لماذا تتصاعد أهمية حماية شبكات الكابلات البحرية؟
على الرغم من أننا نادراً ما نفكر في شبكات الكابلات البحرية، فإنها تُعد حجر الزاوية في العالم الحديث. تعتمد حياتنا بدرجة كبيرة على هذه البنية التحتية الخفية من الكابلات التي يبلغ قطرها حجم خرطوم ري حديقة، وتمتد عبر المحيطات. تشكل هذه الكابلات بنية تحتية عالمية تنقل معظم البيانات التي يتم إرسالها عبر الإنترنت. ومع تقدير المعاملات المالية اليومية عبر الإنترنت بأكثر من 10 مليارات دولار، فإن أي انقطاع في هذه الشبكة سيكون له تأثير فوري على الاقتصاد العالمي.
وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد حاليّاً نحو 500 كابل بحري حول العالم؛ ما يجعل إجمالي طول الكابلات يتجاوز مليون كيلومتر، تشكل شبكة تواصل النمو. عندما يقرأ شخص ما رسالة بريد إلكتروني، أو ينشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، أو يستخدم محرك بحث، يتم تمرير هذه المعلومات عبر كابل بحري من الألياف الضوئية. وعلى الرغم من أهمية كابلات البحرية للاقتصاد العالمي وحياتنا اليومية، فإن هذه الشبكة تظل غالباً غير محمية، وهو أمر قد يثير بعض المخاوف والقلق لدى العديدين.
مخاطر محدقة
أكثر التهديدات المتكررة للكابلات – التي تتسبب تقريباً في 150 إلى 200 عطل في الكابلات البحرية كل عام – هي الأضرار المادية العَرَضية الناتجة عن الصيد التجاري والشحن، بالإضافة إلى الزلازل تحت الماء؛ ففي عام 2022، تسبب ثوران بركاني قبالة تونجا في قطع كابل الألياف الضوئية الوحيد الذي يربط الجزيرة بباقي العالم.
وهناك خطر آخر محتمل يتمثل في أن الخصوم السياسيين يمكن أن يقوموا بعمليات تعطيل استراتيجي لشبكات الكابلات الدولية خلال فترات الصراع؛ إذ يعد قطع الكابلات تكتيكاً تخريبيّاً للغاية بالنسبة إلى الاتصالات العسكرية أو الحكومية في مراحل مبكرة من الصراع؛ حيث يمكن أن يقيد أو حتى يقضي تماماً على إمكانية وصول الفئات المستهدفة إلى الإنترنت، بالإضافة إلى تسببه في مصاعب اقتصادية للقوى المنافسة.
وهناك سابقة تاريخية لقطع الكابلات أثناء الحروب؛ في الحربين العالميتين الأولى والثانية، كانت أول الأعمال العدائية التي قامت بها البحرية الملكية البريطانية ضد ألمانيا، تتضمن قطع كابلات التلغراف بين ألمانيا والأمريكتين. وفي عالمنا اليوم، حذَّر مدير استخبارات الناتو مؤخراً من أن روسيا تستعد لشن هجمات على الكابلات البحرية الخاصة بأعضاء الناتو في حالة اندلاع صراع مباشر. وفي شهر فبراير 2023، تسبَّبت سفن صينية في أضرار متعمدة لكابلين بحريين متصلين بجزيرة ماتسو التايوانية؛ ما أدى إلى منع 13.000 شخص من سكان الجزيرة من الوصول إلى الإنترنت.
ولا تقتصر الهجمات على شبكات الكابلات تحت الماء على قطع الكابلات ماديّاً فقط؛ بل يمكن لبعض الأطراف المعادية أيضاً أن تعطل تدفق البيانات عن طريق الاختراق الافتراضي لأنظمة إدارة الشبكة التي تستخدمها الشركات الخاصة لإدارة حركة مرور البيانات عبر هذه الكابلات.
