الأمازيغية لغة مُوَّحِّدة ومكانها طبيعي في الدستور
يُزايد البعض هذه الأيام في موضوع اللغة ويأخذ الأمازيغية منطلقا أو هدفا لصوغ مغالطات كبيرة، إلى درجة تقديم سيناريوهات كارثية عن مستقبل الوحدة الوطنية والجزائر، بل وشمال إفريقيا كله. في حين يُبيِّن التحليل الموضوعي أن دسترة الأمازيغية هو عكس ذلك تماما، إنما يُعزِّز الوحدة الوطنية، ويَفتح الباب واسعا أمام نزع فتيل النزاعات من كل الشمال الافريقي، بل ويُعزِّز مكانة الإسلام واللغة العربية في هذه المنطقة، ويُرسي قاعدة متينة لوحدة شعوبها وتكتُّلها مرة أخرى في نطاق دولة موحدين جديدة، إن شاء الله، كما صنعها أجدادُنا، الأمازيغ والعرب.
لتأكيد هذه الفرضية اخترت من خلال تطبيق constituteproject.org، 155 دستورا من مختلف القارات، انطلاقا من مؤشر اللغات الرسمية والوطنية. وخرجت بالنتائج التالية:
1ـ هناك 35 دولة من مجموعة هذه الدول تقول باللغة الواحدة، دون الإشارة إلى اللغات المحلية أو الأصلية.
2ـ هناك 29 دولة تقول باللغة الواحدة إلى جانب الاهتمام باللغات المحلية.
2ـ هناك 34 دولة تأخذ بمبدأ اللغتين.
3ـ هناك 15 دولة تقول بثلاث وأربع لغات.
05ـ هناك 11 دولة تقول بعددٍ من اللغات يتراوح بين 05 و37 لغة وطنية ورسمية في الدولة الواحدة!
06ـ هناك 05 دول تأخذ بلغةٍ أجنبية واحدة دون لغاتها الوطنية ودون الإشارة إليها.
07ـ هناك 08 دول تأخذ بلغةٍ أجنبية واحدة مع الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بلغاتها الوطنية في المستقبل.
باقي الدول دساتيرها مازالت مسودّات.
الملفت للانتباه للوهلة الأولى ما يلي:
أولا: أن لا علاقة مباشرة وآلية بين الاستقرار واللغة. دولتان عربيتان ينص دستورُهما على اللغة الواحدة هما في حربين أهليتين، وعلى وشك الانقسام طبعا لأسبابٍ أخرى (سورية واليمن)، ودولة تعترف بأكثر من 33 لغة رسمية (بوليفيا)، وأخرى بـ11 لغة رسمية (جنوب افريقيا) تعرفان استقرارا.
ـ ثانيا: أن الدول التي اعتمدت في دساتيرها لغة حية (كما يقال) وحيدة وتخلت عن لغاتها الأمّ لم تتقدم. الفرنسية لغة وحيدة رسمية لثلاث دول افريقية (البنين، مالي، طوغو)، واللغة الانجليزية لدولتين (سيراليون، زامبيا) مازالت جميعا دولا متخلفة وتعاني.
ـ ثالثا: الدول وحيدة اللغة ليست بالضرورة متقدّمة أو مستقرة (44 دولة من أصل 55 دولة تعتمد لغة واحدة هي متخلفة اقتصاديا وغير مستقرة).
ـ رابعا: دولٌ صغيرة بـ04 لغات رسمية هي نموذج للاستقرار والتقدم (سنغافورة، سويسرا).
ـ خامسا: أكثر من دولة ذات لغة رسمية واحدة لم تعرف اتحادا (فرنسا وموناكو)، أو هي في حرب مع بعضها البعض (اليمن، السعودية، الإمارات).
لعل هذا يكفي في هذه العجالة للقول إنه ينبغي عدم تهويل مسألة اعتماد اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية في الدستور الجزائري، وبناء سيناريوهات كارثية انطلاقا منها.
إن أفضل سيناريو للوحدة الوطنية، وللتقدُّم، وللاستقرار، لا تصنعه أو تزيله اللغة وحدها. إن المسألة لها علاقة بالقدرة على إيجاد تكامل بين مختلف مكونات الأمة المعنوية والمادية، وليس خلق النزاعات بينها. إننا في حاجة اليوم إلى معرفة كيف نتّحد لا كيف نختلف، ما نتفق فيه لا ما نختلف عليه. كيف نبني بلادنا بصدق وصبر وثبات، لا كيف نساير مَن يسعى إلى تحطيمه.
لقد كتبتُ ذات مرة في مساحة أمل هذه مقالا بعنوان: “العربية لغة القرآن.. والأمازيغية لغة أهل القرآن” (صدر في الطبعة الورقية)، هل يكفي هذا الإيحاء، لِنعرف أنهما يستحقان بحق مكانهما في دستور الجزائر؟