30 ثانية كانت تكفي لمنع "تيتانيك" من الغرق
مشهد متخيل لغرق "تيتانيك" (غيتي)
مصادفات سبقت الكارثة... فورة غضب جعلت مناظير الرؤية الليلية بعيدة المنال ومراعاة الأثرياء قللت أعداد قوارب الإنقاذ و"لعنة الفراعنة" كانت على متن السفينة
مساء الرابع عشر من أبريل (نيسان) من عام 1912، كانت السفينة "كاليفورنيان"، بحسب شهادة قبطانها وأفراد طاقمها، في طريقها من لندن إلى بوسطن، حين وجدت نفسها في نفس الجزء المجمل بالجليد من شمال الأطلسي مثل السفينة العملاقة "تيتانيك" والتي كانت في أول رحلة لها من لندن إلى نيويورك، تلك الرحلة التي صاحبتها احتفالات غير مسبوقة بهذه السفينة الهائلة، والتي تندر البعض عليها بالقول "إنها غير قابلة للغرق".
بالعكس من قبطان "تيتانيك"، إدوارد سميث، الذي قاد سفينته للهلاك بزيادة سرعتها على رغم وجود الجليد، كان قبطان "كاليفورنيان" رجلاً في غاية الحرص والحذر، فأمر بإيقاف سفينته ليلاً.
في قرابة الساعة الحادية عشرة مساء، قام عامل اللاسلكي بالسفينة "كاليفورنيان"، سيريل إيفنز، بإرسال رسالة غير رسمية إلى "تيتانيك"، التي كان يعلم أنها في مكان ما في المنطقة.
حملت الرسالة كلمات قليلة: "نحن محاطون بالجليد وتوقفنا".
في مؤلفه الكبير "ألغاز تاريخية محيرة"، يصف المحقق الصحافي الأميركي، بول أرون، رد فعل عامل اللاسلكي المتواجد فوق سطح "تيتانيك"، جاك فيليبس، الذي انزعج من المقاطعة، فقد كان مشغولاً طوال اليوم بإرسال رسائل لركاب السفينة الأثرياء، ولم يكن لديه وقت للثرثرة فرد قائلاً "اصمت، اصمت، أنت تشوش علي".
أصيب إيفنز بحالة من الإحباط من الرد الجاف الذي تلقاه من عامل "تيتانيك"، ولما كان مستيقظاً طوال اليوم، أغلق جهازه وذهب للنوم.
من عبث الأقدار، إن جاز التعبير، أنه لم يكن هناك عامل لاسلكي آخر يعمل فوق سفينته، ولهذا كانت خارج نطاق الاتصال حين بدأت "تيتانيك" في إرسال نداء استغاثتها، في قرابة الثانية عشرة والربع بعد منتصف الليل، إذ لم يكن هناك أحد مستيقظاً يستطيع سماعها فوق متن "كاليفورنيان".
لم يتوقف الأمر عند رسائل اللاسلكي التي أرسلت من واحدة ورفض عامل الثانية الاهتمام بها، بل امتد المشهد لإهمال ضباط "كاليفورنيان" الصواريخ الضوئية التي تم إطلاقها من "تيتانيك"، ولم يتم إيقاظ قبطان "كاليفورنيان"، إلا بحدود الساعة الرابعة، بعد أن استشعروا شيئاً من القلق وعدم الارتياح بشأن الصواريخ الضوئية.
كان الوقت قد مر سريعاً، وهوت "تيتانيك" في قاع المحيط، ليغرق معها نحو 1500 راكب، من كبار الشخصيات المهمة ما بين أوروبا وأميركا.
