مونديال الشعوب والثقافات… في مواجهة مونديال الأموال
أصر صامويل إيتو (ينتمي إلى الجيل الجديد من المسيرين الأفارقة)، وهو كذلك اسطورة كرة القدم الكاميرونية على مر العصور، في احدى البرامج التلفزيونية على ايصال منتخبين افريقيين الى الدور النهائي لكأس العالم، وهما المنتخب المغربي ومنتخب بلاده الكاميرون، واعطى حلم الفوز بكأس العالم لبلده.
فوز منحه ايطو لبلده بقلبه بعد ان فشل في ذلك بقدميه. الرجل أبدى حماسة افريقية لا تخطؤها العين، حماسة ذكرتنا بحماس، سماع الأسماء الافريقية الرنانة في ملاعب كأس العالم على مر العصور. ما يهمني توضيحه هنا هو ان الأفارقة قد فازوا بكل شيئ ومن زمان، وأخص بالذكر هنا كأس العالم الذي فاز به الأفارقة كأفراد في انتظار ان يفوزوا به كمجموعات، (منتخبات)، ولكن كأفراد كيف؟.
هذا السؤال يدفعنا الى البحث في تاريخ التتويج باللقب العالمي، وكيف ساهم الأفارقة في صنع الامجاد الكروية التي كتبت بحبر الفخر والاعتزاز، وهو ما فعله بيليه، مع منتخب البرازيل، وبواتينغ مع منتخب ألمانيا. أليسوا هؤلاء افارقة؟ نعم هم كذلك. ولكن قسوة تجار الرق حرموا افريقيا من موهبة بيليه عندما هجروا عائلته قسرا الى مزارع البن وغيرها من مزارع الامبرياليين في هذا البلد الامريكي الجنوبي دو الخصوصية الإثنوغرافية المعروفة، والتي هي بطبيعة مختلفة عن الاثنية الأفريقية وخصوصياتها الثقافية والجينية…. لا يمكن اليوم ان ياتي احد ويقنعني بأن بيليه ليس افريقيا وانه من شعوب الأمازون…. ما يقال على بيليه، يمكن ان يصدق على بواتينغ الغاني الذي نشأ في المهجر وتوج بكأس العالم رفقة المنتخب الألماني، بعدما ان هاجرت عائلته الى أوربا بحثا عن افاق جديدة للرقي الاجتماعي…
ان تحالف ظروف التاريخ، وظروف الاقتصاد هي من حرمة افريقيا من التتويج الجماعي بالألقاب الجماعية مند زمن طويل، هذا الفشل مرده الى أسباب ذكرنا بعضها، والآن سنقف على تعليل آخر يبين صدق ما ذهبنا اليه، ويتعلق الأمر بالتتويج العالمي للأفارقة ببطولات العالم، وفي مقدمتها الالعاب الأولمبية الخاصة بكرة القدم وبطولات الشباب التي توج بها الأفارقة عن جدارة واستحقاق، ونذكر على سبيل المثال هنا غانا، نيجيريا… الذين قهروا مدارس كروية عالمية ومنها البرازيل والارجنتين… وهذا ما جعل الاوربيون ينتبهون إلى نهضة افريقية وصحوة رياضية كروية قادمة لا محالة وقاموا حينها بنشرة الالاف السماسرة في كل ربوع القارة الأفريقية بحثا عن جواهر إفريقية ناذرة… وكان السبب من وراء ذلك هو افشال الحلم الافريقي في التتويج الجماعي بلقب كأس العالم، وهكذا دخلت هذه الجواهر النادرة الى بورصة الشركات الرياضية العالمية التي تتداول بملايين الدولارات – بعد ان ادخلوا الى مزارع البن والقطن والسكر في السابق – ولكن على حساب حلم الأفارقة المهدور، ولم يكتفوا هؤلاء بهذا فحسب فقد عملوا على سن قوانين التجنيس التي تعطي الحق لأي لعب كيفما كانت جنسيته في تمثيل بلد الاقامة، وهذا ما يجعلنا مرة آخرى امام ظاهرة غريبة، ويتعلق الأمر بحدود الاوطان ثقافيا ومصير ثقافة الانتماء… تصورا معي لاعبين، أخوين، يتناولان وجبة الفطور على طاولة واحدة في الصباح، وأمام اعين أبويهما، واخوتهم الاخرين، وعند خروجهم الى التداريب يقومون بذلك في وقت واحد…. ولكن عند ارتداء الفانيلة هذا يرتدي ألمانية والآخر غانية؟ ماهذا؟!! هذا ما جناه التجنيس علينا….
لكل مخطط هفوات ونواقص، فالهجرة مكنت الشعوب من الالتقاء والتجانس والتعرف على بعضها البعض، كما مكنت الاجيال الأفارقة من تطوير دواتهم والعمل على الرقي في مصاف الدراجات وما دمنا بصدد كرة القدم، فأعتقد ان سياسة النوادي والشركات الرياضية العالمية التي استفاد منها الأفارقة وفي أعلى المستويات في العالم هي التي ستمكن الأفارقة من التتويج الجماعي (المنتخبات)، بلقب كأس العالم شريطة ان تتوفر الاتحادات المحلية على خطة واضحة المعالم في مجال الاستفادة من طاقات ابناء المهاجرين، وهي على كل سياسة تشتغل اليوم في العديد من البلدان الإفريقية وفي مقدمتها المغرب، وسوف نراها غدا في الكاميرون، والسنغال، غانا، نيجريا، الكوت ديفوار وغيرها.
خلاصة القول ان العديد من الشعوب الافريقية توجت فرديا بكأس العالم ومنها الامازيغ مع الاسطورة زيدان، والكورد مع مسعود اوزيل، وغانة مع بواتينغ، واغلبية قوميات افريقيا الغربية مع فرنسا.. وقبلهم فقد توجت افريقيا كلها مع بيليه، ولكن يبدو لي ان فرنسا ستكون مرة آخرى من اكبر الخاسرين اذا ما نجح الأفارقة في افشال التجنيس الكروي….
المصدر: مواقع ألكترونية