مأساة الغزو العربى لمصر-2
مأساة الغزو العربى لمصر-2 11999
14 سبتمبر 641 م - عودة المقوقس إلى مصر
أعاد الإمبراطور الجديد (هرقلوناس) المقوقس من منفاه (كان هرقل قد نفاه لخيانته) إلى الإسكندرية وأباح له أن يصالح العرب
8 نوفمبر 641 م
انقسام داخلي بين شعب الإسكندرية (الأخضر و الأزرق) و كتابة عقد تسليم الإسكندرية .. كان كبار الروم فى الإسكندرية أحزاباً وشيعاً ، تباعد بينهم العقيدة الخلقيدونية ويغرى بينهم التحاسد ، وكان حرص كل من الحزبين الحزب الأخضر والحزب الأزرق على القتال فيما بينهم ، أعظم من حرصهم على حرب العدو الرابض عند أبواب مدينتهم (فتح مصر ص 33 )
ما كان يجول فى قرارة و فكر المقوقس من مختلف النزعات فأمر لا يصل إليه الحدث ، ولا يبلغه التصور ، فقد طمع في أن يثيبه المسلمون على مساعدته لهم بأن يبسطوا يده على الكنيسة القبطية في مصر ، ويكون عند ذلك فى سلطانه الديني بالإسكندرية ويقيمه على أطلال الدولة بعد خرابها ، ولسنا نجد رأياً آخر أكثر ملائمة لما بدا منه ، فهو خير رأى نستطيع به ان ندرك ما كان بينه وبين عمرو من صلات خفية ، وما اقترفه من خيانة دولته الرومانية ، فيوصف بأنه خائناً للدولة في ما توهمه صلاحاً للكنيسة (فتح مصر ص 331 ).
الكاتب » يتضح لنا بصورة جالية عن وجود علاقة و تواطؤ ما بين المقوقس و عمرو ابن العاص قاد إلى الخيانة وتسليم الإسكندرية
كان عمرو قد عاد إلى بابليون بعد أن فتح بلاد الصعيد ، أو على الأقل بلاد مصر الوسطى ، كي ما يستريح بأصحابه في أوان فيضان النيل ، وفيما كان هناك فى الحصن وافاه المقوقس ، وقد جاءه يحمل عقد الإذعان والتسليم ، فرحب به عمرو وأكرم وفادته و كتب عقد الصلح وتسليم الإسكندرية يوم 8 نوفمبر 641 م و كان أهم شروطه:
1 - أن يدفع الجزية كل من دخل فى العقد
2 - أن تعقد هدنة لنحو أحد عشر شهراً تنتهي فى أول شهر بابه القبطي ، الموافق 28 من شهر سبتمبر من سنة 642 م
3 - أن يبقى العرب فى مواضيعهم فى مدة هذه الهدنة على أن يعتزلوا ، وحدهم ولا يسعوا أى سعى لقتال الإسكندرية ، وأن يكف الروم عن القتال
4 - أن ترحل مسلحة الإسكندرية فى البحر ويحمل جنودها معهم متاعهم وأموالهم جميعها ، على من أراد الرحيل من جانب البر فله أن يفعل ، على أن يدفع كل شهر جزاء معلوماً ما بقى فى أرض مصر فى رحلته
5 - أن لا يعود جيش الروم إلى مصر أو يسعى لردها
6 - أن يكف المسلمون عن الاستيلاء على الكنائس ( وهدمها) ولا يتدخلوا فى أمورهم أى تدخل
7 - أن يباح لليهود الإقامة فى الإسكندرية
8 - أن يبعث الروم رهائن من قبلهم ، مائة وخمسين من جنودهم وخمسين من غير الجند ضماناً لتنفيذ العقد (فتح مصر ص 343)
وقع عقد الصلح فى بابليون فى يوم الخميس 8 نوفمبر 641 م وكان لا بد من إقراره من إمبراطور الروم ، كما كان لا بد له من إقراره أيضا خليفة المسلمين عمر بن الخطاب فأوفد عمرو بن العاص (معاوية بن حذيج الكندى) و أمره أن يحمل أنباء ما حدث إلى عمر بن الخطاب الخليفة فى مكة ، وكان فى مدة الهدنة ، وهى إحدى عشر شهراً ، متسع من الوقت يكفى لذلك وما يلزم من الرسوم ، ثم عاد المقوقس مسرعاً إلى الإسكندرية يحمل معه كتاب الصلح
أرسلت الرسائل إلى الإمبراطور هرفلوناس تفضي إليه بشروط الصلح ، وطلب منه المقوقس أن يقرها ، ثم دعا المقوقس كبار قواد الجيش وعظماء رجال الدولة ، وأخذ يسهب فى ذكر الضرورة التي استوجبت عقده ، وما فيه من مزايا ، فما زال حتى فاز بما أراد من حمل سامعيه على الإيمان بقوله ، ولكن كان فوزاً أشأم . (فتح مصر ص 353 )
فمن ذلك نرى أن ذلك الصلح الذي عقدة المقوقس لم تكن ثمة ضرورة فى الحرب تدعوا إليه ، ما دامت أساطيل الروم تسيطر على البحر ، والعرب بعد أبعد الناس عنه ، لا يمر بخاطرهم أن يتخذوا فيه قوة وكانت الإسكندرية تتحمل ويمكن أن تصبر على القتال مدة سنتين أو حتى ثلاثة خاصة أن البحر مفتوح أمامهم ، ريثما يلي الأمر حاكم صلب القناة ، فإذا ما كان ذلك ، لم يكن من المستبعد أن تعود مصر إلى الروم ... و لكن المقوقس أسلمها للعدو خفية وعفوا بغير أن تدعوه إلى ذلك ضرورة ، وإننا لا نكاد نعرف فى تاريخ الإسكندرية أنها أخذت مرة عنوة بغير أن يكون انه قد ( تم أخذها بخيانة من داخلها) وقد خابت آمال أهل الإسكندرية بعد ذلك (فتح مصر ص 358):
