لماذا يبدو الفضاء مظلماً رغم تواجد عديد النجوم أكثر إشراقاً من الشمس
إذا لم تكن من محبي الضوء، فمن المحتمل أن العيش على سطح القمر أو في الفضاء هو الأنسب لك ! بغض النظر عن موضوع "الأكسجين". فإن سماء الليل تبدو مغرية جدًا على مدار الساعة ! و هذا ما يجعلنا نتساءل ...
لماذا يشع كل هذا الضوء على الأرض، ولكن لا يظهر شيءٌ تقريبًا بمجرد مغادرة الكوكب، رغم وجود العديد من النجوم العملاقة و الأكثر إشراقاً من الشمس ؟
لماذا يبدو الفضاء مظلماً رغم تواجد النجوم ؟
قد نعتقد أن ضوء النهار وظلام الليل نتيجة دوران الأرض حول محورها، و بأن الشمس تضيء دائما النصف المقابل لها من الكرة الأرضية. هذا جزء من السبب، لكن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك. أي أن الشمس تضيء على القمر أيضًا، لكن رغم هذا سماءه دائمًا ما تكون سوداء!
في الحقيقة كل الفضل يعود إلى الغلاف الجوي الذي يحيط بكوكب الأرض و الفريد من نوعه. فهو مليء بالغبار والأوساخ والغازات وقطرات المياه، التي تعمل جميعها مثل المرايا الصغيرة العاكسة لضوء الشمس. فعندما يصطدم ضوء الشمس بهذه الجسيمات الصغيرة، ينتشر ويخلق ألوانًا مختلفة.
لهذا السبب نرى السماء زرقاء وكل تلك الظلال المذهلة أثناء شروق الشمس وغروبها. لكن القصة تختلف تمامًا إن كنت على سطح القمر. أين لا يوجد غلاف جوي و تختلف مكونات الوسط هناك بالإضافة لسوداوية المحيط. كما ستمتلك القدرة على رؤية النجوم حتى عندما تكون الشمس مضيئة على السطح خلال النهار القمري.
نفس الشيء ينطبق على الفضاء. فهو مليء بالكثير من الغازات المختلفة، و في غياب غلاف يحوي جزيئات تعكس الضوء (الفضاء فارغ). لهذا السبب نجد أنه حتى عندما تكون الشمس مشرقة، يبدو الفضاء وكأنه فراغ أسود. لذا إذا اختفى الغلاف الجوي للأرض يومًا ما، فسيكون الظلام كما هو الحال في الفضاء أو على القمر تماماً.
لكن الشمس ليست مصدر الضوء الوحيد في الكون. إذن ... ؟ لماذا لا تتألق النجوم الأخرى بنور متوهج في الليل ؟ نحن لسنا أول من يتساءل عن ذلك. أجرى عالم فلك يُدعى "توماس ديجز" بحثًا عن هذا السؤال في القرن السادس عشر. كان Digges على يقين من أن الكون ليس له نهاية، ولا يمكن إحصاء النجوم فيه.
فحاول أن يجيب عن لماذا كل هذا العدد الكثيف من النجوم لكنها لا تعمينا بضوئها الساطع ... لكنه في الواقع فشل. و كانت أسئلته بعيدة جدًا عن زمانه، ولم يكن لديه الأدوات للعثور على الإجابة.
في وجود نجوم أكثر إشراقاً من الشمس، لماذا لا تضاء الأرض ليلاً ؟
في أوائل القرن التاسع عشر، اقترح عالم الفلك الألماني فيلهلم أولبيرز أن سبب كون سماء الأرض مظلمة في الليل هو بسبب حجاب غباري يخفي معظم النجوم عنا. ليثبت في وقت لاحق أن هذه الفكرة خاطئة أيضًا.
