أسرار زحل.. سحر الكوكب العملاق ذي الحلقات المرصعة بالأقمار[/i]
كوكب زحل جوهرة تاج المجموعة الشمسية، فهو يتمتع بجمال أخّاذ ساحر بحلقاته الرائعة، ويمثل بأقماره عالما من العجائب، وهو ثاني أكبر الكواكب في المجموعة بعد المشتري، ويعادل 800 ضعف لحجم الأرض.
ويتميز هذا الكوكب الغازي العملاق بحلقاته الجميلة الغامضة التي أسرت مخيلة الإنسان، وشكلت مصدر إلهام للكثير من الأفكار على مرّ السنين، ويبلغ قطرها 300 ألف كيلومتر، وسمكها كيلومترا واحدا فقط.
وقد أطلق العلماء عددا من أكثر المركبات الفضائية تطورا على الإطلاق، وتبين لهم أن كوكب زحل أكثر بكثير من مجرد جرم سماوي جميل، بل إن لبنات الحياة الأساسية يمكن أن تكون في الأجزاء الداخلية لهذه الأجسام الجليدية. إنه بالتأكيد المكان الأكثر تشويقا في المجموعة الشمسية، ولذا أفردت له هذه الحلقة المهمة التي بثتها الجزيرة الوثائقية ضمن السلسلة المشوقة "أسرار المجموعة الشمسية".
حلقات زحل.. خدعة الكوكب الذي أكل أبناءه
لم يكن "غاليليو" أول من اخترع التلسكوب، لكنه كان من أوائل من استخدموه في الرصد الفلكي، ففي عام 1609 رصد "غاليليو" كوكب زحل وأقماره، وتضمنت رسوماته مقبضين على جانبي الكوكب، فظن أنه رأى قمرين، فثبّت كلا منهما على أحد جانبي زحل، ولم تكن قوانين "نيوتن" في الميكانيكا قد ظهرت بعد، ولم يكن "غاليليو" يعلم أن الأقمار يجب أن تدور حول الكوكب بالكامل.
غاليليو أول من نظر إلى كوكب زحل بالتلسكوب سنة (1609) ورأى حلقاته
وعندما رصد زحل بعد بضع سنوات لاحظ أن المقبضين قد اختفيا، فافترض "غاليليو" أن سبب اختفاء الأقمار هو أن زحل قد أكل أبناءه كما تروي الأساطير اليونانية. وقد عاش "غاليليو" في إيطاليا، وكان يعرف بعض أعلام عصره مثل الهولندي "قسطنطين هويغنز" الذي توصل ابنه "كريستيان هويغنز" إلى حل معضلة اختفاء مقبضي زحل.
لقد صوّب "كريستيان" تلسكوبه نحو زحل، وبفضل تطور تكنولوجيا البصريات توصل إلى أن زحل محاط بمجموعة من الحلقات، وأنها ترتبط بما شاهده "غاليليو"، فإذا كنا نرى الحلقات بزاوية ميل من الأرض فهذا يعني أننا سنراها أحيانا مائلة وأحيانا معتدلة، ومع حركة الكوكب فإننا لن نرى سوى حوافها، وعندما نكون في مواجهة حواف الحلقات فإنها تختفي بالكامل في نظرنا.
رحلة إلى كوكب زحل و أقماره
إلى جانب ذلك اكتشف "كريستيان هويغنز" أن لزحل قمرا (تايتان)، وتبين لاحقا أن لهذا القمر خصائص أغرب من حلقات زحل نفسها. وبعد اكتشاف القمر الأول على يد "هويغنز" اكتشف "جيوفاني كاسيني" أربعة أقمار أخرى، ثم تواصل اكتشاف الأقمار خلال القرون التالية.
"بايونير 11".. أول سفراء الأرض إلى زحل
منذ اكتشاف حلقات زحل ظل السؤال قائما: ممَّ تتكون هذه الحلقات وما هو أصلها؟ ولماذا ينفرد زحل بالحلقات عن سائر الكواكب؟
ولمعرفة الإجابة، كان علينا أن نزور الكوكب، لكن الوصول إلى الكواكب البعيدة في المجموعة الشمسية يتطلب كمية هائلة من الوقود، وهذا يعني تكاليف كبيرة، الأمر الذي جعلنا نبحث عن طرق أخرى للتسارع في الفضاء دون الحاجة إلى الوقود.
