في المسألة الأمازيغية 
تتأتى أهمية كتابات « محمد حربي » التاريخية من كونها تصدر عن خبرة مباشرة، عاشها المؤلف أيام كان عضوآ في حزب الشعب الجزائري، وحزب حركات انتصار الحريات الديمقراطية، وأمينا لرابطة طلاب شمال افريقيا، ومديرا لمكتب وزير القوات المسلحة (1959 - 1960)، وسفيرا للحكومة المؤقتة في غينيا، وسكرتيرا عاما لوزارة الخارجية، ثم مستشارا لرئيس أحمد بن بلة (1963-1964)، هذه الخبرة المباشرة تمنح لكتابة التاريخية قدرا من الصداقية والموضوعية اللتين لا يمكن من دونها المساهمة في كتابة تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية، لتقديم صورة صادقة للأجيال الجديدة المتعطشة إلى معرفة تاريخ ثورتها بإيجابياته وسلبياته.

في المسألة البربرية    8143

يضطلع هذا الكتاب منذ البداية بمهمة تتبع الخلافات التي سادت نشاطات الأحزاب السياسية الجزائرية وتياراتها الثقافية والدينية، منذ الثلاثينات من هذا القرن حتى نهاية ثورة أول تشرين الثاني / نوفمبر 1954 عام 1962، دون أن يتملص من مهمة دراسة واقع ما بعد الاستقلال. تبعا لذلك، نجد الكتاب يركز على المحاور التالية :
1- الأزمة البربرية من عام 1945 الى عام 1949، وتطوراتها فترة ما بعد الاستقلال.
2- مواقف الأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية والدينية من انطلاقة ثورة أول تشرين الثاني /نوفمبر 1954.
3- تحليل أزمة حرب الخلافة على الحكم مباشرة بعد الاستقلال، ودور هيئة أركان الحرب فيها، ومصير الحكومة المؤقتة.
4- تفكيك ونقد بنية المجتمع الجزائري المعاصر.
  إن تلخيص ومناقشة كل فصول هذا الكتاب الضخم (361 صفحة) بكل حيثياته، أمر يتطلب أكثر من وقفة، ويقتضي العودة المباشرة الى شهادات قدماء المجاهدين الجزائريين التي لا يزال أغلبها بين أيدي السلطات الفرنسية.
أما النزر القليل الموجود عند بعض قادة الثورة الاحياء. فإن هؤلاء يرون ان المناخ العام لم ينضج بعد لنشره، علما ان أجهزة الاعلام الرسمية من الصعب تصور اقدامها على نشر تلك الوثائق، لأن بعضها سيمس من قريب أو بعيد عناصر موجودة في مواقع المسؤوليات السياسية والتنفيذية.
  بناء على ما تقدم،تصبح عملية مناقشة الفصول المركزية من الكتاب أكثر جدوى، نظرا لاستمرارها كحالات سياسية تمارس الضغوط من حين إلى آخر على حاضر الجزائر، وتؤثر على صناعة القرار السياسي وتطبيقاته على واقعها الداخلي، وعلاقاتها بالمحيط الخارجي. مما لاشك فيه، ان القضية الأمازيغية وبنية مجتمع ما بعد الاستقلال الوطني تعد من المحاور الجديرة بالتأمل والنقد، انطلاقا من الخلفية التاريخية والواقع الجديد، ومرورا بأطروحات «محمد حربي ».
  نستهل مناقشة الكتاب بسرد عناصر تفكير «محمد حربي» المتعلقة بالقضية البربرية، التي نأمل بأن تجد لنفسها حلولا وطنية وقومية وطنية ديمقراطية
  يعيد «محمد حربي» بدايات نشوء النزعة البربرية في الجزائر إلى فجر الثلاثينات من هذا القرن مؤكد بأن « المزاب والقبائل لايمكن نكران فرادتهما ».أما مرجعية شعور البربر بهذه الخصوصية فيرجعه الى عوامل يشرحها « محمد حربي » كالاتي:
  » إن المنطقة الريفية البربرية المتوقعة في موقف دفاعي ومنغلق على ذاته [و] هجرة الكثير من فلاحي وعمال هذه المنطقة الى فرنسا، ووجود أدب شفوي شديد الحيوية، واعتراف الحزب الشيوعي الجزائري بالفرادة البربرية، إضافة إلى الصراعات التي نشبت بين الزعيم « مصالي الحاج » ومنافسيه البربر أثناء الانتخابات منذ عام 1936، إلى جانب القرار الصادر من قبل قيادة حزب الشعب الجزائري القاضي بقتل المرشحين البربر ».
  وهي في مجموعها تشكل العوامل الاساسية التي أدت إلى بلورة النزعة البربرية في نظر المؤلف « محمد حربي »، وساهمت بالتالي في تضخيم شعور البربر بخصوصيتهم التي انقلبت بعد الاستقلال إلى حركة سياسية تلبس قناع الثقافة.
في الصفحتين 163 و 164، نجد المؤلف يتحدث عن دور فرنسا في نشوء هذه النزعة بإيجاز ملحوظ، ثم لا يلبث ان يجهر بأسبقية النزعة البربرية على الاحتلال الفرنسي، مبرزا أن:
« التعارض موجود حقا بين البربر والعرب [وهو] معطى حقيقي للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية الجزائرية ».
ولكي يضعف من حدة استخدام مصطلح التعارض، لجأ إلى مقارنة وضعية الجزائر بوضعية المجتمع الفرنسي، الذي يتضمن مجموعة من التعارضات اللغوية وتباين الأصول ازلبشرية للشعب الفرنسي كحال سكان « الالزاس » و « البروطون ». ويفسر « محمد حربي » مؤتمر الصومام على انه انقلاب قبائلي « بربري »، وبتعبير آخر فهو ينظر اليه على انه جولة من جولات الصراع بين البربر والعرب، وليس نقلة وطنية نوعية في عمر ثورة أول تشرين الثاني /نوفمبر 1954، في صراعها ضد المستعمر الفرنسي كما كانت حقا.
وفي صحفة 18 من الكتاب نفسه، سجل « حربي » تقدما في اقتراح حل للقضية ويقول:
« إن العروبة - الاسلام تقدم رؤية توحيدية لواقع متنوع إلى أبعد الحدود ».

في المسألة البربرية    7168

إن الملاحظة الجديرة بالتسجيل مجرد هنا هي، أن « العروبة - الاسلام » ليست مجرد منهج ورؤية مثلما يعتقد « محمد حربي ». فا لاسلام في الجزائر ليس مجرد طريقة في النظر إلى الحياة والكون، والتعامل معها انما هو جزء لا يتجزأ من الأحاسيس والعادات والأعراف والتقاليد، وبمعنى آخر، فهو النسيج الداخلي للشخصية الوطنية رغم التنوع اللغوي. إن اطروحات « حربي » بخصوص المسألة البربرية تمس قضية تستحق النقاش المسؤول، لجديتها وحضورها في مسار التجربة الجزائرية قبل الاستقلال وبعده. وقبل تحليل آراء « محمد حربي » وتحليل مضمون التيار البربري، نرى لزاما ان نبدأ في وضع أرضية نظرية موضوعية تصلح لمعالجة مثل هذه القضايا الحساسة على صعيدي الفكر والممارسة. ومعطيات التاريخ المعاصر تقدم لنا أكثر من نموذج، استطاع بشكل أو بآخر أن يحل مشكل التباين اللغوي والعرقي داخل مجتمع واحد. وهكذا نجد امامنا الحل السوفياتي الذي تم على أساس الماركسية اللينينية، والحل الانكليزي الذي هو ثمرة الليبيرالية.
هذه النماذج الوحدوية لم تلغ الوحدة لديها التباين اللغوي، ولم تنكر الاختلاف العرقي في حال وجوده. كما ان الحل لم يؤد إلى إلغاء اللغة المشتركة الاكثر تطورا وقابلية لمسايرة العصر والمشاركة في ابداع الحضارة وتجربة « لينين » التي وجدت عشرات القوميات واللغات، تعني فيما تعني ان الفكر الاشتراكي افرز اخلاقا جديدة أدت الى تجاوز الأنانية، والعزلة، والمنطق الجغرافي، ولون البشرة.
إن هذين النموذجين السابقين يستحقان ان يدرسا كتجارب متميزة ليس لتقليدهما،إنما للاستفادة من الروح التي ساعدتها على تحقيق النجاحات في حل مشكلة التنوع اللغوي في الجزائر، ولا أقول التباين أو التعارض اللغوي مثلما اصطلح عليه « محمد حربي » .فدراسة قضية التنوع اللغوي والحضاري في الوطن العربي. وعلى نحو خاصذتونس والمغرب الأقصى وليبياد،لان الوجود البربري في الجزائر فقط دون واقع مشترك. ومناقشة المسألة على هذا النحو تخرجنا من اطار التفكير الانعزالي والممارسة العنصرية، إلى مجال البحث الثقافي والحضاري العميقين، بعيدا عن أي منطق عرقي متخلف يتضمن العنصرية والحقد. فمن الجميل ان نمارس البحث في ثقافاتنا واشكالها الغوية المتنوعة لا لكي نصنع جزرا، بل لكي نضيف احاسيس جديدة، ومعاني جديدة إلى حياتنا وعلاقاتنا بالعصر. إن تنشيط البحث اللغوي، مع الأسف، أصبح يستهدف كيانات تطمح إلى الانفصال إما السياسي - الجغرافي، أو الحضاري. ولعل نزعة « الزنوجة » في افريقيا أوضح دليل على ذلك. فالزنوجة نزعة عرقية غذاها المستعمر، وبالاخص المبشرون الأوروبيون كبديل للديانة الاسلامية فيهاد.وحصر هؤلاء نشاطهم في محاولة البحث عن صلات الزنوجة بالديانة المسيحية وتناقضها مع الديانة الاسلامية. فالفكرة في الأساس لدى هؤلاء المبشرين ليست حضارية بل استعمارية، والدليل على ذلك ان الغرب لم يسمح لافريقيا ان تتولى أمورها بنفسها طوال مئات السنين.
