النساء في مصر القديمة
نساء في مصر القديمة | الملكة نفرتيتي
إن واحدة من القيم الأساسية في الحضارة المصرية القديمة ،إن لم تكن القيمة الأساسية، هي ماعت؛ مفهوم التناغم والتوازن في جميع أوجه الحياة. وكان الاقتضاء بهذه المثل العليا أهم مهمة يحرص عليها الفرعون الذي - كوسيط بين الآلهة والشعب- كان من المفترض أن يكون مثال يحتذى به في كيفية عيش حياة متوازنة. ويعرض الفن المصري، والهندسة المعمارية، والممارسات الدينية وحتى الهيئات الحكومية المصرية تناسق مثالي في التوازن ويتضح هذا أيضا في أدوار الجنسين طوال تاريخ الحضارة المصرية القديمة.
امرأة مصرية ملكية
كانت النساء في مصر القديمة نظيرات الرجال في كل شيء عدا المهن. أشار المؤرخان بوب برير وهويت هوبز إلى هذا: " قاتل الرجال و أداروا الحكومة وأمور المزارع في حين قامت النساء بالطبخ، الحياكة، وإدارة شؤون المنزل" (89). وتولى الرجال مناصب السلطة مثل الملك، الحاكم، الجينرال كما أعتُبِر الرجل رب الأسرة، لكن في إطار هذه السيادة الذكورية مارست النساء قدرا كبيرا من السلطة والاستقلال. تكتب عالمة المصريات باربرا واترسون:
في مصر القديمة تمتعت المرأة قانونيا بحقوق مساوية للرجل. وما لها من حقوق بموجب القانون أعتمد على مكانتها الإجتماعية وليس جنسها. فكل ممتلكات الأراضي تم توارثها في سلالة الإناث من الأم للابنة على افتراض، ربما، أن الأمومة مسألة واقعية أما الأبوبة فمسألة تقدير. كما حق للمرأة إدارة ملكيتها الخاصة و التخلص منها متى ما أرادت ذلك. حيث أمكنها البيع، الشراء، الاشتراك في العقود القانونية، أن تكون منفذ قانوني في الوصايا، أن تشهد في الوثائق القانونية، رفع دعوى في المحكمة، وأن تتبنى طفل باسمها الخاص. فكانت المرأة المصرية القديمة متمكنة ( capax ) بشكل كبير. هذا على عكس المرأة في اليونان قديما حيث أشرف عليها كيريوس (وصي ذكر)، وبعد ملاحظة النساء المصريات يتصرفن دون وصي تشجعت العديد من النساء اليونانيات اللواتي عشن في مصر في العصر البطلمي لفعل الشيء نفسه. باختصار، تمتعت المرأة المصرية القديمة بمكانة اجتماعية أعظم مما تتمتع بها الكثير من النساء في العديد من المجتمعات سواء القديمة أو الحديثة."
إن الاحترام الذي حظيت به النساء في مصر القديمة جلي في معظم جوانب الحضارة من المعتقدات الدينية إلى العادات الاجتماعية. فكانت الآلهة من الذكور والإناث ولكل منها مجالات خبرته الخاصة بنفس القدر من الأهمية. واستطاعت النساء التزوج ممن أردن والانفصال عمن رأينه غير مناسب، واستطعن شغل الوظائف التي يرغبن _ ضمن حدود _ والسفر حسب مزاجهن. وتؤكد أساطير الخلق الأولى للثقافة، بدرجات متفاوتة، على قيمة الأنثى.
الأنثى الإلهية
في أسطورة الخلق الأكثر شعبية، يسطع الإله أتوم فوق التل الأزلي في وسط دوامات مياه الفوضى ويشرع في خلق الكون. لكن في نسخ أخرى لهذه الحكاية تبدأ الإلهة نيث الخلق، وحتى في النسخ عندما يكون أتوم الشخصية المركزية، يتم تجسيد المياه البدائية في هيئة نو ونونيت، توضيحا للتوازن بين الذكر والأنثى المتحدين لاستكمال عملية الخلق.