أشهر صورة لحلقات كوكب زحل بعدسة مركبة فوياجر2 سنة 1981
فمن الطرق المستخدمة طريقة تدعى الاستعانة بالجاذبية، فعندما تمر المركبة الفضائية بكوكب يدور حول الشمس، فإن جاذبية الكوكب تسحبها إليه وتزيد من تسارعها، ومن عجائب الخلْق أن الكواكب الخارجية تصطف على نسق مذهل، فالمركبة عندما تتعدى المشتري تحصل على دفعة تنقلها إلى زحل ثم إلى أورانوس ثم إلى نبتون، وهذا المسار يسمى "الجولة الكبرى".
من أجل هذا أطلقت ناسا مهمة "بايونير-11″، والغرض الرئيس منها تمهيد الطريق لمهمة "فوياجر". وقد تكونت من مركبتين هما "فوياجر-1" و"فوياجر-2″، وقد استعانت كلاهما بالجاذبية للانطلاق من المشتري إلى زحل، وهناك افترقت المركبتان، إذ كلفت "فوياجر-1" بمهمة إضافية؛ وهي زيارة قمر زحل الأكبر تايتان الذي اكتشفه "كريستيان هويغنز" عام 1655.
تايتان.. رحلة إلى أكثر الأقمار تشويقا
لم تكن زيارة تايتان تقل أهمية عن زيارة زحل نفسه، فهو قمر مثير للاهتمام، إذ أن حجمه كبير جدا، وقد يكون من الإجحاف وصفه بالقمر، فهو أكبر حجما من عطارد، وبينما ركّز بعض العلماء على كوكب المريخ القريب من الأرض وتوقعوا أن يحتوي على حياة، فإن آخرين رأوا أن مكانا آخر يمكن أن يكون بنفس الأهمية أو أكثر، إنه القمر تايتان.
القمر "تايتان" أكبر أقمار زحل هبط عليه مسبار "هويجنز"
تأكد وجود غلاف جوي لقمر تايتان في أربعينيات القرن العشرين، وهو القمر الوحيد في المجموعة الشمسية الذي يملك غلافا جويا كثيفا، والحقيقة أن غلافه الجوي أكثر كثافة من الغلاف الجوي للأرض.
تايتان هو الأكثر تشويقا في المجموعة بلا منازع، لكن التركيز عليه يعني عرقلة جهود استكشاف الكواكب الأخرى، وإذا توجهت "فوياجر-1" إلى تايتان، فلن تستطيع زيارة أورانوس ونبتون، وفي حال فشلها في تحقيق هدفها فسوف يحول مسار "فوياجر-2" لاستكمال عمل سابقتها على حساب زيارة أورانوس ونبتون.
"فوياجر 1".. كشف آلاف الحلقات المرصعة بالأقمار
وصلت "بايونير-11" بعد ست سنوات إلى زحل مرورا بالمشتري، وفي لحظة مفعمة بالمشاعر بدت حلقات زحل كبيرة وجميلة في الصور، وحملت حلقات زحل الأسماء (إيه) و(بي) و(سي) بالترتيب من الأبعد عن الكوكب إلى الأقرب. وفي القرن العشرين اكتشفت حلقات جديدة سميت بالحروف الأبجدية وفقا لترتيب اكتشافها: (دي) ثم (إي) ثم كان الحرف التالي هو (أف).
تمتلك جميع الكواكب الغازية الأربعة الكبيرة حلقات كحلقات كوكب زحل
مرت "بايونير-11" بزحل من مسافة بعيدة تقدر بمئات الآلاف من الكيلومترات، وقد أخبرتنا بأن تايتان بارد جدا على نحو لا يمكن للحياة أن تزدهر فيه، لكننا بحاجة للعودة إليه للحصول على معلومات أكثر تفصيلا، ولحسن الحظ كانت مركبتان أخريان في طريقهما إليه.