10 ديسمبر 641 م - أداء القسط الأول من جزية الإسكندرية للعرب
لم يستطع المقوقس أن يبقى خطته في ستر الخفاء في الخفي بعد ذلك طويلاً ، فقد علم أهل الإسكندرية بالأمر بغتة ، فقد فاجأهم طلوع فئة من العرب و المقوقس فى عقد الصلح الذى طلبه وكتبه معهم عن تسليم المدينة ، فهاج الناس وثار ثائرهم لما سمعوا ، وذهبوا غير مصدقين حتى أتوا قصر البطريق البيزنطي ، وكان الخطر في تلك اللحظة محدقاً بحياته ، إذ تهافت عليه الناس يريدون أن يحصوه (رجمه)
مأساة الغزو العربى لمصر-2 1697
ولكنه استطاع بما أوتى من بلاغة وفصاحة على تخفيف جنايته ، وتهوين خيانته ، فى مقالته آلتي قالها للناس ، وجعل يبرر ما كان منه قائلاً : إنه إنما أضطر إلى ركوب الصعب اضطرارا إذ لم يكن بد منه ، وما قصد إلا مصلحة قومه وفائدة أبنائهم ، وأن الصلح حقن دمائهم وأمنهم على نفسهم وأموالهم وديانتهم ، ومن أراد أن يعيش فى أرض مسيحية كان له الخيار فى ترك الإسكندرية ، وما كان أمر الخيار بين الهجرة من الإسكندرية وبين الإذعان للمسلمين بالأمر الهين ، و بكى المقوقس وهو يطلب من الناس أن يصدقوا أنه بذل جهده في آمرهم وأن عليهم ان يرضوا بالصلح فلم يتمالك البطريرك الروم حيث أن بطريرك الأقباط كان هارباً بصعيد مصر بعدما مقتل أخيه ومن معه إلا أن يرضوا و يوافقوه
بهذا استطاع المقوقس مرة أخرى أن يفوز برأيه المشئوم ، وأخذ الناس يجمعون قسط الجزية التي فرضت عليهم ، و وضعوا المال فى سفينة خرجت من الباب الجنوبي الذي تدخل منه الترعة ، وذهب به المقوقس بنفسه ليحمله إلى قائد المسلمين ( فتح مصر ص 354 ).
21 مارس 642 م - موت المقوقس
فى أواخر أيامه أستولي عليه الهم وغرق فى الحزن (أي المقوقس) ، اجتمعت عليه المخاوف ، ففي القسطنطينية بويع قسطنطين وحده بالملك فى أواخر نوفمبر 641 م وأبعد جميع أصدقاء المقوقس ، وأعيد إلى السلطة من كان عدواً وشديد العداوة له ، خشى أن يأمر الإمبراطور الجديد بنفيه أو قتله ورأى الناس قد أنكروا سياسته للدين إنكاراً لا أمل معه فى عودة الرضى عنه ورأى سياسته في أمور الدنيا وقد أصابها العار
الكاتب » قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة َعَن ْيَد ٍوَهُمْ صَاغِرُون (التوبة 29)
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُم (محمد 4)ْ
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (الأحزاب 26 , 27) .. وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الأنفال 39)
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة 244) .. وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (الأنفال 60) .. فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة 5)
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (التوبة 14) .. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير(التوبة 73)
المؤرخ عزت اندراوس الكاتب » رأى المقوقس بعينيه فشل سياسته الدينية باضطهاد الأقباط وإرغامهم على الانضمام للكنيسة الملكية للروم برجوع ملايين من الأقباط فى الوجه البحري الذين انضموا إلى الكنيسة الملكية للروم رجعوا إلى الكنيسة القبطية
وكان أكثر ما أصابه من حزن كان لرفض العرب شفاعته فى أمر عودة الأقباط الذين كانوا قد لجئوا إلى الإسكندرية ، عودتهم إلى قراهم و إلى منازلهم ، وذكر ما فعله من ذنوب ، وما أصابه من فشل والخذلان ، و كان قلبه يؤنبه ، وندم على تفريطه فى أمر مصر ، و بكى على تضيعه لها وظلت الأقدار تغمره والهموم تحيط به حتى أصابه داء الدوسنتاريا و مات و قيل أنه أقدم على الانتحار بمص السم الموجود فى خاتمه وذلك فى (يوم أحد السعف) ، ومات فى يوم الخميس الذى بعده أى يوم 21 مارس 642 م (فتح مصر ص 380 و 381).