لم تسلط النجوم الضوء فقط ولكن الطاقة الهائلة التي يمكن أن تسخن بها جزيئات الغبار حتى تبدأ في السطوع. بهذا الحال كان يجب أن تكون سماء الليل مضيئة بسبب هذا الغبار الساطع. ومع ذلك نرى السماء مظلمة كل مساء بعد غروب الشمس. ما هو السيئ في هذه النظرية إذن؟
كان يعتقد Digges و Olbers وعلماء الفلك الآخرون في الماضي أن الكون كان لانهائيًا، لكن علم الفلك الحديث يعرف بشكل أفضل عدد النجوم. و بما أنه قد يبدو لا حصر له، لكنه لا يكفي ببساطة لإلقاء الضوء على سمائنا ليلاً. فتصبح السماء مظلمة لأن النجوم، مثل الكون نفسه لا تدوم إلى الأبد إنها محدودة.
و كما نرى، للكون حدوده الخاصة وهو ليس قديمًا كما كان يعتقد العلماء. بالتأكيد، مجرد 14 مليار سنة ليس بالمقارنة مع تواجدنا نحن البشر طبعاً. فكونياً لا يزال شابًا بشكل مفاجئ.
ولا يكفي أن يصل كل الضوء القادم من أبعد النجوم إلى الأرض. بمعنى آخر، بفضل تلسكوبات اليوم القوية والهائلة، نعلم الآن أن الأمر يستغرق مليارات السنين للوصول إلينا من أبعد النجوم.
هذا يعني أنه عندما ننظر إلى السماء، فإننا نلقي نظرة على ماض بعيد جدًا. حيث بامكان التلسكوبات الحديثة أن تظهر لنا أن الضوء بدأ رحلته إلى الأرض منذ حوالي مئات ملايين او مليارات السنوات. كلما زادت قوة التلسكوبات، كلما استطعنا أن نرى الزمن.
يومًا ما سنتمكن من رؤية شيء كان موجودًا قبل ظهور النجوم، ربما من خلال دراسة الفجوات المظلمة بينها. لا تضيء النجوم سماء الليل كثيرًا لأنها تتقدم في السن حقًا حتى عندما ننظر إليها، وهي بعيدة بشكل لا يمكن تصوره.
فالضوء الذي تراه لنجم الآن هو في الواقع صدر منه قبل مدة زمنية سحيقة. إذا كان هذا هو الحال، إذن ... لماذا لا تتألق النجوم البعيدة مثل الشمس؟
يجب أن يكون هناك آلاف النجوم أقرب بكثير من تلك الموجودة في ضواحي الكون. نعم، بالتأكيد هناك الكثير ! دعونا نلقي نظرة على أقرب جيراننا في الفضاء، Proxima Centauri، كمثال. إنه عمليًا في الفناء الخلفي على بعد ما يزيد قليلاً عن 4 سنوات ضوئية منا. لكننا لا نستطيع حتى رؤيته في السماء بدون تلسكوب !
المشكل أنه أصغر بسبع مرات من شمسنا، ولا يعطي سوى جزء بسيط 1٪ من سطوع الشمس. وبالطبع جارتنا "القريبة" التي تبعد 4 سنوات ضوئية فقط على الطريق لا تزال بعيدة جدًا بحوالي 25 تريليون ميل.
المسافة و الغازات قد تحد من وصول الأشعة
بالمقارنة، فإن شمسنا الكبيرة الساطعة هي "مجرد" 93 مليون ميل من الأرض. لذا، نجمنا أكبر وأقرب بكثير. قد تكون النجوم الأخرى أكثر إشراقًا من الشمس، لكنها أيضًا أبعد بكثير عنا. لكن ألا تمدنا كل تلك النجوم البعيدة ببعض الضوء الملحوظ على الأقل على هذا الكوكب ؟.
لتقريب المعنى أكثر سنصيغها على هذا النحو: سيكون الأمر أشبه بتشغيل الكثير من مصابيح الجد صغيرة داخل غرفة. هي طبعاً ليست ساطعة مثل لمبة LED واحدة كبيرة. لكنها تعطي جزءًا من ضوءها. لذا فإنها تعطينا القليل من شيء ما، لكنه بالكاد ملحوظ.
