قبل ملياري عام.. الكائنات البحرية الدقيقة ساهمت في تكوين الجبال
الكائنات المجهرية الأحادية الخلية التي تطفو بشكل غير مرئي في البحر، ربما لعبت دورا رئيسيا في إنشاء بعض من أكبر الهياكل الجيولوجية على كوكبنا.
بالرغم من أن تكوين الجبال يرتبط عادة بتصادم الصفائح التكتونية الذي يتسبب في اندفاع ألواح ضخمة من الصخور للأعلى، فقد أظهرت دراسة -نشرت بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في دورية "كميونيكيشنز إيرث آند إنفايرومنت" (Communications Earth & Environment)- أن هذا كان ناتجا بالأصل عن وفرة العناصر الغذائية في المحيطات قبل ملياري سنة، والتي ترافقت مع انفجار أنواع مختلفة من الكائنات الدقيقة في المحيطات كالعوالق مثلا.
وأظهرت الدراسة أنه عندما تموت هذه العوالق في المياه الضحلة وتغرق إلى القاع، فإنها تتسبب في إضافة الكربون العضوي إلى قشرة الأرض، مما يزيد من مرونة قشرة القاع ويجعلها أضعف.
قشرة أرضية هشة
وبحسب تقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" (Science Alert) فقد درس جون بارنيل وكونور برولي من كلية علوم الأرض في جامعة أبردين بالمملكة المتحدة، ما مجموعه 20 سلسلة جبلية حول العالم.
وشمل ذلك: جبال روكي وسط أميركا الشمالية، والأنديز التي تعتبر أطول سلسلة جبال قارية في العالم وتمتد على طول الحافة الغربية لأميركا الجنوبية، وسفالبارد في النرويج، إضافة إلى سلاسل جبلية أخرى في أوروبا الوسطى وإندونيسيا واليابان.
وتمكن الباحثان من رصد تزامن ملحوظ بين زيادة تركيز الكربون في قشرة قاع المحيط، وبين ظهور سلاسل من الجبال على كوكب الأرض.
وفي بيان صحفي نشر على موقع جامعة أبردين، أوضح الباحثان أنه "مع التركيز العالي من الكربون الناتج عن الكربون الحيوي المضاف من العوالق، اكتسبت قشرة قاع المحيطات قدرة عالية على التشوّه، بطريقة أدت إلى بناء أحزمة جبلية، وبالتالي هوامش مميزة للصفائح التكتونية التي نعرفها اليوم".
ويبدو أن التغيرات قد بدأت منذ ما يقرب من ملياري عام، في منتصف عصر حقبة الحياة القديمة، عندما بدأ الكربون البيولوجي من العوالق والبكتيريا بإضافة تراكيز عالية واستثنائية من الغرافيت إلى صخر قاع المحيط، مما جعل الصخور هشة وأكثر عرضة للتكدس.
وفي غضون 100 مليون سنة، تشكلت معظم سلاسل الجبال في هذه الشرائح الضعيفة من القشرة الأرضية. وأشار الباحثان أيضا إلى أن سلاسل الجبال التي ظهرت مؤخرا تتبع النمط نفسه.
الأرض والمحيط الحيوي
وعلى الرغم من أن العديد من الدراسات السابقة قد أظهرت أن الغرافيت عنصر أساسي لا بد منه لإضعاف الصفائح التكتونية وتكوين الجبال، فإنها لم تتمكن من تحديد كيفية حدوث ذلك.
وبالنظر إلى أن جميع سلاسل الجبال العشرين التي درسها الباحثان مؤخرا قد احتوت على صخر زيتي أسود شديد التركيز من الغرافيت ذي المنشأ البيولوجي، فقد استنتج الباحثان أن الحياة البحرية هي جزء أساسي في هذه العملية.
يقول بارنيل "يمكننا أن نرى الأدلة بوضوح في شمال غرب أسكتلندا، حيث لا يزال من الممكن العثور على جذور الجبال القديمة والغرافيت الزلق الذي ساعد في تكوينها في أماكن مثل هاريس، وتيري، وجيرلوخ".
