الجاذبية تنعدم في الفضاء: مغالطة علمية
لطالما شاهدنا في الأفلام الوثائقية والسينمائية للفضاء والمراكب الفضائية أنَّ رواد الفضاء وأغراضهم يبدؤون بالطفو في الفراغ بمجرد خروجهم من الغلاف الجوي للأرض، وقيلَ لنا إنَّ السبب هو انعدام الجاذبية؛ أي الجاذبية تساوي الصفر، ولكنَّ هذا التفسير خاطئ، ونحن هنا لتفسير هذه المغالطة العلمية.
في مقالنا هذا سنتحدث عن مفهوم الجاذبية، ونفسر "هل تنعدم الجاذبية في الفضاء أم الأمر مجرد سوء فهم ومغالطة علمية؟"؛ لذا تابعوا معنا.
ما هي الجاذبية؟
الجاذبية هي قوة الجذب التي تتمتع بها الكواكب وبعض الأجسام الأخرى، والتي تُتيح لها توجيه وجذب الأشياء نحو مركزها، والجاذبية هي القوة التي تُبقي جميع الكواكب في مداراتها حول الشمس.
ماذا تفعل الجاذبية؟
هل تساءلت لماذا تسقط على الأرض عندما تقفز بدلاً من أن تطفو في الجو؟ أو لماذا تسقط الأشياء عندما ترميها أو تسقطها؟ الجواب هو وجود الجاذبية؛ والجاذبية هي قوة غير مرئية تسحب الأشياء تجاه بعضها بعضاً، وهنا جاذبية الأرض هي ما تُبقيك ثابتاً عليها، وهي ما تجعل الأشياء تسقط بدلاً من أن تطير.
تتناسب الجاذبية طرداً مع كتلة الأجسام وعكساً مع المسافة بين الجسم والسطح الجاذب؛ إذ إنَّ الأجسام ذات الكتلة الأكبر لها جاذبية أكبر، وكلَّما زادت المسافة بين الجسم والسطح الجاذب ضعفت الجاذبية.
تأتي جاذبية الأرض من كتلتها كاملةً؛ إذ إنَّها تؤثر بكامل كتلتها في كتلة الأجسام التي تجذبها؛ وهذا ما يعطينا مفهوم الوزن، فوزننا على الأرض ناجم عن كتلتها وقوة جذبها، في حين إن كنَّا على كوكب كتلته أقل من كوكب الأرض، فسيكون وزننا أقل منه هنا؛ وخلاف ذلك صحيح أيضاً، وكذلك أجسامنا لها نفس قوة الجذب التي تمتلكها الأرض، لكن نظراً لأنَّ الأرض أكبر منَّا بكثير؛ فليس لقوة جاذبيتنا أي تأثير فعلي في الكوكب.
الجاذبية في كوننا:
جاذبية الشمس هي التي تُبقي الكواكب في مداراتها حولها، وتُبقي جاذبية الأرض القمرَ في مداره حولها، بينما تؤثر جاذبية القمر في مياه البحار؛ وهذا ما يسبب ظاهرة المد والجذر، وتعمل الجاذبية في الكون على جذب النجوم والكواكب؛ إذ تعمل قوى الجذب هذه على تجميع المواد التي تتكوَّن منها ببعضها بعضاً.
كذلك لا تجذب الجاذبية الكتلة فقط؛ بل تجذب الضوء أيضاً؛ إذ اكتشف العالمُ ألبرت أينشتاين هذا المبدأ، وقال إنَّك إذا وجَّهتَ مصباحاً يدوياً إلى السماء، فإنَّ الضوء سيزداد احمراراً بشكل غير محسوس بينما تسحبه الجاذبية الكونية؛ وهذا أمر لا يمكن رؤيته بالعين المجردة؛ بل يحتاج إلى منظارٍ خاصٍ لرؤية تشتت الأشعة.
ومنه اكتشف ظاهرة الثقوب السوداء، وأشار إلى أنَّ الثقوب السوداء قادرة - على الرغم من صغر حجمها - على سحب وتجميع الكتل مهما كان حجمها؛ وذلك نتيجة قوة جاذبيتها؛ إذ تمنع أي شيء وحتى الضوء من الإفلات من قبضتها.