وبعد بدء الخليقة استمرت النساء في لعب دور حاسم كما توضح القصة الشهيرة لأوزيريس وإيزيس. يقال أن هذا الثنائي حكموا العالم (أي مصر) بعد خلقه وعلموا الإنسان مبادئ الحضارة، الفن المعماري، والطريقة المثلى لعبادة الآلهة. وعندما قُتِل أوزيريس من قبل أخيه الحسود سيت كانت إيزيس من بعثته للحياة وأنجبت ابنه حورس الذي أنشأته ليصبح ملكا، وبمساعدة اختها نفتس وآلهة أخرى مثل سيركيت ونيث قاموا بإعادة التوازن للأرض.
لوحة جدارية لإيزيس
و يُحكى أيضا عن الإلهة حتحور المرسلة للأرض في صورة المدمرة سخمت لمعاقبة البشر على تجاوزاتهم، وأنها توقفت عن قتل البشر وأصبحت ودودة تجاههم ورفيقة مقربة بعد أن سكرت على البيرة واستيقظت بروح أكثر بهجة. وتيننت إلهة الخمر، المعتقد بأنها تتجسد في مشروب الآلهة، قامت بتوفيرالناس بالوصفة لصنع الخمر كما أشرفت على عمليات التخمير الناجحة. وشايّ إلهة الكلمة المكتوبة (القدر) وأمناء المكتبات، تايت إلهة النسج، ونفتوت إلهة الرطوبة. حتى مرور العام كان يُأله في هيئة رنبت التي تبسط فرعها النخيلي لتشير إلى مرور الوقت. والإلهة باستيت، واحدة من أكثر الآلهة شعبية في مصر، حامية للنساء، أسرارهن وحامية للمنزل. كرم الدين المصري ورفع من شأن الأنثى، لهذا ليس من المفاجئ كون النساء جزء من الكهنة وحياة المعبد.
النساء والدين
كان أرقى منصب يمكن لأنثى اعتلاله في عصر الدولة الوسطى بمصر (2040-1782 قبل الميلاد) أن تكون زوجة الإله أمون. كان يوجد الكثير من الزوجات للآلهة المختلفة وبناء عليه في عصر الدولة الوسطى كانت زوجة آمون واحدة ضمن كثيرات. كان لقب زوجة الإله لقبا مُشرِفا تم اعطائه للنساء ( في الأصل للنساء من أي طبقة اجتماعية ولكن لاحقا نُسِب فقط لصاحبات الطبقة العليا) اللواتي ساعدن الكهنة العليا في المراسم كما إعتنين بتمثال الإله. وازداد المنصب شرفا خلال الدولة الحديثة في مصر( 1570-1069 قبل الميلاد)، وبحلول عصر الاضمحلال الثالث (1069-525 قبل الميلاد) كان منصب زوجة أمون مساويا لمنصب الملك في القوة وبناءا عليه حكمت مصر العليا. أشهر من تولى المنصب في عصر الدولة الحديثة كانت الملكة حتشبسوت ( 1479-1458 قبل الميلاد) لكن تولت نساء أخرى المنصب قبلها وبعدها.
تمثال للملكة حتشبسوت
استطاعت النساء أن يكن كتبة وكهنة أيضا، لكن عادة لديانة إلهة أنثى. فعلى سبيل المثال كان كهنة إيزيس، من الإناث والذكور، في حين أن المِلِّل ذات الآلهة الذكور حظيت فقط بكهنة من الذكور( كما في حالة أمون). والمكانة العالية لزوجة الإله آمون ما هي إلا مثال آخر على التوازن الذي وضحه المصريون القدماء بجعلهم منصب رئيس كهنة آمون معادلا لمنصب امرأة بنفس القدر من القوة.
