قيمة اللغة تقاس بالمنتوجات العلمية والتكنولوجية والأدبية والفنية وليس بعدد كلماتها أو بنصوصها الدينية كما يتوهم البعض ...
ما هو عدد كلمات اللغة العربية ؟!
لو تكتب على شريط البحث في متصفح جوجل ، عدد كلمات اللغة العربية ، ستلاحظ أنه بالإجماع، يقدمون الرقم 12مليون كلمة و الأكثر دقة يقولون 12305412 كلمة!.
ثم لو بحثت في كل مكاتب العالم، الإلكترونية و الورقية عن هذه القواميس الحاملة لهذا العدد ، لن تجد لهم أثر! .
قاموس لسان العرب ، لابن منظور يحوي حوالي 160 ألف كلمة.
قاموس تاج العروس، لمرتضى الزبيدي (وهو شرح القاموس المحيط الشيرازي) يحوي حوالي 120 ألف كلمة
معجم الغني لأبي العزم ، 195000 كلمة .
القاموس المحيط للشرازي، 75000كلمة .
كتاب البداية والنهاية، لابن كثير وهو من أضخم الكتب ويقع في 14 مجلد وتقريباً كل مجلد 340 صفحة ولحساب بسيط بفرض احتواء الصفحة الواحدة في المتوسط 250كلمة لا يصل عدد كلماته إلى 1,2 مليون كلمة (علماً أنه كتاب ،تاريخ ولن يكون عدد الكلمات الفريدة أكثر من عُشر هذا العدد على أكثر تقدير).
إذن من اين استقى القوم هذا العدد ؟! ،
مصدر هذا الرقم هو كتاب الخليل الفراهيدي " العين " .
ذَكَر الخليل في كتاب العين: 《 أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المُسْتَعمَل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائيّ والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرار اثنا عشر ألف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة آلاف وأربعمائة واثنا عشر: الثنائي سَبعِمائة وستة وخمسون، والثلاثي تسعة آلاف ألف وستمائة وخمسون، والرباعي أربعمائة مائة ألف وواحد وتسعون ألفًا وأربعمائة، والخماسي أحد عشر ألف ألف وسبعمائة ألف وثلاثة وتسعون ألفًا وسِتمائة》.
فالمقصود بهذا الرقم جميع ما تحتمله أبجدية اللغة العربية من كلمات أقصى عددُ حروفها خمسة، وليس المقصود به عدد الكلمات المستعملة ، إذن هو عدد لكلمات ناتجة من احتمالات حسابية !. و قد فصل في هذا أبو بكر محمد بن حسن الزَّبَيدي .
ثم كتاب العين ، ولو أن الزبيدي صاحب مختصر كتاب العين ، يدافع عنه ، إلا أن السيوطي في كتابه المزهر في علوم اللغة ، يسرد إلى جانب الزبيدي ، قائمة من الطاعنين فيه و منهم من يشكك حتى بكونه صادر من الخليل لأنه مات قبل أن يكمله و ينسبونه للَّيث بن نَصْر بن سيّار الخُرَاساني ، مثل الامام فخر الدين في المحصول و السرافي في طبقات النحاة .
كما قال مالك بن نبي ، العرب فتنتهم لغتهم الجميلة فحولوها إلى وثن يعبدونه.
لهذا لا يتجرأ الكثير مناقشة هذا العدد ، نهيك أن يُطعن فيه ، فكونها لغة الدين و آداة لتيار اديولوجي حُفت بهالة من التقديس ، فيكفي مقال كهذا مثلا ليجعل منه البعض معاداة و كره و نيل و حقد في حق هذه اللغة و قد ينالك من الشتم و اللعن الكثير.
اللغة هي ترجمة صوتية للافكار، فهي تزدهر و تنموا مع إنتاج الأفكار أو ترجمة أفكار الغير ، فلكي تتحدث بلغة ما بكل طلاقة تحتاج في أقصى حد 3000 كلمة، انما الكاتب و المفكر الذي يشرح و يدرس العلوم و الظواهر و المفاهيم و المشاعر و الأدب ،يحتاج إلى كم هائل من الكلمات و هو بذاته مصنع للكلمات الجديدة و منعش للقديمة المهملة. للأسف اليوم العربية لم يعد يخدمها من يدعي حبها، إنما جعلوها كضريح يتبركون منه و فقط .
ولأنه اصلا العبرة ليست بالكم، أختم بهذه القصة إذ قال أحدهم لصفي الدين الحلي :
إن شعرك بسيط وغير جميل فأنت لا تستخدم الألفاظ الغريبة
فكتب إليه الحلي قصيدة منها :
إنما الحيزبون والدردبيسُ* *والطخا والنقاخ والعلطبيسُ
والغطاريس والشقحطب والصقب** والحربصيص والعيطموسُ
والحراجيج والعفنقس والعفلق** والطرفسان والعطسطوسُ
لغةٌ تنفر المسامع منها** حين تروى وتشمئز النفوسُ
وقبيح أن يسلك النافر الوحشي** منها ويترك المأنوسُ
إن قولي هذا كثيب قديم** هو قولي عقنقل قدموسُ
إن خير الألفاظ ما أطرب السامع** منه وطاب الجليسُ
إنما هذه القلوب حديد** ولذيذ الألفاظ مغناطيسُ.
حقيقة اللغة العربية تزخر بلذيذ الألفاظ، لو فتح باب محتواها ، بدل الاكتفاء بتزيينه بلافتات براقة .


قيمة اللغة ليست بعدد الكلمات ولا بالنصوص الدينية  Aao16