الجاذبية على الأرض:
الجاذبية قوة هامة جداً بالنسبة إلينا؛ فلا يمكننا العيش على الأرض دونها؛ إذ تُبقي الجاذبية - كما قلنا - الأرض وباقي الكواكب في مداراتها وتُبقينا على مسافة مريحة تُمكِّننا من الاستمتاع بضوء الشمس ودفئها، وكذلك تحافظ على غلافنا الجوي والهواء الذي نحتاج إليه للتنفس، وهي ما تربط حرفياً كل شيءٍ في عالمنا ببعضه بعضاً.
مع ذلك فإنَّ الجاذبية الأرضية ليست متساوية بالشدة في كل مكان على سطح الأرض؛ إذ تكون الجاذبية أقوى بقليل في الأماكن ذات الكتلة الأرضية الأكبر منها في الأماكن ذات الكتلة الأرضية الأقل.
لقياس هذه التغيرات في قوة الجاذبية؛ عمدت وكالة ناسا إلى إرسال رحلة مكوَّنة من مركبتين فضائيتين اسمهما "غرايس" إلى الفضاء في مَهمةٍ لدراسة التغييرات في الجاذبية والمتغيرات المناخية؛ إذ اكتشفت غرايس تغيرات طفيفة في الجاذبية مع مرور الوقت، هذه التغيرات كشفت تفاصيل هامة عن كوكبنا.
على سبيل المثال: تراقب غرايس التغيرات في مستويات سطح البحار والمحيطات، وخلالها أيضاً يمكن اكتشاف التغيرات في القشرة الأرضية وتحركها وتوقُّع الزلازل ودراستها.
هل تنعدم الجاذبية في الفضاء؟
رأينا في مقاطع الفيديو كيف أنَّ رواد الفضاء يطفون داخل المركبة الفضائية، وتعلمنا أنَّ السبب هو انعدام الجاذبية، أو بسبب انعدام الهواء، أو لأنَّ قوانين الفيزياء لا تنطبق على الفضاء الخارجي، وهذا الأمر كله خاطئ.
يخبرنا العلماء بأنَّ قوانين الفيزياء تنطبق بالفعل على الفضاء الخارجي وأنَّ غياب الهواء ليس أيضاً المسؤول عن غياب الجاذبية، وأنَّ الجاذبية ليست منعدمة في الفضاء؛ وإنَّما موجودة، إذاً ما الذي يُفسر الشعور بانعدام الوزن الذي يختبره رواد الفضاء في الفضاء الخارجي؟
يوجد نوعان من العوامل التي تفسر ذلك:
المسافة:
تمتد الجاذبية المتولدة عن الشمس والأرض والقمر والكواكب الأخرى إلى جميع أنحاء الفضاء الخارجي، ومع ذلك يتناقص تأثير هذه الجاذبية مع ازدياد المسافة؛ لذلك مع المسافات القصوى قد تقيس الجاذبية المُطبَّقة على جسم معيَّن تقريباً الصفر، لكن تقريباً وليس صفراً؛ إذ إنَّها لن تكون غائبة تماماً.
الوزن:
إنَّ المسافة وحدها لا تفسر الشعور بانعدام الوزن الذي يشعر به رواد الفضاء؛ لأنَّه للحصول على شعور انعدام الوزن بسبب المسافة يجب أن تكون المسافة بعيدة جداً، على سبيل المثال في مدار محطة الفضاء الدولية والتي تقع على ارتفاع 402,3 كم فوق الأرض، ما تزال جاذبية الأرض تؤثر في حوالي 90% من تأثيرها في سطح الأرض؛ لذلك إذا كنا سنعتمد المسافة وحدها كمقياس لوصول الجاذبية الأرضية إلى تقريب الصفر، فتخيَّل كم يجب أن نبتعد عن الأرض؟
يمكن تفسير تجربة رواد الفضاء الذين يختبرون انعدام الوزن من خلال علاقتهم بالمركبة الفضائية التي يقودونها؛ إذ يتأثر رواد الفضاء داخل مركبتهم بالفضاء الخارجي في الجاذبية بنفس الطريقة التي تتأثر فيها مركبتهم؛ إذ كلاهما يدور حول الأرض؛ مما يعني أنَّهما يسقطان بشكل جانبي نحو الأرض معاً.
كتجربة سقوط مصعد من طابق شاهق؛ ستسقط أنت والمصعد بفعل الجاذبية وستطفو داخله كما تطفو في الفضاء.
