احتلال فرنسا للجزائر (1830م
احتلال فرنسا للجزائر (1830م 2820
كانت فرنسا تريد منذ زمن الحصول على مركز ثابت في البحر المتوسط لتنافس به البحريَّة العسكريَّة الإنجليزيَّة، خاصَّةً بعد احتلال بريطانيا لجبل طارق في إسبانيا عام 1713م، ولجزيرة مالطة عام 1813م. -أيضًا- كانت فرنسا تريد تأمين تجارتها في البحر المتوسط، ولن يكون ذلك إلا بالسيطرة على الأماكن القويَّة التي تخرج منها هجماتٌ عدوانيَّةٌ على السفن، ومن أشهرها دول الشمال الإفريقي، وأقواها الجزائر. من الممكن -أيضًا- الربط بين ما رأته فرنسا في حرب اليونان الماضية، ومن قبلها في الحملة الفرنسية على مصر والشام، من ضعفٍ شديدٍ للدولة العثمانية، ممَّا يؤكِّد أنها لن يكون لها ردُّ فعلٍ إذا قامت فرنسا باحتلال الجزائر الآن، خاصَّةً مع بُعْد الجزائر عن إسطنبول، ومع انفصال الجزائر الفعلي عن العثمانيِّين منذ 1671م. أمَّا إذا انتظرت فرنسا عدَّة سنواتٍ فلعلَّ الإصلاحات التي يريد محمود الثاني أن يقوم بها في الجيش والأسطول، والدولة بشكلٍ عام، تؤدِّي إلى تغييرٍ يُقَلِّل من فرص نجاح الاحتلال.
افتعلت فرنسا حجَّةً لا تُؤدِّي في العادة إلى حروب، وهي مشادَّةٌ حدثت بين حاكم الجزائر حسين داي وسفير فرنسا لديها بيير دوڤال Pierre Deval حول تأخُّر فرنسا في دفع ديون بعض التجار الجزائريِّين، فأساء السفير الأدب أمام جمعٍ من السفراء، والوزراء، فضرب حاكمُ الجزائر السفيرَ بمنشَّة ذبابٍ في يده! اهتاجت فرنسا لهذا الحدث، والحقُّ أنَّه تصرُّفٌ غير لائق، ولكن ليس من المعتاد أن يكون الردُّ عليه بالجيوش والاحتلال الدائم، خاصَّةً أن أصل المشكلة هو تأخُّر فرنسيٍّ عن أداء مديونيَّاتٍ جزائريَّةٍ وليس العكس. عُرِفَت هذه الحادثة في التاريخ بحادثة منشة الذباب fly whisk incident، أو حادثة المروحة، ومع أنها حدثت في 29 أبريل 1827م، إلا أن فرنسا استخدمتها كحُجَّةٍ للاحتلال في 1830م!

أرسلت فرنسا أسطولًا كبيرًا من ستمائة سفينة، يحمل أربعةً وثلاثين ألف مقاتل من الجيوش البحريَّة والبرِّيَّة، وقاموا بإنزالٍ عسكريٍّ في سيدي فرج، على بعد سبعةٍ وعشرين كيلو مترًا غرب مدينة الجزائر في 14 يونيو 1830م، ودار القتال بينهم وبين الجيش الجزائري في 19 يونيو، وانتصر الفرنسيون، ثم احتلوا قلعة «سلطانية قلعة سي» أمام مدينة الجزائر في 5 يوليو، ومِنْ ثَمَّ خرج حسين داي من المدينة، فدخلها الفرنسيون، واحتلُّوها.
كانت العمليَّة سريعة، وظهر فيها الفارق الضخم بين إمكانات الجيوش الحديثة وغيرها ممَّن يُقاتل بأسلحةٍ وأنظمةٍ قديمة، كما ظهر أثر الفُرقة التي عانى منها المسلمون في هذه المرحلة التاريخيَّة الصعبة؛ حيث لم تأتِ نجدةٌ للجزائر من أيِّ قُطرٍ مسلم -باستثناء المغرب- ولا من الدولة العثمانية ذاتها. هذا هو الخروج «الرسمي» للجزائر من حكم العثمانيين، حيث سيستمر احتلالها إلى 1962م.
#historyino1

المصدر:
:black_small_square:كوران، آرجمنت: السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر
:black_small_square:التر، عزيز سامح: الأتراك العثمانيون في أفريقيا الشمالية
:black_small_square:Pennell, C. R.: Morocco Since 1830
:black_small_square:أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية
:black_small_square:دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط