤلاء الموريين هم من سيغزو لاحقا الاندلس بقيادة طارق بن زياد وسيطلق إسم الموريسكيون عليهم .ولازال اسم المور حيا في تسمية موريطانيا الى الأن .
فمتى ومن قام بتعميم مصطلح “بربر” على كل سكان شمال إفريقيا إذا ؟
ولأن التاريخ يكتبه المنتصرون فإن المؤرخيين العرب المسلمين مع وصول الاسلام الى شمال إفريقيا هم من سيطلقون تسمية ” البربر” على الامازيغ و” البربرية ” على لغتهم ، وسيتم تعميم مصطلح “بربر” بشكل شامل وموسع ليعوض مصطلح الليبيين القديم عند المصريين والاغريق ، ويرجع إبن خلدون ذلك الى أن العرب لم يفهموا حديث الأمازيغ، فقالوا انها بربرة ،أي حديث غير مفهوم، كما أطلقوا من قبل تسمية ” العجم ” على جيرانهم الفرس ،نسبة الى أصوات العجماوات (الحيوانات) ، ويفهم من هذا أنه لا علاقة لتسمية ” البربر” بالاسم أو الصفة اللاتينية ( Barbaroï, Barbarus) التي أطلقها الإغريق واللاتين على كل الشعوب التي لا تنتمي الى الحضارة الإغريقية-الرومانية ، لكن المؤرخ الفرنسي إستيفان قزال لا يوفاق إبن خلدون في هذا ويقول : “ولقد وجد الفاتحون المسلمون عند قدومهم طائفتين متميزتين من السكان ، إحداهما تتحدث بالاتينية وكانت مسيحية ، والثانية حافظت على لغتها وعاداتها كما حافظت في الغالب على آلهتها الوثنية ، فالآولون كانوا هم الروماني Romani والآخرون هم البارباري Barbari ، وقد حافظ العرب على الإسمين بحيث دعوا الأولين باسم الروم Roum ودعوا الأخريين باسم البرابر Braber وهذا الاسم الأخير حوفظ عليه في الكتابات الادبية ، ولم يحتفظ به إلا قليلا في لغة الشارع التي ليس لها اليوم لفظ عام إطلاقه على من يسميهم الفرنسيون بعد الإغريق والرومانيين والعرب باسم البربر Berbères ، فهو لم يطلق إلا على مجموعة هامة من الجبليين المغاربة . فيجب إذن التخلي عن الرأي الذي يقول إن اللفظ اسم سلالي له أصل أهلي ويرج لتاريخ بعيد” (4)
ومن خلال كلام كل من إبن خلدون وقزال وما سلف ذكره يتضح أن العرب بعد وصول الاسلام الى شمال افريقيا هم من عمم مصطلح “البربر” وهو ما يذهب اليه المؤرخ Yves Modéran كذلك (5)، وهم موضع بحثنا رغم بقاء إشكالية المصدر التي أخذ منها العرب كلمة “بربر” عالقة في غياب الأدلة ، حيث أن كلمة “بربر” لم تكن تستعمل في أدبيات اللاتينية على سكان شمال افريقيا كما أشرنا ؟ كما أن الأدبيات البزنطية التي إحتك بها العرب المسلمين كانت تصنف سكان شمال افريقيا الى المور(Maurforum) وهم سكان شمال افريقيا المحافظين على لغتهم وعاداتهم والى الروم (Romanorum) وهم السكان المحليون الذي ترومنو وأعنتقوا الحضارة اللاتينية والمختلطين بالجالية الايطالية الرومانية . فهل سمى العرب كل الآهلي الوثنيين الذين قاوموهم بالبربر لتميزهم عن الأهالي المسحيين المترومنين والناطقين بالرومية ؟
ما يهم بحثنا هنا هو تعميم مصطلح “بربر” في القرن السابع ميلادي ليصبح مصطلح إثني ، كما حدث مع الاغريق الذين قام الرومان بتعميم إسم الجزء على الكل وهو اسم (Graeci) الذي لم يكن الاغريق يسمون به أنفسهم بل كان يخص مجموعة من السكان في منطقة مطلة على مدخل البحر الأدرياتي مقابل الساحل الإيطالي ثم أصبح الاسم علما على الشعوب الإغريقية كلها ،كما أخذت الشعوب الإيطالية إسم الرومان من مدينة روما التي تحولت الى عاصمة …، فقد إتسع إستعمال إسم بربر أكثر خلال القرن السادس عشر الى غاية القرن الثامن عشر من طرف الأوروبيين والامريكيين الذين وصفوا به كل سكان شمال افريقيا بأمازيغهم الناطقين ومستعربيهم وحتى الاتراك الذي كان يحتلون المدن الساحلية ، ولاشك أنهم أخذوا اسم بربر من كتب مؤرخي العرب في تلك الفترة عبر الاندلس .حيث كان الغرب في تلك الفترة يسمي شمال افريقيا برباري (Barbarie)، وهناك حديث كثير للمؤرخين الغرب عن حرب الساحل البربري (Barbary Coast War) التي وقعت بين الاسطول الأمركي وقراصنة ” البربر” بي “بربريا” سنة 1801 -1805 .
