إن الحسن الوزان وهو يتحدث عن أصل الأمازيغ وتسميتهم وقبائلهم...، لم تفته الفرصة للتعبير عن موقفه تجاه لغة هذا الشعب، وفي هذا الاطار يقول: "إن هذه الشعوب الخمسة (يقصد بعض القبائل الأمازيغية الكبرى) المنقسمة الى مئات السلالات وآلاف المساكن، تستعمل لغة واحدة تطلق عليها اسم "أوال أمازيغ"، اي الكلام النبيل، بينما يسميها العرب البربرية، وهي اللغة الافريقية الأصلية الممتازة والمختلفة عن غيرها من اللغات، ولما كانت مشتملة على عدد من المفردات العربية استدل البعض بذلك على أن الأفارقة ينتمون الى السبئيين، وهم سكان اليمن كما أسلفنا. لكن أنصار الرأي المخالف يؤكدون ان هذه المفردات إنما أدخلها العرب عندما جاؤوا الى افريقيا وفتحوها"(16). ثم يضيف: ".. والافارقة الذين هم أقرب الى مساكن العرب وأوثق صلة بهم هم أكثر الافارقة استعمالا للكلمات العربية في لهجتهم. فغمارة إلا اقلهم يستعملون العربية، لكنها عربية رديئة، وكذلك الشأن في عدد كبير من قبائل هوارة، والسبب في ذلك أن هذا الشعوب على اتصال شفوي مستمر مع العرب"(17).

هكذا يبدوا أن وجهة نظر الحسن الوزان بخصوص اللغة الآمازيغية تقوم على ما يلي:

1 ـ وحدة اللغة الامازيغية، (لغة واحدة، أوال أمازيغ،)

2 ـ الإعتزاز باللغة الامازيغية، من خلال تمجيدها والتحدث عنها بإعجاب (الكلام النبيل، اللغة الاصيلة الممتازة)

3 ـ اطلاع مسبق على النقاش الذي الذي دار حول اللغة الامازيغية في مرحلة تاريخية سابقة، يبدو ذلك من خلال عرض بعض الآراء والمواقف التي قيلت حول هذه اللغة، موقف يجعلها فرعا من اللغة العربية، وموقف مدافع عن اصالة اللغة الأمازيغية.

كوز/أكوس: قضية الكتابة المستعملة عند الامازيغ (قضية الحرف)

طبيعي وموضوعي أن تكون للغة الامازيغية، بحكم قدمها أبجديتها الخاصة، وهي المعروفة ب"تيفيناغ" التي يعود تاريخ ظهورها بشمال إفريقيا الى فجر التاريخ(18)، وقد تحدث الوزان عن هذه القضية قائلا: "يعتقد المؤرخون العرب اعتقادا جازما أنه لم تكن للأفارقة كتابة أخرى غير المرسومة بالحروف اللاتينية، ويقولون إن العرب عندما فتحوا إفريقيا لم يجدوا فيها غير الكتابة اللاتينية، وهم يعترفون بأن للأفارقة لغتهم الخاصة، لكنهم يلاحظون أنهم يستعملون عادة في كتابتها الحروف اللاتينية، كما يستعمل الالمانيون ذلك في اوروبا."(19)، ثم يضيف "... ويذهب فريق آخر من مؤرخينا الى انه كانت للافارقة لغة مكتوبة خاصة بهم، لكنهم افتقدوا هذه الكتابة من جراء احتلال الرومان لبلاد البربر وطول مدة حكم المسيحيين الذين فروا من ايطاليا، ثم القوط(الوندال) من بعدهم"(20).