تذكر أن الفضاء قد يكون فارغًا مقارنةً بالغلاف الجوي للأرض، ولكن هناك الكثير من الغازات هناك. فهي تتحرك وتشكل السحب وتعمل كنوع من الحجاب يخفي معظم الضوء في مجرة درب التبانة. لهذا السبب لا يمكننا رؤية كل ما يحدث في مجرتنا نحتاج إلى معدات خاصة لذلك.
لكن اتضح أن Olbers كان على حق نوعًا ما، فقط الستارة التي تغطي الضوء مصنوعة من الغاز وليس الغبار! حيث يأتي دور الانفجار الكبير.
تنص النظرية على أن الكون ولد في الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة. منذ ذلك الوقت، كان كل شيء يتحرك بعيدًا عن النقطة التي بدأ فيها كل شيء. أي أن الكون يتمدد، والأجسام الموجودة بداخله تبتعد عن بعضها البعض بمرور الوقت.
مصادر الضوء أيضًا تبتعد وتنتشر، مما يعني أن الفضاء يزداد عتامة، وعدد المناطق السوداء في تزايد. إنهم يتحركون بسرعتهم الخاصة لمليارات السنين، وتلسكوباتنا وأقمارنا الصناعية، مهما كانت خيالية، لا يمكنها مجاراتها.
إذن كيف نعرف أن هذه المناطق السوداء موجودة إذا لم يتمكن الفلكيون من رؤيتها ؟
لتبسيط ذلك كي لا نطيل أكثر، يدرس العلماء كيف تتصرف الأشياء المرئية. وكيف تتحرك الأجرام السماوية على طول مدار بيضاوي حول النجوم أو إذا كان لديها جاذبية أو تؤثر عليها أمور أخرى. لا يمكن تفسير ذلك إلا بوجود جسم فضائي غير معروف أو مجموعة من الأمور الأخرى المجهولة.
يعتقد علماء الفلك أن معظم المادة في الكون غير مرئية (المادة و الطاقة المظلمة، 95% من الكون نجهله)، ويبدو أنها مثل الفراغ الأسود للعين البشرية. ولكن كيف تبدو من خلال التلسكوب ؟ البعض من ذلك السواد يضيء بقوس قزح مذهل من الألوان !
لا يمكننا رؤيته لأن بصرنا يقتصر على طيف الضوء المرئي. ولكن إذا كنت تتذكر الطيف الكهرومغناطيسي من العودة إلى المدرسة، فستعرف أن الضوء المرئي هو مجرد قطعة صغيرة من كل تلك الأطوال الموجية والترددات. هناك راديو وميكروويف وأشعة تحت الحمراء وفوق بنفسجية وأشعة سينية وأشعة جاما.
كلهم خارج الطيف المرئي، لكنهم جميعًا موجودون في الفضاء ويمكن تسجيلهم بواسطة التلسكوبات الحديثة. وما يظهرون لنا أنه سدم (لمن لا يعرف الكثير عنها يراجع مقال تعريف السدم وانواعها) مظلمة أو غير مرئية مضاءة بكل لون يمكنك تخيله !
الأحمر والأزرق والأرجواني والأصفر والبرتقالي، عجلة الألوان بأكملها تعتمد على الغازات التي تتكون منها ! ومن يدري، ربما في يوم من الأيام سيكون لدينا نظارات خاصة تسمح لنا برؤية كل ألوان الفضاء بمجرد النظر إلى سماء الليل !
في الأخير، كلما تعمقنا أكثر في خبايا هذا العالم، أدركنا محدوديتنا و فهمنا صعوبة العيش في عوالم أخرى غير كوكبنا. فالعديد من العقبات ستلاحقنا من المستحيل معالجتها في الوقت الراهن.
لكن إذا اردنا تحقيق حلمنا يوما ما و الانتقال للحياة في الفضاء. لابد ان نفكر أولاً وبعد الأكسجين طبعاً. في غلاف جوي يضمن لنا إحدى متطلبات الحياة الأساسية.
المصدر:مواقع ألكترونية