لغة ماسينيسا كانت اللغة الأمازيغية

لغة ماسينيسا كانت اللغة الأمازيغية 40584

عند قراءتي لمقال صدر بصحيفتكم المحترمة بتاريخ 21 سبتمبر تحت عنوان – لغة دولة ماسينيسا لم تكن الأمازيغية -، تبين لي أن صاحب المقال السيد عثمان سعدي أراد من خلال بعض المعلومات والتي تستحق التوضيح والتصحيح، أن يعطي صفة اللالغة للأمازيغية ومن خلال ذلك إضفاء هوية جديدة للأمازيغ، رغم وجود رسومات تصل بنا الى النيوليتيكي الاسفل (Lower Neolithic) 4500 -3950) سنة قبل الميلاد أي بظهور التعدين (Metallurgy) وتربية المواشي. وباعتباري من الذين يحملون نظرية مناقضة تماما للسيد سعدي وزميله محي الدين عميمور، اللذان يحبذان أن تقابل الفكرة العلمية بفكرة مقابلة ، كان لزاما علي أن اخوض في هذا الحوار متتبعا للتعليل المقدم في طرح السيد سعدي و قائلا ما يلي :
أولا: أن اللغة الام للدولة النوميدية ايام ماسينيسا كانت اللغة الامازيغية والمعروفة بالليبيقية (Lybic Language) وهذا بالمفهوم الإقليمي – الديمغرافي والثقافي- رغم اعتراف المتخصصين في الكتابات الصخرية (Epigraphy)، ان اللغة البونيقية (Punic) والإغريقية القديمة (Hellenic) كانتا تستعملان في التجمعات الحضرية وكذا للتواصل مع مملكة قرطاج. و أحسن إثبات على ما نقول هي النصب الموجود في قلعة عتبان بأثار دوقة التونسية (Douga) أي الموطن الأصلي لماسينيسا .فلنذكر انه في سنة 1631 ،وفي هذا المكان تم العثور، بالاضافة الى مخطوطة صخرية بونيقية ، على مخطوطة صخرية باللغة الليبيقية القديمة تمجد ماسينيسا و هي موجودة الأن في المتحف البريطاني بلندن على شارع (G.Russel) منذ 1852. زيادة على ذلك اريد ان الفت الانتباه الى الجرد الجزئي ل1344كتابة صخرية ليبيقية التي وجدت في شمال شرق الجزائر وتونس واشهرهم مزهرية تديس(Tiddis) بولاية ميلة بالقطر الجزائري.
ثانيا:ان مصطلح ليبيقي(Lybic) يعد المصدر اللغوي والخطي الموحد لمفهوم الميراث الامازيغي الذي حافظ على جذوره خاصة في الصحراء الكبرى و وصل إلينا بشكل التفيناغ (Tifinagh Alphabet). أما مصطلح الليبي (Libyan) المعروف في الكتابات اللاتينية-الرومانية بالرموز (LBY) و قبله في الحضارة الفرعونية بليبو (Lybu) ،فهو التعريف الاول لسكان شمال افريقيا قبل ان يتحول هذا الوصف الى امازيغ وبعده الى بربر. فعندما قام الايطاليون بغزو ليبيا الحالية استمدوا هذا الاسم من كتاباتهم التاريخية.