الكاتب: يمكنك أن تتخيل في أيامنا هذه و نحن في (بداية القرن 21) ، و قد قام قائد الجيش الأمريكي في العراق بالتفاوض مع الإرهابيين و الوهابيين القادمين من الجزيرة العربية و بلاد الخليج و باقية البلاد ، و قام بتسليمهم العراق مدينة تلو الأخرى! ... و هذا ما حدث في مصر مع الفرق الشاسع في تسلسل الأحداث
يوليو 642 م - القتال للاستيلاء على مدن شمال الدلتا
قاومت مدن شمال الدلتا (الوجه البحري) الغزو العربي مثل أخنا (ادكو حاليا) ، رشيد ، البرلس ، دمياط ، خيس ، بلهيب ، سخا ، سلطيس ، فرطسا ، تنيس ، شطا وغيرهم .. قاومت تلك المدن الغزو العربي مقاومة شديدة و قد ضرب الحصار حولها حتى اضطرت إلى التسليم و تم الصلح كما تم مع قزماس حاكم رشيد وحنا حاكم البراس حتى وصل المسلمون إلى دمياط وبهذا تمت لهم السيطرة على منافذ النيل
مقاومة المصريين للعرب استطال أمرها في (بلاد مصر السفلي) و ظلت إلى ما بعد فتح الإسكندرية ، وإذا ذكر أن أهل ( تنيس ) وما يليها من البلاد الواقعة في أقاليم تلك المناطق كانوا من القبط الخلص (أي أنهم لم يختلطوا بالروم و لم يتزاوجوا منهم ) تنبض قلوبهم بما تنبض به قلوب القبط ، عرفنا أن وقوع تلك الواقعة فى ذلك الوقت ، دليل جديد على فساد رأيين طالما خدعا الناس وتقادم عليهما الدهر وهما يكفران الحقيقة ، وهناك آراء أطلقتها (البروباجاندا الإسلامية) أن مصر سلمت للعرب بغير قتال ، أن الأقباط طلبوا من العرب غزو مصر ، أن القبط بمجرد رؤيتهم للعرب رحبوا بهم ورأوا فيهم الخلاص مما كانوا فيه (فتح مصر ص 377)
كانت خيانة المقوقس للإسكندرية ، سبباً في القضاء على مقاومة المسيحيين في أقاليم البلاد السابقة للغزو العربي لمصر و لكن ظلت الثورات مشتعلة تخبوا أحيانا وتتوهج أحيانا أخرى ما يقرب من (200 سنة) وحتى (العصر الأيوبي) ، و ما يدل على شجاعة فلاحين مصر أو أقباطها الغير متدربين على القتال والحرب بجانب القرى السابقة فى الوجه البحري (مصر العليا) ، أن ( مصر السفلي و العليا ) ظلت تقاوم الغزاة سنة تلو الأخرى ، وفى هذا يظهر أن الغزو العربي لمصر لم يكن سهلاً فقد استقدموا 20 ألف جندي عربي لغزو مصر فى الوقت اي جيش غزا مصر قبلهم كان عدد إفرادهم 35000 جندي ، و كان الحفاظ على الدين المسيحي هو السبب في دفاع الأقباط عن دينهم ووطنهم ، اختفت هذه الأحداث من (كتب المؤرخين) عقوداً طويلة من الزمن حتى ظهرت مؤخراً بعد (قراءة الكتب الإسلامية التاريخية وكتب الغربيين)
مأساة الغزو العربى لمصر-2 1--650
كانت الإسكندرية قد ازدحمت بمن لجأ إليها من جميع أنحاء مصر ، خوفاً على أنفسهم من مداهمة العرب لمدنهم وقراهم ، التي لم تكن بمثل حصانة الإسكندرية ومنعتها.و لما تم عقد تسليم الإسكندرية بين المقوقس والعرب ، كان من شروطه أن جنود الروم و من حل بالإسكندرية من الرومان لهم الخيار إذا شاءوا جلوا عنها بحراً أو براً ، وأما القبط فلم يذكروا فيهم بشيء ، فلما رأى اللاجئون بالإسكندرية أن السفن تحمل كل يوم طوائف من الناس إلى قبرص ورودس وبيزنطة قلقوا وحنوا إلى الرجوع إلى قراهم فذهبوا إلى المقوقس وطلبوا إليه أن يكلم لهم (عمرو) فى ذلك وكانوا يعرفون صلته القوية بالقائد العربي ، ولكن الظاهر أن (عمرو) لم يسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم وأملاكهم ، ولا عجب فى أن يخيب سعى البطريرك (البيزنطي) في هذا الأمر ، إذا عرفنا أن طلبه هذا كان قبل شهر مارس إذ كانت الحرب لا تزال دائرة في بعض قرى مصر السفلي ، وكان معظم اللاجئين من مصر السفلي (وجه قبلي) ، فلو أبيح لهم الرجوع إلى قراهم لما امن أن يقاتلوا جنود المسلمين أنفسهم ، أو أن يمدوا المدائن التي كانت لا تزال مصرة على القتال ولم يستولي عليها المسلمون بعد