  نعود إلى الجزائر، فنرى ان النقطة المحورية في نقاشنا لأراء « محمد حربي » ، تتلخص في ان الاصوال العرقية للبربر يبت فيها على نحو قاطع حتى وقتنا الحاضر، سواء علم الانثروبولوجيا، أم علم الاحياء، أم علم الاركيولوجيا. وهكذا تظل تقديرات ومحاولات بعض المؤرخين العرب والغربيين مجرد محاولات تعوزها المصداقية العلمية، مما يجعل أغلبها يسقط في عملية البحث عن الواقع داخل الاسطورة من الأول على هذا الكوكب؟ أعتقد ان امنهج الحضاري هو أكثر المناهج علمية وملاءمة لدراسة التطور التاريخي الحضاري للشعب الجزائري، وأكثر قدرة على خدمة أغراض الوحدة والبناء والتطور. وأنا أتفق تماما مع « محمد حربي » بأن « العروبة - الاسلام »، تقرم رؤية توحيدية لهذه المسألة، مع التوضيح ان « العروبة - الاسلام »  تعني الحضارة العربية الاسلامية في حوارها الانساني الخلاق مع الحضارات الأخرى في أوروبا واسيا وافريقيا وغيرها من القارات، ولا تعني « العرقية »
،لان العرقية قيد جديد يهديه المستعمر دائما للشعوب كي تقيد خطاها، لتستمرىء الدوران حول نفسها المنغلقة بدلا من الدوران حول أفق الحضارة الانسانية.
  من هذه الزاوية، فإن « العروبة - الاسلام » في الجزائر، مثلا، لا تعني اهمال أو تهميش حقوق البربر اللغوية والثقافية والسياسية والاجتماعية. وإن الصيغة التوحيدية تتضح أكثر في بناء تركيبة ثقافية عصرية منفتحة على منجزات المدنية المعاصرة، ومفهوم التركيبة هنا يعني توحيد التنوع وتشجيع نمو قسمائه الاكثر من منزلفات انتهازية، تلك التي تكرس العدد اللغوي لخدمة اغراض البحث عن مكان في السلطة. ففي الساحة الجزائرية توجد مجموعة من التيارات، وكل تيار له قناعاته بهذه المسألة. هناك تيار المعربين، وتيار الفرانكوفونيين، وتيار البربر، وتيار الاخوان.
  فتيار المعربين رغم وجود عناصر وطنية بداخله، إلا ان بعض المتزمتين فيه يعادون تعدد المشارب الثقافية بغض النظر عن محتواها، ويعللون هذا الموقف بأن هذا التعدد سيؤدي إلى بعثرة المواقف السياسية والعقائدية ويعطل حركة تعريب البلاد. وفي الغالب، فإن معظم هؤلاء يحثلون مناصب متميزة في الحزب أو الوسائل الاعلامية، وتوجت معاملتهم للتعدد اللغوي الوطني بجملة من المناوشات والتصرفات غير اللائقة.


بث مباشر بعد قليل حول الأزمة البربرية 1949

وهكذا يقدم لنا تحليل الوضعية بهدوء من الأسباب التي شجعت ظهور انعزالية بعض الأجنحة داخل التيار البربري، وتزمت وانغلاق جناح آخر داخل تيار المعربين، وانحراف التيار الفرانكوفوني، وتخلف تيار الاخوان المسلمين وتبعيته للخارج. وهذه الوضعيات لم يحللها « محمد حربي » بالشكل الكافي الذي يعطي صورة للقارىء عن التيارات الثقافية الجزائرية المعاصرة.
  في البداية، يليق بنا ان نعترف بأن التناقضات التي حصلت في الثلاثينات والأربعينات هي من افراز عناصر يمكن الاصطلاح عليها بأنها تمثل البرجوازية الصغيرة الرثة، التي اتقلت من الحياة الفلاحية الريفية الصغيرة إلى المدن الكبرى في الجزائر وفرنسا، حيث وجدت نفسها داخلد» برستيج » مختلف، بعدما أصبحوا عمالا في المصانع، ومصالح الخدمات الاجتماعية، مما غير أوضاعهم الاقتصادية، وغير مشاغلهم الفكرية. فنحن لا نجد صراعا تاريخيا بين العرب والبربر ممثلا في جماهير الفلاحين والعمال البسطاء البربر والعرب الذين يشكلون الأغلبة في تلك الفترة وحتى الان.