ويرجح الباحثان أن طفرة ما قد حدثت في الحياة البحرية قبل ملياري سنة كاستجابة لحدث الأكسدة العظيم، عندما بدأت البكتيريا التي تقوم بالتمثيل الضوئي بإنتاج كميات هائلة من الأكسدة، القادرة على دعم أشكال جديدة من الحياة الأحادية الخلية، والتي أدت بدورها إلى وفرة من العوالق البحرية.
ومع ذلك، فإن تكوين الجبال لا يتطلب الكثير من الكربون البيولوجي، بل على العكس تكفي نسبة صغيرة فقط من الكتلة الحيوية لحدوث انزلاق في حواف الصفائح التكتونية، تحت أو فوق بعضها بعضا، وذلك عند اصطدامها.
إلا أن الدراسة قد أظهرت أن محتوى الكربون في السلاسل الجبلية التي تشكلت من رواسب العصر القديم، كان أعلى من 10%، كما أنه تجاوز 20% في بعض الأحيان.
وقد علل المؤلفان ذلك بأنه "نظرا لارتفاع محتوى الكربون بشكل غير طبيعي في رواسب حقبة الحياة القديمة، فقد تدفق الكربون بشكل أكبر إلى مناطق الاندساس، وهو ما أدى إلى حدوث التشوه بسهولة أكبر".
وإذا كان الباحثان على حق، فإن هذا يعني أن الكائنات المجهرية الأحادية الخلية التي تطفو بشكل غير مرئي في البحر، ربما لعبت دورا رئيسيا في إنشاء بعض من أكبر الهياكل الجيولوجية على كوكبنا.
Quand naissent les montagnes - exposé en ligne
المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية
https://www.aljazeera.net/news/science/2021/12/2/%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%A6%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9
الكائنات المجهرية الأحادية الخلية التي تطفو بشكل غير مرئي في البحر، ربما لعبت دورا رئيسيا في إنشاء بعض من أكبر الهياكل الجيولوجية على كوكبنا.
يرتبط تكوين الجبال بتصادم الصفائح التكتونية الذي يتسبب في اندفاع ألواح ضخمة من الصخور (غيتي إيميجز)
بالرغم من أن تكوين الجبال يرتبط عادة بتصادم الصفائح التكتونية الذي يتسبب في اندفاع ألواح ضخمة من الصخور للأعلى، فقد أظهرت دراسة -نشرت بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في دورية "كميونيكيشنز إيرث آند إنفايرومنت" (Communications Earth & Environment)- أن هذا كان ناتجا بالأصل عن وفرة العناصر الغذائية في المحيطات قبل ملياري سنة، والتي ترافقت مع انفجار أنواع مختلفة من الكائنات الدقيقة في المحيطات كالعوالق مثلا.
وأظهرت الدراسة أنه عندما تموت هذه العوالق في المياه الضحلة وتغرق إلى القاع، فإنها تتسبب في إضافة الكربون العضوي إلى قشرة الأرض، مما يزيد من مرونة قشرة القاع ويجعلها أضعف.
قشرة أرضية هشة
وبحسب تقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" (Science Alert) فقد درس جون بارنيل وكونور برولي من كلية علوم الأرض في جامعة أبردين بالمملكة المتحدة، ما مجموعه 20 سلسلة جبلية حول العالم.
وشمل ذلك: جبال روكي وسط أميركا الشمالية، والأنديز التي تعتبر أطول سلسلة جبال قارية في العالم وتمتد على طول الحافة الغربية لأميركا الجنوبية، وسفالبارد في النرويج، إضافة إلى سلاسل جبلية أخرى في أوروبا الوسطى وإندونيسيا واليابان.
وتمكن الباحثان من رصد تزامن ملحوظ بين زيادة تركيز الكربون في قشرة قاع المحيط، وبين ظهور سلاسل من الجبال على كوكب الأرض.