خريطة شمال افريقيا رسمت سنة 1771 مكتوب عليها بربريا (Barbarie)
خريطة شمال افريقيا رسمت سنة 1771 مكتوب عليها بربريا (Barbarie)
إنتقلت هذه التسمية الى الفرنسيين لدى إحتلالهم للجزائر وأستعملوا إسم البربر للاشارة الى السكان الاصليين في الجزائر عند إحتلالهم لها لكن بصيغة بيربير ” Berbères ” وهي التسمية المستعملة أكاديميا الأن عند الفرنسيين وبعض النخب الأمازيغية الفرنكوفونية .
إذا كانت كل هذه التسميات السالف ذكرها (ليبيين، نوميد ،إفريقيين، مور، بربر..) هي مجرد تسميات أطلقها الأجانب على الشعب الأمازيغي ولم يسمي نفسه بها فما هي التسمية التي أطلقها الشعب الأمازيغي على نفسه عبر القرون ؟ وهل هناك وثائق تاريخية تثبت ذلك ؟
مازيغ إسم إثني أصلي لسكان شمال إفريقيا ظارب في التاريخ :
الاسم الصحيح والوحيد الذي إرتضاه الأمازيغ لأنفسهم منذ القدم والى غاية اليوم هو مازيغ ، أمازيغ ، إمازيغن وتمازيغت بصيغة المؤنث للغة وكذلك للمرأة ، وقد أكد المؤرخ قابريال كامبس وأغزال أن هذا الاسم واسع الانتشار في كل مناطق شمال إفريقيا وفي مختلف الحقب التاريخية تجاوز إسم الاشخاص الى أسم الأماكن كذلك، وجذره اللغوي هو (م ز غ M Z G ) أو (م ز ك M Z K ) ورد في الاسماء التي نقلها لنا المؤرخون القدامى عن الشعب الذي سكن شمال افريقيا بأسماء ذات الجذر اللغوي (م ز غ M Z G ) ،وقد جاء عند لغبرييل كامب مايلي : “.. وكما سنرى في ما يقابل من هذا الكتاب ،فأن الكثير من القبائل البربرية القديمة كانت تُعرف في العصور القديمة بإسم المازيس Mazices ، وهو في الحقيقة اسم يطلقه أغلب البربر على انفسهم : إمازيغن Imazighen (مفردها أمازيغ Amazigh ) وقد نقل الأجانب هذا الأسم في صور شتى، فجعله المصريون مشوش، وجعله الإغريق مازيس – Mazyes ، أو ماكسيس Maxyes ، وجعلوه اللاتين مازيس Mazices و ماديس Madices . وذكر المؤرخ الكبير ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي أن فرعا من البربر وهم البرانس ، ينحدر من Mazigh مازيغ ..” (6)
وجاء في المجلد الرابع من كتاب (University Press, 1837) أن المؤرخون اللاتين والرومان قد حرفوا إسم مازيغ الى مازيس ومازيكس .. وهذا إقتباس من النص : ” The Greek and Latin historians seem to have corrupted Amazigh, into Mazich, Mazes, Mazes, and Mazes“
(7) وفي كتاب (Cochrane’s Foreign Quarterly) الذي نشر سنة 1835 يؤكد مولفه كذلك أن إسم مازيغ (Mazig) هو الاسم الاصلي للشعب الامازيغي قام المؤرخون الإغريق واللاتين بتحريفه الى مازيس ومازيكس .. (إقرأ الكتاب هنا) كما توضح النقوش المصرية القديمة أن الفراعنة كانوا يطلقون على الليبو أسم ماشوش أيضا .يقول المؤرخ محمد شفيق : ” كان المصريون القدماء في عهد” راعامسيس ” الثالث يسمونهم “ماشوش ” لأن اللغة المصرية في ذلك الوقت كانت تقلب الزاي شينا، والغين شينا أيضا، بعد قلبه خاء، وتفصل في الكتابة بالواو بواو فارقة بين الحرفين المتجانسين ” . (8)
وتجد الاشارة هنا الى أن أمازيغ منطقة الفزان القربين من مصر (هي منطقة تاريخية في الجنوب الغربي من ليبيا الحالية) لازالوا الى يومنا هذا يقلبون الزاي شينا و يسمون أنفسهم إموشاغ (Imusagh) بدل من إموزاغ، يواصل محمد شفيق ويقول أن المؤرخ اليوناني هيكاتايوس Hekataios ذكر إمازيغن في القرن السادس ق.م باسم”مازييس Mazyes ” وذكرهم هيروضوتوسHerodotos في القرن الخامس ق. م. باسم “ماكسييس Maxyes ” ، أما المؤرخون اللاتينيون فقد أوردوا الاسم نفسه محرفا إلى ” مازاكس Mazax ” أو ” Mazaces” أو إلى “مازيكس ، Mazikes” وهي أسماء جموع ( Collectifs ) بمعنى واحد، أطلقوها على الشعب النوميدي ويقول : ويظهر أن أول قبيلة أمازيغية كبرى احتكت بقدماء المصريين احتكاك حرب (1227 ق. م) كانت تسمى »ليبو « وكانت مستوطنة لأراضي ليبيا الحالية ، وقد اختلط الأمر على المؤرخين الأوائل، ومنهم هيروضوتوس، فصاروا يسمون إمازيغن تارة باسمهم هذا محرفا قليلا أو كثيرا، وتارة باسم »ليبيا Libye الدال في شعر هوميروس Homeros على الأراضي الممتدة من تخوم مصر القديمة شرقا إلى المحيط غربا” (9)
وفي كتاب أحاديث هيرودوت عن الليبيين نقل لنا الدكتور مصطفى أعشي حديث عن الفرعون المصري أمازيس الذي لقب بأحموسي الثاني والذي إستقل بحكم مصر بعد وفاة أبريس سنة 568 ق.م وهو ذو اصول ليبية بقوله : ” وفي عهد نخاو الثاني ، الذي تعاون عسكريا مع الإثيوبيين ضد البابليين إلا انه انهزم سنة 605 ق.م . عند نهر الفرات، فعاد إلى مصر ليهتم بشؤونها، وخلفه على العرش أبسماتيك الثاني ومن وراء أبسماتيك، ” أبريس” (حسب سفر الملوك II,2,24) . وكان كلاهما يفضلان الإغريق ويختصهم بعطفه. إلا أن الأخير بالغ في ذلك إلى الحد الذي فجر ثورة حمل لواءها شخص إسمه أمازيس (أمازيغ) تمكن أن يصبح ملكا لمصر بجانب أبريس إلى ان مات هذا الأخير سنة 568 ق.م فأستقل أمازيس، الذي سيصيح يحمل إسم أحموسي الثاني، بعرش مصر.. ” (10)
أكد لنا المؤرخون القدمى والمعاصرون إذا أن إسم مازيس -الذي حرفه الأجانب عن إسم مازيغ والذي فرضته اللكنات اللغوية المختلفة لشعوب العالم – تم ذكره في بنفس الجذر اللغوي (م ز غ M Z G ) في حقب مختلفة في التاريخ بداية من الألف الثانية ق.م الى غاية العهد الروماني والبزنطي ، وعلينا الآن أن نتأكد أنه تم ذكره في مناطق مختلفة من شمال إفريقيا لتأكيد أنتشاره وتعميمه وانه لم يكن إسم خاص بقبيلة او قبلتين فقط في شمال افريقيا، وقد كفانا قابريال كامبس وأغزال بجمع المعلومات .
