رحلة التلسكوب الأهم في التاريخ… جيمس ويب على وشك البدء!
“لقد مر أكثر من 25 عامًا، لكنني أعتقد أنه -يقصد تلسكوب جيمس ويب- حقًا يستحق الانتظار”
هذا ما قاله ويندي فريدمان عالِم الكونيات في جامعة شيكاغو عن تليسكوب جيمس ويب الذي ينتظره كل من يهتم بعلم الفلك من جميع أنحاء العالم، وسيتم إطلاقه للفضاء في نهاية ديسمبر الجاري، ولم لا فهو حتى الآن يُعتبر أكبر وأقوى وأغلى تليسكوب صنعه الإنسان بتكلفة وصلت لـ 10 مليارات دولار! وليس هذا فقط ما يجعله محط الأنظار، فرحلة جيمس ويب للفضاء الخارجي ستكون محفوفة بالتحديات التي تبدأ بالمرور بالبحر ثم التحميل على صاروخ من أجل الإطلاق وبعدها المُضي في طريقه في الفضاء لمسافة قدرها 1.5 مليون كيلومتر لوجهته المحددة؛ أي أكبر 4 مرات من المسافة بين الأرض والقمر، ولا بد أن تسير تلك الخطوات وفق الخطة المدروسة والمحسوبة بدقة وغير المسموح فيها ولو بنسبة خطأ ضئيلة!
الجميع ينتظر نتيجة هذا التحدي العظيم بفارغ الصبر خاصة وأن جيمس ويب كان من المفترض أن يتم إطلاقه بين 2007 و2011 لكنه واجه الكثير من الصعوبات المادية والتقنية التي تسببت في تأخيره عامًا بعد عام، وجاءت الجائحة وأثرت عليه هي الأخرى كما أثرت على العالم كله، حتى وصل تأخير الإطلاق لعقدٍ كامل! حتى بعد تحديد موعد إطلاقه ليكون 22 من ديسمبر تم تأخيره مرة أخرى منذ أيام قليلة بسبب بعض المشكلات التقنية ليتم إعلان الإطلاق يوم 25 ديسمبر ونأمل ألا يتأخر مجددًا.
بداية الرحلة
تلسكوب جيمس ويب هو نتاج تعاون مشترك بين وكالة الفضاء الأمريكية NASA ووكالة الفضاء الأوروبية ESA ووكالة الفضاء الكندية CSA، سُمي على اسم أحد مديري ناسا الأوائل James E. Webb،، الذي أشرف على بدايات برامج أبوللو للفضاء. نشأت فكرة بناء التلسكوب في سبتمبر عام 1989 عندما تم طرحها في ورشة عمل في STScI وهو معهد علوم تلسكوبات الفضاء التابع لناسا والمسؤول عن إدارة كل ما يخص تلسكوب هابل الفضائي، الذي في وقتها كان على وشك أن يُطلق في الفضاء، فكر المسؤولون حينها بأن عملية بناء التلسكوبات تأخذ الكثير من الوقت والمال والجهد، فلم لا نبدأ الآن في صنع “هابل القادم” وبالفعل تم البَدْء في العمل عليه في عام 2004.
تلسكوب هابل الذي تم إطلاقه في نيسان 1990 ما زال يعمل وبقوة لـ 31 عامًا حتى الآن، ومنذ إطلاقه يمد العلماء بتلك الصور المدهشة للأجرام السماوية ليدرسوها عن قرب، يقوم هابل بصنعها عن طريق التقاط موجات الضوء المرئي وفوق البنفسجية والقريبة من تحت الحمراء، ولذلك أراد العلماء أن يتم العمل على تلسكوب جديد يُكمل عمل هابل ليلتقط موجات الأشعة تحت الحمراء بكفاءة عالية والذي هو من شأنه أن يرينا الكون بعين لم ننظر بها من قبل!
أشعة حمراء أو بنفسجية ما الفرق الذي يمكن أن يحدث؟
الأشعة تحت الحمراء هي موجات ذات طولٍ موجي كبير وذلك يجعلها أكثر قدرة على اختراق ذرات الغبار والسحب، فإذا كانت أشعة الضوء المرئية وفوق البنفسجية تجعلنا نرى السدم والمجرات فستمكننا الأشعة تحت الحمراء من رؤية ما يكمن خلف هذه!
مقارنة بين ما يمكن أن نراه بالأشعة تحت الحمراء (على اليمين) وما نراه بأشعة الضوء المرئي (على اليسار)
ليس هذا فقط ما يميزها، فالأشعة تحت الحمراء ستجعلنا نرجع بالزمن حرفيًا، عندما ننظر لأي جسم في الفضاء فإننا نرى الضوء الذي انبعث منه وسافر تلك المسافات السحيقة حتى يصل لأعيننا فنراه، فإذا استغرق هذا الضوء ملايين السنين لكي يصل إلينا من الأجرام البعيدة جدًا عنا فنحن إذا ننظر لشكله منذ ملايين السنين وليس لشكله الآن!