غير ان المقوقس المه ألا يجيبه عمرو على طلبه ، وكان ألمه شديداً فقد كان يطمع فى أن يستميل إليه (بعض القبط) ، لعله كان يرمى من وراء ذلك إلى أن ينسيهم من حقدهم عليه فكان هذا الرفض الذي رفضه (عمرو) لطلبه ضربة شديدة أصابت سياسته فى هذا الشأن ( حيث أنه كان يطمع ان يتولى حكم مصر تحت الحكم العربي الإسلامي ) ( كتاب فتح مصر لـ ألفريد بتلر ص 379 )
المؤرخ عزت اندراوس » ويمكننا الاستنتاج من عدم موافقة عمرو بن العاص برجوع الأقباط اللاجئين إلى الإسكندرية ، أنه كانت هناك مقاومة شرسة ضد العرب الغزاة عند احتلالهم قراهم بدليل إبادة قرى بأكملها
17 سبتمبر 642 م - جلاء الروم الأول عن الإسكندرية
كان يقوم على ترحيل جنود الروم من الإسكندرية و من بلاد مصر السفلي ، اثنان من القادة هما تيودور الذي أصبح حاكماً لمصر بعد المقوقس ، و قسطنطين الذي أصبح القائد الأعلى لجيش الروم بعد تيودور و كان حوالي مائة سفينة من أسطول الروم تحل قلاعها وترفع مراسيها وتسير راحلة إلى (قبرص) بمن كان عليها من (فلول الروم) الذين قُدر عددهم بنحو( 30 ألف) جندي انسحبوا أمام ( 20 آلف) جندي عربي مسلم يحملون معهم متاعهم ويرفرف عليهم الأسى
29 سبتمبر 642 م - العرب يدخلون الإسكندرية لأول مرة
بعد رحيل جنود الرومان ، وانتهاء مدة الهدنة 11 عشر شهراً ، إلتي حددتها معاهدة تسليم المدينة بين المقوقس و عمرو ، فتحت أبواب الإسكندرية ليدخلها العرب لأول مرة
شتاء 642 - 643 م - غزوة العرب الأولى إلى ليبيا (بنتابوليس)
سار عمرو حتى بلغ برقة ، و الظاهر أنها سلمت للعرب صلحاً ، على أن تدفع 13 ألف دينار جزية كل عام ، وجاء فى شروط الصلح شرطان عجيبان:
1 - أبيح لأهالي برقة أن يبيعوا أبنائهم ليأتوا بالجزية المفروضة (أن يستبدلوا أولادهم بدل الجزية )
2 - عليهم أن يحملوا الجزية إلى مصر حتى لا يدخل جباة الجزية لأراضيهم (فتح مصر ص 445 )
ثم سار عمرو إلى طرابلس وكانت أمنع حصوناً وأعز جيشاً وكان بها قوة مسلحة كبيرة من الروم ، صبرت على الحصار (بضعة أسابيع) ، ولكن لما لم يأتها ي إمداد من البحر كاد جيشها أن يهلك من شدة الجوع ، و جهد القتال ، وقعت المدينة في أيدي العرب ، فأسرع الجنود الرومان إلى سفنهم ، وهربوا عن طريق البحر وسار عمرو بعد ذلك مسرعاً إلى سبرة وطلع على المدينة بغتة و هاجمها في أول الصباح واخذ الناس على غرة و أخذ المدينة عنوة ، واعمل فيها السلب والنهب ثم عاد بجيشه ومعه عدد عظيم من الأسرى ومقدار كبير من الغنائم إلى مصر ثم عاد عمرو إلى حصن بابليون (فتح مصر ص 446)
خريف 644 م - عودة البابا بنيامين
كتب عمرو بن العاص وعد أو عهد أمان للبابا بنيامين (بعد 3 - 4 سنين من الغزو العربي) وكان البابا مختفياً في مكان مجهول لا يعلم به أحداً ، وكانت صورة الوعد كما يلي:
أينما كان بطريق القبط بنيامين ، نعده الحماية والأمان ، وعهد الله ، فليأت البطريرك إلى هنا في أمان واطمئنان ليلى أمر ديانته ويرعى أهل ملته( فتح مصر ص 455 )
المؤرخ عزت اندراوس » كانت مدة غياب البابا عن إدارة الكرسي المرقسى (13 سنة أو 14 سنة) منهم 10 سنوات في عهد الروم (البيزنطيين) وحكم المقوقس وثلاث أو أربع سنوات بعد الغزو العربي لمصر
يذكر بتلر فى فتح مصر ملاحظة هامة .. فيقول فى ص 57 » أنه لمن الجدير بالالتفات أن هذا البطريرك الطريد لم يحمله على الخروج من اختفائه فتح المسلمين لمصر واستقرار أمرهم في البلاد ، و لا خروج جيوش الروم عنها ، وليس أدل من هذا على افتراء التاريخ على القبط ، واتهامهم كذباً أنهم ساعدوا العرب ورحبوا بهم ورأوا فيهم الخلاص ، مع أنهم أعداء بلادهم ، ولو صح أن القبط رحبوا بالعرب لكان ذلك عن أمر بطريقه أو رضائه ، ولو رضى (بنيامين) (يقصد البطريرك) بمثل هذه المساعدة وأقرها لما بقى فى منفاه ثلاث سنوات بعد تمام النصر للعرب ، ثم لا يعود بعد ذلك من مخبئة إلا بعهد وأمان لا شرط فيه .. و لو لم يكن فى الحوادث دليل على كذب هذه المقولة غير هذا الحادث ، لكان برهاناً قوياً ، إن لم يكن برهاناً قاطعاً فهو حلقة نضمه إلى سلسلة ما لدينا من الأدلة ، و قد أصبحت سلسلة لا يقضى على نقضها شئ
