مصطلح المغرب العربي هذا المصطلح العنصري بدأ يظهر وينتشر في أدبيات الساسة العربية ولو بشكل ضعيف في عام 1913 حينما تأسست الحركة القومية العربية في باريس من طرف المخابرات الفرنسية والبريطانية ، ثم أخذ يظهر بشكل واضح وسريع في أواسط الأربعينيات حينما تأسست الجامعة العربية في عام 1945 برعاية السلطات البريطانية التي أرادت من ذلك القضاء على ماتبقى من الأمبراطورية التركية ، وقد كانت السلطات البريطانية أنذاك تحرض رجال العروبة وترشهم بالمال للدعاية لهذه الجامعة والانخراط فيها ، وفي سياق هذا الموضوع يقول المفكر المصري بيومي قنديل منظر حزب "مصر الأم" الفرعوني " إن إنشاء الجامعة العربية كان برعاية بريطانيا العظمى التي كانت متحكمة في المنطقة و الحقائق تقول إن مكتب المخابرات البريطاني في القاهرة كان يدفع رشاوي لشخصيات لكي يروجوا لفكرة القومية العربية أنذاك وزيادة على ذلك فإن المسماة الجامعة العربية قد تأسست وظهرت إلى الوجود في باريس ولم تتأسس في دمشق أو لبنان أو بغداد أو في أي معقل آخر للحركة القومية العربية وهذا إنما يدل على أن مؤسسها الحقيقي كان هو الإستعمار البريطاني وبتشجيع فرنسي الذين أرادوا من خلال ذلك إضعاف وتشتيت الإمبراطورية الإسلامية في تركيا أنذاك حتى لا تحول بينهم وبين تحقيق أحلامهم الإستعمارية التوسعية في منطقة الشرق الأوسط الكبير ومنطقة شمال إفريقيا وفي هذا يندرج أيضا قيام السلطات البريطانية بمساعدة القوميين العرب وتشجيعهم على تأسيس أحزاب ومنظمات قومية لنفس الغرض المذكور ..
وهكذا ظهرت إلى الوجود عدة أحزاب قومية متطرفة وعلى رأسهم حزب البعث العربي الإشتراكي الذي أسسه السوري ميشال عفلق في سنة 1952 وهو مسيحي يوناني المذهب، وابتداءا من ذلك التاريخ أصبح مصطلح " المغرب العربي " يستعمل بشكل رسمي في كل أدبيات وخطابات الأحزاب العربية، إلى أن وصل فيروسه إلى الأحزاب المغاربية في بداية الخمسينيات عن طريق ساطع الحصري بعد أن تبناه بشكل متطرف في كتابته وخطابته القومجية ..
لاشك إذن أن الأفكار المسمومة التي كانت تأتي من الشرق إلى تمازغا عن طريق الحركة القومية العربية قد أعطت أكلها داخل الأحزاب المغاربية وجعلت هذه الأخيرة تنخرط في المشروع القومي العربي وتتخلى بذلك عن تسمية شمال إفريقيا لتستبدلها بالمصطلح العنصري الذي هو " المغرب العربي " وتتخلى أيضا في آن واحد عن تسميات أخرى من قبيل المغرب الإسلامي، المغرب الأقصى ، المغرب الأوسط، المغرب الأدنى، وهذه التسميات الثلاثة الأخيرة كانت تحيل إلى المواقع الجغرافية للدول الأمازيغية في الغرب الإسلامي للتفريق بينها وبين الدول العربية في الشرق الإسلامي وليس المقصود بها المغرب الحالي الذي كان يسمى أنذاك ( بمراكش ) لعل من أهم ما أضافه التاريخ في بداية الخمسينيات إلى الأحزاب المغاربية كان هو مصطلح "المغرب العربي " بعد أن كان في الماضي مقتصر فقط على بعض القوميين العرب ولا يتعدى عن خطابتهم السياسية ، فمصطلح المغرب العربي لم يكن في السابق يستعمل عند الساسة المغاربيين لا في خطابتهم ولا في تسمية تنظيماتهم وجمعياتهم السياسية ، فجل التنظيمات التي تأسست قبل الخمسينات كانت تسمى بشمال إفريقيا اللهم إذا استثنينا المكاتب التي أطلق عليها "بالمغرب العربي" في أواخر الأربعينات ، نظرا لأن بعض مؤسسيها ينحدرون من الشرق الأوسط، أضف إلى ذلك أن مكان تأسيسها كان في معاقل الحركة العروبية ..
وعلى صعيد آخر كانت هناك عدة تنظيمات سياسية مغاربية تحمل اسم شمال إفريقيا، وفي مقدمتها نجد " جبهة الدفاع شمال إفريقيا " التي أسسها الشيخ محمد الخضر التنوسي في سنة 1944 و ضمت أعضاء من شمال إفريقيا و " نجم شمال افريقيا " الذي تأسس في باريس من طرف الجزائريين سنة 1926 و "منظمة الإتحاد العام لطلبة شمال إفريقيا المسلمين" و غيرها ، وحتى مع تأسيس مكاتب المسماة "بالمغرب العربي" في بعض العواصم العربية والقاهرة، ثم بعده المسماة "لجنة تحرير المغرب العربي" لم يكن مصطلح "المغرب العربي"يعني شيئا بالنسبة للساسة المغاربيين ماعدا أنه كان يشير ويقتصر على تسمية المكتب واللجنة ولم يكن الشمال الافريقي أنذاك يسمى بذلك المصطلح العنصري من طرف الساسة المغاربيين ماعدا الذين كانوا منظوين تحت المكتب واللجنة كما أن المسماة "لجنة تحرير المغرب العربي" لم تكن تسمى بتلك التسمية من طرف عدة جهات فعلى سبيل المثال كان يسميها روبير مونطاني " برابطة الدفاع عن شمال إفريقيا " والحكومة الفرنسية كانت تسميها " بجبهة الدفاع عن شمال إفريقيا " وليس " بجبهة الدفاع عن المغرب العربي " كما أطلق عليها العجوز القومجي عبد الكريم غلاب في كتبه ..
على هذا يمكن القول أن تاريخ ظهور وبروز مصطلح " المغرب العربي " في شمال إفريقيا وخارجها قد جاء على مراحل متفرقة ، مرحلة أولى ظهر فيها بشكل ضعيف مع تأسيس الحركة القومية العربية في العشريات ومرحلة ثانية ظهر فيها بشكل قوي مع تأسيس الجامعة العربية في الأربعينيات ومرحلة ثالثة وصل فيروسه إلى الأحزاب المغاربية مع تأسيس حزب البعث العربي القومي في الخمسينات ثم مرحلة أخيرة وهي مرحلة تأسيس ما يسمى " بإتحاد المغرب العربي " في أواخر الثمانينات وبالضبط في يوم 16 فيفري 1989 والتي طغى فيها استعمال مصطلح "المغرب العربي" بشكل ملحوظ عند الساسة المغاربيين مثلما نشهده اليوم .