لغة ماسينيسا كانت اللغة الأمازيغية 40585

ثالثا: ان القول ان اللغة البونيقية الفنيقية الكنعانية كانت هي السائدة في تامزغا (Tamzgha) يعتبر حسب رأي، كلام غير صحيح لا من ناحية الشكل ولا المضمون خاصة عندما قلل الاستاذ من الوجود الفعلي للامازيغية واختصرها فقط في عبارة: احاطت البونيقية بلهجات شفوية . ونعني بتامزغا ما عرف عند الرومان وبعدهم العرب باسم افريقيا وهي الشبه القارة الممتدة من جيزيس (Gyzis) 195 كلم غرب الاسكندرية في مصر الى السويرة (Mogador) بالمغرب، وتتوسع جنوب شرقا الى ان تصل القبائل الامازغية اوزو (Ouzou) وتيبستي (Tibesti) بتشاد وشمال دارفور بالسودان وجنوبا الى اودالن (Udalen) ببوركينافاسو. كل هذه المساحة التي تمثل حوالي ثلث القارة الافريقية كانت الموطن التاريخي لشعوب ليبية، ورغم اختلاطها ، فهي تنحدر غالبيتها من نقطة البداية اي النموذج البشري لموقع عين الحنش بالقرب من مدينة سطيف(الجزائر).أن كل الجامعات الامريكية وعلى راسها (Stanford) تثمن في هذا الشأن عمل العالم الكبير (Camille Arambourg ) مكتشف الموقع سنة 1947 و الذي اكد أن الحياة في شمال افريقيا بدأت مع ظهور الانسان، بل ان هذه المنطقة بخصوصية مناخها وتضاريسها عرفت العلامات الاولى للذكاء البشري. فموقع (Britannica.com) مثلا يعطينا معلومات جد مهمة حول الجنس الشمال افريقي والمتمثل في الاشولي (Acheulean) وبعده المستوري(Mousterean) و العاتري (Aterean) ،معلومات بمثابة الدليل الدامغ على ان كل هذه البلاد لم تكن خالية ولم يتم خلقها لا عرقيا ولا لغويا ولا حضاريا مع قدوم الفينيقيين في القرن السابع قبل الميلاد .com) مثلا يعطينا معلومات جد مهمة حول الجنس الشمال افريقي والمتمثل في الاشولي (Acheulean) وبعده المستوري(Mousterean) و العاتري (Aterean) ،معلومات بمثابة الدليل الدامغ على ان كل هذه البلاد لم تكن خالية ولم يتم خلقها لا عرقيا ولا لغويا ولا حضاريا مع قدوم الفينيقيين في القرن السابع قبل الميلاد .com) مثلا يعطينا معلومات جد مهمة حول الجنس الشمال افريقي والمتمثل في الاشولي (Acheulean) وبعده المستوري(Mousterean) و العاتري (Aterean) ،معلومات بمثابة الدليل الدامغ على ان كل هذه البلاد لم تكن خالية ولم يتم خلقها لا عرقيا ولا لغويا ولا حضاريا مع قدوم الفينيقيين في القرن السابع قبل الميلاد .
رابعا: كان من الاجدر والموضوعي ان نفرق بين الاصول العرقية واللغوية للفنيقيين ولا نخترع لغة تسمى الكنعانية بالجزائر لا لشيء الا للربط الادبي-السياسي الخالي من الدليل العلمي والتاريخي. هنا لا نختلف في القول عندما نعتبر ان الفنيقيين ينحدرون من الكتلة الكنعانية التي قد يكون مركزها في ابو كمال على واد الفرات على الحدود العراقية السورية ،هذه الكتلة تمتد الى الشاطئ اللبناني والسوري لتتفرع بعد ذلك الى مملكة مدينة صورTyre بلبنان .فوصول الملكة عليسة الى شواطئ تونس لم يكن البداية لتعلم الكلام . وكل المؤرخين يجزمون من خلال ما عرف قديما بمعاهدة جلد البقرة ،ان الملكة الفينيقية التي طلبت من الملك الامازيغي هيارباس (Hiarbas) (اقصد هيارباس الاول) الإذن بالإقامة ،كانت قد وجدت الليبيين (أجداد الأمازيغ) بلغة وكتابة وحضارة . للتذكير ان القبائل الأمازيغية المعروفة بجرمنت (Garamantes) والتي عاشت قديما بجرمة جنوب ليبيا الحالية تركت لنا مخزونا من الرسومات كانت محل دراسات علمية من طرف (Gabriel Gamps) خاصة فيما يتعلق بالمدلول الحضاري للجرارات الجرمية (Garamantian Tractors).

