أمازيغيات منسيات.. القديسة النوميدية “سانت كريسبين
لازال معظم سكان شمال إفريقيا يجهلون الكثير عن تاريخهم، كما يجهولون شخصيات تاريخية كثيرة أنجبتها هذه المنطقة الحافل تاريخها بالمآثر التي تعمد طمسها، ومن ذلك القديسة كريسبين، التي لا نجد شيئا من تاريخها يدرس لأبنائنا، وللعلم فالقديسة كريسبين سبق وأن أنتج فيلم عن حياتها من طرف المصريين برعاية الكنيسة القبطية وبتمويلها، لكن الفيلم كان يفتقر للاحترافية من حيث التمثيل وكذا عدم دقة المراجع التي استند إليها منتجو الفيلم .
تنحدر القديسة كريسبين من عائلة نوميدية عريقة وغنية من مدينة تبسة و ذات منصب كبير ، كانت متزوجة وأما لعدة أبناء ، امتازت بغيرة فائقة على الإيمان وجسارة غير عادية ، عاشت القديسة كريسبين زمن الاضطهاد الأعظم ( 284 – 305 م ) حيث عرف هذا العصر بعصر الشهداء لكثرة المسيحيين الذين قتلوا على أيدي الرومان الوثنيين فيه ، حيث عانى المسيحيون من الاضطهاد و ابشع أنواع التعذيب من طرف الرومان فترة حكم الامبراطور دقلديانوس.
رفضت القديسة كريسبينا الامتثال لقانون الإمبراطورية الرومانية إبان فترة حكم الامبراطور دقلديانوس “Diocletian” سنة 303 م، في هذه الفترة كانت تتم عبادة الثلاثي جوبيتير، هينون، مينارف، وهي الفترة التي عرفت اعتناق معظم سكان تيفاست – تبسة الحالية – الديانة المسيحية في الأيام الأولى من انتشارها، حيث تم حفر أول خندق للعبادة تحت الأرض، والمعتقد أنه لازال موجودا إلى يومنا هذا في موقع البازيليك التي بنيت فيما بعد فوق موقع الخندق بعد إقرار الديانة المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية.
كانت القديسة ومن معها من المؤمنين المسيحيين يؤدون عباداتهم خفية في الخندق، إلى أن تم اكتشاف أمرهم، وتم تعذيبهم ومحاولة ثنيهم عن عقيدتهم، من خلال إجبارهم على عبادة آلهة الرومان الوثنية.
أُحضِرت الشهيدة القديسة كريسبين أمام الوالي أنيولينوس Annius Anullinus في Theveste بتهمة تجاهل الأوامر الإمبراطورية ومخالفة العقيدة الوثنية المتبعة آنذاك.
حين وقفت أمام أنيولينوس في المحكمة أخذ يجادلها ويهددها إن لم تذبح وتقدم القرابين للآلهة حسب أوامر الإمبراطور، لكن القديسة كانت حاسمة في ردودها عليه، وجاهرت بإيمانها بالله الواحد الأحد أمامه رافضة أن تكون للأصنام والأوثان قداسة عندها، ولم تخر أمام دموع أولادها حتى أمر في نهاية حوارهما بحلق شعرها تمامًا إمعانًا في إذلالها وإهانتها أمام الجموع. ولكن حين رآها ثابتة سألها: “هل تريدين أن تعيشي أم تموتي مثل رفقائك ماكسيما ودوناتيلا وسيكوندا؟، (اللاتي هن من مدينة تبسة أيضا وأعدمتهن الكنيسة الرومانية الوثنية لنفس السبب وهو الدخول في المسيحية الموحدة لله ويعتبرن من الشهيدات العشرة للمسيحية الموحدة لله في شمال إفريقيا)، فأجابته “إذا أردت أن أموت وأسلم روحي للهلاك والنار التي لا تُطفأ فينبغي لي أن أطيع أوامرك”. ولما رأى أن التهديد أيضًا لا يؤثر فيها أمر بقتلها بالسيف، أما القديسة فصرخت قائلة: “المجد للّه الذي نظر إليَّ وأنقذني من يديك”.
وهكذا نالت إكليل الشهادة “حسب المعتقد المسيحي” في الخامس من ديسمبر سنة 304 م، والذي أصبح يحتفل به سنويا كذكرى استشهادها، من قبل كل كنائس العالم: كاثوليك، بروتستانت، ارتودوكس …
أما عن جثمان القديسة كريسبين، فيقال أنه تم نقله إلى بازيليك مدينة – تبسة – و الاحتفاظ به هناك إلى أن تم تدمير الكتدرائية من طرف الغزاة و معه اختفى الضريح الذي يحوي جثمان القديسة الشهيدة كريسبين.
بحث: الوافي توفيق، بريكة صالح – مراجعة لطفي عزالدين – تدقيق لغوي روميسة تطار
https://amadalamazigh.press.ma/%D8%A3%D9%85%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D8%BA%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%B3/”