درس العلماء ما مجموعه 20 سلسلة جبلية حول العالم (غيتي إيميجز)
وفي بيان صحفي نشر على موقع جامعة أبردين، أوضح الباحثان أنه "مع التركيز العالي من الكربون الناتج عن الكربون الحيوي المضاف من العوالق، اكتسبت قشرة قاع المحيطات قدرة عالية على التشوّه، بطريقة أدت إلى بناء أحزمة جبلية، وبالتالي هوامش مميزة للصفائح التكتونية التي نعرفها اليوم".
ويبدو أن التغيرات قد بدأت منذ ما يقرب من ملياري عام، في منتصف عصر حقبة الحياة القديمة، عندما بدأ الكربون البيولوجي من العوالق والبكتيريا بإضافة تراكيز عالية واستثنائية من الغرافيت إلى صخر قاع المحيط، مما جعل الصخور هشة وأكثر عرضة للتكدس.
وفي غضون 100 مليون سنة، تشكلت معظم سلاسل الجبال في هذه الشرائح الضعيفة من القشرة الأرضية. وأشار الباحثان أيضا إلى أن سلاسل الجبال التي ظهرت مؤخرا تتبع النمط نفسه.
الأرض والمحيط الحيوي
وعلى الرغم من أن العديد من الدراسات السابقة قد أظهرت أن الغرافيت عنصر أساسي لا بد منه لإضعاف الصفائح التكتونية وتكوين الجبال، فإنها لم تتمكن من تحديد كيفية حدوث ذلك.
وبالنظر إلى أن جميع سلاسل الجبال العشرين التي درسها الباحثان مؤخرا قد احتوت على صخر زيتي أسود شديد التركيز من الغرافيت ذي المنشأ البيولوجي، فقد استنتج الباحثان أن الحياة البحرية هي جزء أساسي في هذه العملية.
الكربون الحيوي المضاف من العوالق أكسب قشرة قاع المحيطات قدرة عالية على التشوّه (غيتي إيميجز)
يقول بارنيل "يمكننا أن نرى الأدلة بوضوح في شمال غرب أسكتلندا، حيث لا يزال من الممكن العثور على جذور الجبال القديمة والغرافيت الزلق الذي ساعد في تكوينها في أماكن مثل هاريس، وتيري، وجيرلوخ".
ويرجح الباحثان أن طفرة ما قد حدثت في الحياة البحرية قبل ملياري سنة كاستجابة لحدث الأكسدة العظيم، عندما بدأت البكتيريا التي تقوم بالتمثيل الضوئي بإنتاج كميات هائلة من الأكسدة، القادرة على دعم أشكال جديدة من الحياة الأحادية الخلية، والتي أدت بدورها إلى وفرة من العوالق البحرية.
ومع ذلك، فإن تكوين الجبال لا يتطلب الكثير من الكربون البيولوجي، بل على العكس تكفي نسبة صغيرة فقط من الكتلة الحيوية لحدوث انزلاق في حواف الصفائح التكتونية، تحت أو فوق بعضها بعضا، وذلك عند اصطدامها.
إلا أن الدراسة قد أظهرت أن محتوى الكربون في السلاسل الجبلية التي تشكلت من رواسب العصر القديم، كان أعلى من 10%، كما أنه تجاوز 20% في بعض الأحيان.
الغرافيت عنصر أساسي لا بد منه لإضعاف الصفائح التكتونية وتكوين الجبال (غيتي إيميجز)
وقد علل المؤلفان ذلك بأنه "نظرا لارتفاع محتوى الكربون بشكل غير طبيعي في رواسب حقبة الحياة القديمة، فقد تدفق الكربون بشكل أكبر إلى مناطق الاندساس، وهو ما أدى إلى حدوث التشوه بسهولة أكبر".
وإذا كان الباحثان على حق، فإن هذا يعني أن الكائنات المجهرية الأحادية الخلية التي تطفو بشكل غير مرئي في البحر، ربما لعبت دورا رئيسيا في إنشاء بعض من أكبر الهياكل الجيولوجية على كوكبنا.
Quand naissent les montagnes - exposé en ligne
المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية
https://www.aljazeera.net/news/science/2021/12/2/%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%A6%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9