تدعونا سطور "بول أرون"، لتساؤل جذري لا يزال عالقاً ضمن أحجية "تيتانيك": هل كان من اليسير إنقاذ تلك السفينة العملاقة، لو قام عامل اللاسلكي عليها بأخذ رسالة السفينة القريبة، وأبلغ قبطان سفينته، ولتجنب العالم هذه الكارثة المؤلمة عبر مئة عام، وستظل طويلاً كذلك؟
الأكثر إثارة في هذه القصة هو أن "تيتانيك" تلقت تحذيرات عدة من سفن غير "كاليفورنيان"، تحذرها من وجود أعداد هائلة من الكتل الجليدية بالجزء الشمالي للمحيط الأطلسي، منها تحذيرات الباخرة "ميسايا" التي أنذرتها مشددة تجاه خطورة الإبحار ليلاً بسبب ضعف الرؤية، لكن من الواضح أنه تم تجاهل تلك التحذيرات من قسم الاتصالات اللاسلكية، ليضرب القدر ضربته، وربما كانت هناك فرص مغايرة لنجاة "تيتانيك"، وتغيير مسار التاريخ لو تم الإصغاء.
السفينة "تيتانيك" قبل إقلاعها باتجاه الولايات المتحدة (الموسوعة البريطانية)
أين ذهب مفتاح غرفة مناظير "تيتانيك"؟
عشية الرابع من أبريل عينه، تولى البحار، فريدريك فليت مهمة المراقبة على سطح السفينة العملاقة. كان "فليت" بحاراً متمرساً تدرب على متن سفينة تدريب منذ سن الثانية عشرة.
كان الطقس في تلك الليلة بارداً جداً في منصة المراقبة أثناء الليل عندما كان فردريك أول من رأى كتلة مظلمة في الماء وأبلغ رؤساءه فوراً بالخطر. رد الضابط الأول فوراً، لكن الأوان كان قد فات.
كان فريدريك أحد الـ 706 أفراد الذين نجوا من الكارثة، فيما غرق نحو 1517، وقد ذكر لاحقاً في التحقيقات التي أجريت لمعرفة أسباب الحادث، أنه لم يكن يملك منظاراً في متناول اليد.
هل يبدو هذا السبب عبثياً، بمعنى أن سفينة عملاقة، بذلك التقدم الكبير تقنياً وقتهاً، أعوزها بعض المناظير الليلية والتي كانت كفيلة برؤية جبل الثلج الذي أهلكها؟
كانت علامة الاستفهام السابقة في مقدم الأسئلة التي أصابت الجميع بالذهول، لا سيما في ظل حجمها الهائل ومحركاتها، ومعايير الأمن والأمان والسلامة العالية جداً فيها.
بالبحث والتدقيق، يتبين لنا أن هناك قصة تشبه التراجيديا الإغريقية، كانت وراء غرق "تيتانيك"، أطلق عليها لاحقا "فضيحة المناظير"... ما الذي حدث؟
تقول الرواية إنه قبل انطلاقها من ساوثهامبتون، باتجاه نيويورك في العاشر من أبريل 1912، قام منظمو الرحلة بتغيير الضابط الثاني دافيد بلير بزميله تشارلز لايتولر، الذي تميز بخبرته في مجال الرحلات البعيدة عبر المحيط الأطلسي.
جاء هذا القرار باستبعاد دافي بلير من الرحلة، لدفعه لمغادرة المكان غاضباً، وهو ما يمكن تصوره أو تفهمه، لكنه في غمرة الغضب هذه، ارتكب الخطأ القاتل الذي سيتذكره التاريخ على مر الأجيال، فقد نسي أن يسلم مفتاح خزانة المناظير لزميله تشارلز لايتولر، وهذا الأخير لم يفكر في البحث عن المفتاح قبل بداية الرحلة، لتنطلق "تيتانيك" إثر ذلك في طريقها لنيويورك في ظروف سيئة حيث حرم المراقبون فوق متنها من المناظير.
