قرية “أهل الكهف” التونسية.. موقع تصوير “حرب النجوم” يواجه خطر الاندثار
سلط تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، الضوء، على قرية تونسية ضاربة في التاريخ، شيدها الأمازيغ منذ مئات السنين.
القرية تدعى “شنين” وهي تقع في الصحراء الجنوبية لتونس، فوق صخرة عالية، لم يبق يسكنها سوى بضع عائلات.
يقدر تقرير الصحيفة الأميركية أن نحو 500 شخص فقط، أغلبهم من المزارعين والرعاة الأمازيغ لا يزالون يعيشون في تلك الكهوف المحفورة في الصخر، حيث تبزغ كل ليلة بضع بقع ضوء في منازل متهالكة.
حليمة نجار (38 سنة) التي تقطن القرية، عبرت في حديث لنيويورك تايمز عن أسفها لما آلت إليه قريتها إلى قريتها، وتساءلت عما إذا كانت هناك فرصة لإنقاذها من التلف رغم أن “الآفاق تبدو ضعيفة” وفق تعبير التقرير.
الحياة القديمة في القرية كانت مركزة على عصر الزيتون ورعي الأغنام لكنها اليوم تتعثر في مواجهة الجفاف الشديد، وفق ما قالته نجار، وهو السبب وراء قرار كثيرين ترك القرية لوجهات أخرى بينها أوروبا، التي لا مجال لهم اليوم للوصول إليها سوى قوارب الموت.
تقول حليمة في الصدد “أريد أن أغادر من أجل مستقبلي، أريد أن أجرب شيئًا جديدًا، أفعل شيئًا في حياتي، كن الأمر صعب علينا هنا” بينما قالت والدتها سليمة نجار، 74 عاما، “نحن الآن معا، لكن في كل مرة يكبر أحدهم، ثم يغادر”. قبل أن تستدرك وهي تتنهد “لقد تُركنا لوحدنا هنا”.
كيف نشأت القرية؟
يعتقد سكّان القرية، الواقعة على بعد نحو عشرين كيلومتر عن ولاية تطاوين، أنّ قصّة أصحاب الكهف التي ورد ذكرها في القرآن الكريم قد جرت أحداثها في منطقتهم، وأنّ مقام المسجد الصغير المعروف باسم “الرقود السبعة”، هو المكان الذي أوى إليه فتية أهل الكهف وهم مدفونون في الغار الكائن في قمة أحد الجبال هناك، وفق الاعتقادات المتداولة.
لكن الحقيقة غير ذلك، فمنذ منذ ما يقرب من ألف عام، قرر الأشخاص الذين بنوا شنيني وقرى الكهوف المجاورة، فعل ذلك، لحماية مخازن المواد الغذائية الثمينة الخاصة بهم من المغيرين (الغزاة).
وبدأوا البناء باستخدام الحجر الذهبي الموجود بكثر للتمويه، حيث أقاموا مخزن حبوب فوق جبلهم الذي اصبح يشبه القلعة المحصنة، ثم أقبية مجوفة للعيش خارج سفح الجبل أسفله مباشرة.
بعدها ازدهرت معيشتهم رغم الظروف الصحراوية القاسية، بسبب حصاد الزيتون الوفير لإنتاج الزيت، وتخزين الطعام في مواجهة الجفاف.
على الجبل، كانت مساكنهم الكهفية تحميهم من حرارة الصيف وبرودة الشتاء.
واليوم، لا يزال يعيش البعض من أحفادهم في كهوف تم تحديثها إلى حد ما، ينامون في الداخل ويطبخون ويحافظون على الماشية في الخارج.
وفي المقهى الوحيد لشنيني، يمكن للقرويين رؤية المجموعة الخرسانية التي بدأت تغزو المنطقة والمعروفة بـ”شنيني الجديد”، وهي إحدى المستوطنات التي بنتها الحكومة بعد استقلال تونس عام 1956 عن فرنسا لجذب سكان المنطقة من قمم الجبال إلى الحياة العصرية.
في شينيني الجديدة، هناك مياه جارية وكهرباء، ووسائل الراحة التي كانت تفتقر إليها قرية الجبل القديمة حتى عقد أو عقدين.
ويمكن للعائلات البالغ عددها 120 أو نحو ذلك التي تعيش في شنيني الجديدة القدوم والذهاب عبر طريق معبدة، بينما لا يزال أقاربهم الذين بقوا في المنطقة الأصلية ينقلون كل شيء في الجزء العلوي من الجبل باليد أو على ظهور الحمير.
لكن لم يكن لدى أي من القريتين وظائف كافية أو الكثير من مرافق الترفيه.
بمرور الوقت، انتقل الكثيرون إلى تونس العاصمة أو إلى فرنسا وأجزاء أخرى من أوروبا بحثًا عن عمل، بينما بدأت العديد من القرى الجبلية الأخرى في المنطقة تخلو من سكانها، وتحولت مخازن الحبوب الخاصة بهم إلى مناطق جذب سياحي، خصوصا وأن المنطقة شكلت موقع تصوير الفيلم الخيالي الشهير “حرب النجوم” (Star Wars 1977).
لكن، وفي مقابل هذه العيوب، يوفر الجبل هواء نقيا ومناظر خلابة.
في المنطقة، مسجد مطلي باللون الأبيض على قمة سلسلة من التلال، يتردد صدى أذانه للصلاة بشكل من النتوءات الصخرية المحيطة.
قال علي ديغنيشي، 28 عاما، وهو مرشد سياحي في شنيني: “الحياة صعبة، لكن الحياة جيدة”. “كثير من الناس أغنياء، لديهم كل شيء، لكنهم ليسوا سعداء، إذا كان لدينا كل شيء، فلن يكون للحياة معنى، صحيح أننا بحاجة إلى العمل لكن كل شيء يأتي شيئًا فشيئًا”.
وتابع ديغنيشي الذي كان يكسب رزقه من حافلات السياح الذين اعتادوا القيام برحلات يومية إلى المنطقة، قبل أن تكبح كل طموحاته جائحة كورونا “لدينا طموحات، نريد سيارات منازل جديدة، لكن الوباء قضى على كلش يء”.
وكان أثر وباء كورونا قويا على عموم قطاع السياحة في تونس، ثم جاء الجفاف، ليزيد من معاناة أهل المنطقة.
وخلال آخر أربع سنوات، بالكاد سقطت بعض الأمطار على شنيني، مما أدى إلى إرباك الأساليب الزراعية المقاومة للجفاف التي تم شحذها على مدى قرون من الزراعة.
وهذه الأيام، تداعت أشجار الزيتون، وأغلقت معاصر الزيتون الخمس المتبقية في القرية بسبب نقص الزيتون، والواحة الآن آخذة في التقلص، والتمور التي تنتجها أشجار النخيل أصبحت الآن صالحة للحيوانات فقط.
لذلك، كان لابد من بيع الأغنام التي كانت ترعى في المنطقة بسبب نقص العلف، ولم تعد الخضروات تنمو، مما أجبر القرويين على شراء أغراضهم عوض الاستفادة من الزراعة المحلية.
وللتعبير عن الوضع، قال عمر موسوي، 45 سن ، أحد ساكني شنيني: “في يوم من الأيام، ربما تكون هذه القرية خالية من الناس”.
المصدر:مواقع ألكترونية