في مثل هذا الوقت من سبتمبر/أيلول عام 1979 أطيح بإمبراطور إفريقيا الوسطى السابق، جان بيدل بوكاسا، وعادت البلاد مرة أخرى إلى نظام الحكم الجمهوري بعد أن قضت سنوات طوال تحت سطوة هذا الرجل الذي ارتبط اسمه بالعديد من الحكايات الغريبة. فما هي قصته؟
كتب عنه مايك تومسون في بي بي سي واصفا اسمه بأنه كان لأكثر من ثلاثة عقود مرادفا لأسوأ التجاوزات التي يمكن أن يمارسها الحكام الطغاة الذين أفسدوا أفريقيا ما بعد الاستعمار.
ويتذكر التاريخ إلى حد كبير جان بيدل بوكاسا، أو الإمبراطور، بوكاسا الأول، عندما توج نفسه في عام 1977، كواحد من أكثر "الوحوش المتعطشة للدماء" في القارة، وعندما أطيح به في عام 1979عبرت الحشود المبتهجة عن كراهيتها تجاه تمثال ضخم لهذا الحاكم الذي كان يرأس جمهورية إفريقيا الوسطى (أو إمبراطورية إفريقيا الوسطى كما أعاد بوكاسا تسميتها) على مدار 14 عاما تقريبا كأنه "نيرون" العصر الحديث.
لكن بالنسبة إلى جان سيرغ بوكاسا، وهو واحد من بين العشرات من أبناء الإمبراطور، فإن التاريخ والحشود يخطؤون في تقييم مرحلة حكم الرجل، إذ يقول إن والده كان "وطنيا" وقد خدم بلاده جيدا ولطخ سمعته من أرادوا الإطاحة به.
وكان جان سيرغ في السابعة من عمره فقط عندما أُخرج على عجل من مدرسته الداخلية السويسرية بعد أن تدخل الفرنسيون للإطاحة بنظام بوكاسا بينما كان خارج البلاد في زيارة رسمية لليبيا.
وقد نُقل جان سيرغ وأفراد الأسرة الآخرين إلى المنفى في الغابون.
وقال جان سيرغ: "بدأنا نرى تقارير وصحفا تقول إن والدنا لم يعد في السلطة في جمهورية إفريقيا الوسطى".
وأضاف قائلا: "لقد اغتالته وسائل الإعلام، ووصفته بأنه آكل لحوم البشر وسفاح الأطفال".
وتابع قائلا: "هناك قول مأثور هنا يفيد بأنه عندما لا تحب كلبك، فإنك تعلن أنه مصاب بداء الكلب".
وهناك بالفعل العديد من القصص الرهيبة حول بوكاسا.
"قاطع الآذان"
اتُهم بوكاسا بأنه آكل للحوم البشر، ونقل عنه منتقدوه أنه يأكل أجزاء من أجساد معارضيه، وهي تلك الأجزاء التي لم يطعمها للأسود والتماسيح في حديقة حيواناته الشخصية.
كما عوقب في عهده اللصوص بقطع آذانهم.
وخلال معظم فترة حكمه، تمتع بوكاسا بدعم من فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، التي خدم في جيشها لأكثر من 20 عاما.
وفي عام 1966 تولى بوكاسا، رئيس أركان جيش جمهورية أفريقيا الوسطى حينئذ، السلطة في انقلاب أطاح بالرئيس ديفيد داكو، الذي أعاد الفرنسيون تنصيبه لاحقا.
انحسار الدعم
تمتع بوكاسا بعلاقات وثيقة بشكل خاص مع الرئيس الفرنسي السابق فاليري غيسكار ديستان.
بل ذهب الأخير إلى حد التصريح بأنه يعد بوكاسا "صديقا وأحد أفراد العائلة".
جمهورية أفريقيا الوسطى ترد الاعتبار لزعيمها السابق بوكاسا
ولكن بحلول عام 1979، انحسر الدعم الفرنسي عن بوكاسا.
وربما كانت القشة الأخيرة هي المذبحة التي قُتل فيها حوالي 100 طفل ومراهق بسبب احتجاجهم على إعلان بوكاسا بأنه سيتعين عليهم ارتداء زي موحد باهظ الثمن بيع قط من قبل شركة تابعة لإحدى زوجاته الـ 17.
ووفقا لتقرير لمنظمة العفو الدولية، كان بوكاسا متورطا بشكل شخصي في بعض عمليات القتل.