يجب ملاحظة أن تكليف كلمة "مِلَّةَ" في وصف الدين المصري القديم لا يحمل نفس المعنى المعاصر للكلمة. يمكن مساواة مفهوم المِلِّلة في الدين المصري القديم لمفهوم الطائفة وفقا للمصطلحات الدينية المعاصرة. ومن المهم أيضا إدراك عدم وجود خدمات دينية وقتها كما يوجد حاليا. فتفاعل الناس بشكل تام مع معبوداتهم في الإحتفالات الدينية حيث لعبت النساء عادة أدوارا هامة مثل العذراتين اللتين تؤديان مراثي إيزيس ونفتيس في إحتفالية أوزيريس. حرص الكهنة على العناية بالمعابد وتمثال الإله، وزار الناس المعبد لطلب المساعدة في أمور مختلفة، لسداد الديون، تقديم قرابين، وطلب المشورة فيما يخص مشاكلهم، قراراتهم، وتفسير أحلامهم.
حيث كانت الأحلام منافذ للحياة الآخرة، ووسائل من خلالها استطاع الآلهة والأموات التواصل بها مع الأحياء؛ مع ذلك لم يكن الأمر بهذه السهولة. حيث تطلب فهم الرموز في الأحلام ومعانيها مفسرين ماهرين. علقت عالمة المصريات روزالي دايفيد على هذا قائلة:
في نصوص دير المدينة هناك إشارات إلى "نساء حكيمات" والدور الذي لعبن في التنبؤ بالأحداث المستقبلية ومسبباتها. وتم اقتراح أن مثل هذه العرافات ربما لعبن دورا منتظما في دين الدولة الحديثة وربما حتى قبلها.(281)
كانت هذه النساء الحكيمات بارعات في تفسير الأحلام والتنبؤ بالمستقبل. تصدر معظم التقارير الموجودة عن الأحلام وتفسيراتها من رجال أمثال حور من سبننوت (سمنود حاليا) وبطليموس ابن جلاوكوس، (كلاهما تقريبا منذ 200 قبل الميلاد)، لكن توضح النقوش ومقتطفات البقايا أن النساء تم استشارتهن بشكل أساسي في هذه الأمور. وتتابع ديفيد، "عُرِفت بعض المعابد كمراكز لحضانة الأحلام حيث يقضي الملتمس، المفسر، الليلة في مكان مخصص ويتواصل مع الآلهة أو الأقارب المتوفيين من أجل الحصول على نظرة ثاقبة للمستقبل" (281). وأشهرهم معبد حتحور في دندرة حيث كان غالبية القائمين على الدين من النساء.
معبد حتحور
مهن النساء
تمتع رجال الدين في مصر القديمة باحترام كبير ومعيشة مريحة. حيث يزخر التاريخ من عصر الأسرات المصرية المبكر (تقريبا 3150-2613 قبل الميلاد) حتى الفترة الأخيرة من مصر القديمة ( 525-332 قبل الميلاد) بتقارير عن رجال الدين، وخاصة التابعين لأمون، وتجميعهم الأراضي والثروة. ولكي يصبح المرء كاهنا عليه أن يكون كاتبا أولا، وهو أمر تطلب سنوات من الدراسة المتفانية. وبالنسبة للمرأة بمجرد أن تصبح كاتبة أمكنها أن تكون كاهنة، معلمة، أو طبيبة. حظيت الطبيبات باحترام عظيم في مصر القديمة، وحضر كلية الطب في الأسكندرية طلاب من عدة دول أخرى. حيث درست الطبيبة اليونانية أغنوديس الطب في مصر تقريبا في القرن الرابع قبل الميلاد، فقد حُرِمت من دراسته في أثينا لجنسها، ثم عادت لمدينتها الأم متنكرة في هيئة رجل لتتمكن من ممارسته.