يبدو من البديهي القول إنه كان هناك طريق أو آخر للوصول للمناظير في الغرفة المغلقة، ولو كلف الأمر كسر مغاليقها، فهل كان الغرور، والإيمان بأنها سفينة غير قابلة للعطب، هو السبب في تناسي قصة مفتاح غرفة المناظير؟
المؤكد أنه مع غياب مناظير الرؤية الليلية، عجز فريدريك فليت عن الرؤية الواضحة، وعليه ففي حدود الساعة 11.40 ليلاً، فوجئ فليت بوجود جبل جليدي بالقرب من السفينة، ليقوم فوراً بقرع جرس التحذير. إثر ذلك حاول المسؤولون عن "تيتانيك" تغيير مسارهم لكن ذلك كان من دون نفع حيث كانت السفينة قريبة جداً من الجبل الجليدي لترتطم به لاحقاً متسببة في كارثة إنسانية.
هل كان لفليت القدرة لإنقاذ السفينة العملاقة لو توافرت له المناظير، ومشاهدة كتل الثلج في الليل البارد، ومن ثم تغيير مسارها في الوقت المناسب، أم أن هناك عاملاً آخر كان سيدفع السفينة للغرق حكماً؟
حطام "تيتانيك" في قاع المحيط (Blue Marble Private)
30 ثانية تسببت في غرق "تيتانيك"
لماذا كانت "تيتانيك" تسير بسرعة أكثر من المقدرة لها، وهل لو كانت تسير بسرعة أبطأ بعض الشيء لنجت من القدر المقدور؟
حين غرقت "تيتانيك"، كانت تشق طريقها في الأطلسي بأشد سرعة يمكنها السير بها تقريباً، وقد بلغت سرعتها نحو 22.5 عقدة أو 35 ميلاً في الساعة، أي 5.0 عقدة فقط أقل من سرعتها الكاملة البالغة 23 عقدة.
ظل التساؤل القائم عبر نحو مئة عام ولليوم: لماذا كان إدوارد سميث قبطان السفينة يقود عبر الأطلسي بهذه السرعة الكبيرة والخطيرة، على رغم التوقعات بل والتحذيرات من وجود جبل أو جبال من الجليد في المناطق المجاورة؟
كثيراً ما تختلط الحقيقة بالدراما، ففي الفيلم السينمائي الشهير الخاص بالسفينة المنكوبة، والذي أخرجه المخرج الأميركي الشهير جيمس كامرون، عام 1997، نشاهد رئيس مجلس إدارة شركة "وايت ستار لاين"، بروس إسماي، وهو يحث الكابتن سميث تجاه زيادة السرعة للوصول لنيويورك قبل الموعد المحدد... ما الهدف؟
"الظهور في العناوين الرئيسية للصحف"، وتحقيق أكبر قدر من الشهرة ومن ثم الأرباح؟
هل كان الحوار الذي أورده كامرون في عمله السينمائي، مجرد فانتازيا تقتضيها الدراما؟
المثير في الجواب أن هذا المشهد استند لمحادثة حقيقية سمعتها راكبة من الدرجة المتقدمة، وهي الناجية إليزابيث ليندسي التي أدلت بشهادتها بعد غرق السفينة.
هل كان من الممكن تجنب غرق السفينة على رغم هذه السرعة الكبيرة التي كانت ماضية بها؟
نجد الجواب عند صحيفة "تليغراف" البريطانية التي أوردت عام 2011 نتائج دراسة كان قد أجراها خبراء أميركيون بإشراف صامويل هيلبرن حول أسباب غرق "تيتانيك"، وفي تقريرهم أنه كان من الممكن إنقاذها من الغرق لو أن مساعد القبطان الذي كان في تلك الليلة ضابط الخفر أمر بتغيير اتجاه السفينة فوراً بعد ملاحظته الكتلة الجليدية الكبيرة التي كانت تطفو في اتجاه سير السفينة، وتشير الدراسة لتأخر الضابط لمدة 30 ثانية في إصدار الأمر.