  وهكذا نجد أن حظ فرنسا في تكريس صورة البربر - العرب لعب دورا رئيسيا في تنشيط وتطوير الفكرة البربرية السلبية، مما يجعلنا نتأكد بأن تاريخ هذا الصراعدداخل الأحزاب قبل الاستقلال، وخارج وداخل حزب جبهة التحرير الوطني، وداخل وخارج التيارات الثقافية والسياسية الأخرى هو تاريخ الاستعمار نفسه. إنز» محمد حربي »دلم يشر إلى دور فرنسا في تطوير النزعة البربرية إلا في سطر واحد معتبرا إياها قدرا ذاتيا. وموقفه هذا يدعمه ويسبقه موقف كاتب ياسين الروائي الجزائري الشهير، ويدعمه أيضا الروائي مولود معمري، الذي كرس حياته السياسية والثقافية لخدمة التيار البربري من موقع الجامعة الجزائرية، ومن موقع فرنسا، مع فارق أن « مولود معمري » حاول عمليا تدوين الحروف البربرية، وقام بجمع أشعار الشاعر البربري « سي مهند أو مهند » وترجمها إلى الفرنسية كتكملة للبدايات الأولى التي دشنها الروائي الجزائري « مولود فرعون ». إن اطروحاتد» محمد حربي » لم تجئ من فراغ، انما هي تفسير مختصر جدا لتراكم من المواقف والمارسات في الماضي والحاضر، لجماعات بعضها انعزالي، وقليلها مهموم بالثقافة الوطنية وتاريخها، وكيفيات تطوير آفاقها.
  يحدد « محمد حربي » سبب الصراع الجوهري بأزمة عام 1945 التي تحدثنا عنها وعن بعض العناصر الأخرى سابقا، لكنه لم يحدد القناعات الايديولوجية وبرامج عمل كل طرف. لانه من المستبعد أن يصل التناقضدإلى الذروة بسبب ان هذا بربري وذاك عربي، وان يحصر في الفروق اللغوية او الاعتقاد في تباين الاصول العرقية. إن هذا الجانب من اطروحة محمد حربي غير واضح وغير مدعم بالشواهد والوثائق المقنعة. أما الاسباب التي غذت هذا الصراع في فترة ما بعد الاستقلال فلم يضئها « حربي » كما ينبغي، بل مر عليها مرورا سريعا وسطحيا.
  إن تطور المشكل في مرحلة الرئيس الراحل « هواري بومدين »، بعد الهجوم العسكري على تيزي وزو ( منطقة القبائل - البربر )  في عهد الرئيس أجمد بن بلة (1963) انطلق من الجامعة حيث ولدت أغلبية التيارات السياسية - الدينية - الثقافية الجزائرية كالبربر، والمعربين، والفرانكوفيين، والاخوان المسلمين، تلك التيارات التي كانت لها امتدادات داخل الادارات والمؤسسات العمومية المختلفة.
غير ان تطور المشكل بقي يتوازى مع تركيبة الدولة المتكونة من البربر والعرب، على نحو يوحي بوحدة القادة السياسية والاتفاق على تجاوز الهامشيات، إلى أفق بناء أسس الدولة وتغيير الحياة في الريف والمدينة بواسطة تصنيع البلاد، وديمقراطية التعليم، والطب المجاني، والثورة الزراعية. فالرئيس الراحل « بومدين » كان يعتقد ان بناء الأسس المادية وتطبيق برنامجه التعليمي والطبي وغيرهما كفيل بامتصاص التباينات الايديولوجية واللغوية. لكن هذه الفرضية لم تنجح لأسباب كثيرة منها، ان الاختيار الاشتراكي المفترح عرقلته طموحات الخصوصية الوطنية غير الواضحة، والبيروقراطيو الكمرادورية، وضعف كادرات الحزب، وترك الثقافة من دون أي تطوير أو معالجة حقيقية، وعدم وضوح الايديولوجية التي لم تكن قومية عربية اشتراكية، أو ماركسية لينينية، أو ليبرالية غربية. ويمكن القول إن الوضعية نفسها لا تزال قائمة في الوقت الحاضر، رغم محاولات السلطة لمعالجة القضية البربرية بأشكال مختلفة، كالاعتراف بالثقافة البربرية في ملف السياسة الثقافية، والميثاق الوطتي الجديد، وخطب الرئيسى الشاذلي بن جديد.