كان مسار الدراسة لتصبح كاتبا طويلا ومجهدا، لهذا لم يختر الكثير - نساءا أو رجالا- السعي إليه. علاوة على ذلك، كان الكتبة غالبا من عائلة من الكتبة، حيث تم إيلاء أهمية كبيرة للتعليم وكان من المتوقع من الأطفال أن يتبعوا مهنة آبائهم. لهذا عادة ما وُظِفت النساء كنساجات، خبازات، في مصانع التخمير، صانعات أحذية، نساجات سلال، طاهيات، نادلات، أو بصفتهن "سيدة المنزل " والتي تتساوى اليوم بمالكة العقار. وعندما يتوفي زوج المرأة أو تحصل على الطلاق كان باستطاعتها الاحتفاظ بالمنزل وإدارته كما تشاء. إن هذا الجانب من المساواة مدهش إذا ما قارنته بحقوق المرأة في آخر مائتي عام. فعلى سبيل المثال، لم يكن للأرملة، التي تعيش في أمريكا في أوائل القرن التاسع عشر بعد الميلاد، أي حقوق في ملكية المنزل واضطرت للاعتماد على وساطة قريب ذكر لكي تبقي على منزلها بعد وفاة زوجها أو رحيله. بينما في مصر القديمة، تمكنت المرأة أن تقرر بنفسها كيفية كسب المال والحفاظ على عقارها. يكتب الباحث جايمس طومسون:
كان يوجد العديد من الطرق التي استطاعت "سيدة المنزل " من خلالها إمداد دخلها. امتلكت بعضهن حدائق صغيرة من الخضراوات. وعمل الكثير في صناعة الملابس. وتظهر إحدى الوثائق أمرأة تقدم على شراء عبد مقابل 400 ديبن. حيث دفعت النصف في هيئة ملابس واقترضت باقي حقه من جيرانها. من المحتمل أنهم توقعوا قدرتها على سداد الدين من إمكانياتها على تأجير العبد. وبالفعل لدينا إيصال يظهر أن أمرأة تلقت العديد من قطع الملابس، ثورا، وستة عشر عنزة مقابل سبعة وعشرين يوما من العمل من قِبل عبدها. وأولئك الذين لم يستطيعوا كسب المال من نفسهم، اشتركوا مع جيرانهم لشراء عبد. وغالبا ما انضمت النساء لمثل هذه الجمعيات. ونعلم أن المرأة أمكنها أن ترث وتدير عقارا كبيرا وراقي. أما الرجل الذي أمتلك عقار كهذا قام بتوظيف كاتبا من الرجال لإدارة شؤون العقار وعلى ما يبدو كان المتوقع من وريثته أن تفعل نفس الشيء. أما النسبة لنساء النخبة فلدينا القليل من الأدلة على عملهن سواء دوام كامل أم جزئي. (3)
أمكن النساء الموهوبات بشكل خاص العمل كمحظيات. ولم تكن المحظية مجرد امرأة لأغراض جنسية فقد كان مطلوب منها أن تكون بارعة في الموسيقى، فن الحوار، النسج، الحياكة، الموضة، الثقافة، الدين، والفنون. لكن هذا لا يعني أن مظهرهم لم يهم. ويتضح هذا في طلب الملك أمنحتب الثالث لأربعين محظية من ميلكيلو، أمير جيزر( تقريبا 1386-1353 قبل الميلاد). يكتب أمنحتب الثالث:
ها قد ارسلت اليك هانيا، رئيسة الرماة، مع السلع الأخرى لكي تتمتع بمحظيات جميلات فمعهن المنسوجات، الفضة، الذهب والملابس، كل أنواع الأحجار الكريمة، كراسي من العاج والكثير من الأشياء الجيدة التي تقدر بمقدار 160 ديبن. إجمالا: أربعين محظية - سعر الواحدة يقدر بأربعين من الفضة. أرسلهن لك غاية في الجمال لا يعيبهن شيء.
