تقع هضبة "أوستيورت" الصحراوية النائية بين بحر قزوين وبحر آرال عبر كازخستان وأوزبكستان وتركمانستان وتنتشر فيها أودية جافة بجانب تكوينات صخرية حمراء.
وتمتد الهضبة بمساحة 200 ألف كيلومتر مربع لتناهز مساحة إنجلترا وإسكتلندا معا وتتلقى سنويا من المطر ما يقل عن 13 سنتيمترا وتتباين درجات الحرارة فيها موسميا بين 40 مئوية صيفا و40 تحت الصفر شتاء، ولا يسكنها سوى بضع قبائل قليلة شبه مرتحلة.
ورغم ذلك تخفي تلك البقعة التي تبدو خاوية سلاسل من التحصينات القديمة الغامضة مما يرجح أن أناسا عاشوا وازدهروا وسط تلك الظروف الطبيعية الصعبة.
أقرأ أيضا: دروب سيناء الساحرة تعكس ثراء تاريخيا فريدا
تجمعات مائية قديمة
تبرز نتوءات صخرية كلسية شكلتها عوامل التعرية في صحراء أوستيورت بارتفاع يربو أحيانا على 200 متر يطل بعضها على بقاع ملحية ضخمة تتحول أحيانا لبحيرات ضحلة تظهر قليلا مع تجمع مياه المطر النادر شتاء وصيفا كل عام ثم سرعان ما تختفي.
قبل 21 مليون عام كانت صحراء أوستيورت ضمن بحر ضخم عرف ببحر "تيثيس" يعتقد أنه شكل لاحقا ثلاثة بحار هي البحر الأسود وبحر آرال وبحر قزوين.
وتتوزع بين جنبات الهضبة تجمعات من الملح وسفوح من الطباشير الأبيض توجد بها حفريات لأسنان القرش والأصداف وبقايا أحياء مائية متحجرة لابد أنها سبحت يوما فيما أصبح الآن قفرا.
بيئة صعبة
يزور قليلون تلك الهضبة كل عام ويتجهون غالبا لمحمية أوستيورت الطبيعية في كازخستان التي تقع بإقليم مانغيستاو الجنوبي.
وتأسست المحمية عام 1984 وتناهز مساحتها مرة ونصف مساحة لندن الكبرى وتضم زهاء 300 نوع من النباتات والحيوانات منها قنفذ برانت والخنزير البري وابن عرس الجزعي وطائر الحباري.
ومن أندر الأنواع التي تعيش في تلك المحمية الفهد الفارسي الأوحد وقد شوهد أول مرة عام 2018 وهو أحد ثلاثة فقط تم رصدها في كازخستان.
معالم غامضة
وتنتشر بين الفينة والأخرى على سفوح أوستيورت سلاسل معالم قديمة بنيت من الطَفل والحجر رصدها الطيارون الحربيون الفرنسيون والبريطانيون في عشرينيات القرن الماضي أثناء تحليقهم باتجاه الشرق الأوسط.
ويتكون البناء الواحد منها من صفين أو أكثر يمتدان كخطوط حجرية طولية بشكل سهم يلتقي في بؤرة دائرة مغلقة.
وأثارت تلك المعالم اهتماما كبيرا لدى علماء الآثار على مدار ما يربو على 35 عاما.
ويورد تقرير نشرته الدورية الرباعية العالمية عن تلك المعالم بهضبة أوستيورت: "لا يتسنى للباحث سوى الخروج بنتائج تقريبية لدراسة تلك المعالم نظرا لحجمها والغياب شبه الكامل لأي متعلقات أثرية فيها".
وفي السنوات الأخيرة جمع مشروع بحثي فرنسي بعنوان "المعالم السهمية في العالم" أكثر من 4600 صورة بالأقمار الاصطناعية لتلك المعالم في بقاع متفرقة من الهلال الخصيب والسعودية وأرمينيا واليمن والقطاعين الكازاخي والأوزبكي لصحراء أوستيورت.