أكتوبر 644 م - عمر بن الخطاب يولى عبدالله بن أبى سرح جباية للخراج
كانت العلاقة بين الخليفة عمر بن الخطاب وعمر بن العاص ، علاقة متوترة وغير طيبة ، و قد كرر أبن الخطاب إرسال خطابات شديدة اللهجة وغير ودية إلى أبن العاص ، يؤنبه فيها بشدة ، على تأخره في إرسال الخراج ، من الأموال والخيرات إلى دار الخلافة بمكة ، ويقول أبن الخطاب فى أحد خطاباته : " أما بعد فآني عجبت من كثرة كتبي إليك فى إبطائك بالخراج .... ولم أقدمك إلى مصر أجعلها لك طعما ولا لقومك ، ولكنى وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج ومن حسن سياستك ، فإذا أتاك كتابي هذا فأحمل الخراج فإنما هو قوت المسلمين وعندي من قد تعلم قوم محصورين والسلام " ( كتاب فتح مصر لـ ألفريد بتلر ص 473 ) .. كان الخليفة عمر بن الخطاب قد أرسل (محمد بن سلمة) إلى مصر وأمره أن يجبى ما أتستطاع من مال فوق الجزية آلتي أرسلها عمرو بن العاص من قبل ، ثم أرسل بعد ذلك (عبدالله بن سعد بن أبى سرح) وولاه حكم الصعيد والفيوم وجباية الخراج
7 نوفمبر 644 م - مقتل الخليفة عمر بن الخطاب ودفنه
كان من آخر ما أتاه عمر بن الخطاب في حياته ، أن قلل من سلطان عمرو بن العاص بأن ولى عبدالله بن أبى سرح على الخراج وعمرو بن العاص على الجيش. حتى قال عمرو بن العاص قولته المشهوره عن مصر .. أنا كماسك قرون البقرة واخر يحلبها
مأساة الغزو العربى لمصر-2 1701
10 نوفمبر 644 م - عثمان بن عفان يتولى الخلافة فى مكة
بويع عثمان بالخلافة فى مكة بعد دفن عمر بن الخطاب بثلاث ليال ( كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 103 )
يذكر بتلر فى ص 481 » عندما تولى عثمان الخلافة ، عزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر تماماً و جمع ولاياتها جميعها لـ عبدالله بن أبى سرح ، وكان يقيم فى(مدينة شطنوة فى إقليم الفيوم ، وقد أختلف الآراء فى هذا الوالي الجديد لمصر ، فيصفه الطبري بأنه لم يكن في وكلاء عثمان أسوأ من عبد الله والى مصر و قد ولاه الخليفة عثمان قصداً ، لكي يزيد فى جباية الجزية ، وقد جعل عبدالله بن أبى سرح ، أول همه زيادة الضرائب على أهل الإسكندرية ، و خرج عمرو بن العاص من مصر بعد عزله ، وسار إلى المدينة ناقماً على عثمان ( تاريخ الخلفاء للسيوطى )
المؤرخ عزت اندراوس » هذا ما يفسر انضمام أهل الإسكندرية إلى قوة الغزو البيزنطية القادمة لإرجاع مصر إلى الإمبراطورية البيزنطية
نهاية سنة 645 م - ثورة الإسكندرية و محاولة غزو مصر بقيادة مانويل
بعث الإمبراطور قسطنطين فى القسطنطينية ، بأسطول كبير يتكون من حوالي 300 سفينة محملة بالجنود بقيادة مانويل للاستيلاء على الإسكندرية ، وكان بالمدينة حوالي (ألف جندي) من العرب للدفاع عنها ، فغلبهم الروم وقتلوهم جميعاً إلا نفراً قليلاً منهم استطاعوا النجاة ، وعادت الإسكندرية بذلك إلى ملك الروم ، وكان عمرو عند ذلك فى مكة معزولاً ، وقد أضاع الجنود الروم الوقت والفرص كعادتهم ، فساروا في بلاد مصر السفلي يغتصبون الأموال والأطعمة من الناس
اخر فصل الربيع 644 م - عودة عمرو بن العاص و موقعة نقيوس الثانية
لما وصلت أنباء ثورة الإسكندرية إلى مكة ، أمر الخليفة عثمان بأن يعود عمرو بن العاص إلى قيادة جيش العرب فى مصر ، و كانت نقيوس و حصن بابليون وغيرهما لا يزالان فى يد العرب