كان الفرعون يحتفظ بهذه المحظيات ضمن حريمه، وفي حالة أمنحتب الثالث تم الإعتناء بهن بشكل جيد للغاية بقصره في (ملقطة) والذي كان واحدا من أفخم القصور في تاريخ مصر. كان ينظر للملك بأنه يستحق العديد من النساء طالما بقي مخلصا ومراعيا لزوجته العظيمة لكن لمعظم المصريين كان الزواج أحادي ولمدى الحياة.
الحب، الجنس والزواج
كما أشار واترسون سابقا، كانت النساء قادرات قانونيا في كل جوانب حياتهن ولم يحتجن لإشراف، استشارة أو موافقة الرجال لمتابعة أي فعل. ينطبق هذا المنظور الفكري كذلك على الزواج والجنس وأي جانب آخر في حياة المرء. واستطاعت النساء التزوج بمن أردن، فالزيجات لم يتم ترتيبها من قبل ذكور العائلة، كما استطعن الطلاق متى ما أردن. لم يكن هناك وصمة عار متصلة بالطلاق على الرغم من تفضيل الزواج مدى الحياة. علق برير وهوبز على هذا:
أمتلك أي شخص حر الحق في الزواج سواء كان فقيرا أم غنيا. لم يكن الزواج مسألة دينية في مصر _ لم يقع أي احتفال يشمل كاهنا - وإنما ببساطة كان عرف اجتماعي تطلب اتفاقا، بمثابة عقد، يتفاوض بشأنه الخاطب مع عائلة زوجته المحتملة. وتضمن الاتفاق تبادل أشياء قيمة من قِبل الطرفين. كان الخاطب يعرض مبلغا في الوقت المناسب تحت مسمى "هدية العذرية"، لتعويض العروس عما ستخسره، مشيرا بذلك أن عذرية الإناث العرائس كانت ثمينة في العصور القديمة. لم تقدم هذه الهدية في حالة الزواج مرة أخرى، بالطبع، وإنما تم تقديم "هدية للعروس" في هذه الحالة. في المقابل، قدمت عائلة العروس "هدية من أجل أن تصبح زوجة". في العديد من الحالات، لم يتم تسليم هاتين الهديتين أبدا نظرا لسرعة إندماج العائلتين. على الرغم من هذا، في حالات الطلاق يمكن لأي من الطرفين مطالبة الأخر بالهدية المتفق عليها.
كما عقد الأزواج المصريون القدماء اتفاقات قبل الزواج كانت في مصلحة الزوجة. فإذا صدر الطلاق من الرجل، خسر كل الحق في المطالبة بهداياه واضطر لدفع كمية معينة من المال كنفقة لمطلقته إلى أن: تتزوج مرة أخرى أو تطلب إيقاف دفع النفقة. كانت حضانة الاطفال من حق الزوجة وكذلك ملكية المنزل، ما لم تكن مملوكة من قبل عائلة الزوج.
تمثال عائلة سابو
كانت وسائل منع الحمل والإجهاض متاحة للسيدات سواء المتزوجات أو غيرهن. فبردية ايبرس الطبية، منذ ما يقرب 1542 قبل الميلاد، تحتوي على مقطع بشأن تحديد النسل: " وصفة لجعل المرأة تتوقف عن الحمل لعام أو اثنين أو ثلاث. أطحن معا جيدا كمية معينة من بلح السنط وبعض العسل. بلل بذور خشبية بالخليط وضعها في المهبل" (لويس، 112). ورغم تقدير العذرية من قبل الرجال المقبلين على الزواج، لم يكن أساسيا أن تكون المرأة عذراء في ليلة زفافها. فتجارب الأنثى الجنسية قبل الزفاف لم تكن محط قلق كبير. التحذير الوحيد فيما يخص حياة الأنثى الجنسية كان للإناث التي تغري الرجال بعيدا عن زوجاتهن. وهذا ببساطة لأن الزواج المستقر ساهم في الحفاظ على مجتمع مستقر، لذا كان من مصلحة الجميع أن يبقى الزوجان معا. علاوة على ذلك، آمن المصريون القدماء بأن حياة المرء الدنيوية جزء من رحلة أبدية، وكان من المتوقع من المرء جعل حياته، من ضمنها الزواج، تجربة تستحق اختبارها للأبد.