في النتائج نقرأ ما كتبه صامويل هيلبرن أنه "لو كان رد فعل مساعد القبطان أسرع، ولو بنحو 15 ثانية، فلربما لم تحدث الكارثة".
خبر "تيتانيك" يتصدر الصفحة الأولى من صحيفة "نيويورك تايمز" (موقع الصحيفة)
لكن لماذا حدث هذا التأخير؟
يرجع الباحث هذا التأخير لضرورة اتخاذ الضباط قراراً حول حتمية سير السفينة في الاتجاه نفسه أم تغير الاتجاه تجنباً للاصطدام بالكتلة الجليدية، وأضاف هيلبرن أن "هذا كان خياره هو، وقد أثبتت الكارثة أنه كان قراراً خاطئاً".
هذه النتائج للبحث الأميركي الجديد، تدحض استنتاجات التحقيق الرسمي الذي أجراه الجانب الأميركي عام 1912، حيث تقول "إن وليام ميردوخ مساعد القبطان أمر بالانحراف عن اتجاه السير فوراً، إلا أن ذلك لم يمنع السفينة من الاصطدام بالكتلة الجليدية، نظراً لوجودها قريبة جداً من السفينة عند رؤيتها".
المثير في الدراسة، أنها أماطت اللثام عن تصاريف القدر، ذلك أن ميردوخ عينه، كان قد وقع في موقف مشابه عام 1903، عندما كان ضمن طاقم سفينة "أربيك"، وتمكن من اتخاذ قرار صائب وقتها مما أنقذ السفينة من الاصطدام بسفينة ثانية.
لكن هذه المرة، قال القدر كلمته، ولم يقدر له إنقاذ "تيتانيك"، فهل كانت هناك أسباب قدرية بجانب ما تقدم، تسببت في الكارثة؟
قوارب النجاة... ثقة زائدة في القدرات
كان على متن "تيتانيك" نحو 2223 راكباً، نجا منهم 706 أشخاص فيما لقي 1517 شخصاً حتفهم.
هل كان السبب الرئيس لزيادة عدد الغارقين في مياه الأطلسي، عدم وجود قوارب نجاة كافية فوق سطح السفينة؟
أثبتت كافة التحقيقات التي أجريت لاحقاً أنه لو كانت هناك قوارب نجاة كافية، لكان بالإمكان إنقاذ عشرات الأرواح التي زهقت في تلك الليلة، إن لم يكن كلها.
كان إجمالي القوارب فوق "تيتانيك"، نحو 20 قارباً يمكن أن تستوعب 1178 شخصاً، أي ما يزيد قليلاً على نصف الإجمالي.
ما هو سبب عدم وجود قوارب كافية لإنقاذ ركاب السفينة حال تعرضها للخطر؟
التبريرات تدعو للدهشة، كما تدعو للسخرية في الوقت ذاته، فقد قيل في تبرير الأمر إن مصممي "تيتانيك" شعروا أن كثيراً من قوارب النجاة ستشوش سطح السفينة وتحجب منظر البحر لركاب الدرجة المتقدمة، وبالنظر لمخطط "تيتانيك" فقد تم الاحتفاظ بزوارق النجاة في الغالب عند كورنيش الضباط باتجاه طريق المشي حيث الدرجة الثانية في الخلف، لذا كان كورنيش الدرجة المتقدمة خالياً تماماً تقريباً من قوارب النجاة مما يسمح لركاب الدرجة المتقدمة بالتنزه والاستمتاع بالمناظر الواضحة للمحيط الأطلسي من كلا الجانبين.
هل يعني ذلك أن الذين صمموا السفينة، اهتموا بالرفاهية، على حساب السلامة ودرجات الأمان؟
المزيد من التفاصيل تخبرنا بأن السفينة العملاقة كانت في حاجة لنحو 32 قارب نجاة، وهذا هو العدد الذي خطط له المصمم الأول للسفينة الفاخرة، لكن شركة الشحن كانت مقتنعة بأن السفينة في أمان، ولهذا لا فائدة من المزيد من تلك القوارب.