بعد ذكره لهذه الآراء بخصوص الكتابة الامازيغية، ينتقل الى مناقشتها وتفسيرها، مؤكدا على استعمال الأمازيغ لتيفيناغ في الكتابة والتأليف، ومما يذكره في هذا هذا الإطار أن الولاة ملزمون في الواقع با تباع عادات حكامهم إن أرادوا إرضاءهم، و ذلك ما حصل للفرس الخاضعين للعرب، فقدوا هم أيضا كتابتهم، وأ حرقت جميع كتبهم بأمر من علماء المسلمين الذين ظنوا أن الفرس لن يكونو ا مسلمين سنيين مخلصين مادامت لديهم كتب في العلوم الطبيعية والقانون و الديانة الوثنية، فأحرقوا جميع هذه الكتب و منعوا العلوم، وذلك مافعله أيضا الرومان و القوط (يقصد الوندال) لما حكموا بلاد البربر"(21). والسلوك نفسه سوف يتكرر مع دخول العرب الى شمال إفريقيا. يقول الوزان: "في الوقت الذي كان حكم افريقيا بيد المبتدعة الفارين من خلفاء بغداد، أمروا بإحراق جميع كتب الأفارقة المتعلقة بالتاريخ و العلوم، متوهمين أن الابقاء على هذه الكتب من شأنه أن يترك الأفارقة على نخوتهم القديمة ويدعوهم الى الثورة و الارتداد عن الاسلام" (22).

وبناء على هذا، يشك الحسن الوزان في الآراء التي تنزع عن الأماريغ كتابتهم الخاصة، و في نفس الوقت يحمل الاستعمار مسؤولية القضاء على هذه الكتابة و الارث الحضاري، يقول: "و لا أطن أن الافارقة استعملوا هذه الحروف (يقصد الحروف اللاتينية) واتخذوها لكتابة لغتهم الخاصة إذ لا شك أن الرومان لما انتزعوا هذه الأماكن من أيدي أعدائهم، محوا حسب عادة المنتصرين جميع النقوش الحاملة لآثار المغلوبين بخطهم الأصلي، قصد إذلالهم وجعلوا عوضها كتابتهم، وهكذا كانوا يقضون في آن واحد على كرامة الأفارقة وعلى كل مايذكر بماضيهم حتى لايتركوا شيئا يذكر غير الشعب الروماني"(23). يواصل كلامه، بعد ذكر ما فعله القوط بالبنايات الرومانية و العرب بالبنايات الفارسية، والأتراك بالأماكن المسيحية...، يقول: فليس من الغريب إذن أن تكون الكتابة الافريقية قد ضاعت منذ سبعمائة سنة التي يستعمل فيها الافارقة الكتابة العربية، و تحدث الكاتب الافريقي ابن الرقيق في تاريخه طويلا عما اذا كانت للافارقة كتابة خاصة أم لا، وانتهى الى القول بأنه كانت لهم كتابة، وأن من أنكر ذلك يمكنه أن ينكر أيضا وجود لغة خاصة بهم، وأضاف أنه من المستحيل على شعب ذي لغة خاصة أن يستعمل في كتابته حروفا أجنبية."(24).

يبدو من الفقرة الأخيرة من كلام الوزان، أن الكتابة الأمازيغية لم تكن مستعملة أيام عصره، و يحمل المسؤولية في عدم الاستمرار في تداولها الى الامازيغ أنفسهم الذين اقبلوامنذ سبعمائة سنة على الكتابة العربية. ويذكرنا الوزان أن هذه القضية أثارت انتباه وأهتمام مؤرخين أمازيغ سبقوه، كابن الرقيق القيرواني الذي أكد على توفر الأمازيغ على لغة و كتابة خاصة بهم، مبينا العلاقة التلازمية التي تجمع وتربط بين الجانبين (اللغة+الكتابة).

سموس: ذكر مزايا الأمازيغ و الأشياء المحمودة عنهم.

لقد أخذ الوزان على عاتقه، مسؤولية الالتزام بالموضوعية في كل ما كتب عن ألامازيغ، لذلك تجده يذمهم و يكشف عن عيوبهم وأخطائهم من جهة، ويمدحهم ويذكر مزاياهم وأشياء محمودة عندهم، كالكرم والتسامح والاهتمام بالعلم... الخ، وفي هذا الاطار يذكر: "بأن الافارقة الذين يسكنون بلاد البربر، ولا سيما ساحل البحر المتوسط، يهتمون كثيرا بالتعلم ويتعاطون الدراسة بكامل العناية، وفي طليعة ما يدرسون الآداب والكلام والفقه، وكان من عادتهم في القديم أن يدرسوا الرياضيات والفلسفة وحتى علم الفلك، غير أنه منذ اربعمائة سنة خلتّ، كما أشرت الى ذلك من قبل، منعهم فقهاؤهم وملوكهم من تعاطي معظم هذه العلوم، وذلك ما حدث للفلسفة والتوقيت الشرعي"(25).

