السؤال المطروح متى تم طرد البيزونطيين ؟
حاول البيزنطيون بقيادة سولومون سنة 535م استرجاع منطقة الأوراس وضمها إلى النفوذ البيزنطي، بيد أنه فشل في البداية بسبب اشتعال المقاومة الأوراسية بزعامة الأمير القائد يوداس الذي أظهر خبرة محنكة في إدارة الحروب والمعارك ضد البيزنطيين. وقد ساهمت وعورة الطرق في جبال الأوراس وقلة الماء وتمرد الجيش البيزنطي إلى اضطرار سولومون للعودة منهزما إلى مدينة قرطاجة . بيد أنه في سنة 539م، سيعد سولومون حملته العسكرية الجديدة لمواجهة قبائل الأوراس ، ولكنها انتهت بانتصار القائد يوداس الذي أحسن التحكم في منابع مياه وادي أبيگاس ، حيث أغلق جميع" مجاري النهر باستثناء المجرى المتجه نحو مدينة باگاي، أي نحو المعسكر البيزنطي الذي غمرته المياه، مما دفع بكونتاريس إلى الفرار مع أفراد الجيش متجها نحو سولوم، الذي غادر قرطاجة وعسكر عند قدم الأوراس. وتوالت المواجهات بين منتصر ومنهزم، إلا أن تمكن أحد القادة البيزنطيين ويدعى كنزو Genzo ، من تسلق جبل الأوراس والاقتراب من معسكر الأوراسيين، وقتل ثلاثة من المحاربين أتباع إيوداس،مما ساعد على اندفاع باقي أفراد الجيش البيزنطي عبر هذا الممر، فكانت وسيلة الأوراسيين الوحيدة للخلاص هي الفرار خصوصا بعد إصابة إيوداس في ذراعه، وفراره بدوره عبر الطريق المؤدية إلى موريتانيا. فتحقق بذلك لسولومون السيطرة على منطقة الأوراس ، خصوصا السفوح الشمالية لفترة زمنية محدودة".بعد هزيمة يوداس أمام قوات سولومون البيزنطي، فر الزعيم الأوراسي الجريح إلى موريتانيا، ولم يرجع إلى مملكته في جبال الأوراس الشامخة إلا في سنة 546م بعد تدهور الوندال وضعف القوات البيزنطية في نوميديا واشتعال مقاومة حليفه أنطالاس فيما بين حدود تونس والجزائر، والذي سيتحالف عسكريا واستراتيجيا مع القائد يوداس لتطويق القوات البيزنطية ومحاصرتها من جميع الجهات قصد دحرها وإرجاعها إلى الخلف. ومن المعلوم أن القبائل الأوراسية تعد من أعتى القبائل المورية الأمازيغية شراسة ومقاومة، فقد ثار سكان الأوراس مدة سبع سنين من 477 إلى 484م،" فأوقفوا زحف الوندال وألحقوا بهم الهزائم تلو الهزائم. وهذه الوقائع هي التي قضت على سمعة الوندال وأعادت الأمل إلى نفوس أعدائهم الكاثوليكيين المضطهدين. كذلك عندما انتصر البيزنطيون سنة 533م على الوندال وظنوا أنهم قادرون على استعادة المغرب بكامله وجدوا أمامهم نفس الخصوم وواجهوا نفس المقاومة العنيدة.
حاربهم يوداس أمير الأوراس أربع سنوات ثم التجأ إلى الغرب ليسترجع أنفاسه قبل أن يعيد الكرة مرة أخرى." وفي سنتي 534-539م، شن القائد يوداس حملات عسكرية عنيفة ضد المواقع البيزنطية فكبدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وسيطر على المراكز الإستراتيجية وأحرق المدن التي توجد في الطرق القريبة من الثكنات العسكرية التي كان يتحصن فيها البيزنطيون ، ولم يتمكن الأوراسيون من زمام القوة والسيطرة إلا بعد تحالف يوداس مع القائد أنطالاس الذي أظهر بدوره شجاعة نادرة في مقاومة الوجود البيزنطي الشرس. ولم يتحطم الجيش البيزنطي بكامل عناصره في الحقيقة إلا في سنة 534م مع أربعة قادة من حكام القبائل المورية الأمازيغية وهم: كوتزيناس وإسديلاس وإييورفوتين ثم مديسنيسا. لذا، سيوجهون للبيزنطيين ضربات موجعة عبر توالي تاريخ المقاومة الأمازيغية خاصة مع أنطالاس وييرنا. وعليه، فقضاء" البيزنطيين على الوندال لم يكن يعني استرجاعهم للولاية الأفريقية، فالمرحلة التي عاشت خلالها بيزنطة صراعا عسكريا ضد الموريين، كانت أعنف وأشد من المرحلة الأولى، عبرت خلالها القبائل المورية عن مدى تشبثها بالأرض، ولعل كثرة الحصون التي أنشئت في مراكز جغرافية متعددة قد توحي باضطراب عسكري عاشته أفريقيا في القرن السادس الميلادي. فالإستراتيجية العسكرية للقرن السادس، أظهرت عدم قدرة الجيش البيزنطي على خوض معركة منظمة، ودعت إلى ضرورة تحصينه وراء سور أو حصن خلال المعارك التي خاضتها ضد الموريين. كما أن دراسة وضعية الجيش البيزنطي أظهرت مدى ضعف وتراجع أعداده، فضلا عن تكاثر ثوراته وانعدام انضباطه. فوجد البيزنطيون في هذه الحصون وسيلة عسكرية لتحقيق دفاع فعال عن الولاية الإفريقية ضد الموريين."