تصور النقوش، واللوحات الأزواج وزوجاتهم ياكلون، يرقصون، يحتسون الشراب، ويعملون في الحقول معا. وعلى الرغم من أن الفن المصري مغالي في المثالية، إلا أنه واضح كون الكثيرون تمتعوا بزواج سعيد وبقوا معا مدى الحياة. كانت قصائد الحب شائعة للغاية في مصر للإشادة بجمال وحسن المحبوبة أو الزوجة والتعهد بالحب الأبدي في عبارات تشبه لحد كبير كلمات أغاني الحب المعاصرة: "لن أبتعد عنكِ أبدا/ ستبقى يدي في يديكِ/سأتنزه معكِ/ في كل الأماكن المفضلة" (لويس، 201). ويلقي هذه القصائد كل من الذكور والإناث متناولين جميع جوانب الحب الرومانسي. واستمتع المصريون بأبسط جوانب الحياة ولم يتوجب أن يكون المرء من العائلة الملكية للاستمتاع بصحبة محبوبته، زوجته، عائلته، أو أصدقائه.
الملكات المصرية وهدايا إيزيس المفقودة
مع ذلك، لا يمكن نكران أن الملوك المصريين حظوا بعيشة هنيئة وأن العديد من الملكات والزوجات الأقل مكانة اللواتي عشن في القصر تمتعن بترف هائل. وقصر الملك أمنحتب الثالث في ملقطة، المذكور سابقا، امتد على ما يعادل 30,000 متر مربع (30 هكتار) كان مزود بشقق واسعة، غرف مؤتمرات، حجرات للجماهير، غرفة العرش، قاعة استقبال، قاعة احتفالات، مكتبات، حدائق، مخازن، مطاهي، مكان مخصص لحريم الملك، ومعبد للإله أمون. كانت الجدران الخارجية للقصر بيضاء ناصعة، في حين شملت الألوان الداخلية الأزرق الزاهي، الأصفر الذهبي، والأخضر الناضر. وعاشت النساء في مثل هذه الأماكن حياة أرقى بكثير من تلك التي اختبرتها نساء الطبقات الأدنى ولكن مازال عليهن أداء واجباتهن تحقيقا لمفهوم الماعت.
وتكتب عالمة المصريات سالي آن أشتون، " في عالم يهيمن عليه الفرعون الذكر، من الصعب غالبا استيعاب دور الملكات المصرية بشكل كامل. فقد حظي الفرعون بعدد من الملكات لكن أهمهن ارتقت لتكون " الزوجة الرئيسية" (1). أختلف دور الزوجة الرئيسية أو العظيمة تبعا للفرعون. ففي حالة الملكة تيي (1398-1338 قبل الميلاد)، زوجة الملك أمنحتب الثالث، عادة ما اشتركت في أمور الدولة، عملت دبلوماسية، وحتى كُتِب اسمها على خرطوشة مثل الملك. ونفرتيتي (منذ ما يقرب 1370-1336 قبل الميلاد)، زوجة أخناتون، اهتمت بأمور العائلة بالاضافة لمساعدة زوجها في ادارة الدولة. وعندما تخلى زوجها بشكل أساسي عن واجباته كفرعون ليركز على دينه التوحيدي الجديد، تكلفت هي بمسؤولياته.