ويعتقد أن أكثر من 5800 من تلك الأبنية الغامضة موجودة في مناطق مختلفة حول العالم.
عبقرية الإنسان القديم
رجح العلماء منذ فترة أن تلك الأبنية التي تتخذ شكل أقماع كانت إما مساكن أو استخدمت لتربية الحيوانات أو لطقوس عبادات قديمة.
وقد كان عالم الآثار والإثنوغرافي الروسي سيرغي تولستوف أول من أكتشف تلك الأبنية في أوستيورت عام 1952 وترجح دراسة الكربون المشع أن بعضها يعود لأكثر من ألفي عام مضت.
وربما ظل بعضها مستخدما لجمع الصيد حتى منتصف القرن العشرين بحسب الدراسات الإثنوغرافية.
واليوم النظرية الأكثر قبولا هي أن تلك الأبنية صممت كمصائد لظباء السايغا المهددة اليوم والتي انتشرت قطعانها قبلا بسهول وسط آسيا خلال هجرات الصيف المتأخر، فضلا عن ذوات الحوافر كالحُمُر البري الآسيوي والضأن الأحمر وظبي الخيران.
ويعتقد الباحثون أن أسلاف الرعاة الذين يعيشون في المنطقة اليوم تضافروا في فرق منهم للدفع بقطعان تلك الحيوانات المرتحلة باتجاه تلك المصائد لتضيق بين خطين حتى تلتقي في بقعة محدودة ليمكنهم صيدها والتغذي عليها.
جسور رائعة من أشجار حية في الهند
تاريخ طويل
وتعاقبت حضارات شتى على مدى آلاف السنين على تلك البقعة الوعرة من وسط آسيا، وتقول أليسون بيتس باحثة الآثار الإسكتلندية المتخصصة في الشعوب المرتحلة على طرق الحرير والشرق الأدنى إن تلك المنطقة كانت بقعة مفضلة في الشتاء للبدو الرحل من عصر الحديد وحتى مطلع القرن العشرين.
ويعتقد الباحثون أنه رغم تعاقب الحكام على مدار ألفي عام بالمنطقة ظلت تلك المعالم أو قل المصائد قائمة تتحدى الزمن.
وقد استوطنت قبائل وحضارات شتى منطقة دلتا آمو داريا التي تصب في بحر آرال وتتاخم شرقي هضبة أوستيورت، كما اندمجت مجموعات الجمع والصيد خلال العصر البرونزي في الإمبراطورية الفارسية الأولى ما بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد ولاحقا بالإمبراطورية المغولية في العصور الوسطى.
وتشير بيتس إلى تعرُّض تحصينات الهضبة للغزو والإغارة المتكررة عبر القرون، في الوقت الذي بقيت جلود ولحوم وقرون صيد القطعان البرية بتلك المصائد ركنا مهمًا من النشاط الاقتصادي للإمبراطوريات الغابرة وتجارتها في أنحاء أوراسيا على دروب طرق الحرير.
نظرة مستقبلية
في السنوات الأخيرة بذل العلماء جهودا لتوسيع رقعة محمية أوستيورت الطبيعية في كازخستان لتضم مناطق مجاورة في تركمانستان وأوزبكستان.
ويقول ريمي كراسار باحث المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي والمسؤول عن مشروع عالمي لدراسة المعالم السهمية: "لا شك أن تشكيل تلك المعالم تطلب تعاونا مجتمعيا ودراية بيئية لا غنى عنهما لتصميم وبناء واستغلال تلك المصائد الضخمة".
ويضيف كراسار: "لابد من الحفاظ على المنطقة لاستمرار البحوث الأثرية ومعرفة المزيد عن بيئة المنطقة وتفاعل البشر قديما وحديثا معها".
ويأمل باحثون من أمثال كراسار أن يتيح التعاون بين جهات عدة الخروج بسياسة موحدة لإدارة الأراضي وتوسيع المحمية والإدراج ضمن قائمة اليونسكو للإرث العالمي بما يؤمّن تمويلا لجهود الحماية طويلة الأجل من الصيد الجائر وأشكال التنمية غير المستدامة.