من الناحية القانونية، لم تنتهك شركة الشحن أية قوانين سلامة معمول بها، لأنه وفقاً للوائح السارية في ذلك الوقت، كان عدد القوارب يعتمد على وزن السفينة وليس على عدد الركاب.
كان هذا القرار مميتاً، مع وجود 16 قارب نجاة على متنها وأربعة قوارب قابلة للطي فقط، يمكنها إنقاذ 700 شخص فقط.
هل كان الغرور أم الثقة الزائدة هو السبب في عدم وجود قوارب نجاة كافية؟
ربما أكثر من أي شيء آخر لم يكن من المتوقع أن تتعثر "تيتانيك"، لا سيما أن كتيباً دعائياً قد روج لها عبر شركة "وايت ستار لاين"، عام 1910 عن السفينة "تيتانيك" والسفينة الشقيقة "آر أم أس أولمبيك"، أن هاتين السفينتين مصممتان لتكونا غير قابلتين للغرق.
قال الكابتن جون سميث، قبطان "تيتانيك" نفسه "لا أستطيع أن أتخيل أي ظروف يمكن أن تؤي إلى غرق السفينة، ولا أستطيع أن أتخيل حدوث أي كارثة لهذه السفينة، ولقد تجاوز بناء السفن الحديث ذلك".
بوستر فيلم "تيتانيك" لجورج كامرون (موقع الفيلم)
سبب الغرق مومياء الفراعنة أم ضوء القمر؟
هل كان لـ"تيتانيك" أن تتجنب مصيرها المأساوي لو لم يكن على سطحها تلك المومياء اللعينة كما يدعي البعض، ولو كان هناك من له معرفة بأحوال القمر وأضوائه في تلك الليلة الحزينة؟
الجانب الأول من هذه الجزئية مرتبط بقصة روجها البعض، عن مومياء كاهنة فرعونية تسمى "آمن رع"، والتي تم تهريبها من مصر في وقت سابق، غير أنها تسببت في خراب وحرائق في كل موضع أو موقع وضعت فيه.
وبحسب ما راج عن تلك المومياء، فإنها كانت تصيب كل من يجرؤ على الاقتراب منها أو يلمس تابوتها بلعنة الفراعنة، لا سيما أن البريطاني الذي اشترى هذه المومياء أصيب بعديد من المشكلات التي دفعته للتخلص من المومياء، لتتوالى ما وصفت بـ "اللعنات" التي تصيب كل من يقترب من هذا التابوت.
غير أن هذه القصة لا تبدو قائمة على أسس قوية، وأن الذي روجها وهو الصحافي البريطاني، وليام توماس، كان يبحث عن شهرة إعلامية ليس أكثر، ومن غير أن تكون هناك بيانات حقيقية عن وجود تلك المومياء على سطح السفينة.
والثابت أنه إذا كانت قصة المومياء ذات طبيعة أسطورية، فإن هناك دراسة أخرى ذات صبغة علمية، تقطع بأنه كان من الممكن تجنب غرق "تيتانيك" لو وضعت الحقائق على مائدة الدراسة بصورة عميقة... ماذا عن ذلك؟
في يونيو (حزيران) 2022، قدم الباحث والمحقق والمؤرخ البريطاني تيم مالتين، تفسيراً جديداً لحل الغموض الذي أحاط بحادث غرق "تيتانيك"، مشيراً إلى أن كافة الأسباب التي جرى الحديث عنها لم تكن دقيقة، وأن الأرجح أن ظاهرة "ضباب السراب" هي التي أودت بالسفينة ومن عليها... ماذا تعني تلك العبارة أو هذا المفهوم؟
المؤكد أن جميع من كانوا على متن السفينة وصفوا الأجواء في تلك الليلة بأنها كانت صافية جداً، بل "أوضح ليلة في التاريخ"، وهو ما يتناقض مع المراقبين الذين سجلوا "ضباباً حول الأفق".