الإسراف "المتوحش"
يقول جان سيرغ: "بصفتي ابنا، لدي العديد من الذكريات الدافئة، لقد كان أبي حنونا للغاية، فقد كان يحب الأطفال، لقد أحب الأطفال كثيرا. ولهذا السبب كان لديه حوالي 50 طفلا".
هناك ادعاء آخر ضد بوكاسا يصعب الطعن فيه وهو الإسراف الذي كان سمة مميزة لحكمه.
عندما لم يعد لقب الرئيس مدى الحياة كافيا، قرر أن يجعل نفسه إمبراطورا، وأنفق عشرات الملايين من الدولارات من الأموال العامة لتنظيم حفل تتويج فخم ومضحك لنفسه في العاصمة بانغي.
وكان يرتدي أزياء على غرار نابليون، وركب عربة محاطة بجنود يرتدون زي الفرسان الفرنسيين في القرن التاسع عشر.
الحكم بالسجن
بعد خلعه، سمح لبوكاسا والعديد من أبنائه بالاستمتاع بمنفى مريح في قصر بإحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس.
لكن في عام 1986 قرر العودة إلى وطنه رغم أن محكمة في أفريقيا الوسطى كانت قد حكمت عليه غيابيا بالإعدام، ولكن خفف الحكم فيما بعد إلى عقوبة السجن.
وقد أطلق سراح بوكاسا في نهاية المطاف في عام 1993، وتوفي بعد 3 سنوات جراء نوبة قلبية عن عمر يناهز 75 عاما.
رد الاعتبار
وفي عام 2010 صدر مرسوم رئاسي في جمهورية أفريقيا الوسطى يرد الاعتبار رسميا لبوكاسا.
وأصدر الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي هذا المرسوم في سياق إحياء البلاد للذكرى الخمسين لاستقلالها، ليعيد لبوكاسا "كل حقوقه".
وقال بوزيزي، الذي وصل إلى الحكم أيضا عبر انقلاب قاده عام 2003، إن زعيمه السابق "قدم الكثير إلى الإنسانية".
وقال إن بوكاسا "إبن الأمة، وقد اشتهر كأحد كبار البناة".
وأضاف بوزيزي وهو يقلد أرملة بوكاسا كاترين وسام الشرف : "لقد شيد بلدا لكننا هدمنا ما بناه".
وجاء في المرسوم: "إن إعادة الاعتبار تمحو الأحكام الجنائية الصادرة في حق بوكاسا".
مواضيع ذات صلة
كتب عنه مايك تومسون في بي بي سي واصفا اسمه بأنه كان لأكثر من ثلاثة عقود مرادفا لأسوأ التجاوزات التي يمكن أن يمارسها الحكام الطغاة الذين أفسدوا أفريقيا ما بعد الاستعمار.
ويتذكر التاريخ إلى حد كبير جان بيدل بوكاسا، أو الإمبراطور، بوكاسا الأول، عندما توج نفسه في عام 1977، كواحد من أكثر "الوحوش المتعطشة للدماء" في القارة، وعندما أطيح به في عام 1979عبرت الحشود المبتهجة عن كراهيتها تجاه تمثال ضخم لهذا الحاكم الذي كان يرأس جمهورية إفريقيا الوسطى (أو إمبراطورية إفريقيا الوسطى كما أعاد بوكاسا تسميتها) على مدار 14 عاما تقريبا كأنه "نيرون" العصر الحديث.
لكن بالنسبة إلى جان سيرغ بوكاسا، وهو واحد من بين العشرات من أبناء الإمبراطور، فإن التاريخ والحشود يخطؤون في تقييم مرحلة حكم الرجل، إذ يقول إن والده كان "وطنيا" وقد خدم بلاده جيدا ولطخ سمعته من أرادوا الإطاحة به.
وكان جان سيرغ في السابعة من عمره فقط عندما أُخرج على عجل من مدرسته الداخلية السويسرية بعد أن تدخل الفرنسيون للإطاحة بنظام بوكاسا بينما كان خارج البلاد في زيارة رسمية لليبيا.
وقد نُقل جان سيرغ وأفراد الأسرة الآخرين إلى المنفى في الغابون.
وقال جان سيرغ: "بدأنا نرى تقارير وصحفا تقول إن والدنا لم يعد في السلطة في جمهورية إفريقيا الوسطى".
وأضاف قائلا: "لقد اغتالته وسائل الإعلام، ووصفته بأنه آكل لحوم البشر وسفاح الأطفال".