  لكن المشكلة البربرية سوف تبقى مطروحة ما دامت الحياة الاقتصادية متدهورة، وما دامت حرية التعبير غير متوافرة، وما دامت الايديولوجية غامضة، وما دام التفاوت الطبقي قائما والمحسوبية تضرب أطنابها. من هذه الزاوية، يمكن القول بأن بروز التيارات السياسية والدينية والثقافية، ومنها التيار البربري، يعود إلى فشل الكثير من المشاريعز،وتجميد الوعود، وإعادة القطاع الخاص إلى الحياة الاقتصادية، ليؤثر فيما بعد في الحياة السياسية على نحو شديد ان لم نقل على نحو مطلق. إن استمرار المشكل البربري يعني استمرار عدم تطبيق ايديولوجية ثورية، وقوانين تعامل الجميع على حد  سواء.
أي انه من الصعب عزل المشكل البربري عن قضايا التنمية الشاملة، وعن حرية التعبير المسؤلة، والارتباط المصيري بالوطن العربي، ولا يمكن فهمه فهما خلاقا خارج نطاق الوحدة العربية التي تقوم على أساس احترام التنوع اللغوي والوحدة الايديولوجية والاقتصادية والعسكرية.
  يرى « محمد حربي » ان اخفاق تجربة التنمية الجزائرية يعود إلى عوامل تتمثل في وجود الجيش على رأس السلطة، وتحكم البيروقراطية في تنفيذ القرارت، وضعف الحزب وتبعيته للحكومة، وشكلية الحركة النقابية، والخلط بين الثقافة والدين، مما أدى إلى التفسير الديني للتاريخ الوطني، وترويض الشباب بالخدمة الوطنية، وترقية الموالين منهم على نحو لا يستحقونه. ويؤكد ان النظام الجزائري ليس اشتراكيا، أنما هو نظام بيروقراطي رأسمالي. قد نختلف مع تأويلات « محمد حربي » وقد نتفق مع القليل منها، لكن المشكل لا ينبغي حصره في الحاضر. أعتقد ان انحراف كثيرين من قادة ثورة أول تشرين الثاني /نوفمبر بعد الاستقلال، ودخولهم في صراعات على السلطة من دون تحديد مضمون السلطة نفسها وفلسفتها داخليا وخارجيا، واستيلاء بعضهم على المتاجر والمعامل الصغيرة، والمزارع التي تركها الفرنسيون واتباعهم من الجزائريين الذين فروا إلى فرنسا الأم، تعد من بين الاسباب التي خلقت الوضعية التي أشار إليها « محمد حربي ». أما مسألة الثقافة والدين، فمعاملتها ينبغي ان تكون عقلانية حتى لا نسقط في المراهقة اليسارية.
  إن الدين الاسلامي في الجزائر ليس شعارات أو طقوسا وهميمة، أنما هو جزء من حضارة الشعب، وجزء من تقاليده، وفلسفته في الحياة على وجه العموم. وفصل الدين عن الدولة في الجزائر أمر لايمكن ان يتم بقرار سياسي، مثلما توحي كتابات « محمد حربي ».فالجزائر - في اعتقادي - يمكن ان ينطبق عليها قول قائل بأن الاسلام عربها، أي اعطاها مضمونا حضاريا عربيا اسلاميا محافظا على تراثها الثقافي البربري. من هنا، تتأتي قوة الاسلام في الجزائر واستمراره كمقوم في الحياة الشعبية. فالاتحاد السوفياتي، مثلا، الذي فصل الدين والدولة، أصبح ينظر إلى الدين حاليا نظرة اخرى تتسم بالاحترام وفتح مجال الحرية. أريد ان أقول بأن الدين الاسلامي في الجزائر هو ثقافة وناظم للعلاقات بين الأفراد. إذا، كيف نحل مشكل الدين؟  ان الطريق الحقيقي هو محاربة التيارات التي تستخدم الدين لأغراض شخصية، أو لأغراض لا علاقة لها بالتقدم، تلك التي تحرف الدين الاسلامي عن وجهته الحقيقية، وتفرغه من ثوريته.
  في الكتاب اشارة سريعة إلى عدم اشتراكية الجزائر. ويمكن القول عن المجتمع الجزائري بأنه في حالة البحث عن نفسه ايديولوجيا، وتستغل ذلك عناصر من اليمين لتشكك في بعض المكاسب الاجتماعية التي تحققت. لكن هذه المكاسب لاتنسينا القول بأنها نتاج عملية البناء الوطني، وليست نتاج تطبيق الاشتراكية العلمية. إدا، فإن ما تم من تحويل اجتماعي أو تعليمي أو صناعي لا يتجاوز الاصلاح والترميم، مما أسفر عن اخطاء كثيرة يبدو ان اخطرها يكمن في إعادة القطاع الخاص إلى الحياة الاقتصادية، ومجاراة بعض التيارات التي تشكك في عروبة الجزائر، ومحاولتها لفرض رؤية خاصة للمشكلات العربية كالنظر إلى هذه المنطقة على أساس جغرافي، وليس على أساس حضاري لنا معه أكثر من صلة وصل. تلك هي بعض النقاط التي أثارها هذا الكتاب القيم، الذي حاول ان يساهم في كتابة تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية التي لا تزال في خطواتها الأولى.