ورود إسم الامازيغ في المناطق الصحراوية :
مازيس Mazyes: ذكره كل من المؤرخ هيكاتوس Hecatus ، إتيان البيزنطي Etienne de Byzance في جنوب ليبيا (11)
مازيس Mazices : ذكرها المؤرخ فيلوستروق Philostrogue عن سكان طاربلس (12)
مازيس Mazices : عند المؤرخ سينسيوس Syesius في قوروين (13) وكذلك كل من إتيكوس (وصف العالم Cosmographie d’Ethicus) تحدث فيه عن أمازيغ الصحراء (14) و فيجيس Végèce لأمازيغ الصحراء أيضا (15)
ورود إسم الامازيغ في المناطق الجبلية لشمال افريقيا :
ماكسي Maxyes : عند المؤرخ اليوناني هيرودوت Hérodote متحدثا عن جنوب تونس (16)
مازيسي Mazicei: في كتاب الأجيال Liber generationis عن أمازيغ تونس الجنوبية كذلك (17)
مازاسنس Maxitani : ذكرهم يوستينوس Justin في منطقة قرطاج حيث يقول في اسطورته أن ملك الماكسيتاني طلب يد عليسات ديدون الفنيقية للزواج (18)
مازاسنس Mazacenses : مذكورة في مجمع 411 (411 Conférence de) في نومديا (19)
تامازوسنس Tamazucenses : في مجمع 484 (Conférence de 484) بموريتانيا القيصرية (تيبازاة حاليا ) (20)
مازازس mazazeces : في قائمة فيرون Liste de Vérone في موريتانيا القيصرية (21)
مازيس Mazices : ذكرها أميانوس مارسيلينوس Ammien Marcellin عن جنوبي شرشال وهي قبيلة في الونشريس (22)
مازيس Mazices : عن يوليوس هونوريوس Julius Honorius في موريتانيا القصرية . (23)
مازيس Mazices : عن المؤرخ بطليموس Ptolémée في المغرب الشمالي حيث ورد في نقيشة جنائزية من لمبيس مهداة لذكرى قائد مائة من الجيش الأوغسطي الثالث العبارة : ” المنتصر على مازيس المنطقة الجبلية (Mazices reg(ione) Montens(e) (24)
كما نجد المؤرخ فليب ليفيو (Philippe Leveau) يسمي أمازيغ منطقة الونشريس بولاية الشلف الجزائرية بالمازيس Mazices في كتاب نشر له سنة 1973 بعنوان ” L’Aile 2. des Thraces, la tribu des Mazices et les praefecti gentis en Afrique du Nord: a propos d’ une inscription nouvelle d’ Oppidum Novum et de la pénétration romaine dans la partie orientale des plaines du Chélif
مازيس (Mazices) في قلعة مازوكنا (Mazucana) التي تحدث عنها المؤرخ (Firmin Didot freres) ويحدد موقعها بين (Tipasa) و (Auzia سور الغزلان بالبويرة حاليا ) ويرجح المؤرخ أن يكون الملك مازوكا (Mazuca) هو من شيد هذه المدينة ويقول أن مازوكا هو أخ الأمير الأمازيغي الشهير فيرموس(Firmus) المنحدر من منطقة القبايل بالجزائر . (25)
وقد نفى المؤرخ أغزال أن يكون إسم البربر و النوميد إسم أهلي وأكد على أصالة وأهلية الإسم ” مازيغ ” حيث قال : ” وعلى العكس من ذلك اسم أمازيغ Amazigh ، وتمازيغت في المؤنث وإمازيغن Imazighen ، في الجمع ، فكثير من البربر يسمون أنفسهم هكذا كسكان الريف المغربي، وأهل الأطلسين المتوسطي والأعلى (هم الذين يسميهم العرب البربر) . والذين يتكلمون لهجة بربرية في الصنْد Sened بجنوب القطر التونسي ، وأهل جبل نفوسة بمقاطعة طرابلس ، وإحدى القبائل بناحية غدامسْ بالصحراء ، وطوارق الغيْر Air . وهناك عدة لهجات تسمى تمازيغْت ، كلهجات الريف ،والبرابر Braber ، والأراس وفكيكْ وجرْبة، والصنْد ، ومزاب ، وغير ذلك ، والانتشار الكبير الذي عرفه هذا الاسم تشهد له جداول الانتساب التي تم وضعها في العصور الوسطى ، ففيها يذكر بطل اسطوري هو مازيغ Mazigh على أنه جد البرانس الذين هم إحدى سلالتي البربر، وتذكر تمزيغْت من بين أجداد السلالة الأخرى وهم البتْر .