تحديات الإصلاح
في عام 2017، قُطع كابل واحد عن طريق الخطأ بواسطة مرساة سفينة قبالة سواحل الصومال. استمر انقطاع الاتصالات الناتج عنه ثلاثة أسابيع، وهو ما كلف البلاد 10 ملايين دولار في اليوم. هناك دول أخرى تعتمد على كابل واحد أو اثنين فقط بينما تتصل بعض الدول بعدة كابلات. وفي الحالة الأولى، تكون سرعة الإصلاح واستعادة الخدمة أكثر أهميةً.
وفي هذا الصدد، يستغرق إسقاط خطاف إلى عمق 6000 متر – وهو الحد الأقصى الممكن لعمليات إصلاح الكابلات – نحو 20 ساعة. ولا يتم إصلاح الكابلات في الخنادق العميقة مباشرةً، وإنما يتم قطع الكابل وتوصيله في جانبي الخندق.
تتأثر القدرة على إصلاح الشبكة في حال تلف عدة كابلات – سواء بسبب المخاطر الطبيعية أو الأطراف المعادية – بدرجة كبيرة بنقص سفن إصلاح الكابلات. هناك 60 سفينة فقط من هذا النوع تعمل في جميع أنحاء العالم. وقد تم تشغيل العديد من هذه السفن خلال طفرة الإنترنت في التسعينيات؛ ولذا فهي تتقادم بسرعة. ويمثل نقص عدد سفن الإصلاح تحدياً جوهرياً لبنية الكابلات البحرية حاليّاً؛ تماماً مثلما يكون نقص المركبات الطارئة أمراً خطيراً بالنسبة إلى عمليات إطفاء الحرائق.
تعزيز المرونة
تشكل حماية الكابلات التي تمتد عبر آلاف الأميال في قاع المحيط العميق تحدياً هائلاً، كما أنها مكلفة للغاية. تصل تكلفة الكابلات البحرية الكبيرة إلى مئات الملايين من الدولارات، وعادةً ما تقوم بتمويلها مجموعة من شركات التكنولوجيا أو شركات الاتصالات التي يمكنها تقاسم التكاليف والمخاطر. وهذا النقص في ملكية الدول الرسمية للكابلات يعني أنها لا تتمتع بحماية قوية بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، يمكن للحكومات أن تبذل مزيداً من الجهود لدعم هذه البنية التحتية، بما في ذلك توسيع الأسطول العالمي من السفن المتخصصة في إصلاح الكابلات الذي يعمل فوق طاقته. ويمكن أيضاً للحكومات الوطنية أن تضمن أن تلتزم الشركات المشغلة بأعلى المعايير.
تشمل أفضل الممارسات لحماية الكابلات، بناء مرونة الشبكة وزيادة قدراتها وتحسين عمليات المراقبة. ويجب أن يكون ضمان مرونة شبكات الكابلات إحدى الأولويات العالمية المشتركة. وينبغي أن يتضمَّن ذلك إعداد خطط الطوارئ بالتنسيق الوثيق مع القطاع الخاص للتخفيف من تداعيات قطع الكابلات المتعمد أو غير المتعمد.
وختاماً، فيما يتعلق ببناء قدرات إضافية، يمكن دعم طرق البيانات الرئيسية بكابلات “مظلمة” (dark cables) إضافية، وهي الكابلات التي يُفضَّل ألا تكون مسجلة على الخرائط، وأن يتم دفنها بأقصى عمق ممكن. وللكشف عن التهديدات بشكل أفضل، يمكن تجهيز الكابلات بأجهزة استشعار لتحديد ترددات السونار التي تستخدمها الغواصات البحرية التي تحاول التدخل. ونتيجةً للتطورات الحديثة في هذا المجال، أصبح من الممكن الآن نشر أسطول من المركبات البحرية غير المأهولة (UUVs) للقيام بدوريات في المناطق التي توجد فيها شبكات الكابلات بصورة عملية أكثر وبتكلفة معقولة.
المصدر:مواقع ألكترونية