كانت "فوياجر-1" مجهزة بأدوات وكاميرات أفضل، وهي تتهيأ لإلقاء نظرة على زحل وحلقاته، كان اللقاء تجربة مثيرة وخاطفة حدثت خلال بضعة أيام فقط، ثم تابعت طريقها إلى خارج المجموعة الشمسية. وقد كشفت عن آلاف الحلقات بحيث لم تعد الأبجدية تكفي لتسميتها، وكشفت كذلك عن اهتزازات في أطرافها، وأقمار صغيرة جميلة تسبح بينها.
حزام الكواكب العملاقة.. مفاجأة تطرح مزيدا من الأسئلة
إذا اقترب قمر كبير من زحل أكثر من اللازم، فعند وصوله إلى مسافة تعرف بـ"حد روش"، ستتمكن قوة الجذب المدمرة من تفتيته إلى قطع صغيرة، ويفترض العلماء أن قمرا بحجم تايتان كان لزحل في الماضي، وقد سُحب هذا القمر نحو الكوكب، وبسبب الاحتكاك تحطم سطحه المكون من الجليد أولا، وبعد ذلك تحطم لبّ ذلك القمر المكون من المعادن، وربما انتهى به الحال داخل الكوكب. وهكذا شكّلت قطع الجليد حلقة حول زحل.
حلّقت "فوياجر-1" بالقرب من تايتان للمرة الأولى، فوجدت نفسها أمام حاجز غامض، كان ثمّة سديم عضوي يحيط بالسطح، فتعذرت رؤية السطح بسببه، مما جعل تايتان أرض العجائب للكيمياء العضوية. فقد اكتشف الميثان في غلافه الجوي، وهو اكتشاف مهم لأن قياسات الضغط والحرارة التي أخذتها المركبة قريبة للغاية من النقطة الثلاثية للميثان، وهذا يعني أن احتمالية وجود ماء على السطح عالية.
بعد ست سنوات ونصف من الطيران في الفضاء (1997- 2004)، عبرت مركبة كاسيني مستوى حلقات زحل
وقد تمكنت "فوياجر-1" من تسجيل مشاهدات ممتازة في تايتان، مما سهل لشقيقتها "فوياجر-2" التقدم صوب أورانوس ثم نبتون. ففي عام 1979 اكتشفت "فوياجر" حلقة حول كوكب المشتري، وأثناء الرحلة إلى كوكبي أورانوس ونبتون، اكتشفت حول كل منهما حلقات، وبذلك تبين أن جميع الكواكب العملاقة تملك حلقات، وهذا يتعارض مع محاولات الإجابة عن سبب وجود حلقات لزحل، وأصبحت التساؤلات أكثر دقة عن عمرها وشدة سطوعها ومكوناتها.
"هويغنز".. مسبار يهبط على سطح قمر تايتان
في 1982 بدأ التخطيط لمهمة أكثر طموحا، تدعى "كاسيني-هويغنز"، كانت المركبة بحجم حافلة مدرسية، وكان شكلها ملفتا أثناء التصنيع ومثيرة للإعجاب، كانت أكبر مركبة عابرة للكواكب على الإطلاق.
في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1997 نفذت مهمة الإطلاق بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية التي صممت وبنت مسبار "هويغنز" الذي اخترق السحب ليهبط على سطح قمر تايتان، فقد كان مصمما ليطفو على السوائل، ويهبط على الأسطح الصلبة للتكيف مع الظروف الممكنة.
قضت "كاسيني-هويغنز" سبع سنوات في سفرها عبر الفضاء، وفي صيف 2004 اقتربت من زحل وأقماره، وكان عليها اتخاذ مدار لها بين الحلقات، إذ كانت تحلق بسرعة 16 كم/ثانية، مما ينذر بتحطم المركبة إذا اصطدمت بأي جسيم أو ذرة تراب، وقد حبس الجميع أنفاسهم مدة ساعتين قبل أن يستقبلوا الإشارة الأولى، ثم الصورة الأولى، لتتوالى الصور المذهلة بعد ذلك، وكم كانت لحظات مفعمة بالدهشة والسعادة لدى فريق العمل والفلكيين وهواة الفلك حول العالم.