......................................................
منازل من خزف
دراسة في الوعي الجزائري العاصر
أزرج عمر
الفصل الخامس عشر / من ص - 295 - الى -270. •بين الفكر التقليدي وتقليد الأفكار  
لا تزال تفاصيل صورة الثورة الجزائرية، وكذلك واقع المجتمع الجزائري المعاصر بكل جزئياته، غير واضحة المعالم، بسبب عاملين أساسييين:
يتمثل العامل الاول، في تأجيل كتابة تاريخ ثورة أول تشوين الثاني / نوفمبر 1954 منذ الاستقلال إلى يومنا هذا رغم وجود محاولات فردية ذات طابع اكاديمي مستغرق في البحث عن المنهج الملائم، أكثر من تقصي الحقائق والوقائع التي يوجد أغلبها في فرنسا، التي رفضت أكثر من مرة تسليمها للجزائريين، كما يوجد بعضها لدى مجاهدين وضابط ومسؤولين احياء لكنهم لا يستطيعون الادلاء بها، لأنها تمس على نحو سلبي شخصيات لا تزال في القيادة السياسية للبلاد وفي مواقع الحل والربط.
  قد يقول قائل بأن الندوات التي نظمتها منظمة المجاهدين، لجمع شهادات وآراء المجاهدين الأوائل صيغة تمكن من كتابة هذا التاريخ، غير تلك الندوات اقتصر عملها على حصر المسائل العسكرية كالمعارك والذخيرة وأعداد القتلى، والتذكير بالبيانات السياسية ومواثيق الثورة التحريرية، في حين ظل الجانب الاقتصادي والثقافي والزراعي والخلافات الكبرى تشكل في مجموعها موضوعا مهملا عنعمد لأنه موضوع شاتك ومثير للحساسيات.
أما العامل الثاني، فيبدو في عدم فتح الابواب لمناقشة تجربة جزائر ما بعد الاستقلال مناقشة مسؤلة وصريحة، لغربلتها قصد تعميق الايجابيات، واستبعاد السلبيات. أدى هذا الوضع، من جهة، إلى إبقاء صورة ثورة أول تشيرين الثاني / نوفمبر 1954، وتجربة ما بعد الاستقلال، من جهة ثانية، ضمن إطار مضبب ومغلف بغلاف يجعل المتأمل ينظر إلى الجزائر نظرة رومانسية، أو نظرة لا يعرف شيئا. إن مناخا مثل هذا سمح لأقلام غربية أن تدرس الثورة التحريرية، والحالة الراهنة، دراسة يغلب عليها المنهج الانطباعي، وتكرار المعلومات المتداولة، والدوران في فلك العموميات دون الدخول مباشرة إلى تفاصيل القضية وعلى نحو ميداني.
والمناخ نفسه سمح للمعارضة الجزائرية المقيمة في الخارج، ان تلحأ إلى ممارسة كتابات عاطفية يشم من ورائها البحث عن سبل استعادة السلطة، ومن بينها كتاب الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة: « حديث معر في شامل »،الذي كان في الواقع مجموعة من احاديث أجراها معه صحافي عربي ونشرها على صفحات مجلة « الشراع »، يتضمن الكتاب سبعة فصول، ممهدا لها بمقدمة وسيرة ثقافية للرئيس السابق أحمد بن بلة.  يشتمل الكتاب على محاور: عصر النهضة، الاسلام والنظام العالمي، الحركات الاسلامية، القومية العربية في الفكر والتطبيق، الصيغ العربية للتنمية والتحديث، رؤية إلى السوسيولوجية المعاصرة، مقارنة الثورة الجزائرية والثورة الفلسطينية.
  يستمد هذا الكتاب خطورته من كونه كتابا لرئيس جزائري، نحي عن طريق انقلاب عسكري عام 1965، وفي ظروف اتسمت بالغموض ولأسباب لم توضح بما فيه الكفاية، ما عدا مجموعة من التهم المتبادلة بين الطرفين، تتعلق اصلا بأسلوب الحكم وليس بمضمونه، أي ان الخلاف بين الطرفين كان تقنيا وليس ايديولوجيا، والدليل على ذلك ان سياسة بومدين لم تغير في جوهر مناهج المنظومة التربوية بكل أصنافها، ولا في محتوى الاعلام الوطني. أو في القوانين المتصلة بالحياة العلمية للجماهير. إن الثورة الزراعية والصناعية والثقافية التي رفعت كشعار، لم تتجاوز في الواقع نطاق بناء مؤسسات وهياكل طورت البيروقراطية التي كانت سائدة في عهد « أحمد بن بلة »، وصارت سببا في عرقلة تطبيق الاشتراكية في الجزائر المعاصرة فيما بعد، فضلا عن عدة تحديد فلسفة هذه الاشتراكية المراد تطبيقها في المجتمع الجزائري. إن مناقشة كتاب « أحمد بن بلة » ينبغي ان تنطلق من خلفية تاريخية محددة، حتى تكون نتائج المناقشة ذات جدوى.
