محارق الكتب عبر التاريخ ..مأساة المعرفة
لأسباب سياسية وأيدلوجية ودينية، شهد التاريخ العديد من محارق الكتب، والتي تعد بمثابة مصائب تتذكرها الأجيال ولا يمكن نسيانها، فملايين الكتب والمعارف ضاعت بسبب أنظمة قمعية، وبسبب الحروب والغزوات، وتغير الأنظمة السياسية والاحتلال، وتسببت في خسارة ثقافية فادحة للإنسانية.
محارق الكتب
قبل أشهر قليلة هدد بعض العراقيين بحرق كتب الشاعر العراقي سعدي يوسف في شارع المتنبي، الغريب أن من هدد بحرق الكتب ليسوا إرهابيين وليسوا "دواعش" بل هم كتّاب ومثقفين قرروا إعادة مشاهد حرق الكتب من جديد إلى الذاكرة.
عند ذكر عبارة "محارق الكتب" تقفز للذاكرة قصة الفيلسوف الأندلسي ابن رشد، الذي تعرض لاتهامات من عدد من علماء الأندلس، والمعارضين المتشددين له بالكفر والإلحاد، وإثر تلك الاتهامات تم نفيه إلى مراكش وتوفي فيها 1198م، وذلك بعد حرق كتبه ومؤلفاته.
وتعود أيضا للذاكرة مأساة المجمع العلمي في مصر الذي احترق بأيدي مجهولين يوم 17/12/2011، فقضى الحريق على أغلب محتويات المجمع. ولم ينجُ من محتويات المجمع، البالغ عددها 200 ألف وثيقة؛ تضم مخطوطات وكتباً أثرية وخرائط نادرة، سوى قرابة 25000 فقط من الكتب والوثائق، كانت تمثل ذاكرة مصر منذ عام 1798، وكانت تشتمل على إحدى النسخ الأصلية لكتاب "وصف مصر".
ومؤخرا قام "داعش" بإحراق المكتبة المركزية شمال شرق بعقوبة في العراق، إضافة إلى حرقها مكتبة أخرى تضم 1500 كتاب، متفوقة بذلك على ما خلفته الحرب العالمية الثانية من دمار معرفي. وفي عهد مبكر من التاريخ تحديدا في عهد أسرة تشين الصينية عام 213 ق.م، تم حرق كل كتب المدارس الفلسفية التي تتعارض مع فلسفة الإمبراطورية الصينية الحاكمة، وتم دفن الآلاف من رجال العلم وهم أحياء بسبب آرائهم، وأجبر البعض الآخر على الأعمال الشاقة.
الإرهاب والثقافة
وفي شهر مارس عام 2007 تم تدمير شارع المتنبي في بغداد، وبالتالي تدمير وحرق المكتبات التجارية على الشارع في حادث إرهابي؛ وقبل عدة سنوات خسرت الإنسانية واحدة من أغنى وأجمل المكتبات في أفغانستان، وكانت تحتوي على 55 ألف مطبوعة ما بين الكتب والوثائق والمخطوطات النادرة. أحرقتها جماعة طالبان بأكملها فى 12 أغسطس 1998.
حروب عظيمة
وفي الحرب العالمية الثانية احترقت المكتبة البولندية، وتم تدميرها بالكامل عن طريق قصفها بالطائرات ليحترق أكثر من 14 مليون كتاب ومخطوط.
ومن أشهر المكتبات المحروقة عبر التاريخ كانت مكتبة الإسكندرية، أعظم مكتبة عرفت في التاريخ، وظلت أكبر مكتبات عصرها، والتى وصل عدد محتوياتها آنذاك إلى 700 ألف مجلد، بما فى ذلك أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو، وفي عام 48 ق.م قام يوليوس قيصر بحرق 101 سفينة كانت موجودة على شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية، وامتدت نيران حرق السفن إلى مكتبة الإسكندرية فأحرقتها.
محارق الثقافة الإسلامية
الحضارة العربية والإسلامية فقدت ما يقرب من عشرة ملايين كتاب على أقل تقدير من القرن الثاني الهجري -الثامن الميلادي- وحتى يومنا هذا. وقد أدى ذلك إلى ضياع ثمرة جهود العلماء والفلاسفة ورجال الطب والفكر والأدب والفقه واللغة، وتعددت وسائل القضاء على الكتب من خلال نهبها أو حرقها أو دفنها أو رميها في المياه.
عوامل نفسية وايدلوجية
يقول الكاتب منصور محمد سرحان في أحد مقالاته بصحيفة الوسط البحرينية إن المصادر التاريخية تؤكد بداية ضياع الكتب في العالم العربي الإسلامي على أيدي المتنسكين، حيث لعبت عوامل نفسية في قيام بعضهم بالتخلص من كتبهم. فقد أحرق أبوحيان التوحيدي كتبه بنفسه لأنه لم ينل من التقدير والاحترام في حياته ما كان يرجوه. وتخلص أحمد بن أبي الجواري من كتبه التي كان يقتنيها برميها في مياه النهر. وأحرق عمرو بن العلاء كتباً ملأت بيته حتى السقف بعد تنسكه.