مئات الحلقات تدور حول كوكب زحل تتكون من ملايين الجاميد الصخرية والجليدية
واليوم يدور حول زحل 82 قمرا مكتشفا حتى الآن، وقد حقق فريق "كاسيني" اكتشافا جديدا حول أصل الحلقات والأقمار، فهي تتكون من جليد ناتج عن تحطم أقمار جليدية، لكن كاسيني اكتشفت أن هذا الحطام يجتمع مجددا ليشكل أقمارا جديدة، في إعادة تدوير لا نهاية لها، واكتشفت أن أعمار حلقات زحل تتراوح بين 100 مليون سنة وعدة مليارات من السنوات، ولو تسنى الإمساك بمكوناتها سيبدو ملمسها وَبريا شبيها بالثلج.
بعد ستة أشهر من الدوران، جاء موعد إنزال مسبار "هويغنز" إلى سطح تايتان في ديسمبر/كانون الأول 2004، وبعد يومين التقطت صورة للموقع الذي يفترض سقوط المسبار فيه، ووصلت أول إشارة بعد 3 أسابيع، وأظهرت الصور أثناء هبوط المسبار على سطح القمر تايتان وجود قنوات نهرية، كانت صورا مذهلة للغاية، أظهرت أن المسبار قد هبط في قاع إحدى البحيرات الجافة، وكان الحصى في الخلفية عبارة عن قطع من الجليد.
إنسيلادوس.. ينابيع الماء الفوارة على القمر الصغير
تبين أن النيتروجين يشكل معظم الغلاف الجوي لتايتان، ويليه الميثان الذي يقوم بدور الماء على الأرض، فهو يتبخر ثم يتكاثف على شكل قطرات، ويسقط على سطح تايتان، مشكلا بحيرات وأنهارا، ويرجح العلماء أن هذه المواد العضوية المتساقطة على السطح تمتزج مع الماء، منتجة مركبا جديدا يدعى "الثولين"، وهو يوفر الأحماض الأمينية، مما يرجح وجود حياة من نوعٍ ما منذ أزمان بعيدة.
"إنسيلادوس" قمر زحل الذي يحتمل أن يكون موئل الحياة مستقبلا
أثناء اقتراب كاسيني من زحل، نفذ العلماء تجارب التحليل الطيفي للصور بالأشعة فوق البنفسجية ليكتشفوا أن النظام كان مشبعا بجزيئات الأوكسيجين، وأن تركيزها الأكبر كان في مدار قمر إنسيلادوس، وهو بقطر 500 كم فقط، ويظهر ناصعا وبراقا، ويملك غلافا جويا ضعيفا عند قطبه الجنوبي فقط، ولدى الاقتراب أكثر تبين وجود ينابيع مائية فوارة، ومجموعة متكاملة من المركبات العضوية.
بدا إنسيلادوس الصغير أكثر تشويقا من تايتان، ويظهر أنه بحاجة لزيارة منفصلة من أجل دراسة صور الحياة هناك، وهذا يعطي ميزة خاصة للحلقة (إي) التي يدور فيها هذا القمر.
أمضت كاسيني 13 عاما في نظام زحل، وأكملت 294 دورة حوله، وقد نفد وقودها، ولهذا فقد اتفق العلماء على إنهاء خدمتها وهي تخترق الغلاف الجوي لزحل، وودعها العلماء والباحثون من غرفة المراقبة الأرضية بكثير من مشاعر الحزن والتأثر. فلقد أنجز هذا الروبوت الهائل مهمات عظيمة في دراسة الكوكب الذي يتباهى بجماله في الفضاء، إنه الكوكب الأجمل؛ كوكب زحل.
كوكب زحل -حلقاته -واقماره انسيلادوس و تيتان
https://doc.aljazeera.net/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%B2%D8%AD%D9%84-%D8%B3%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%83%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%B0%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%82%D8%A7/?fbclid=IwAR1wnEziB3vuYupMogDI0BADgGGNMG_MCkl-rW7ROrSRw5suKSma-vjGeVI