وتابع قائلا: "هناك قول مأثور هنا يفيد بأنه عندما لا تحب كلبك، فإنك تعلن أنه مصاب بداء الكلب".
وهناك بالفعل العديد من القصص الرهيبة حول بوكاسا.
"قاطع الآذان"
اتُهم بوكاسا بأنه آكل للحوم البشر، ونقل عنه منتقدوه أنه يأكل أجزاء من أجساد معارضيه، وهي تلك الأجزاء التي لم يطعمها للأسود والتماسيح في حديقة حيواناته الشخصية.
كما عوقب في عهده اللصوص بقطع آذانهم.
وخلال معظم فترة حكمه، تمتع بوكاسا بدعم من فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، التي خدم في جيشها لأكثر من 20 عاما.
وفي عام 1966 تولى بوكاسا، رئيس أركان جيش جمهورية أفريقيا الوسطى حينئذ، السلطة في انقلاب أطاح بالرئيس ديفيد داكو، الذي أعاد الفرنسيون تنصيبه لاحقا.
انحسار الدعم
تمتع بوكاسا بعلاقات وثيقة بشكل خاص مع الرئيس الفرنسي السابق فاليري غيسكار ديستان.
بل ذهب الأخير إلى حد التصريح بأنه يعد بوكاسا "صديقا وأحد أفراد العائلة".
جمهورية أفريقيا الوسطى ترد الاعتبار لزعيمها السابق بوكاسا
ولكن بحلول عام 1979، انحسر الدعم الفرنسي عن بوكاسا.
وربما كانت القشة الأخيرة هي المذبحة التي قُتل فيها حوالي 100 طفل ومراهق بسبب احتجاجهم على إعلان بوكاسا بأنه سيتعين عليهم ارتداء زي موحد باهظ الثمن بيع قط من قبل شركة تابعة لإحدى زوجاته الـ 17.
ووفقا لتقرير لمنظمة العفو الدولية، كان بوكاسا متورطا بشكل شخصي في بعض عمليات القتل.
الإسراف "المتوحش"
يقول جان سيرغ: "بصفتي ابنا، لدي العديد من الذكريات الدافئة، لقد كان أبي حنونا للغاية، فقد كان يحب الأطفال، لقد أحب الأطفال كثيرا. ولهذا السبب كان لديه حوالي 50 طفلا".
هناك ادعاء آخر ضد بوكاسا يصعب الطعن فيه وهو الإسراف الذي كان سمة مميزة لحكمه.
عندما لم يعد لقب الرئيس مدى الحياة كافيا، قرر أن يجعل نفسه إمبراطورا، وأنفق عشرات الملايين من الدولارات من الأموال العامة لتنظيم حفل تتويج فخم ومضحك لنفسه في العاصمة بانغي.
وكان يرتدي أزياء على غرار نابليون، وركب عربة محاطة بجنود يرتدون زي الفرسان الفرنسيين في القرن التاسع عشر.
الحكم بالسجن
بعد خلعه، سمح لبوكاسا والعديد من أبنائه بالاستمتاع بمنفى مريح في قصر بإحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس.
لكن في عام 1986 قرر العودة إلى وطنه رغم أن محكمة في أفريقيا الوسطى كانت قد حكمت عليه غيابيا بالإعدام، ولكن خفف الحكم فيما بعد إلى عقوبة السجن.
وقد أطلق سراح بوكاسا في نهاية المطاف في عام 1993، وتوفي بعد 3 سنوات جراء نوبة قلبية عن عمر يناهز 75 عاما.
رد الاعتبار
وفي عام 2010 صدر مرسوم رئاسي في جمهورية أفريقيا الوسطى يرد الاعتبار رسميا لبوكاسا.
وأصدر الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي هذا المرسوم في سياق إحياء البلاد للذكرى الخمسين لاستقلالها، ليعيد لبوكاسا "كل حقوقه".
وقال بوزيزي، الذي وصل إلى الحكم أيضا عبر انقلاب قاده عام 2003، إن زعيمه السابق "قدم الكثير إلى الإنسانية".
وقال إن بوكاسا "إبن الأمة، وقد اشتهر كأحد كبار البناة".
وأضاف بوزيزي وهو يقلد أرملة بوكاسا كاترين وسام الشرف : "لقد شيد بلدا لكننا هدمنا ما بناه".
وجاء في المرسوم: "إن إعادة الاعتبار تمحو الأحكام الجنائية الصادرة في حق بوكاسا".
مواضيع ذات صلة