بادىء ذي بدء، يفصح الكتاب عن رؤية فوضوية انتقائية إلى حد التلفيق. ولا توجد فيه اشارة واضحة إلى نقائص مرحلة أحمد بن بلة وعيوبها واخطائها، وبالتالي، فنحن لا نجد فيه اثرا للظروف والملابسات التي اوصلته إلى الحكم مباشرة بعد الاستقلال.وحسب وثائق ومعلومات لم تعد سرا، فإن الرئيس السابق « أحمد بن بلة » لم يصل الحكم عن طريق استفتاء ديمقراطي، بل بواسطة الجيش الجزائري الذي جاء إلى المنطقة الغربية من الحدود التونسية عن طريق الجنوب الجزائري، والدخول في معركة طاحنة كادت ان تؤدي إلى حرب أهلية شنيعة، لولا حكمة الشعب الجزائري الذي خرج إلى الشوارع صارخا وباكيا: « سبع سنين بركات »، أي ان الحرب الجزائرية  - الفرنسية التي دامت سبع سنوات لم تندمل جراحها بعد.
  ويخلو الكتاب من توضيح الخلافات العقائدية التي نشبت بين أعضاء القيادة اثناء صياغة مواثيق الثورة وخصوصا ميثاق « طرابلس » و « الجزائر »،اضافة الى خلوه من توضيح خلاف خضير معه ومع باقي أعضاء القيادة السياسية إذ ذاك، بحيث لجا « خضير » إلى المنفى ومعه أموال « الثورة التحريرية » التي هي كنز الجزائر المفقود إلى يومنا هذا.
  إن قارىء كتاب: « حديث معروف شامل »، يخيب فضوله في كشف الحقائق عن مقتل زعماء ثورة تشيرين الثاني /نوفمبر مثل « عميروش » و « سي الحواس » وغيرهما، من الذين تضاربت حولهم الآراء التي لا تزال معلقة حتى الآن من دون جواب شاف.


الأزمة الأمازيغية ما بين سنة 1949 و 1962

ثمة تذكير، من جهة, ببعض المواقف الثورية لشخصيات مثل شكيب ارسلان، وجمال الدين الافغاني، والأمير عبد القادر وغيرهم، ولكنها جاءت ضمن سياق عاطفي موظف لخدمة اغراض خاصة. كما ان التشكيك، من جهة اخرى، في نضال وسلوك الإمام عبد الحميد بن باديس، والشيخ البشير الابراهيمي غير مدعم بالوثائق التاريخية والشهادات التي يطمئن إليها العقل. إذا كان « احمد بن بلة » يرى ان عبد الحميد بن باديس وقف ضد استقلال الجزائر عن فرنسا، فهذا الرأي تفنده وثائق تسلمتها من السيد عبد الرحمن شيبان وزير الشؤون الدينية السابق، توضح انه بارك مع الشيخ الابراهمي انطلاقة ثورة أول تشرين الثاني /نوفمبر 1954، ولعل نشيده الذي يحفظه كل جزائري عن غيب، أنصع دليل على رفض ابن باديس للادماج وهو: « شعب الجزائر مسلم ». الذي يتضمن هذه الفقرة: « من رام إدماجا له فقد رام المحال من الطلب »، ثم كيف يعقل ان يختلف « احمد بن بلة » مع منهج عبد الحميد بن باديس والبشير الابراهيمي، ويترك في الوقت نفسه إبن الأخير وهو الدكتور أحمد طالب الابراهيمي في السلطة أيام حكمه هو، ومن ثم يأتي الآن ويقول بأن الدكتور أحمد طالب الابراهيمي هو عراب السياسة الجزائرية الحالية، يرفض وجوده ونفوذه داخل الكم؟ لست هنا في معرض الدفاع عن تيار جمعية العلماء، إنما أحاول الكشف عن الحقائق من موقع حيادي، واضع اليد على تناقضات أفكار « أحمد بن بلة ».