يشعر رواد الفضاء على الأرض بقوة الجاذبية كوزن؛ وذلك لأنَّ سطح الأرض يعطيهم ثباتاً ويمنعهم من السقوط، بينما في الفضاء الخارجي لا توجد أرضية ثابتة للضغط وتثبيت رواد الفضاء؛ لذا هنا رواد الفضاء يدورون ويسقطون في نفس مستوى دوران وسقوط سفينتهم نحو الأرض كما في سقوط المصعد؛ وعندها يشعر الرواد بانعدام الوزن كما لو لم تكُن توجد جاذبية.
الجاذبية في الفضاء
قانون نيوتن في الجاذبية:
ينص قانون الجاذبية لنيوتن على أنَّ أي جسيمٍ من مادة في الكون يستطيع جذب أي جسيمٍ آخر نحوه بشكل مباشر بقوة تتناسب طرداً مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكساً مع مربع المسافة بينهما.
وَضع نيوتن هذا القانون عام 1687م وصاغه رياضياً كما يأتي:
قوة الجاذبية F تساوي ناتج ضرب كتلة الجسم الأول m1 في كتلة الجسم الثاني m2 في ثابت الجاذبية G مقسوماً على مربع المسافة بين الجسمين.
أي: F = m1 x m2 x G / r2
مجال الجاذبية:
يُعرَّف مجال الجاذبية في أيَّة نقطة من الفضاء P بأنَّه قوة الجاذبية التي تؤثر وتشعر بها وحدةٌ أو جسيمٌ له كتلة صغيرة موضوع في النقطة P، وهو عبارة عن نمط أو رسم لاتِّجاه قوة الجذب الذي ستشعر به الكتلة في نقطةٍ محددة. ويتحدد بالعلاقة الآتية:
مجال الجاذبية يساوي حاصل ضرب ثابت الجاذبية العام G في كتلة الجسم M مقسوماً على مربع المسافة r2.
الكوكب الأكثر جاذبية في النظام الشمسي:
تحتوي المجموعة الشمسية على عدد من الكواكب يختلفون في الحجم والبعد عن الشمس والتكوين الجيولوجي والغازي، ونعرف منهم عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو، ويُعَدُّ كوكب المشتري أكبر كوكب في المجموعة الشمسية وصاحب أكبر مستوى جاذبية بين الكواكب الأخرى، ويُعَدُّ الأقوى بعد الشمس في جاذبيته.
بعض الحقائق عن الجاذبية:
يستغرق رواد الفضاء العائدين إلى الأرض فترة من الزمن لاستعادة التوازن وقدرتهم على تحمُّل الوزن والثبات والمشي.
يفقد جسم رائد الفضاء شهرياً 1% من كتلته العظمية خلال وجوده في الفضاء في حالة انعدام الوزن.
من بين الكواكب؛ يمتلك المريخ أقل قوة جاذبية في النظام الشمسي، والمشتري لديه أكبر قوة جاذبية.
تتصرف بكتيريا السالمونيلا المعروفة - والتي تسبب أمراض الأمعاء - بشكلٍ أنشط في حالة انعدام الوزن، ويمكن أن تسبب ضرراً أكبر بكثير لجسم الإنسان.
من بين جميع الأجرام الفلكية المعروفة في الكون؛ تمتلك الثقوب السوداء أكبر قوة جاذبية؛ إذ تعادل قوة جاذبية ثقب أسود بحجم كرة الجولف قوة جاذبية كوكبنا بأكمله.
إنَّ قوة الجاذبية على الأرض ليست نفسها في جميع أنحاء كوكبنا، على سبيل المثال في منطقة خليج هدسون بكندا تكون الجاذبية أقل مما هي عليه في مناطق أخرى من العالم.
في الختام:
لقد تحدثنا في هذا المقال عن ماهيَّة الجاذبية وماذا تفعل، وتعرَّفنا إلى جاذبية كوننا وجاذبية الأرض، وأجبنا عن السؤال الذي راودَ العديد منا والمغالطة الشائعة عن انعدام الجاذبية في الفضاء، وذكرنا قانون نيوتن في الجاذبية، بالإضافة إلى فكرة مجال الجاذبية وما هو الكوكب الأكثر جاذبية في المجموعة الشمسية، وأحطناكم علماً ببعض الحقائق عن الجاذبية.
المصدر: مواقع ألكترونية