ولم يكن من رأى عمرو أن يسرع فى أمره ، وهذا غير ما كان يراه (خارجه بن حذاقة) ، الذي كان عند ذلك قائد مسلحة (حامية / كتيبة ) حصن بابليون ، إذ كان يرى أن التأخير ضار بالمسلمين ، مصلح لأمر الروم (في صالح الروم) ، وأشار على عمرو أن يبادر إلى العدو قبل يأتيه المدد ، و الا أن يثب أهل مصر جميعاً وينقضوا على العرب ، و لكن عمرو كان يرى خلاف ذلك : فقال: لا و لكن أدعهم حتى يسيروا إلى ، فإنهم يصيبون من مرو به ( من يقابلهم) ، فيخزى الله بعضهم ببعض ، وإنه لمن الجدير بالذكر أن قواد العرب فى هذا القوت لم يميزوا بين القبطي والرومي ، بل ظنوا أن الفئتين معاً فعمل على قتالهم
وهذا يدل على أنه (لم يكن ثمة ما يدعوهم إلى توقع محبة القبط لهم ) ، ولا حيادهم فى قتال الروم ، ولو صح القبط رحبوا بالعرب عند أول مجيئهم إلى مصر ورأوا فيهم الخلاص ، لركن قواد العرب فى هذا الوقت إلى ولاء الأقباط ومحبتهم ، ولتوقعوا منهم الود والمساعدة . ( فتح مصر ص 486 )
وسار الروم على مهل حتى استدرجوا إلى نقيوس ، وهناك لقيهم طلائع العرب ، ولعل جيشهم كان إذ ذاك ( 15 ألفاً ) ، ودارت معركة حامية بين الطرفين ، انتهت بهزيمة جيش الروم ، الذي أنسحب إلى الإسكندرية ، وأقفل الروم أبواب المدينة استعدوا للحصار
صيف سنة 646 م - العرب يستولون على الإسكندرية للمرة الثانية
يقول بتلر فى ص 357 :إن لا نكاد نعرف فى تاريخ الإسكندرية ، أنها أخذت مرة عنوة ، بغير أن يكون أخذها بخيانة من داخلها ، فقد قيل إنه كان فى الإسكندرية بواب حارس بوابة أسمه أبن بسامة سأل عمرو أن يؤمنة على نفسه وأهلة وأرضه وأن يفتح له الباب ، فأجابه عمرو إلى ذلك ، ومهما يكن من أمر ، فقد أخذ العرب المدينة عنوة ودخلوها يقتلون ، ويغنمون ، ويحرقون ، حتى ذهب فى الحريق كل ما كان باقياً على مقربة من الباب فى الحى الشرقي و من ذلك (كنيسة القديس مرقس) ، وأستمر القتل حتى بلغ وسط المدينة ، فأمرهم عمرو برفع أيديهم ، و بنى مسجداً فى الموضع الذى أمر فيه برفع السيف ، وهو مسجد الرحمة ، وقد لاذت طائفة من جند الروم بسفنهم ، فهربوا فى البحر ، ولكن كثير منهم قتل فى المدينة ، وكان منويل من بين من قتل ، وأخذ العرب النساء والذرارى (السبايا من النساء) فجعلوهم فيئاً ( كتاب فتح مصر لـ ألفريد بتلر ص 488 ) و هدم عمرو الأسوار الشرقية حتى سواها بالأرض ، وأخذ أسرى من الإسكندرية ومن البلاد المجاورة مثل بلهيب ، خيس ، سلطيس ، قرطسا وسخا ، وبعث بهم إلى المدينة ولكن الخليفة عثمان أعادهم إلى ذمة المسلمين على شرط دفع الجزية
المؤرخ عزت اندراوس » مات كثير من السبايا القبطيات فى الطريق و كان عمرو يريد أن يتخذ الإسكندرية مقراً له ، ولكن الخليفة عثمان لم يرض بذلك ، كما أباها عليه الخليفة الذي قبله ولم يبق عمرو فى مصر بعد استقرار الأمر إلا شهراً واحداً ، ثم خرج عنها لـ عبد الله بن سعد . (فتح مصر ص 497 )
خريف 646 م - استدعاء عمرو بن العاص إلى مكة
عرض الخليفة عثمان بن عفان على عمرو بن العاص أن يجعله قائد جند مصر ، على أن يكون (عبدالله بن سعد بن أبى سرح) ، حاكمها وعاملاً على ولاية خراجها ، ولكن عمرو بن العاص رفض ، ورد قائلاً : أنا إذن كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها و لكن الخليفة لم يبق عليه إذ فرغ من غرضه منه وقضى به على ثروة مصر ، وكان فى حاجة عند ذلك إلى من يستخرج له الأموال من أهلها ، فوجد طلبته فى عبدالله بن أبى سرح ، وخرج عمرو على ذلك من البلاد ( فتح مصر ص 500 )
3 يناير 662 م وفاة البابا بنيامين
6 يناير 664 م
موت عمرو بن العاص ودفنه فى سفح المقطم ، ولكن قبره نسى مكانه (فتح مصر - ص 505)
حـــــــــريـــق مكتبـــــــــــة الإسكندريــــــــــة
بداية نرى رأى الخليفة عمر بن الخطاب و عمر بن العاص في العلوم و المعرفة هكذا فى القصة التالية
كان قد بلغ مسامع أحد علماء الإسكندرية ان عمرو مزمع على حرق المكتبة و يعتقد المؤرخين إن أسمه (يوحنا فيلوبومس) فذهب إليه ورجاه ألا يتصرف في هذا الكنز ولا يدمر محتوياته بل إذا كان لا يهتم به فليضعه تحت تصرفه و قيل أن عمرو استصغر هذا العالم وقد كان يحتقر المصرين وقال في وصفه عنهم ، انهم أمه محتقره ، يحفرون بطن الأرض أي كان يسخر من زراعة الأرض و ظن إن يوحنا مجنونا لكي يهتم بهذه الرقوق العتيقة والجلود العفنة ، مضيعا حياته في عملا غير مفيد ، لأنه أي عمرو كان يعتقد ان سمو منزله الإنسان بعمله فى التجارة ، فالعرب هم أعلى درجه يعملون بالتجارة و الحرب فقط أما باقي الأعمال إنما هي أعمال محتقره عندهم .. إذ من المعروف إن العربي كان وما زال ينفر من العمل اليدوي وكانوا يسمونه مهنة ، المهنة بالفتح ، أى الخدمه ، و الماهن (الخادم )، و قد مهن القوم أي خدمهم وأصل الكلمة من (الامتهان) ، ولذلك يوصف الحقير والضعيف والقليل بـ (المهني) وما دام يعمل في هذه الأعمال الحقيرة فهو إنسان حقير ، ولكن العالم المصري أصر على رأيه لينقذ حضارة مصر ، فقال له إن بعض الكتب يساوى كل الإسكندرية وما فيها
من ثروات وأموال
مأساة الغزو العربى لمصر-2 1-331
قال (القاضي جمال الدين أبو الحسن) في كتابه تراجم الحكماء و كما في (تاريخ التمدن الإسلامي لجرجي زيدان 3/42)، بعد أن فتح عمرو بن العاص مصر والإسكندرية ، دخل يحي النحوي على عمرو بن العاص وقد عرف ابن العاص
موضع الرجل من العلم فأكرمه عمرو دار هذا الحديث بينهما
قال يحي يوما لعمرو بن العاص ، انك قد أحطت بحواصل ( بكل شئ عن) الإسكندرية وختمت على كل الأجناس الموصوفة الموجودة بها، فإما ما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه ، وإما ما لا نفع لكم به فنحن أولى به ، أمر بالإفراج عنه
فقال له عمرو و ما الذي تحتاج إليه؟
رد يحي النحوي و قال
كتب الحكمة في الخزائن الملوكية وقد أوقعت الحوطة عليها ونحن محتجون إليها ولا نفع لكم بها
فقال له عمرو ...ومن جمع ( قام بتجميع ) هذه الكتب
رد عليه يحي ثم قص عليه هذا الحوار الذي دار بين بطولوماس و زميرة
»-- بداية الحوار
(بطولوماس قيلادلفوس) من ملوك الإسكندرية لما ملك حبب إليه العلم والعلماء والتفتيش عن كتب العلم
وأمر بجمعها وافرد لها خزائن فجمعت و ولى أمرها رجل يعرف (بابن زميرة) وتقدم إليه بالاجتهاد في
جمعها وتحصيلها والمبالغة في أثمانها وترغيب تجارها ففعل واجتمع من ذلك في مدة (خمسون آلف كتابا ومائة وعشرون كتابا) ولما علم الملك باجتماعها وتحقق عدتها قال بطولوماس لزميرة
أترى بقى في الأرض من كتب العلم ما لم يكن عندنا
فقال له زميرة
قد بقى في الدنيا شيئا في « الهند والسند وفارس وجر جان والأرمن وبابل والموصل وعند الروم »
فعجب الملك من ذلك وقال له
داوم على التحصيل (أي إحضار الكتب) ، فلم يزل على ذلك إلى أن مات ، وهذه الكتب ما تزال محروسة محفوظة و يراعها كل من يلي الأمر من الملوك وأتباعهم إلى وقتنا هذا
»-- انتهى الحوار
فاستكثر عمرو ما ذكره يحي وعجب منه وقال له
لا يمكنني أن آمر بأمر إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، و كتب عمرو لـ عمر بن الخطاب وذكر له ما ذكره يحي وأستأذنه ما الذي يصنعه بها
فأجابه عمرو .. نظرا لأهمية هذه المكتبة كما ذكرت ، فليس في وسعى البت في أمرها كما لا يمكن أن أعطيها لك كما طلبت منى ، ثم رفع الأمر للخليفة عمر بن الخطاب
هذه القصة أيضاً يؤكدها المؤرخ العربي (أبو الفرج المالطى) في كتابه (مختصر الدول ص 18 )
قال (يحى النحوى) لعمرو
لقد رأيت المدينة كلها وختمت على ما فيها من التحف ولست أطلب إليك شيئاً مما تنتفع به بل ...
لا نفع له عندك وهو عندنا نافع.
فقال له عمرو ماذا تعنى بقولك
قال يحى أعنى ... بقولي ما في خزائن الروم من كتب الحكمة.
فقال له عمرو
إن ذلك أمر ليس لي أن أقتطع فيه رأياً دون إذن (الخليفة) ، ثم أرسل كتاباً إلى عمر بن الخطاب يسأله في الأمر
فأجابه عمر بن الخطاب قائلاً
و أما ما ذكرت من أمر الكتب فإذا كان ما جاء بها ...