ومن المكتبات الخاصة التي لحقت بها مصائب في العصور الإسلامية، مكتبة بني عمار في القرن العاشر الميلادي، في طرابلس بسوريا على أيدي الصليبيين، والذي قدر شوشتري في كتابه "مختصر الثقافة الإسلامية" مقتنياتها بثلاثة ملايين كتاب. ومن بين المكتبات الخاصة التي تم حرقها على أيدي بعض الحكام العرب المسلمين آنذاك، ثلاث مكتبات احتوت كل منها على أكثر من عشرة آلاف كتاب هي: مكتبة ابن حزم الأندلسي، ومكتبة سابور نسبة إلى مؤسسها أبونصير سابور، وزير بهاء الدولة البويهي، ومكتبة عبدالسلام بن عبدالقادر البغدادي المدعو بالركن.
ويذكر ابن خلدون أن السلطان محمود الغزنوي لما فتح الري، وغيرها سنة 420 هـجرية، قام بقتل الباطنة ونفي المعتزلة وأحرق كتب الفلاسفة والاعتزال، واستخرج كتب علوم الأوائل وعلم الكلام من مكتبة الصاحب بن عباد وأمر بإحراقها.
اضطهاد
في زمن الموحدين جرى اضطهاد المؤلفين ممن كتبوا في علم المذهب والفقه، وأحرقت كتبهم وتعهد المنصور الموحدي في القرن السادس الهجري ألا يترك شيئاً من كتب المنطق والحكمة باقياً في بلاده، وأباد كثيراً منها بإحراقها بالنار.
ودمر المغول أثناء اجتياحهم بغداد مكتبة بيت الحكمة التي كانت تضم أكثر من 300 ألف كتاب، كما دمروا 36 مكتبة في بغداد تضم مئات الآلاف من الكتب، وتم إلقاء جميع تلك الكتب في نهر دجلة. وقد وصف ول ديورانت في كتابه "قصة الحضارة" مكتبة بيت الحكمة بأنها مجمع علمي، ومرصد فلكي ومكتبة عامة.
وذكرت المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب" أنه تم حرق مكتبة "دار العلم" في القاهرة، والتي تقدر مقتنياتها بمليونين ومئتي ألف من المجلدات.
خسر العرب ما يزيد على مليون كتاب في الأندلس حين شن الإسبان حرباً شعواء على العرب، وحرقوا الكتب بقصد تدمير الثقافة العربية والإسلامية، وعندما انتزع العثمانيون مصر من يد المماليك قاموا بسلب، ونهب، وتدمير، وحرق المكتبات
الاستعمار
وساهم الاستعمار الفرنسي في نهب الكتب العربية وحرقها. فعند خروج الحملة الفرنسية من مصر عام 1801م، تم نقل العديد من المخطوطات من مصر. وأشار ألفريد بتلر في كتابه "فتح العرب لمصر" إلى قيام الفرنسيين بحرق مكتبة جامعة الجزائر، وكانت تضم نصف مليون كتاب.
محارق الكتب النازية
في أبريل 1933 شهدت مدينة برلين الألمانية واحدة من أكبر عمليات حرق الكتب خلال حقبة النازية، تجمع حوالي 70 ألف شخص في أحد ميادين برلين، وقامت مجموعة من الطلبة بنقل أكثر من 20 ألف كتاب لتحرق أمام عيون الجميع، ومن بين الكتب التي أحرقت مجموعة من أعمال كتاب ألمان مشهورين أمثال هينريش مان، وإريش ماريا ريماركيه، ويواخيم رينجلناتس، وكارل ماركس، وسيغموند فرويد، وبروتولد بريشت، وكلاوس مان، وليون فويتشفاغنر، وكورت توخلوسكي.
الخطورة
لم تكن واقعة حرق الكتب في برلين هي الوحيدة من نوعها، ففي الليلة نفسها قام الطلبة في جميع المدن الألمانية التي بها جامعات، بحرق أعمال الأدباء الذين لا تتوافق أعمالهم مع أيديولوجياتهم.
تلك نماذج من بعض محارق الكتب العظيمة، لكن ينبغي التنويه أنه وقت البحث حول مواضيع متعلقة بتاريخ إعدام الكتب في التاريخ، وجدنا أننا بحاجة إلى موسوعة للكتابة وكانت قصص حرق الكتب بلا نهاية، والمكتبات المحترقة بلا عدد، ما يعني أن كم الحضارة والمعرفة الذي فقدناه كان عظيمًأ، ليبقى السؤال التاريخي.. ماهي الخطورة التي مثلتها تلك الكتب والمكتبات على حياة البشرية؟
المصدر:مواقع ألكترونية