لغة ماسينيسا كانت اللغة الأمازيغية 40586

خامسا: أن التسلسل كنعاني فينيقي بونيقي ليس له اي معني في الدراسة العرقية واللسانية لشمال افريقيا لأنه يضع العنصر الليبيقي الاصلي في الدرجة السفلى اي بوضعية المتأثر و ليس المؤثر.فبداية اللغة البونيقية كلغة وانفصالها عن الفينيقية جاء عبر التأثير الليبيقي الامازيغي, ويتفق كل المختصين واذكر هنا بالأخص الجرائد التاريخية لجامعة هارفرد (Loeb Classical History) أن الحدود التاريخية لبداية الانفصال على الفينيية في الحوض الغربي للمتوسط ،يكون قد بدأ مع الاميرال القرطاجي حنون (425 ق.م ) ونصه المكتوب بالبونيقية على طاولات البرنز بقرطاج القديمة. هو نفس الاميرال الذي قال :جاؤوا فينيقيينPhoenicians وأصبحوا ليبين (Libyans) .في كل هذا المخاض تأتي شهادة Chrysostom الفيلسوف والكاتب الاغريقي155-40 قبل الميلاد، في مذكراته، حين قال ان حنونAdmiral Hannon استطاع ان يحول سكان قرطاج من صوريانTyrians الى ليبيينLibyans .كما لنا في هذا السياق الوصف الذي اعطاه (Arrian الروماني للاميرال حنون عند قوله فيIndica حنون الليبي اي الامازيغي بالمفهوم العرقي . فاللغة الليبيقية الامازيغية ورغم تأثرها بالخط الافقي للكتابة البونيقية بعد ما كانت عمودية ، الا انها اعطت لهذه اللغة اكثر مما اخذت منها. فالعالم (Stephane Gsell) يفرق بين المنشأ الهندسي ذو الزوايا (Geometric-angular) للغة الليبيقية الامازيغية و المنشأ للشكل المائل (Cursive Style) للأصول الفينيقية.
سادسا: لنذهب الأن الى المنطقة التي ينحدر منها الاستاذ عثمان سعدي صاحب المقال وهي منطقة تبسة او ما يعرف في الجزائر بالنمامشة خاصة عندما قال أن الأب دونا الكبير المتوفي سنة 355 بعد الميلاد ،مولود في مدينة نقرين وهي الحدود الجنوبية للمنطقة التي ينتمي اليها الاستاذ .رغم انني اتفق معه حول الدور التاريخي الكبير لهذه الجهة لكنني أؤكد بحكم اطلاعي على اللوحة البويتينغرية وباللاتينية(Tabula Peutingeriana) للخرائط الرومانية انه لا كون لمدينة نقرين في ذلك الوقت رغم وجود عبارة (Nigresens) التي استمدت منها كلمة واحة نقرين الحالية . هذه العبارة هي تعريف لقبائل حليفة للرومان ومكونة من الرحل والتي شيدت على الدوام دكاكين للبيع والشراء بالقرب من القرية العسكرية التي ظهرت في سنة 104 بعد الميلاد في هنشير بسرياني 6 كلم جنوب واحة نقرين .وللابتعاد عن كل جدال نظري اذكر فقط انه تم التعرف على اسم هذا المكان بجبل مجدور المحاذي لهنشير بسرياني وهو (Ad Majores).
سابعا: إلى حد الأن لم يفصل أي مؤرخ في المكان الذي عرف ميلاد دونا الكبير الذي تقدمه الكتابات اللاتنية بـ ((Donatus Magnus والذي قامت بربطه النصوص بموقع (Casae Nigrae) أو(Cellae Nigrae) أي الديار السود أو الخلايا السود والذي فسره الأستاذ سعدي بنقرين جنوب مدينة تبسة بالقطر الجزائري .رغم أن هناك ضابط فرنسي و إسمه (Baradez) قام بالقول سنة 1947 ان الديار السود (Casae Nigrae) قد تكون موجودة في الطريق الرابط بين هنشير بالسرياني (Ad Majores) و تمغزا (Ad Turres) بالتراب التونسي لكنه أنهى احتماله بعلامة استفهام. وسريعا ما فند ت هذه المعلومة من خلال التحاليل الجغرافية في (Oxford historical Journal) واصبحت ملحمة الديار السود تتجه غربا بين اوماش، سيدي خالد وراس الميعاد بولاية بسكرة.
ثامنا: أن اقحام الدوناتيين (Donatists) ومعهم الحوامين (Circumcellions) في التعليل اللغوي والعرقي للأمازيغ ثم ربطهم بأصول كنعانية فقحطانية قد لا يمت بصلة الى الدراسة الأنثروبولوجية. فالدوناتيين ازمة مذهبية ظهرت مع قدوم المسيحية لشمال افريقيا .اما القول ان الفتح الاسلامي وجد البونيقية كلغة الامازيغ فهذا لم يذكره اي مؤرخ اسلامي علما بانه عندما تم قتل المتمردة الدوناتية روبا (Robba)، سنة 434 بعد الميلاد بمنطقة تيزي بولاية معسكر وليس تيزي وزو بمنطقة القبائل ،تم نقش النصب المخلد لاستشهادها باللغة اللاتينية .هذا النصب الذي تم العثور عليه سنة 1899 وحول الى متحف الجزائر ففرنسا بعد ذلك. اننا نتكلم عن 434 قبل الميلاد يعني ثلاث قرون قبل الفتح الاسلامي.




تاسعا: أن التكلم على الثقافة والهوية الامازيغية لاستنتاج قناعات سياسية يعتبر تهجما عليها وظلما في حقها.لذلك فأن التراث البشري لابد ان يثمن وأنا شخصيا من بين الذين يحترمون الثقافة العربية ورصيدها الهائل والمؤسس للثقافة الانسانية .اما التحريف لاسم ماسينيسا واعطائه معنى لايمت بصلة الى الدراسات الاسمية (Onomastic Studies فهذا خطا فادح .فمعظم اسماء الاشخاص والاماكن في التراث الامازيغي هو ليبي قديم وليس قحطاني ولا عدناني وغالبية الاسماء تنتهي بالألف A مع اضافة السينS او اللامL في القاب اخرى .فماسينيسا يعني “كبيرنا” وليس الرجل المسن كما قال الاستاذ سعدي. وفي الاخير االفت الانتباه الى انه يستوجب كتابة مقال اخر حول ما ذكره القديس اوغستان حول الكنعانيين لان ذلك يدفعنا للتطرق الى المعالم التاريخية التي قيل انها قد تكون بمنطقة تاكزة Taxas (Tigisis) قديما وهي بالقرب من عين فكرون بالقطر الجزائري. في هذا المكان كتب مجموعة من الفارين من ارض كنعان :نحن الذين هربوا من وجه يوشع بن نون …خليفة النبي موسى عليه السلام.
كاتب مغربي ماجستير تاريخ جامعة ماديسون USA



zaoaimah-alarabi.jpg66
زوايمية م. العربي



https://www.raialyoum.com/%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A7-%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D8%BA%D9%8A%D8%A9/