الملكة نفرتيتي
توجد سجلات عن ملكات عظيمات حتى عصر الأسر المصرية المبكر مثل الملكة مريت نيت (حوالي 3000 قبل الميلاد) والتي حكمت كواصية لابنها دن على العرش. والملكة سبك نفرو (منذ ما يقرب 1807-1802 قبل الميلاد) تولت العرش في عصر الدولة الوسطى بمصر وحكمت كامرأة دون النظر إلى تقييدات التقاليد بأن ذكرا من يجب أن يتولى حكم مصر. واحتذت حتشبسوت من الأسرة الثامنة عشرة بفعل سبك نفرو ونصبت نفسها فرعونا. ومازالت تعتبر واحدة من أقوى سيدات العالم القديم ومن بين أعظم فراعنة مصر.
على الرغم من قلة الحكام الإناث في مصر القديمة، إلا أن الملكات القويات لسن كذلك. لكن مهامهن والكثير من نشطاتهن تظل غير موثقة أو على الأقل غير مترجمة، لكن لا شك - بناءا على المعلومات المتاحة حاليا- أن تلك النساء لهن أثر عظيم على أزواجهن، العرش، والدولة.
كانت مكانة المرأة في مصر سابقة لأي عصر في تاريخ العالم وحتى لمكانتها في وقتنا الحالي.
في بداية الخليقة، عندما حكم أوزيريس وإيزيس العالم في سلام وعدالة، يقال إن إيزيس منحت هدايا للبشرية، من ضمنها المساواة بين الرجل والمرأة. وتتجسد هذه الأسطورة في المكانة العالية التي تمتعت بها المرأة في تاريخ مصر. ولاحظ كل من برير وهوبس كيف كانت "مكانة المرأة في مصر حينها سابقة لعصرها"(89). لا شك في هذا بالفعل، لكن يمكن القول أن مكانتها كانت راقية بشكل لايصدق مقارنة بأي وقت آخر في تاريخ العالم، حتى في وقتنا الحالي. فالنساء في مصر القديمة حظين بحقوق أكثر مما تحظى بها الكثير من النساء حاليا.
استمرت المساواة واحترام المرأة في العصر البطلمي (323-30 قبل الميلاد)، آخر من حكم مصر قبل انضمامها لروما. وتعد كليوباترا السابعة، آخر ملكات مصر(تقريبا 69-30 قبل الميلاد)، من بين أفضل ممثلي المساواة التي حظيت بها النساء فقد حكمت الدولة بشكل أفضل من الذكور السابقين لها أو أولئك المُعتقد أنهم شاركوها الحكم. وبحلول القرن الرابع الميلادي بدأ وضع المرأة يتدهور مع بزوغ المسيحية ومعتقداتها بأن الخطيئة مصدرها معصية حواء وبأن النساء أقل قيمة وأقل استحقاقا للثقة من الرجال. وفي القرن السابع الميلادي أنهى الغزو العربي الاسلامي فعليا هذا الشكل من المساواة التي عرفتها النساء في الدولة لما يقرب 3000 سنة.
قائمة المصادر والمراجع
Ashton, S. The Last Queens of Egypt. Routledge, 2003.
Brier, B & Hobbs, H. Ancient Egypt: Everyday Life in the Land of the Nile. Sterling, 2013.
David, R. Religion and Magic in Ancient Egypt. Penguin Books, 2003.
Graves-Brown, C. Dancing for Hathor: Women in Ancient Egypt. Continuum, 2010.
Lewis, J. E. The Mammoth Book of Eyewitness Ancient Egypt. Running Press, 2003.
Robins, G. Women in Ancient Egypt. Harvard University Press, 1993.
Shaw, I. The Oxford History of Ancient Egypt. Oxford, 2016.
Tyldesley, J. Daughters of Isis: Women of Ancient Egypt. Penguin Books, 1995.
Watterson, B. The Egyptians. Wiley-Blackwell, 1997.
Watterson, B. Women in Ancient Egypt. Sutton Publishing Ltd, 1994.
نبذة عن المترجم
Asmaa Yunes
أسماء يونس، طالبة طب بشري أبلغ من العمر 23 عاما. متحمسة لتعلم أشياء جديدة.
https://www.worldhistory.org/trans/ar/2-623/