يمكنك قراءة النص الأصلي على موقعنا BBC_Travel
وتمتد الهضبة بمساحة 200 ألف كيلومتر مربع لتناهز مساحة إنجلترا وإسكتلندا معا وتتلقى سنويا من المطر ما يقل عن 13 سنتيمترا وتتباين درجات الحرارة فيها موسميا بين 40 مئوية صيفا و40 تحت الصفر شتاء، ولا يسكنها سوى بضع قبائل قليلة شبه مرتحلة.
ورغم ذلك تخفي تلك البقعة التي تبدو خاوية سلاسل من التحصينات القديمة الغامضة مما يرجح أن أناسا عاشوا وازدهروا وسط تلك الظروف الطبيعية الصعبة.
أقرأ أيضا: دروب سيناء الساحرة تعكس ثراء تاريخيا فريدا
تجمعات مائية قديمة
تبرز نتوءات صخرية كلسية شكلتها عوامل التعرية في صحراء أوستيورت بارتفاع يربو أحيانا على 200 متر يطل بعضها على بقاع ملحية ضخمة تتحول أحيانا لبحيرات ضحلة تظهر قليلا مع تجمع مياه المطر النادر شتاء وصيفا كل عام ثم سرعان ما تختفي.
قبل 21 مليون عام كانت صحراء أوستيورت ضمن بحر ضخم عرف ببحر "تيثيس" يعتقد أنه شكل لاحقا ثلاثة بحار هي البحر الأسود وبحر آرال وبحر قزوين.
وتتوزع بين جنبات الهضبة تجمعات من الملح وسفوح من الطباشير الأبيض توجد بها حفريات لأسنان القرش والأصداف وبقايا أحياء مائية متحجرة لابد أنها سبحت يوما فيما أصبح الآن قفرا.
بيئة صعبة
يزور قليلون تلك الهضبة كل عام ويتجهون غالبا لمحمية أوستيورت الطبيعية في كازخستان التي تقع بإقليم مانغيستاو الجنوبي.
وتأسست المحمية عام 1984 وتناهز مساحتها مرة ونصف مساحة لندن الكبرى وتضم زهاء 300 نوع من النباتات والحيوانات منها قنفذ برانت والخنزير البري وابن عرس الجزعي وطائر الحباري.
ومن أندر الأنواع التي تعيش في تلك المحمية الفهد الفارسي الأوحد وقد شوهد أول مرة عام 2018 وهو أحد ثلاثة فقط تم رصدها في كازخستان.
معالم غامضة
وتنتشر بين الفينة والأخرى على سفوح أوستيورت سلاسل معالم قديمة بنيت من الطَفل والحجر رصدها الطيارون الحربيون الفرنسيون والبريطانيون في عشرينيات القرن الماضي أثناء تحليقهم باتجاه الشرق الأوسط.
ويتكون البناء الواحد منها من صفين أو أكثر يمتدان كخطوط حجرية طولية بشكل سهم يلتقي في بؤرة دائرة مغلقة.
وأثارت تلك المعالم اهتماما كبيرا لدى علماء الآثار على مدار ما يربو على 35 عاما.
ويورد تقرير نشرته الدورية الرباعية العالمية عن تلك المعالم بهضبة أوستيورت: "لا يتسنى للباحث سوى الخروج بنتائج تقريبية لدراسة تلك المعالم نظرا لحجمها والغياب شبه الكامل لأي متعلقات أثرية فيها".
وفي السنوات الأخيرة جمع مشروع بحثي فرنسي بعنوان "المعالم السهمية في العالم" أكثر من 4600 صورة بالأقمار الاصطناعية لتلك المعالم في بقاع متفرقة من الهلال الخصيب والسعودية وأرمينيا واليمن والقطاعين الكازاخي والأوزبكي لصحراء أوستيورت.
ويعتقد أن أكثر من 5800 من تلك الأبنية الغامضة موجودة في مناطق مختلفة حول العالم.