  مسألة الأقليات على سبيل المثال، تبرز في الكتاب من حين إلى آخر لتأخد حيزا كبيرا، وموقفه منها انه مع احترامها واعطائها حقوقها. وهنا نتوقف لنعود إلى التاريخ، فنجد ان البربر في الجزائر حاربهم « أحمد بن بلة » أيام حكمه بالسلاح وقتل الكثيرين منهم، ولولا عوامل خارجية لما توقفت الحرب الأهلية وبخصوص الحقوق، فإنه لم يصدر قوانين تضمن للبربر حق تطوير لغتهم وإحيائها، خدمة للثقافة الوطنية في تنوعها داخل إطار الوحدة الحضارية والتاريخية والجغرافية والنفسية. إن رؤية « أحمد بن بلة » قد تطورت عما كانت عليه لكنها لم تتطور بشأن هذه المسألة الشائكة، لأن الرؤية العلمية لمسألة الأقليات لاتتم إقليميا، انما تتم قوميا ثم تنفتح لتتم عالميا.
  تتردد في الكتاب مقولة: « الناصرية »، بمعنى ان افكار أحمد بن بلة ذات طابع ناصري واستمرار لها، لكن الناصرية ليست مجموعة خطب الزعيم جمال عبد الناصر، إنما هي مجموعة القيم والممارسات التي حاول تطبيقها في المجتمع المصري وعلى الصعيد القومي. إن جمال عبد الناصر، حسب الميثاق الوطني المصري، يؤكد على « الاشتراكية العلمية »، ونجد « أحمد بن بلة » في كتابه يرفض الاشتراكية والماركسية، كما يرفض إلى جانبها الرأسمالية. ويقترح البديل وهو « التسير الذاتي »، الذي هو من صميم التجربة الاشتراكية لـ « تيتو » في يوغسلافيا، وفي صفحات أخرى، يقترح « الشورى » كأسلوب للحكم بدلا من البرلمانية والحكم الجمهوري، او حكم الطبقات العمالية كما هو الحال في أدبيات وكثير من تطبيقات بلد ان المنظومة الاشتراكية.
  بناء على ما سبق، نستشف محاولة توفيقه بين طرحين: طرح الخميني في ايران، وطرح القدافي في ليبيا، مع ملاحظة ان هذا التوفيق فرضته اللعبة السياسية وتحقيق المصالح المادية والتدعيم المعنوي لأحمد بن بلة كزعيم معارضة. إن نظرية الدولة التي حاول عبر كتابه ان يبلورها، أدت إلى المطالبة يتجاوز شكل الدولة، وهذه في الواقع ليست من إبداعه، إنما أطروحة « لينين » تاريخية، واطروحة « أحمد بن بلة » سياسية مؤقتة شأن أطروحات معمر القذافي وتطبيقاته، التي لم تؤد إلى خلق نموذج جديد ثقافيا وتكنولوجيا وأخلاقيا، بل أدت إلى إفراز مجتمع ذي عقلية استهلاكية وطابع فوضوي في ادارة الشؤنون داخليا وخارجيا، ذلك المجتمع الذي يستنجد بالغاز والبترول في كل لحظة، مما أدى به إلى ان يخسر الكثير من مزايا حتى العهد الملكي: الحرية الفردية النسبية، أخلاق العمل، مثلما أدت أطروحات الخميني الرجعية إلى بناء قواعد للتخلف في ايران، وإلى تدهور الحياة الاقتصادية والحياة الثقافية، بشهادة المراقبين السياسيين والشعب الايراني نفسه.
  يشير هذا الكتاب إلى عودة نقاط في مجال الأدب والفلسفة، فمثلا يعتبر أحمد بن بلة « شولوخوف قزما » بالنسبة إلى غوركي. فالمقارنة تاريخيا لاتجوز في هذا المجال. لان لكل واحد منهما تميزه وخصوصيته في التعبير عن قضايا عصر يختلف عن عصر آخر. ثم ان « شولوخوف » لا يقارن بنفسه، أو تاريخ بلاده، مع تسجيل ملاحظة ان لفظة « قزم » يفضل استبعادها في الكتابة النقدية الرصينة.
  هذه مجموعة ملاحظات حول كتاب أثار ويثير عدة مسائل، ربما نتفق في قليل منها، نختلف بلا شك في الفرضية والمنهج والغاية.
  لقد آن الأوان لمحاورة الموجة الجديدة من الفكر العربي التقليدي المتخفي وراء دعاوى الثورية الزائفة، والذي يصدر عن تقليد أطروحات ومشاريع أنظمة أثبتت فشلها، مثل أطروحات الخميني والقذافي ومشاريعهما وممارستهما في الداخل والخارج. أما أطروحة السلفية والمعاصرة التي ناقشها عبر الكتاب، فإنها تنطوي على مزالق كثيرة تتصل باستخدام المصطلح، وتحتاج إلى درسة منفصلة.
...................................................
  منازل من خزف
درسة في الوعي الجزائري المعاصر
   أزرج عمر
الفصل السادس عشر ( من ص-271 - 277)
الطبعة الاولى أيلول / سبتمبر 1991.
...........................................................