يبدوا أن نص الوزان هذا، حجة لدحض من يدعي بأن الامازيغ لم يتعاطوا العلم، وفي نفس الوقت يضعنا امام قضية معاصرة لها جذور تاريخية تعود الى العصر المرابطي، يتعلق الامر بمواقف بعض الجهات المعارضة والرافضة لتدريس بعض العلوم، كما حدث ويحدث مع مادة الفلسفة.

أخيرا وليس أخيرا، نشير الى قضية المعجم الجغرافي الذي وظفه واستعمله الحسن الوزان في كتابه "وصف افريقيا"، معجم له علاقة وطيدة باللغة الامازيغية، ذلك ان معظم أسماء الأماكن والمدن والقرى ذات اصل ومدلول أمازيغي، وبالتالي فهي تظل كشاهد عيان على أمازيغية المجال المدروس، وأمازيغية المؤلف الذي استعملها ووظفها، غير أن كثرة الترجمة والنقل غير السليم من الأمازيغية الى الايطالية واللاتينية، ثم الى الهولندية والفرنسية فالعربية...، أدت الى فقدان، في كل مرحلة من هذه المراحل، الكثير من الكلمات والاسماء الامازيغية شكلها ومدلولها، مع ما يرافق ذلك من تحريف لعدد من المفاهيم من طرف المترجمين، وهذا يطرح العديد من المشاكل بخصوص توطين ومعرفة مدلول بعض الكلمات، سيما وأن المترجمين يجهلون الأمازيغية، في الوقت الذي يتم فيه تعريب المجال من خلال استبدال وتغيير الأسماء الامازيغية للمدن والبوادي...بغيرها.

الاستنتاجات:

ان المسائل والقضايا التي ذكرت، لم يخضع اختيارنا لها، لنوع من الانتقاء أو التجزيء كما قد يعتقد البعض، بل حاولت ان أثير كل القضايا التي لها علاقة بالامازيغية، والتي تجسد حضور ووجود "الهاجس الامازيغي" أو ما سميته بالوعي بالذات الامازيغية، لدى المؤرخ المغربي الحسن الوزان، الذي هو واحد من بين العديد من المؤرخين المغاربة الآخرين الذين حضر عندهم هذا الوعي بشكل او بآخر في كتابتهم، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: ابن الرقيق، ابن عبد الحليم، مؤلف "مفاخر البربر"، ابن خلدون، سيدي ابراهيم اوماست الذي ألف كتابا بالامازيغية تحت عنوان: "لخبر ن سوس" ...الخ.

قد يختلف كل واحد من هؤلاء عن الآخر، فيما يخص دواعي وظروف ومظاهر الاهتمام بالامازيغية عنده، لكن، كلهم يمثلون ويعكسون وعيا نخبويا.

وبخصوص الحسن الوزان، يبدو من خلال عرض وجهة نظره في القضايا المذكورة، حضور النغمة الاعتزازية والدفاعية، فيما يتعلق مثلا باللغة والكتابة الأمازيغية، كما يتبين نوع من المحاباة عند ذكره لمزايا الامازيغ والاشياء المحمودة عندهم، او عند ذكره لأقسام افريقيا، مما أثار انتباهي أيضا، الطريقة التي عالج بها الوزان هذه القضايا.

لقد انخرط في نقاش واقعي وموضوعي يبدأه غالبا في كل قضية، بعرض المواقف والطروحات المتعارضة، ويقابل بينها، قبل ان يبدي ويعبر عن موقفه.

وفي هذا الاطار، نجد ان المؤلف (الحسن الوزان) يستحضر المؤرخ والجغرافي العربي، كرأي وموقف معارض لمعظم القضايا المرتبطة بالأمازيغية، بينما نجد الموقف المؤيد لهذه القضايا، يتبناه وبحسن المؤرخون المغاربة، الذين نادرا ما يذكر الوزان أسماؤهم كابن الرقيق وابن خلدون.