ونفس الاسم يظهر أمامنا منذ التاريخ القديم، فقد أطلق على بعض الأفراد، إذ نجده مستعملا هكذا في نقوش ليبية بصيغة م س ك M S K ، وفي نقوش رومانية على صيغة مزيك Mazic، و مسيك MASIK وزيكْس Mazix وفي المؤنث مزيكا Mazica بإعراب لاتيني ، ولعل مساك Masac هو نفس الاسم منطوقا به ببعض التغيير .
ونفس الإسم كان كذلك في القرن الميلادي الأول اسما لعدة قبائل فبطلمي يذكر المازيكس Maziecs في موريطانيا الطنجية بالأرض التي تسمى اليوم بسم الريف ، وكما ذكرهم بالقيصرية بناحية مليانة وهؤلاء قد عادوا للظهور في نقش لاتيني اكتشف بمليانة نفسها وكذلك في الرواية التي خلفها لنا أميان مرسلان Ammien Marcellinعن نقيشة فرموس Firmous عند نهاية القرن الرابع .كما أن نقيشا أخر من إفريقيا يرجع لنهاية القرن الثاني أو بداية القرن الثالث يذكر ال Mazices regione Montense
الذين حاربتهم الجيوش الرومانية ، ونحن نجهل أين كانت تقع أراضيهم . ولربما أنهم التبسوا بإحدى القبيلتين السابقتيين ، وفي عهد الدولة السفلى فإن المازيكس . هم قوم من الصحراء ، كانوا من جهة أولى يقومون بغارات في الواحات الواقعة غربي مصر، ومن جهة أخرى بغارات في مقاطعة طرابلس . ووجود قبيلة من المازاكس Mazaces في نوميديا في القرن الخامس يؤكده على ما يظهر وجود أسقفيتين مازاكيتين Deux Episcopies Mazacences وكذلك فإن المور المعروفين باسم المازازيسس Mauri Mazazeses وقد ذكروا في موريطانيا في وثيقة ترجع لنهاية القرن الثالث .
إن الاسم الذي كتبه الإغريق واللاتانيون بصورة Mazaces لابد –أو ربما- أنه خص بعض القبائل الافريقية قبل السيطرة الرومانية . ففي خرافة تأسيس قرطاجة على يد ديدون Didon ، نجد ملك الأرض التي أقيمت فيها مستوطنة صو قد كان رعاياه من المازيكس حسب قول أسْتاث Eustathe ، أو كانو من المكْسيطاني Maxitani حسب قول جُسْتان. ولربما أنه نفس الإسم الذي نجده بصيغتين بينهما اختلاف قريب، عند هيكاتي Hecatée حوالي سنة 500ق.م وعند هيرودت حوالي القرن الخامس ق.م ، فالاول يذكر اسم Mazyes في ليبيا والثاني يذكر مكْسو ويجعلهم بغرب نهر تْريتون Triton أي على الساحل الشرقي للقطر التونسي .