يقول مالتين: "قادني هذا إلى اكتشاف وجود ضباب، مع وضوح الرؤية، وهو ما يسمى بضباب السراب، لكنه ليس ناتجاً من قطرات الماء مثل الضباب العادي، بل إنه ناتج من كمية الهواء التي يمكنك رؤيتها في ليلة صافية حقاً".
ومن دون إغراق علمي، فإنه إذا كان بإمكانك رؤية 80 ميلاً بينما يمكنك في العادة رؤية 20 ميلاً، فسيحصلون على تأثير الضباب الذي كان في الحقيقة يشتت الضوء في الجزئيات في عمق الهواء الذي يمكنهم رؤيته من خلاله.
هذا الوهم حدث عندما كانت السفينة في جزء معين من المحيط الأطلسي حيث التقت المياه المتجمدة لتيار "لابرادو" بالتيارات الدافئة لتيار الخليج.
قريب من هذا الطرح هناك رؤية أخرى متعلقة بالقمر، أشار إليها قائد الفريق القطبي القبطان فرج عبد الوهاب القاسمي، في دراسة له نشرت عام 2012، أي في ذكرى مرور مئة عام على غرق "تيتانيك". القصة تقول إن "حدثاً قمرياً غريباً جرى قبل غرق "تيتانيك" بثلاثة أشهر هو الذي عرقل طريقها، هذا الحدث هو الذي أدى إلى تحريك الكتل الثلجية العائمة والمنفصلة من القطبين الجنوبي والشمالي".
هذه الكتل الثلجية العائمة في البحار تتكون نتيجة انفصالها عن الأطراف الثلجية، وبالأخص في القطبين الشمالي والجنوبي وتعوم في البحر المفتوح، وتنجر حتى تذوب بعد ذلك بمدة.
والمعروف أن حجم الجزء الظاهر الذي يكون فوق الماء من الجبال الجليدية العائمة 10 في المئة وهذا الجزء يذوب بسرعة بسبب تعرضه لضوء الشمس، بينما يبقى الجزء السفلي منها تحت الماء لمدة أطول بكثير قبل أن يذوب ويصل حجمه إلى 90 في المئة من الكتلة الجليدية المنفصلة.
"تيتانيك" وتوهج الشمس.... الأحجية الغامضة
ولأن السفن في ذلك الوقت لم يكن متوافراً لديها فكرة "الصندوق البرتقالي"، كما هو حاصل الآن مع الطائرات، لهذا غالب الأمر سيظل ما حدث مع "تيتانيك" مصيراً ملغزاً، ولا تنتهي الفرضيات التي كان لها أن تنقذ السفينة، ومنها ما هو موصول بالعلاقة بين الشمس وأشعتها، وبين الاتصالات اللاسلكية التي كان لها أن تجنب "تيتانيك" الخطر الداهم.
هذا ما ذكرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية عام 2020، حيث كشفت عما توصلت إليه عالمة أرصاد جوية في الولايات المتحدة الأميركية من أن "الشفق القطبي"، أو "الأضواء الشمالية"، شكلت عاصفة شمسية عملت في الليلة التي غرقت فيها "تيتانيك" على تعطيل الإرسال اللاسلكي بين السفينة الغارقة والسفن الأخرى في المنطقة المجاورة في هذا اليوم، وأن الأمر غير مرتبط بعامل اللاسلكي على سطح "تيتانيك" كما قال بعضهم.
هل تمت إماطة اللثام بالمطلق عما جرى لـ"تيتانيك"؟
غالب الظن أن المستقبل قد يحمل الأكثر من أحاجي هذه القضية المحيرة والعالقة إلى أجل غير مسمى.
المصدر:مواقع ألكترونية