عبقرية الإنسان القديم
رجح العلماء منذ فترة أن تلك الأبنية التي تتخذ شكل أقماع كانت إما مساكن أو استخدمت لتربية الحيوانات أو لطقوس عبادات قديمة.
وقد كان عالم الآثار والإثنوغرافي الروسي سيرغي تولستوف أول من أكتشف تلك الأبنية في أوستيورت عام 1952 وترجح دراسة الكربون المشع أن بعضها يعود لأكثر من ألفي عام مضت.
وربما ظل بعضها مستخدما لجمع الصيد حتى منتصف القرن العشرين بحسب الدراسات الإثنوغرافية.
واليوم النظرية الأكثر قبولا هي أن تلك الأبنية صممت كمصائد لظباء السايغا المهددة اليوم والتي انتشرت قطعانها قبلا بسهول وسط آسيا خلال هجرات الصيف المتأخر، فضلا عن ذوات الحوافر كالحُمُر البري الآسيوي والضأن الأحمر وظبي الخيران.
ويعتقد الباحثون أن أسلاف الرعاة الذين يعيشون في المنطقة اليوم تضافروا في فرق منهم للدفع بقطعان تلك الحيوانات المرتحلة باتجاه تلك المصائد لتضيق بين خطين حتى تلتقي في بقعة محدودة ليمكنهم صيدها والتغذي عليها.
جسور رائعة من أشجار حية في الهند
تاريخ طويل
وتعاقبت حضارات شتى على مدى آلاف السنين على تلك البقعة الوعرة من وسط آسيا، وتقول أليسون بيتس باحثة الآثار الإسكتلندية المتخصصة في الشعوب المرتحلة على طرق الحرير والشرق الأدنى إن تلك المنطقة كانت بقعة مفضلة في الشتاء للبدو الرحل من عصر الحديد وحتى مطلع القرن العشرين.
ويعتقد الباحثون أنه رغم تعاقب الحكام على مدار ألفي عام بالمنطقة ظلت تلك المعالم أو قل المصائد قائمة تتحدى الزمن.
وقد استوطنت قبائل وحضارات شتى منطقة دلتا آمو داريا التي تصب في بحر آرال وتتاخم شرقي هضبة أوستيورت، كما اندمجت مجموعات الجمع والصيد خلال العصر البرونزي في الإمبراطورية الفارسية الأولى ما بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد ولاحقا بالإمبراطورية المغولية في العصور الوسطى.
وتشير بيتس إلى تعرُّض تحصينات الهضبة للغزو والإغارة المتكررة عبر القرون، في الوقت الذي بقيت جلود ولحوم وقرون صيد القطعان البرية بتلك المصائد ركنا مهمًا من النشاط الاقتصادي للإمبراطوريات الغابرة وتجارتها في أنحاء أوراسيا على دروب طرق الحرير.
نظرة مستقبلية
في السنوات الأخيرة بذل العلماء جهودا لتوسيع رقعة محمية أوستيورت الطبيعية في كازخستان لتضم مناطق مجاورة في تركمانستان وأوزبكستان.
ويقول ريمي كراسار باحث المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي والمسؤول عن مشروع عالمي لدراسة المعالم السهمية: "لا شك أن تشكيل تلك المعالم تطلب تعاونا مجتمعيا ودراية بيئية لا غنى عنهما لتصميم وبناء واستغلال تلك المصائد الضخمة".
ويضيف كراسار: "لابد من الحفاظ على المنطقة لاستمرار البحوث الأثرية ومعرفة المزيد عن بيئة المنطقة وتفاعل البشر قديما وحديثا معها".
ويأمل باحثون من أمثال كراسار أن يتيح التعاون بين جهات عدة الخروج بسياسة موحدة لإدارة الأراضي وتوسيع المحمية والإدراج ضمن قائمة اليونسكو للإرث العالمي بما يؤمّن تمويلا لجهود الحماية طويلة الأجل من الصيد الجائر وأشكال التنمية غير المستدامة.
يمكنك قراءة النص الأصلي على موقعنا BBC_Travel