وفي بعض النصوص اللاتانية التي أكثرها شعري. فإن اسم مازاك Mazaces لا يطلق بالضبط على قبيلة أو على العديد من القبائل وإنما له مدلول عام ومبهم. وقد سبق أن رأينا أن لفظ مسيلي Massli استعمل بنفس الصفة ” إنتهى الاقتباس عن قزال (26)
نجد كذلك عبارة مهمة جدا في كتاب مفاخر البربر الذي كتب في العهد الميريني القرن الثاني عشر أي قبل إبن خلدون والذي وصلنا عبر مخطوطة مجهولة المؤلف تم حفظها في متاحف المغرب جاء فيه ان نفرا من سكان شمال افريقيا ذهبوا الى الخليفة عمر بن الخطاب ولما سئلهم عن الإسم الذي يعرفون به أجابه النفر أنهم “بني مازيغ ” وبعيدا عن صحة الرواية ام لا ما يهمنا هو ورود عبارة هوياتية في القرن الثاني عشر تأكد لنا أن أهالي هذه البلاد كانوا يسمون انفسهم آث مازيغ . (27)
إن الإقتباسات التي قمنا بسردها حول التسمية التي كان الاهالي (السكان الاصليين ) في شمال إفاريقيا يسمون بها أنفسهم والتي نقلها المؤرخون القدامى منذ عهد احتكاك الأمازيغ بالفراعنة في الألفية الثانية ق.م الى غاية العهد الإسلامي ، وفي مناطق مختلفة من ليبيا الحالية الى غاية المغرب ومن المناطق الساحلية الى غاية الجنوب الصحراوي ، لهو دليل دامغ لا يحتاج الى نقاش على أن تسمية الأمازيغ و مازيغ بصيغتها المحرفة مازيس التي فرضتها الضرورية اللغوية هي التسمية السلالية والاثنية الأصلية والموحدة للشعب الأمازيغي الاصيل في أرضه وأرض أجداده بشمال إفريقيا التي يحب هذا الشعب أن يسميها تمازغى أي أرض الأمازيغ الممتدة من واحة سيوا بمحافضة مطروح بمصر شرقا الى غاية جزر الكناري غربا ومن البحر الأبيض المتوسط شمال الى تخوم الصحراء من القبائل الامازيغية اوزو (Ouzou) وتيبستي (Tibesti) بتشاد وشمال دارفور بالسودان وجنوبا الى غاية اودالن (Udalen) ببوركينافاسو ، حيث نجد الى غاية اليوم إسم مازيغ حيا عند إموشاغ (Imusagh) في صحراء ليبيا الذين يقلبون الزاي الى شين مثل القدامى المصريين تماما ، وإماجيغن (Imagughen) عند أمازيغ الأيير (Aïr, Niger) الذين يقلبون حرف الزاي جيم ، وتماسغت (Tamaseght) عند طوارق الجزائر وشمال مالي الذين ينطقون حرف الزاي خفيفة حتى تصبح سين ، وإمازيغن (Imazighen) في الاوراس والريف والأطلس الأعلي . (28)
يقول قابريال كامبس في كتابه ماسينسا : ” كما أن إطلاق إسم مازيس من قبل المؤلفين القدامى على عدد من المجموعات السكانية ، بعضها من الرحل والبعض الاخر من المستقرين الجبليين وفي وفترات مختلفة وفي مناطق متباعدة يبين بوضوح أن الاسم أهلي وهو الوحيد الذي يجعلنا واثقين بأنه يحضى بقبول الجميع ” (29) .
اللغة الأمازيغية أم البررية ؟
لقد إرتبط أسم البربرية بالبربر للاشارة الى اللغة التي يتحدث بها الامازيغ مع وصول العرب المسلمين في القرن السابع أيضا ، وقبل ذلك لم يكن هناك شيئ إسمه لغة بربرية في شمال افريقيا ، بل كان المؤرخون القدامى يسمونها بالليبية نسبة الى تسميتهم الليبيين للامازيغ أو المازيس (التحريف اللاتيني لكلمة مازيغ) كما سبق وأشرنا له ، لكن الأمازيغ كانوا يسمون لغتهم أوال نتمازيغت (أوال تعني الحديث أو الكلام ) وهو ما أكده لنا الرحال و الجغرافي الشهير ليون الافريقي الذي أرخ لتاريخ شمال افريقيا في العصور الوسطى إذ يقول : ” إن هذه الشعوب الخمسة (ويقصد بها صنهاجة، مصمودة، وزناتة، هوارة و غمارة ) المنقسمة إلى مئات السلالات وآلاف المساكن تستعمل لغة واحدة تطلق عليها إسم أوال أمازيغ ، أي الكلام النبيل ، بينما يسميها العرب البربرية. وهي اللغة الافريقية الأصلية الممتازة والمختلفة عن غيرها من اللغات ” (30) . وهذا الكلام أكده ونقله المؤرخ إستيفيان أغزال وقال أنه يعني الحر النبيل مثل إسم أريا (Arya) أو (Franc) الفرانك (31)، وقد إعتمدت القوامس العالمية على كلام الرحال المسلم ليون الافريقي وأصبحت تعرف مصطلح أمازيغ بالحر النبيل .