هذا يشبه ما سيحدث مع جيمس ويب، فمن مليارات السنين عندما كان الكون ما زال في طور التكون كان هناك الكثير يحدث، تنشأ نجوم وتموت وتتصادم مجرات وتتكون كواكب وأقمار، الضوء الصادر من كل ذلك ما زال يسير بسرعة الضوء لكن حدث له تمدد بسبب تمدد الكون -فالعلم أثبت أن الكون يتمدد بسرعة مهولة في كل الاتجاهات- فإذا كان الضوء الصادر منها هو لموجات ذات أطوال موجية قصيرة نسبيًا كالضوء المرئي، فسيحدث لها تمدد وتزداد طولًا لتصبح موجات تحت حمراء في ظاهرة تعرف (بالانزياح الأحمر). إذا استطاع التلسكوب التقاط تلك الأمواج فقد نستطيع رؤية ما حدث للكون في بدايات عمره! وهذا الذي يميز جيمس ويب عن أي تلسكوب قبله.
مرآة أكبر تعني تلسكوب أقوى
لكي تصنع تلسكوب يُقرّب الأجسام البعيدة ويكبّرها عليك أن تزوّده بأداة تجمع أشعة الضوء الصادرة من تلك الأجسام، وبالتالي كلما زادت كفاءة تلك الأداة تزيد كمية أشعة الضوء المُجمعة فيكون مقدار التكبير أكبر، وهذا ما حاول صانعو جيمس ويب فعله؛ أن يستخدموا مرآةً ذات قطر أكبر من مرآة هابل ذات الـ 2.4 متر وبالفعل نجحوا في ذلك بجدارة لتكون مرآة جيمس ويب الرئيسة بقطر 6.5 متر، هذا الفرق سيُمكّن جيمس ويب من رصد الأجسام الخافتة الإضاءة بكفاءة تُقدر بـ 10-100 مرة أفضل من هابل!
المرآة الرئيسة هي مرآة مصنعة من مادة البريليوم ومغطاة بطبقة من الذهب ومقسمة لـ 18 قطعة سداسية الشكل لتُجمع الأشعة بأعلى كفاءة ممكنة، أما المرآة الثانوية هي مستديرة ومن البريليوم أيضًا وصُممت لتستقبل الأشعة وتوجهها للمعدات الخاصة بالتلسكوب، التلسكوب مُزود بـ 4 معدات مصممة خصيصًا لالتقاط الأشعة تحت الحمراء وإجراء التحليل الطيفي لها.
المخاطر المحتملة
تليسكوب بهذا الحجم الكبير المماثل لحجم شاحنة ضخمة سيكون من المتوقع أن يواجه عقبات في طريقه حتى يصل للموقع المُخطط له، أولها هو كيف سيتسع حجمه في مقدمة الصاروخ وكيف سيخرج منها؟ ولذلك توصل العلماء لفكرة عبقرية وهي أن يتم تصميمه بحيث يكون قابلًا للطي لكي يتسع الصاروخ ثم بعد أن يخرج منه يبدأ بالفتح تدريجيًا ليصل لحجمه الأصلي.
إحدى المشكلات أيضًا هي كيفية حماية جسم التلسكوب من أشعة الشمس القادرة على تدمير المعدات في ثواني فهي تصل إلى 110 درجة مئوية للوجه المقابل للشمس! ولذلك تم تزويد التلسكوب بدرع واقٍ ضخم يتكون من خمس طبقات من مادة الكابتون القادرة على تحمل درجات الحرارة العالية بكفاءة.
” هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نؤمن بأن كل شيء سيسير بصورة جيدة، لكننا لن نعلم حتى نصل هناك”
سكوت فريدمان رائد الفضاء من معهد علوم تلسكوبات الفضاء
التحدي الأكبر يكمن في كيفية فتح التلسكوب لنفسه وفقاً لما تم برمجته عليه ليصل لحجمه الأصلي دون مساعدة بشرية إذا حدث أي خلل، فالتلسكوب على بُعدٍ ساحق يجعله يدور حول الشمس وليس الأرض! وبالتالي فلن يستطيع رواد الفضاء صيانته ومتابعته كما يتم في تلسكوب هابل الذي يدور في مدارٍ قريب جدًا حول الأرض، ستستغرق تلك العملية نحو 6 أشهر حتى يصبح التلسكوب جاهزًا للبدء في العمل وستجد هنا فيديو يوضح الخطوات التي ستحدث بالتفصيل.
إلى ماذا ستتوجه أنظار جيمس ويب؟
” إذا كان هابل يختلس النظر من شق الباب فإن ويب سيجعلنا نفتح الباب على مصراعيه”
نيكول لويس العالمة في الكواكب الخارجية في جامعة كورنيل.
إذا سار كل شيء حسب الخِطَّة، سيرينا ويب ما لم نره من قبل وسيعيد كتابة علم الفلك من جديد، فسنرى بواسطته أبعد المجرات في الكون ونرى قلب النجوم المتقدة التي ما تزال في طور التكون! وسنتمكن من البحث عن الكواكب الشبيهة بالأرض ونفحص غلافها الجوي بسهولة. كما أنه يستطيع أن يلقي نظرة على الكواكب الموجودة في مجموعتنا الشمسية ليعطينا تفاصيل أكثر قد لا نكون وصلنا لها في السابق.
من حس الكواكب بالفعل وحددت له الأماكن المرشحة منها أولًا لكي يراها، ووفرت عليه الكثير من الوقت في البحث إذا كان تم إطلاقه فعلًا في موعده الأصلي في 2007، وكأن التأخير الكبير الذي حدث تحول لفائدة وليس عيب!
المصادر:
https://www.arageek.com/2021/12/22/james-webb-space-telescope[/left]