أحب اللغة العربية وأكتب بها، لكني لست عربيا، واللغة العربية ليست لغتي الأم، بل أنا أمازيغي، ولغتي الأم هي الدارجة التي كانت بالنسبة لي بمثابة الثدي للرضيع. الدارجة خليط كبير من اللغة الأمازيغية والعربية والفرنسية والبرتغالية والإسبانية ولغات أخرى. عن طريق الدارجة تلقيت معرفتي الأولى بالعالم عبر ما كنت أسمعه وأنا جنين في بطن أمي ثم وأنا رضيع ثم وأنا أحبو متلمسا الخطوة الأولى وعبر حكايات جدتي لي وحكايات أعمامي عن البادية ثم عبر الشارع بحكاياته الواقعية والسحرية. الآن وبعد كل هذه السنوات من الحياة، مازلت أعتبر أن ما اكتسبته عبر الدارجة هو أكثر ما يحفزني على الكتابة والإبداع، فالدارجة ليست لغة فقط، بل روحا مستقلة بنفسها تجسدها ثقافة مستقلة بنفسها، تتفاعل مع اللغة والثقافة العربية، كما مع اللغة والثقافة الفرنسية، ولغات وثقافات أخرى، لكنها مستقلة عنها جميعا استقلالا تاما. لذلك أكتب اللغة العربية مرارا وعن قصد وإصرار بسياقات وتراكيب للجمل تجد مرجعها في الدارجة المغربية أكثر مما تجده في اللغة العربية الفصحى. منذ محمد زفزاف ومحمد شكري وادريس الخوري ثم كتاب مغاربة آخرين لاحقين أصبح بإمكاننا الحديث عن لغة عربية فصحى مغربية لها قواعدها الداخلية الخاصة وسياقاتها الخاصة وتراكيبها الخاصة، المختلفة عن قواعد وتراكيب وسياقات اللغة العربية الفصحى كما جاءتنا أول مرة من المشرق على ظهر خيول الغزاة. هذه اللغة الوحيدة القادرة على وصف وتخييل الواقع المغربي بلغة الواقع عوض لغة القواميس العابرة للقارات التي تصلح أكثر للترجمة وللتعميم منها للدقة والتخصيص. بالتالي لا ينبغي أبدا تصحيح أخطاء اللغة العربية المغربية التي نكتبها في المغرب – أو التي يجب أن نكتب بها؟ – إلا بالرجوع إلى مصدرها الأساسي الذي هو الدارجة المغربية والتاريخ المغربي والثقافة المغربية والمناخ المتوسطي المغربي عوض الرجوع إلى لغة شبه الجزيرة العربية ذات التاريخ المختلف والثقافة المختلفة والمناخ المختلف. بالنسبة للغويين الذين لا يميزون بين التلاقح الثقافي وبين الاستيلاب والمحاكاة سيحتاجون دروسا أطول وأقسى في فهم التاريخ ومعنى الهوية أكثر مما يحتاجونه من دروس في حفظ القواعد والصرف والتحويل والعروض، كي يفهموا الفارق.




الدارجة خليط كبير من اللغة الأمازيغية والعربية والفرنسية والبرتغالية والإسبانية والتركية… Aco10