اخيرا يمكن القول، إن الحسن الوزان بطرحه ومناقشته لهذه القضايا والتعبير عن رأيه فيها، يكون قد أبان على أمازيغيته، وبالتالي يحق لنا أن نسميه ب"ليون الأمازيغي" بدل "ليون الافريقي"، واستطاع ان يملك القدرة على الارتفاع فوق مجال الرؤية المحدودة داخل المجتمع، وأنه بذلك امتلك كذلك القدرة على ان تمتد رؤيته الى المستقبل من خلال نفاذ رؤيته بعمق وثبات في الماضي. وعليه، نستنتج مع "ادوار كار" ان المؤرخ لايقترب من الموضوعية سوى بمقدار ما يقترب من فهم الحاضر والمستقبل، لذلك فتفسير المؤرخ للماضي واختياره الوقائع والقضايا المناسبة والكتابة ذات المغزى، انما تتطور مع تطور ثقافة المؤرخ ووعيه التاريخي ببروز غايات جديدة(26).

ومهما قيل يستحيل علينا تقصي شخصية الحسن الوزان التي جمعت بين علوم وتخصصات عديدة، لذلك نعتبر هذه المساهمة مجرد خطوة تحتاج الى خطوات ومساهمات أخرى لتتضح لنا الرؤية اكثر بجلاء بخصوص هذه الشخصية أو غيرها ومواقفها من الامازيغية.

الإحالات والهوامش:

1 ( ـ محمد حجي ومحمد الأخضر في كتاب: "وصف افريقيا" للحسن الوزان، ج:1 دار الغرب الاسلامي، ط: 2 . ج 1 .1981 ص 7

2 ـ نفسه

3 ـ انظر البرنامج الاذاعي: رحلة في التاريخ: استحضار لشخصية خلدها التاريخ: أعلام الأمس عبر مفكر اليوم. بتاريخ 22/12/1999. من اعداد نعيمة بوعلاق وسمير الريسوني.

4 ـ الحسن الوزان مصدر سابق،ج:1.ص:89

5 ـ نفسه ص:18

5 ـ نفسه ص:28

5 ـ محمد شفيق، ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الامازيغيين، مطبعة دار الكلام، 1989، ص:11

8 ـ الحسن الوزان مصدر سابق ج:1.ص:34

9 ـ انظر منجد الطلاب، ط:30 دار المشرق ، بيروت .ص :284

10ـ الحسن الوزان مصدر سابق ،ج:1،ص:34. وللمزيد من المعلومات بخصوص كلمة البربر يمكن الرجوع الى محمد شفيق مرجع سابق ، صص:15-16

11 ـ الحسن الوزان ، مصدر سابق ، ج :1.ص:35

12 ـ نفسه ص:36

13 ـ علي اومليل: الخطاب التاريخي لمنهجية ابن خلدون ، ط:2 1404/1984، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، ص:101

14 ـ شمال افريقيا (المغرب) دراسة في التاريخ والثقافة ط، :1. 1996صص.2-3

15 ـ محمد شفيق ، مرجع سابق،ص:21

16ـ الحسن الوزان مصدر سابق، ج:1،ص39

17 ـ نفسه

18 ـ محمد شفيق مرجع سابق،ص:61

19 ـ الحسن الوزان مصدر سابق،ج:1.ص:69

20 ـنفسه، صص:69.70

21 ـ نفسه

22 ـ نفسه

23 ـ نفسه

24 ـ نفسه ص:71

25 ـ نفسه،ص:85

26 ـ ادوار كار، ماهو التاريخ؟، ترجمة ماهر كالي وبيرعاقل ، بيروت،1976ص:114.

نقلا عن: عبد المليك التميمي، مجلة عالم الفكر ، ص: 76. الموضوعية والذاتية في الكتابة التاريخية المعاصرة"مجلة عالم الفكر عدد 4 المجلد 29،ابريل،يونيو 2001



على خطى ليون الأفريقي




الحسن الوزان وقصة أسره




الحسن بن محمد الوزان الزياني الزناتي.avi


حرق العرب للكتب الأمازيغية بشهادة الحسن الوزان  Aya_ai10