(يوافق كتاب الله فلا حاجة لنا به) ، وإذا خالفه فلا إرب لنا فيه ،« فأحرقها ».
فلما جاء هذا الكتاب إلى عمرو بن العاص أمر بالكتب فوزعت على حمامات الإسكندرية لتوقد بها، فمازالوا يوقدون بها (ستة أشهر)
أدلة أخرى على امر عمر بن الخطاب بحرق مكتبة الإسكندرية
1- المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار للمقريزى ، طبعة بولاق 1272هجريه جزئ ص 159
فكتب الخليفة عمر بن الخطاب كتابا إليه قائل .... إذا كانت هذه الكتب لا تحتوى على شئ غير السطور في القرآن فهي كعادمها ، وإذا كانت هذه الكتب تنافى ما جاء بالقرآن فهي ضاره ومؤذيه لا يجب حفظها...إذا فعلى كلتا الحالتين يجب حرقها وإبادتها من الوجود ، وأمر عمرو بن العاص باستعمال هذه الذخائر والنفائس كوقود في حمامات الإسكندرية.
2- راجع الغدير 6/3،1-3،2 والفهرس لابن النديم ص 334
وظلت الحمامات تستخدمها كوقود لمدة ( 6 أشهر) كاملة فكتب عمر بن الخطاب الى عمرو بن العاص يقول له
و اما الكتب التي ذكرتها ، فان كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى ، وان كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة أليها فتقدم (بإعدامها) ، فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الإسكندرية واحرقها في مواقدها فذكروا أنها استنفذت في (ستة اشهر)
اكتشافات أثرية
حمام عام من حمامات الاسكندريه الشهيرة بنى فى القرن الثالث الميلادي وظل يستعمل بعد إحلال العرب مصر الدور الثالث منه حمام الماء البارد والأسفل حمام دافئ والحفريات وجدت أعمده للتسخين تعمل بطريقه معقده عن طريق مواد تحترق ويخرج الهواء الساخن من بين جدران طوب الحمام.
قال ابن خلدون في تاريخه 1/32
أورد ابن خلدون الخطابات السابقة في مقدمته ، ولم يطلع عمر بن الخطاب على ما تحتويه المكتبات لهذا استندت هذه الخطابات على أسس خاطئة ، فكانت النتائج مدمره للعالم كله ، لأن (مكتبه الإسكندرية) كانت تحوى تسجيلا كاملا ودقيقا لأساسيات حضارة العالم ومقوماته الفكرية والثقافية و العلمية ، وعند تدمير الأساس ( السجل الحضاري ) انهارت العلوم ورجعت البشرية قرونا من التخلف الحضاري.
يعرض لنا المؤرخ العربي الشهير المقريزى » فى كتابه ( المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار ) فى حديثه عن (عمود السواري) (في الإسكندرية) في ص 159 فكتب يقول
إن هذا العمود من جملة أعمدة كانت تحمل رواق أرسطاطاليس الذي كان يدرس به الحكمة وانه كان دار علم وفيه خزانة كتب (أحرقها) عمرو بن العاص بإشارة من عمر بن الخطاب رضى الله عنه
ذكر المستشرق جيبون » إن عدد الحمامات التي تغذت على مكتبة الإسكندرية طيلة (ستة أشهر) كان أربعة آلاف حمام ، فلك أن تتخيل الكم الهائل من الكتب آلتي تظل تتغذى عليها أربعة آلاف حمام طيلة (ستة أشهر) ، كم يكون ؟.
مأساة الغزو العربى لمصر-2 12000
عمر بن الخطاب يفعل نفس الشيء في بلاد الفرس
لم تكن مكتبه الإسكندرية هي الوحيدة التي حرقها العرب ولم يكن أيضا هو الخطاب الوحيد الذي أرسله عمر بن الخطاب لحرق مكتبه ، فقد بعث بخطاب آخر إلى سعد بن أبى وقاص الذي غزا بلاد الفرس خاص بمكتبه الفرس قائلا (إن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه وإن يكن ضلالا فقد كفانا الله)
صاحب كتاب كشف الظنون1 /446 » أن المسلمين لما فتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم، كتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شانها وتقيلها للمسلمين فكتب أليه عمر بن الخطاب ، أن اطرحوها في الماء ، فان يكن ما فيها هدى ؟ فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه، وان يكن ضلال ؟ فقد كفانا الله تعالى ، فطرحوها في الماء وفي النار فذهبت علوم الفرس فيها.وقال (صاحب كتاب كشف الظنون) في 1/25 في أثناء كلامه عن أهل الإسلام وعلومهم ، انهم احرقوا ما وجدوا من كتب في فتوحات البلاد
بقلم: موريس رمسيس


المصدر:الحوار المتمدن

طالعوا هذه العناوين على الرابط أسفله
مأساة الغزو العربى لمصر-3
https://amazigh24.yoo7.com/t16862-topic#16919
مأساة الغزو العربى لمصر-1
https://amazigh24.yoo7.com/t16864-topic