ملخص القول أن اسم مازيغ هو الاسم الاثني الاصلي لشعوب تمازغى (شمال إفريقيا) وعلى هذا الأساس لابد من مثقفينا المفرنسيين اليوم أن يكفوا عن إستعمال إسم بِرْبِرْ Berbères الذي أطلقه العرب على الأمازيغ ، والاكتفاء بالاسم الأصلي والمترجم لهوية وثقافة الشعب الأمازيغي هو اسم مازيغ ،إمازيغن ،تمازيغت وتمازغى لشمال إفريقيا ، الذي إعتمدته اللأكاديمة الملكية المغربية للأمازيغية ويستخدمه المثقفون الأمازيغ المعربون أكثر ،وهذا من أجل الحفاظ الى التاريخ الوطني لدول تمازغى والعمل على إستقلال هذه الأمة العظيمة القائمة بذاتها عن باقي الحضارات والأمم ،المشرقية منها أو الغربية .
بقلم الاستاذ مصطفى صامت
المراجع :
1– Bates, The eastern Libyans; cf. aussi H. Gardiner, Ancient Egyptian onomastica, Londres 1947,pp. 46-48
2– شارل أنردي جوليان ، تاريخ إفريقيا الشمالية ،صفحة 7
3 – Fage, J. D., ed. The Cambridge History of Africa. 1st ed. Vol. 2. Cambridge: Cambridge University Press, 1979.
4– إستيفان قزال ، تاريخ شمال افريقيا القديم ،ترجمة محمد التازي سعود،الجزء الخامس، صفحة 104
5- Identité et Ethnicité Concepts,débats historiographiques, exemples (IIIe-XIIe siécle) , Tables rondes du CRAHM.p. 95
6- في كتاب البربر ذاكرة وهوية ، لغبرييل كامب، ترجمة عبد الرحيم حزل , صفحة 58
7 – .115 Journal of the Royal Asiatic Society.p
8– محمد شفيق ثلاثة وثلاثون قرن من تاريخ الامازيغ ،ص ص 9،10
9– نفس المرجع .
10- د.مصطفى أعشي ،أحاديث هيرودوت عن الليبيين (الأمازيغ)، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الطبعة:2009م ، صفحة 14
11– Hécatée d’après Etienne de Byzance, Fragm. histo. Graec. I p. 23
12– Hist. Ecclesiast. XI, 8. n° 304 Epist. 74 ; cf. O. Bates, The eastern Libyans, p. 237
13– Riese, Geographici latini minores, p. 88.
14– Riese, Geographici latini minores, p. 88.
15 – Courtois ch. Les Vandales et l’Afrique, Paris 1955, p. 100, n° 3.
16 – Hérodote. Histoire, Livre IV, Texte établi et traduit par Ph. E. Le Grand, éditions les belles lettres, Paris 1980. IV, 191-193
17– Reise, Geog. Latin. Minor, p.167
18 – Panckoucke, Paris M DCCC XXXIII , 6, 1 Justin. HISTOIRE UNIVERSELLE , trad. par jules Pierrot, éditions C.L.F.
19– Père Mesnage, Le Christianisme en Afrique, Origines, développement, extension, Rev. Afric. T. LVII , 1913, p. 520
20– نفس المرجع ص . 535
21 – Liste de Vérone, éd. Seek, p. 252
Ammien Marcellin. Res Gestae, Texte établi et traduit par P. Goukowsky, avec la collaboration de S. Lancel. Editions : Belles Lettres, Paris 1974. XXIX, V, 17 –22
23 – Reise, Geogr. Latin. Minor, pp. 53-54
24 – Morti. MEFR, T. LXI, 1949.
25 – p87.L’Univers: histoire et description de tous les peuples.1844
26– قزال ، تاريخ شمال افريقيا القديم ،ترجمة محمد التازي سعود ، الجزء الخامس ص 104 الى 106
27 – كتاب مفاخر البربر ، فصل في ذكر سبق البربر و فخرهم ، صفحة 180 .
28 – Bates. The eastern Libyans,1915.pp.42-43
29– في أصول بلاد البربر. ماسينيسا أو بدايات التاريخ . قابريال كامس .ص 43
30– وصف إفريقيا ،حسن الوزان (ليون الافريقي ) .ص 39
31 – أغزال ،تاريخ إفريقيا الشمالية القديم .ج V. ص ص 115 -119 بالفرنسية
https://tafat.net/%D8%AA%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84/